المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

هل تؤدى الاحتجاجات اللبنانية إلى حل الأزمة الاقتصادية؟

الإثنين 28/أكتوبر/2019 - 03:36 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

اندلعت الاحتجاجات اللبنانية في 17 أكتوبر لعام 2019، على خلفية الأزمة الاقتصادية الممتدة من شهور طويلة، ووجود نسب عالية من الفساد السياسي وارتفاع نسب البطالة، كما كانت الضرائب التي فرضتها الحكومة على وسيلة التواصل الاجتماعي "واتساب" بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة للمواطن اللبناني. وعليه، تقع الاحتجاجات اللبنانية في إطار اللاحركات الاجتماعية ذلك الإطار النظري الذي طرحه عالم السياسة الإيراني "أصف بيات" والتي تشير إلى كل صور النضال اليومي التي تتم بشكل فردى، ولكنها تتحول إلى سلوك جمعي وتتمحور صورها حول احتلال الشوارع الجانبية والميادين وصولاً إلى نزول المواطنين إلى الشوارع للحصول على حقوقهم من السلطات داخل الدولة.

                واتسمت هذه الاحتجاجات بغياب التحزب أي عدم وجود حزب سياسي بعينه يساند المتظاهرين في الشوارع، ووجود مشاركة كبيرة من جميع فئات الشعب وسيما الشباب والمرأة التي كان ومازال لها دور كبير داخل الاحتجاجات التي تمر بها المنطقة، فضلاً عن خروج التظاهرات في الأماكن التابعة لجماعة "حزب الله". كما قامت الحكومة بطرح مجموعة من الإصلاحات لتهدئة الشارع تمثل أبرزها في خفض رواتب المسؤولين (الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين).

أولاً- سياسات الشارع في إطار اللاحركات الاجتماعية

يرتكز جوهر سياسات الشارع على الإرادة النابعة من القوى الاجتماعية الداخلية أي من الأفراد والجماعات التي تقوم والراغبة في إحداث عمليات التحول السياسي والاجتماعي؛ حيث يحاول المواطن العادي التركيز على كيفية المشاركة في العملية السياسية داخل دولته وخلق مجال للصراع مع السلطة المستبدة التي تحرمه من ذلك. كما تظهر سياسات الشارع بشكل أساسي في المناطق الحضرية؛ لطالما شكل الفضاء العام الحضري مسرحاً رئيسياً للجدل والحوار السياسي.

كما يؤدي حرمان الناس من القوة الانتخابية والآليات السلمية للتغيير إلى خروجهم للشوارع لمطالبة السلطات بتنفيذ مطالبهم من خلال ضغط جمعي يتمثل في تحركات نظامية مثل التحركات التي يقوم بها الطلاب والعمال عند المطالبة بحقوقهم. لكن عندما يفتقر غير القادرين على تنظيم (العاملين في القطاع غير الرسمي) أنفسهم إلى هذه القوة النظامية من المحتمل أن يخرجوا للشوارع ويصبح بالنسبة لهم هو المجال العام الذي يتم التعبير من خلاله عن عدم الرضا الأمر الذي يكشف عن مقدار الصراع الموجود بين الناس في الشوارع والسلطات. على أن تحتل سياسة الشارع أهمية خاصة في المدن الحضرية المؤسسة على نظام السوق والتي يقوم المواطنين العاديين بأنشطتهم الاقتصادية في الشوارع لعدم وجود مكان مخصص لذلك(1).

ثانياً- تصاعد الاحتجاجات

كانت التي تم فرضها على أداة التواصل الاجتماعي "واتساب" بمثابة الشرار ة التي فجرت حالة الاحتقان الموجودة في الشارع اللبناني على خلفية تعثر مؤسسات الدولة في أداء وظائفها الأساسية و حالة التردي التي وصلت لها الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية؛ حيث قامت حكومة سعد الحريري في إطار تعديل موازنة عام 2020 بفرض رسوم ضريبية جديدة كان من ضمنها إضافة رسم 6 دولارات شهريًّا على الاتصالات التي يجريها المشتركون عبر تطبيق الواتساب أو التطبيقات المشابهة، بما يُؤمن للدولة حوالي 240 مليون دولار سنوياً، مما أدي لخروج تظاهرات حاشدة إلي الشوارع في تحرك تم صفه بالأضخم منذ احتجاجات الأرز لعام2005 (2).

وعلى الرغم من إعلان الحكومة تراجعها عن ضريبة الواتساب بعد ساعات قليلة من بداية الحراك الشعبي، إلا أن الشعارات تواصلت فيما بعد للمطالبة بإسقاط النظام وتغيير الحكومة، في دلاله على رفض الوضع الحالي والرغبة في التحول الجذري لكونها أكبر من مجرد الاعتراض على الرسوم الضريبية الجديدة وتعبير عن حالة السخط العام على أداء النخبة السياسية الحالية والرغبة في إجراء انتخابات نيابية مبكرة. مما أدي لإلغاء اجتماع الحكومة الذي كان من المقرر عقده في نهار 19 أكتوبر لعام 2019، وخرج رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في كلمة متلفزة أمهل فيها القوى السياسية 72 ساعة للتشاور حول الخروج من الأزمة(3).

ثالثاً- السمات العامة

رغم أن مطالب هذه الاحتجاجات لا تختلف كثيراً عن سابقتها ولكن ميزتها اللاطائفية وعدم سعي المواطنين لإبراز هويتهم الدينية والعرقية، واللاتحزب أي نزول الأفراد بمعزل عن انتماءاتهم السياسية والأيديولوجية، فضلاً عن إتباع الأساليب السلمية في التظاهر وعدم اللجوء للتخريب كما حدث في كثير من الهبات الجماهيرية التي اندلعت أبان احتجاجات عام 2011 في المنطقة العربية، وهو ما نراه تفصيلاً فيما يلي: -  

1-    اللاطائفية

تميزت الهبات الجماهيرية التي قامت في لبنان بمنتصف أكتوبر لعام 2019 بعدم وجود النزعة الطائفية أو الدعوة إلى إظهارها من قبل المواطنين؛ حيث خرج القسم الأكبر من المواطنين بشكل عفوي تاركين ورائهم أي انتماءات مع التركيز على الهوية اللبنانية بشكل عام لكل منهم. كما كان هناك سعي من قبل بعض القيادات الشعبية على نشر روح الإخاء بين المسحيين والمسلمين، مما شجع الكثير من العائلات على النزول والمشاركة في الاحتجاجات.

2-    اللاحزبية

على الرغم من شيوع سياسة المحاصصة ووجود أحزاب بعينها تعبر عن كل طائفة، إلا أن هذه الهبات الجماهيرية اتسمت بمشاركة عدد كبير من مناصري الأحزاب السياسية دون الرجوع إلى قيادتهم أو التقيد بقرارات القيادات الحزبية، ومن اللافت للانتباه انتشار التظاهرات في المناطق التي تقع تحت نفوذ "حزب الله" وحركة "أمل" كصور وبعلبك، إلى أن وصل الأمر لطرد المتظاهرين بعض الرموز السياسية التي كانت تحاول ركوب الموجة الاحتجاجية ومحاولة فرض نفسها كقيادات ذات صفحات ناصعة في إشارة للرغبة في فتح صفحة جديدة مع المواطنين.

3-    سلمية الحراك

شرع المنظمون للاحتجاجات منذ الساعات الأولي للاحتجاجات في فرض نوع من السلمية للتظاهرات في إشارة إلى رفض أي نوع من العنف والتخريب. كما تم وضع لوائح كنوع من مبادئ السلوك الواجب إتباعه للحد من المظاهر السيئة المصاحبة للتظاهر والتأكيد على سلمية الحراك، فضلاً عن عدم التعرض لأي نوع من المواجهة مع القوات الأمنية. في ذات السياق، أكدت بعض القيادات الحزبية على ضرورة اتباع المظاهر السلمية أثناء الاحتجاجات مثل "سامي الجميل" رئيس حزب الكتائب والذي حض على اتباع السلمية وتأييد الحراك للقضاء على السياسات الحالية القائمة على المحاصصة والمتاجرة بحياة الناس(4).  

رابعاً- خطة الحكومة للإصلاح

وضعت حكومة "سعد الحريري" مجموعة من المحددات الرئيسية في إطار خطة الإصلاح لإنقاذ الوضع الحالي على خلفية الاحتجاجات وحالة الغضب المتصاعدة في الكثير من المدن اللبنانية؛ حيث قررت الحكومة اللبنانية الاتجاه إلى القطاع المصرفي من أجل سد العجز من خلال زيادة الضريبة على أرباح المصارف، والعمل على خفض رواتب الرؤساء والنواب والوزراء الحاليين والسابقين، خفض 70% من موازنات مجلس الإنماء وصندوق المهجرين ومجلس الجنوب، فضلاً عن إلغاء وزارة الإعلام وبعض المؤسسات العامة.

كما اتجهت الحكومة للقيام ببعض الإصلاحات على المستوي الاجتماعي تمثلت في ضح أكثر من 20 مليار ليرة لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، ودعم القروض السكنية بحوالي 160 مليار دولار، خفض 1000 مليار ليرة من عجز الكهرباء وإقرار مشاريع قيمتها 11 مليار دولار من برنامج سيدر الاستثماري الذي من المتوقع أن يدفع نحو تحسين الاقتصاد وتأمين فرص عمل للشباب. كما وعد الحريري بوضع برامج لاستعادة الأموال المنهوبة ومحاربة الفساد والفاسدين(5).

خامساً- هل تؤدى الاحتجاجات الحالية لحل الأزمة الاقتصادية؟

على الرغم من طرح الحكومة اللبنانية لحزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تبدو وكأنها مناسبة بالنسبة للبعض ولكن التظاهرات مازالت مستمرة ومازال المتظاهرين يطالبون بنفس المطالب التي تتمحور حول إسقاط النظام واستقالة الحكومة. يعي المتظاهرون جيداً حجم الفساد الموجود داخل مؤسسات الدولة اللبنانية؛ حيث سجل الاقتصاد اللبناني في عام 2018 نمواً بالكاد بلغ 0,2 %، ويعاني المواطن اللبناني نقصًا في تأمين الخدمات الرئيسية، وترهل بنيته التحتية ويُقدّر الدين العام في 2019 بأكثر من 86 مليار دولار أي أكثر من 150 % من إجمالي الناتج المحلي.

في السياق ذاته، فشلت الكثير من الحكومات المتعاقبة داخل الدولة اللبنانية منذ مطلع التسعينات في تطبيق برامج الإصلاحات للنهوض بالخدمات المقدمة؛ حيث يقدر بعض الخبراء تكلفة العجز السنوي في قطاع الكهرباء بنحو ملياري دولار سنوياً، كما لا تصل المياه بشكل دائم إلى المنازل سيما خلال فصل الصيف مما يدفع الكثير من اللبنانيين لشراء المياه لقضاء حوائجهم المنزلية، وتعد جودة التعليم في القطاع الخاص أفضل كثيراً من القطاع العام، ولكن تكلفتها مرتفعة للغاية الأمر الذي يجعلها بمثابة عبء كبير على كثير من العائلات(6).

                ختاماً، نجد أن الاحتجاجات اللبنانية الحالية بشكل خاص والهبات الجماهيرية التي قامت أبان أحداث الربيع العربي في الشرق الأوسط تعد نموذج واضح لسياسات الشارع واللاحركات التي تحدث عنها المفكر الأمريكي من أصل إيراني "أصف بيات"، على خلفية الفقر المدقع ونقص الخدمات الذي يعانيه المواطنين في هذه المنطقة وانتشار شبكات كبيرة للفساد، فضلاً عن انسداد الأفق بين المواطن والسلطات، وهو أبرز العوامل التي يمكن أن تدفع الناس في الخروج إلى الشوارع. 

الهوامش

1.      أصف بيات، الحياة سياسة: كيف يغير بسطاء الناس الحياة في الشرق الأوسط، ترجمة: أحمد زايد، (القاهرة، المركز القومي للترجمة، 2014)، ص ص 40-45.

2.      ليلة جديدة من المظاهرات في لبنان، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فله)، 18/10/2019، متاح على الرابط التالي https://www.dw.com/ar/

3.      المحتجون يواصلون الضغط على حكومة لبنان مع قرب انتهاء مهلة الحريري، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فله)، 20/10/2019، متاح على الرابط التالي https://www.dw.com/ar/.

4.      نوار الصمد، مسارات بيروت: إلى أن تتجه احتجاجات لبنان، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 20/10/2019، متاح على الرابط التالي https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/5045.

5.      ما هي الإصلاحات الرئيسية التي أقرتها الحكومة اللبنانية بعد الاحتجاجات في لبنان؟ 22/10/2019، فرانس 24، متاح على الرابط التالي https://www.france24.com/ar/20191021.

هل تنجح ورقة الحريري الاقتصادية في تهدئة احتجاجات الشارع اللبناني؟ العربي الجديد، 20/10/2019، متاح على الرابط التالي https://www.alaraby.co.uk/economy/2019/10/20/.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟