أدى اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2018 بسحب قواته من سوريا إلى حالة من الارتباك في المشهد السوري نتج عنه تداخل في المواقف والاتجاهات التي تتخذ تجاه حل الازمة السورية، فمع انحسار الإرهاب ولو بشكل جزئي في البلاد وتصريحات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" حول انتهاء تنظيم "داعش" فعليًا بسوريا والعراق وما تلاه بعد ذلك من تغيرات في المشهد السوري من تقدم للقوات الحكومية السورية، والدخول بعد ذلك إلى سيناريوهات عدة لحل الازمة، جاء الموقف التركي الحالي ليعيد تعقيدات المشهد السوري من جديد، إذ أن عملية " نبع السلام" كما اسمتها تركيا تعد الهجوم الثالث من نوعه الذي تقدم علية تركيا في سوريا منذ عام 2016، إذ بات علي تركيا

فقد أدت التطورات الميدانية التي تحققت على الأرض إلى تغير أنماط المعادلة حول كيفية إدارة أطراف الصراع للازمة السورية حيث بات على تركيا أن تتخذ شكل جديد في التعامل مع هذه الازمة خاصة أن أي نجاح تحققه الحكومة السورية على الارض يعني انهزام المشروع والمصالح التركية هناك.

دوافع خفية

شهدت الأسابيع الماضية تراكمًا للقوات التركية على الحدود السورية، وخطابات عدوانية من جانب المسؤولين الأتراك وتحذيرات شديدة من حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي وغيرهم، وبات واضح للجميع من أن تركيا تنوى فعليًا التحرك العسكري تجاه الاكراد بسوريا وتصعيد الموقف هناك، فقد إدي تراجع دور الولايات المتحدة في سوريا جعل الاكراد أمام مرمي النظام التركي وبات بالنسبة له "صيد ثمين" ينقض علية وقتما شاء للتخلص منهم، في ظل التخلي الأمريكي عن دعم الاكراد عما كان علية في السابق من حيث توظيف الولايات المتحدة للأكراد بسوريا للعب ورقة ضغط علي الحكومة السورية ونشر مزيد من الفوضى التي تتيح للإدارة الامريكية زيادة حدة الصراع بسوريا.

ووضعت تركيا أربعة اهداف أساسية لهذه العملية وفقا لما اشارت إلية الخارجية التركية من أن العملية تسعى بالأساس إلى :( تطهير المنطقة من الإرهابيين، ضمان سلامة الحدود، ووحدة الأراضي السورية، تمكين المهاجرين من العودة لمنازلهم بسلام وأمان، إحلال السلام والاستقرار بالمنطقة)

وبالنظر إلى الدوافع الأخرى الخفية جراء هذه العملية فأن تركيا تسعي إلى التخلص من قوات سوريا الديمقراطية على الارض والتى ترى فيهم أنهم يمثلون خطر على أمنهم القومي خاصة أنهم على علاقة بحزب العمال الكردستاني والتي تري أنها منظمة إرهابية ⁽¹⁾، اما فيما يتعلق بسلامة الحدود وتمكين المهاجرين من العودة إلى بلادهم فأن تركيا هي أحد ابرز الفاعلين في أزمة اللاجئين السوريين عام 2015، كما أن التصريح الأخير للرئيس التركي "رجب طيب اردوغان" حول اغراق أوروبا باللاجئين السوريين إذا وصفت العملية بالاعتداء العسكري⁽²⁾ يؤكد علي نوايا النظام التركي في التوغل بالعمق السوري .

وفي ذات السياق، فأن مثل هذه العمليات ينتج عنها الفوضى وانتشار مزيد من النازحين واللاجئين والفارين من بؤر الصراع، ووفقا لشهود عيان فمنذ بداية القصف التركي فقد فر الكثير من الاشخاص نتيجة عمليات القصف الجوي التي بدأت بها القوات التركية.

سيناريوهات عدة

قد تصل هذه العمليات العسكرية إلى سيناريوهات عدة يمكن الإشارة إليها وما يترتب عليها من خلال النقاط التالية:

Ø   تصاعد الاشتباكات:  قد ينتج عن هذه العملية تصعيد  الموقف بين الاكراد من جهة ومن جهة اخري القوات التركية الامر الذي يعني اشتعال الصراع على الأرض مما يفتح المجال امام الولايات المتحدة للعودة وبقوة مرة أخرى وسيكون الاكراد في هذه الحالة هم وقود هذا الصراع⁽³⁾، خاصة أن هناك انباء تشير إلى أن الرئيس الامريكي "دونالد ترامب" ومن خلف الستار اعطى الضوء الاخضر لتنفيذ هذه العملية، ومما يؤكد هذا الطرح هو أن القوات الامريكية المتواجدة هناك والتى تقدر بـ 1000 مقاتل لن تتمركز في المناطق الحدودية بين البلدين⁽⁴⁾.  

أيضا قد تؤدي هذه العملية إلى تصاعد حدة الإرهاب في سوريا وتنامي ظهور تنظيم "داعش" مرة أخري بالإضافة إلى الجماعات المسلحة الأخرى خاصة أن تنظيم داعش ووفقا لتقارير أممية بات يمتلك حواضن وخلايا نائمة ومثل هذه الفوضى تتيح له العود والانتشار مرة اخري⁽⁵⁾.

Ø   تصدير أزمات: كانت الازمة السورية ولازالت تعني للرئيس التركي الاداة الاقوى في تعزيز حكم الرجل الواحد وتصدير الازمات،  حيث دعمت الحكومة التركية العناصر الارهابية والمتطرفة التي تقاتل هناك فقد اتاح الصراع السوري الحلم أمام الرئيس التركي لتمديد اجنحته خارجيًا ،ولكن أدت هذه السياسة إلى الكثير من التبعات على حزب "العدالة والتنمية" فقد تقلصت سيطرة الحزب على الكثير من المدن الكبري في الانتخابات البلدية التى اجريت هذا العام⁽⁶⁾، وهى تعتبر ضربة قاسمة للرئيس التركي اضافة إلى تصاعد في الازمة الاقتصادية، وهو ما قد يفسر  دافع للرئيس  التركي إلى شن هذه العملية في مسعى منه إلى تصدير ما يعاني منه داخليًا نحو الخارج.

Ø   تغير في التركيبة العرقية: قد يكون الهدف من العملية العسكرية التي تقوم بها تركيا حاليًا هو أحداث تغير في التركيبة العرقية في المناطق الحدودية مع بلاده، حيث قد يسعي "إردوغان" إلى توطين اللاجئين السوريين في المناطق الحدودية القريبة منه وبالتالي فأن ذلك سيقوض من التركيبة العرقية لهذه المنطقة ويحد من سيطرة الاكراد عليها لكن هذا سينتج عنها صراعات عربية كردية وبموجب القانون الدولي لا يمكن  اجبار اللاجئين السوريين على العودة⁽⁷⁾،  كما أن هذه الفكرة أن طبقت على الارض تضع الولايات المتحدة والدول الداعمة للأكراد في الحرب علي "داعش" في مأزق اخلاقي بضرورة الدفاع عنهم .

فتاريخيًا، كانت تركيا تشن ما يشبه العمليات العسكرية علي مناطق الاكراد الحدودية والجماعات المسلحة الأخرى واهمها مناطق انتشار حزب العمال الكردستاني، ولم تنجح في التخلص منهم خاصة مع دعم الدولة السورية لحزب العمال الكردستاني خلال فترة الستينيات والسبعينات من القرن الماضي حيث سمح للمسلحين بتأسيس وجود دائم في الشمال السوري.

وفي ذات السياق، فأن الطرح الذي قدمه الرئيس التركي في خطابة الاخير بالجمعية العامة للأمم المتحدة حول إنشاء منطقة عازلة كبيرة على طول الحدود السورية مع تركيا بعمق 20 ميل وطول 300 ميل تحت السيطرة التركية تعزز هذا الطرح، خاصة أنه تحدث عن أن هذه المنطقة ستضم ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين لاجئ⁽⁸⁾.

وختامًا، يمكن القول إن الفصيل الكردي في سوريا بات يواجه ازمة مصيرية أن لم تحل قضيته بشكل جذري وإذا حدث وتصاعدت العمليات العسكرية في سوريا فأن الاكراد هم اول من ستوجهون إلى الحكومة السورية من اجل عقد اتفاقات تهدئة تحميهم من بطش النظام التركي الذي يضع في حسبانه العديد من الاهداف الخفية التي قد تؤدي إلى إحداث صراعات كبيرة في سوريا بين الأكراد كفصيل واللاجئين السوريين ما يعني الدخول في صراعات اثنية تجلب مزيد من الدمار والخراب لسوريا، كما أن المنطقة الامنة التي تسعي تركيا إلى انشائها قد تتحول إلى ما يشبه " المقبرة" للقوات التركية أو أي قوات أخرى .

قائمة المراجع

1 Turkey launches offensive against U.S.-allied Kurdish forces in northern Syria, The Washington Post ,at: https://wapo.st/33qt5Kj. 

2 Erdogan threatens to flood Europe with 3.6 million refugees if EU calls Syria operation an 'invasion', INDEPENDENT ,at: https://bit.ly/315NwdE.

3 محمد عادل عثمان، عندما لا تدوم المصالح: هل تخلت الولايات المتحدة عن الاكراد بسوريا؟، المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصادية والسياسية، متاح على الرابط: https://bit.ly/2VuBLfA

4 Gonul Tol,” Turkey’s Endgame in Syria: What Erdogan Wants”, Foreign Relations, at: https://fam.ag/2AZdXHk.

5 ibid.

 6Syrian Kurds left behind as Trump pulls out US troops, Public Radio International  ,at: https://bit.ly/2AgincQ

7 عبد الرحمن الراشد، الحرب التركية في سوريا، صحيفة الشرق الاوسط، متاح على الرابط:

8 Gonul Tol,” Turkey’s Endgame in Syria: What Erdogan Wants”, Foreign Relations ,op.cit.