أثار الهجوم
الذي تم على منشأتا نفط تابعة لشركة أرامكو السعودية في 14 سبتمبر لعام 2019 حفيظة
الرياض، على خلفية تعطيل حوالي نصف انتاج السعودية من النفط، مما أدي لارتفاع أسعاره
في سوق الطاقة العالمي. و على الرغم من اعتراف جماعة الحوثي اليمينة بالتورط في
الحادث و لكن بدأت المملكة في توجيه أصابع الاتهام إلي الجمهورية الإسلامية
الإيرانية باعتبارها الراعى الأول لجماعة الحوثي في المنطقة.
وعليه، توترت العلاقة بين كل من الرياض و طهران، وبدأ كل
منهم خلال اللقاءات الرسمية و غير الرسمية التى تمت على هامش الجلسة 74 للجمعية
العامة للأمم المتحدة في حشد المجتمع الدولى لتأييد موقفه؛ حيث قامت الرياض باتهام
إيران بالضلوع في الحادث و محاولة تكوين موقف دولي موحد لمواجهة التهديدات الإيرانية
المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بينما اتجهت طهران لتبرئة نفسها أمام المجتمع
الدولى من الاتهامات الموجهة إليها.
أولاً- جذور التنافس السعودي الإيراني
لطالما تعتبر الجمهورية الإسلامية المملكة العربية
السعودية بمثابة المنافس الأساسي والبارز لها في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تعتبر كل
منهما نفسها بمثابة الحامي لتعاليم الإسلام والوريث الشرعي للأنبياء، فضلاً عن أن
التنافس قائم فيما بينهم باعتبار المعسكر السني في مواجهة المعسكر الشيعي ولكن في
ظل وجود بعض الاختلافات فيما بينهم التي تتمثل في اتباع طهران لنهج التغيير الثوري
من خلال الأيديولوجية التي تتبعها إيران منذ الثورة والتي تتمثل في تصدير الثورة
الإسلامية ومحاربة قوي الاستكبار والشر.
كما توترت العلاقة بينهم كثيراً على خلفية الدعم المالي والدبلوماسي
السعودي الذي قدمته الرياض أبان الحرب العراقية الإيرانية لبغداد في مواجهة
الجمهورية الإسلامية، وأزداد التوتر في العلاقة على خلفية أحداث الربيع العربي والتي
شكلت تحدياً كبيراً بالنسبة لكلا الدولتين. حيث تحاول طهران القضاء على الهيمنة
الأمريكية في المنطقة التي تدعمها بشكل كبير المملكة العربية السعودية وممالك الخليج،
في رغبة للاستفراد بالسيطرة على المنطقة وتوسيع النفوذ الإقليمي من خلال
ميليشياتها العسكرية الموجودة في عدد كبير من العواصم العربية.
على أن تعد منطقة الخليج ساحة رئيسية للتنافس الإيراني
السعودي؛ ففي الوقت الذي حافظت فيه المملكة العربية السعودية على وجود أعلى مستوى من
النفوذ السياسي مع دول جوارها بغرض دعم الاستقرار الإقليمي، قامت الجمهورية
الإسلامية بتكثيف التدخل من أجل إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة للحد من
التواجد الغربي والأوروبي من خلال الضغط عبر المكون الشيعي الموجود في هذه الدول(1).
ثانياً- الصراع بين الدولتين في اليمن
يعتبر التنافس السعودي الإيراني أحد أبرز الأسباب
الرئيسية للصراع في اليمن؛ كما اتخذ الصراع هناك طابعاً عسكرياً بعد سيطرة
الحوثيين على العاصمة صنعاء في 21سبتمبر 2014، إذ تمثل اليمن بالنسبة للمملكة العربية
السعودية العمق الاستراتيجي نظرا للتقارب الجغرافي بين الدولتين التي ترتبط بشريط حدودي
بري طويل وثلاثة منافذ رئيسية. حيث تنطلق الرياض في توجهاتها تجاه اليمن من مقولة أن
أمن اليمن من أمن المملكة وأن تطور الأحداث في الساحة اليمنية ينعكس وبشكل مباشر على
السعودية. لذا، ومن هذه المنطلقات تسعى المملكة العربية السعودية إلى التأثير في القرار
اليمني بما يتلاءم مع سياستها و يخدم مصالحها.
وتجعل الاعتبارات السكانية والحدودية اليمن الجار الأكثر
حساسية بالنسبة للملكة العربية السعودية؛ حيث تعتمد الرياض على نسبة كبيرة من
العمالة اليمنية. ومن ناحية أخري، تسعى السعودية إلى أن يكون لها اليد الطولي في اليمن
من خلال التأثير على مراكز صنع القرار هناك بما يضمن لها أن تكون كذلك دائماً(2).
و بالمثل تجد
إيران في اليمن حليف قوي و داعم لسياساتها في المنطقة سيما بعد أحداث الربيع
العربي لعام 2011 وخاصة مع بداية دعمها لجماعى الحوثي التى تمدها طهران بالسلاح و
العتاد، كما يشرف الحرس الثورى على تدريبهم القوات العسكرية التابعة لهذه
الميليشيا.
ويشير بعض المحللين إلي أن التدخل الإيراني في اليمن
يمثل زرع شوكة في ظهر المملكة العربية السعودية من الناحية الجنوبية، سيما و أن
الرياض هى المنافس الحقيقي لمخططات الجمهورية الإسلامية في اليمن. كما تعنى اليمن
بالنسبة للإيرانيين بمثابة الجزء المفقود من الهلال الشيعي المرسوم للرغبة
الإيرانية في الاستفراد بالسيطرة على المنطقة، فضلاً عن مساعدة ميليشا الحوثي
لطهران في تكثيف تدخلاتها في الشرق الأوسط و تهديد مصالح حلفاءها و هو ما حدث خلال
الهجوم على حادث منشأتا النفط السعوديتيين التابعة لشركة أرامكو مما اضر بالاقتصاد
العالمي(3).
ثالثاً- دوافع
الحوار بين طهران والرياض
بدت هناك رغبة للحوار السعودي الإيراني، سيما فيما يتعلق
بأهم الملفات العالقة بين الطرفين و التي تتمثل في الأزمة اليمنية، و الذي جاء بعد
مرحلة كبيرة من التصعيد المتبادل بين البلدين على خلفية قيام جماعة الحوثي اليمنية
باستهداف منشأتا نفط سعوديتين تابعة لشركة أرامكو، مما أدي لتوقف حوالي نصف انتاج
المملكة العربية السعودية و بالتالي ارتفاع أسعار النفط في السوق العالمي، و فيما
يلي ذكر لأهم المحددات المحفزة على حدوث هذا الحوار بين البلدين؛-
هدنة
إطلاق النار
وافقت المملكة العربية السعودية على قبول وقف إطلاق
النار في اليمن بعد إعلان جماعة الحوثي رغبتها في وقف استهداف السعودية بعد القيام
بحادث أرامكو في 14
سبتمبر لعام 2019، كما يقضي الاتفاق الجديد بوقف إطلاق النار في أربعة مناطق
مختلفة بما يتضمن مدينة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي(4).
كما أعلن قادة جماعة الحوثيين انفسهم أن أستمرار الحرب
لن يكون في مصلحة كل الأطراف ولن يفضي إلا إلي عواقب وخيمة قد يكون لها تداعيات
غير مرغوبة لكلا الطرفين. ومن الجدير بالذكر ، أن ذلك جاء بعد أن اعلنت المملكة
العربية السعودية عن حجم الخسائر الفادحة التي تعرضت لها على خلفية حادث أرامكو الذي
تسبب في حرائق خطيرة بمنشأتى بقيق و خريص(5).
الإفراج
عن الأسري
رحبت المنظمة الأممية بقرار جماعة الحوثي اليمنية في 30
سبتمبر لعام 2019 عن مبادرة لتبادل الأسري بين الحوثيين و الحكومة اليمنية المعترف
بها دولياً و المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية على أن تكون هذه المبادرة
بمثابة أحد أركان اتفاق أخر تم التوصل إليه في ديسمبر لعام 2018 في السويد بخصوص حل الصراع الدائر منذ خمس
سنوات، و بالفعل أقرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي ساعدت في عملية الإفراج عن
السجناء إنه تم نقل 290 يمنياً من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون إلى بيوتهم(6).
وفي هذا السياق، أكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن "مارتن
جريفيث" علي ضرورة أن تؤدي هذه الخطوة إلى مزيد من المبادرات التي تيسر من تبادل
كل المعتقلين بسبب الصراع بموجب اتفاق ستوكهولم؛ حيث تسبب الصراع في اليمن في مقتل
عشرات الألاف و تعرض الملايين للمجاعات، مما جعل المنظمة الأممية تصفها بأسوء أزمة
إنسانية في العالم(7).
حاجة
الجمهورية الإسلامية لحسم ملف الاتفاق النووي
يبدو وكأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها هي التى
تدفع جماعة الحوثي للتهدئة مع دول المنطقة، لأنها في أشد الحاجة إلي رفع العقوبات
الاقتصادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عليها، وهو ما ظهر خلال
القاءات الرسمية و غير الرسمية التى تمت على هامش اجتماعات الجلسة 74 للجمعية
العامة للأمم المتحدة؛ حيث سعى كل من الرئيس حسن روحانى ووزير خارجيته جواد ظريف
إلي استمالة المجتمع الدولى لتبرئة طهران من الاتهامات الموجهة إليها على خلفية
ضلوعها في حادث أرامكو.
وعليه، رحبت إيران بالرسالة التى ارسلت إليها عبر وساطة
بعض الدول من قبل ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بالتهدئة و
فتح صفحة جديدة حول كل الموضوعات الخلافية بينهم و سيما فيما يتعلق بملف الأزمة اليمنية
الذي يعد من أبرز الملفات الشائكة بين البلدين.
ختاماً، على الرغم من استنكار وزير الدولة للشئون الخارجية السعودي عادل الجبير لارسال المملكة العربية السعودية برسالة إلي طهران بغرض الدعوة للحوار، و لكن من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة موجات من التهدئة المتبادلة بين الطرفين، سيما فيما يتعلق بالملف اليمني، على خلفية عدم رغبة جميع الأطراف في الدخول في حرب مفتوحة، فضلاً عن عدم القدرة على تحمل تباعاتها.
الهوامش
1. Andrew Terrill, The Saudi-Iranian Rivalry And The Future
Of Middle East Security, Strategic Studies
Institute, 2011, pp. 1-8.
2. الصراع السعودي – الايراني وأثره على اليمن،
14/3/2017، المركز الديمقراطي العربي،
متاح على الرابط التالي:
https://democraticac.de/?p=44481.
3. عبدالله المدني، التدخل الإيراني في اليمن ومآلات الأزمة
اليمنية، 412/2015، العربية.نت، متاح على الرابط التالي:
https://www.alarabiya.net/ar/politics/2015/12/04/.
4. تقارير: السعودية وافقت على التهدئة مع الحوثيين في بعض
مناطق اليمن، 27/9/2018، روسيا اليوم، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.rt.com/middle_east/1047884-.
5. السعودية تكشف عن خسائرها والحوثيون يعرضون مبادرة
مشروطة، 20/9/2019، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فيله)، متاح على الرابط التالي:
6. الحوثيون يفرجون عن مئات الأسرى والأمم المتحدة ترحب،
30/9/2019، شبكة مونت كارلو الدولية، متاح على الرابط التالي:
7. جماعة الحوثي اليمنية تفرج عن مئات الأسرى من جانب واحد،
30/9/2019، رويترز، متاح على الرابط التالي: