تحولات كثيرة شهدتها السياسة الخارجية المصرية بعضها
يتعلق بالجوانب السياسية والبعض الآخر بالجوانب الاقتصادية والعسكرية، وتأسيسًا على هذه التحولات شهدت علاقات مصر
الخارجية أنماط متعددة من المخرجات في علاقاتها بدول الجوار وعلى المستويين
الإقليمي والدولي.
وظهرت أنماط متعددة ما بين التقارب والتباعد مع الدول
الإقليمية نتيجة متغير الحرب في ظل تباين التوجهات الخارجية المصرية مع اختلاف أنماط
العلاقات الدولية فيما يتعلق بهيكلية النظام الدولي والتحولات الجذرية التي شهدها خاصة
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وتغير القطبية الدولية للنمط الأحادي القطبية
بقيادة الولايات المتحدة، وتداعيات ذلك على التوجهات السياسية المصرية في ظل هذه التغيرات.
وتأسيسًا على ذلك اختلفت دوائر السياسة الخارجية المصرية
عما كانت عليه إبان حرب أكتوبر 1973، لما كانت عليه السياسة الخارجية المصرية
اليوم عن ذي قبل، وأصبحت حرب أكتوبر متغير فاعل ومؤثر في بنية التوجهات السياسية
والعسكرية الخارجية المصرية؛ حيث إنها شكلت أحد أهم المؤثرات في محاور العلاقات الخارجية
المصرية وعلاقاتها بالدول الإقليمية والدولية.
إن متغير الحرب لم تتوقف أحداثه عند حدود المعركة
العسكرية بين مصر وإسرائيل، ولكن امتدت انعكاساته لدوائر السياسة الخارجية المصرية
والتي شهدت مراحل توتر وانفراجات إلى الوقت الحالي، ورغم تعدد هذه الدوائر إلا أن
الثابت في الأمر أن مصر أثبتت قدرتها على تغيير سياساتها وفق مصالحها وأمنها القومي،
برغم كل الظروف الدولية المحيطة سياسيًا وعسكريًا.(1)
التغير
في تعددية الأعداء
برزت في الآونة الأخيرة العديد من التهديدات الإقليمية
والدولية التي أضافت بعدًا جديدًا في دوائر السياسة الخارجية المصرية، وهو دائرة
مكافحة الإرهاب؛ حيث أضحت المنطقة العربية تحتوي على العديد من الكيانات الإرهابية
التي تهدد أمن الدول واستقرارها، مثل تنظيمات القاعدة وداعش وجماعة الإخوان
المسلمين، التي ظهرت بصورة كبيرة بعد ما يسمى بأحداث الربيع العربي عام 2011، فبعد
الأحداث التي شهدتها مصر والعديد من دول المنطقة العربية في ذلك العام تزايدت حدة
تلك التهديدات وكان على مصر التعامل معها وفق آليات داخلية وخارجية، فعملت على
تعزيز قدراتها العسكرية وامتلاك تكنولوجيا الأسلحة المتطورة، وأعلن المتحدث باسم القوات
المسلحة المصرية العقيد أركان حرب تامر الرفاعي، في ديسمبر 2018، توقيع عقود تسليح
كبرى لتحديث القدرات العسكرية المصرية، وأشار المتحدث العسكري إلى أنه تم توقيع العقود
والمذكرات مع الشركات المشاركة بمعرض "إيديكس 2018" للصناعات الدفاعية والعسكرية
والذي تم تنظميه لأول مرة في مصر.
إن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية تتبنى
استراتيجية شاملة لبناء قوة عسكرية تحقق لها القدرة على تحقيق الردع والقدرة على الدفاع
عن أمن مصر القومي داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن امتلاك المنظومات والخبرات الإنتاجية
والإدارية والهندسية التي تمكنها من معاونة أجهزة الدولة في تنفيذ خطط وبرامج التنمية
الشاملة في كافة ربوع مصر. وتمضى القوات المسلحة بخطى متسارعة لبناء وتنظيم منظوماتها
التسليحية وقدراتها القتالية على كافة المحاور الاستراتيجية بما يتسق مع التطور التكنولوجي
للقرن الواحد والعشرين بما يمكنها من مواجهة التحديات الاقليمية والمتغيرات الدولية
وانعكاساتها على الأمن القومي المصري داخليًا بما في ذلك تأمين الأهداف الحيوية والمشروعات
التنموية العملاقة من التهديدات بصورها المختلفة من جانب، وحماية مصالحها الاستراتيجية
وتحقيق الردع بمحيطيها الاقليمي والدولي من جانب آخر.(2)
بجانب ذلك أدخلت مصر العديد من الفرقاطات والغواصات
وحاملات الطائرات المسترال لتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية التكتيكية
والاستراتيجية، في ظل التهديدات التي تحيط بمصر في العديد من المناطق في الداخل
الليبي وفي منطقة غاز شرق المتوسط، وامتلاك منظومات الدفاع الجوي لحماية سماء مصر بالتزامن
مع اعادة تسليح ورفع كفاءة التشكيلات التعبوية بجميع وحداتها والأسلحة المعاونة وعناصر
الدعم وتطوير الوحدات الخاصة بما يتناسب مع تطور نظم وأساليب القتال الحديثة. كما تم
التنسيق المشترك مع العديد من الدول الإقليمية والدولية في تنفيذ العديد من
المناورات العسكرية المشتركة التي وصلت إلى 37 مناورة عسكرية بالذخيرة الحية مع
روسيا والولايات المتحدة والإمارات والسعودية والكويت واليونان والبحرين والأردن.
سياسة
المحاور
اتبعت مصر في سياساتها الخارجية مقاربتين أساسيتين تعتمد
الأولى على زيادة عدد المحاور في دوائرها الإقليمية والدولية، فعززت علاقاتها مع
الدول الكبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، حتى أصبحت
مصر شريكًا فاعلًا في كافة الترتيبات السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية
والدولية، كما أنها عملت على تعزيز علاقاتها الأفريقية في ظل رئاستها للاتحاد
الأفريقي عام 2019، وبالتالي هناك تداخل كبير بين رؤية مصر الداخلية والخارجية،
والربط بينهما فيما يتعلق بالمقاربتين السابق ذكرهما والتي تشمل تأسيس نظام سياسي وطني
حريص على استقلال الإرادة الوطنية وصد كل محاولة للهيمنة من جانب القوى الدولية، وامتلاك
نظام اقتصادي وطني قادر على الاعتماد على الذات وتحقيق التقدم الاقتصادي مع العدالة
الاجتماعية لتشمل القطاع الأوسع من المواطنين الذين هم عماد الاستقرار الوطني،
إضافة إلى إقامة سياسة خارجية متوازنة مع جميع القوى الدولية وخاصة مع روسيا والصين
وعدم تمكين بعض القوى الدولية والإقليمية من اختراق مصر من الداخل عبر وسائل التخريب
السياسي والاقتصادي والاستخباراتي مع قوى الإرهاب الداخلي في مصر.
الجدير بالذكر أن السياسة الخارجية المصرية تطورت على
مدار السنوات الأخيرة في إطار التكيف مع التحديات الإقليمية والدولية، والوصول
بسياسة مصر الخارجية إلى مرحلة من التوازن في دوائرها الأوروبية والأفريقية
والآسيوية والأمريكية، والتي جاءت نتيجة العديد من الزيارات الرسمية والشعبية
وتوقيع العديد من الاتفاقيات .
بجانب ذلك حازت الدول العربية على النصيب الأكبر من تطوير
وإعادة هيكلة العلاقات الخارجية، الأمر الذي جعل مصر على رأس قائمة المشاركين في كافة
المحافل العربية، حيث حرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على تبادل الزيارات وعقد القمم
مع رؤساء وملوك الدول العربية، فضلًا عن جهود الخارجية المصرية في تحسين العلاقات وتوطيدها،
وقام السيسي ووزير الخارجية بالكثير من الزيارات المتبادلة مع قادة الدول العربية،
لبحث سبل التعاون والتطوير، بالإضافة إلى تكوين اتحاد بين "مصر والسعودية والإمارات
والبحرين"، لمكافحة الإرهاب، ومقاطعة قطر لدعمها للإرهاب بالمنطقة العربية.
وقامت الخارجية المصرية بدور كبير في دفع العلاقات المصرية
الإفريقية، من خلال الإعداد لمشاركات الرئيس السيسي في الفعاليات القارية والمقابلات
الرئاسية بين السيسي والرؤساء الأفارقة، ومد جسور الود والتواصل مع الدول الإفريقية
التي لم يكن لنا معهم تعاون منذ فترة طويلة، خاصة في ظل رئاسة مصر للاتحاد
الأفريقي.
على الجانب الأوروبي شهدت العلاقات المصرية بدول الاتحاد
الأوروبي تطورًا ملحوظًا، منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، كما تميزت العلاقات
المصرية الروسية بالمتانة، وتبادل الرئيسان الكثير من الزيارات، وتوقيع الاتفاقيات
التي تصب في مصلحة الجانبين، وأهمها الاتفاقيات العسكرية وصفقات الأسلحة.(3)
ومد الرئيس السيسي جسور التعاون مع غالبية الدول الأوروبية،
مثل قبرص واليونان وإسبانيا وإيطاليا والنمسا وألمانيا، وأخر هذه الزيارات كانت لبيلاروسيا
وهي الزيارة الأولى من نوعها، وعقد الرئيس السيسي ونظيروه البيلاروسي قمة لتعزيز العلاقات
بين الطرفين على كافة المستويات، كما دعم العلاقات مع الدول الآسيوية مثل الصين
واليابان وأوزباكستان وفق سياسة المصالح المتبادلة والمشتركة.
ولا شك أن السياسة الخارجية المصرية كانت تتابع هذا التطور
وتعمل على التكييف معه، ولهذا بدأت تتحرك نحو دعم علاقاتها مع الشعوب الجديدة المتوقعة
وبشكل خاص في آسيا وقواها الصاعدة وفي مقدمتها الصين، والهند والقوى التي عرفت بالنمور
الآسيوية: كوريا الجنوبية، ماليزيا، سنغافورة، وإندونيسيا. ولهذا لم يكن غريبًا تعدد
الزيارات الرئاسية والوزارية لهذه الدول. غير أن الحاجة مازالت قائمة لتفعيل ما تم
التوصل إليه من اتفاقات مع هذه الدول وبشكل خاص مع قوة صاعدة مثل الصين، كما عززت دوائر
سياستها الخارجية مع الدول الأوروبية وروسيا وباتت تتحرك وفق ما تمليه المصالح الوطنية
عليها.
ملامح
السياسة الخارجية المصرية
يمكن القول بأن السياسة الخارجية المصرية شهدت دفعة قوية
لا مثيل لها من قبل تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي وضع أسس السياسة الخارجية
لمصر بعد ثورة 30 يونيو، وأن أسس هذه السياسة تقوم على عدة مبادئ وهي الندية والاحترام
المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى، إضافة إلى الانفتاح على كافة الدول
لإقامة علاقات دولية تتسم بالتوازن وعدم الانحياز لدولة على حساب دولة أخرى، والانطلاق
من محددات متعددة للتعاون مع مصر وتحقيق مصالح الشعب المصري.
كما استطاعت مصر في ظل القيادة الحالية تحقيق نجاح ملموس
فى سياستها الخارجية فى دوائرها المختلفة العربية والإسلامية والأفريقية والدولية،
واستعادت مصر مكانتها ودورها المحوري لصالح شعبها والمنطقة والعالم، الأمر الذي حقق
العديد من أهداف ومصالح مصر وأدى إلى تفهم ودعم المجتمع الدولي لجهود مصر في تحقيق
الاستقرار والتنمية والتقدم، وأعاد شبكة علاقات مصر الإقليمية والدولية إلى المستوى
المأمول من التوازن والندية والاحترام المتبادل، وساهم في تحقيق أهداف الأمن القومي
المصري ودعم قدرات مصر العسكرية والاقتصادية.
نظام
عالمي جديد
إن المتتبع لتطور السياسة الخارجية المصرية يمكنه ملاحظة
أن دوائرها ومسار حركتها تتواكب بصورة كبيرة مع تطور النظام الإقليمي والدولي، ورغم
اختلاف التصورات والافتراضات حول طبيعة النظام الدولي المقبل، إلا أن الاتجاه الغالب
هو أن العالم مقبل على نظام تتعدد فيه القوى والمراكز ولا تنفرد فيه قوة واحدة بقرارات
الحرب والسلام، خاصة في ظل العديد من المؤشرات الدالة على أن النظام الدولية سيتجه
إلى نمط التعددية القطبية المتوازنة وصعود قوى مثل روسيا والصين والهند ودول
الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي لم تعد مصر تنحصر في دائرة معينة كما هو الحال
في فترة الحرب مع إسرائيل في ظل نمط النظام الدولي السائد الخاص بانفراد الولايات
المتحدة الأمريكية بهرمية النظام الدولي، أو ما كان قبلها والصراع بين القوى
الكبرى؛ حيث كان يسود النظام الدولي نظام القطبية الثنائية الولايات المتحدة والاتحاد
السوفيتي، وتنافسهما على المكانة والنفوذ في مناطق العالم المختلفة وكان من أهم مسارح
الحرب الباردة بينهما منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها المنطقة العربية، ومن ثم
كان الاختيار محدود بين المعسكرين.(4)
نخلص من هذا إلى أهمية مشاركة مصر في بروز النظام الدولي المتعدد الأقطاب والإسهام في إرساء قواعد وأسس علاقاته ومؤسساته، ذلك أن مثل هذا النظام إنما يلتقي خاصة مع مصالح الدول الصغيرة والمتوسطة مثل مصر ويقدم لها مجالًا أوسع لحرية الحركة والمناورة ولا يجعلها أسيرة قوة واحدة تريد أن تعرض مصالحها ورؤيتها للعالم.
المراجع
1) سياسة مصر الخارجية فى عهد الرئيس السيسى في كتاب
جديد لهيئة الاستعلامات، على الرابط: https://cutt.us/zdg3E
2) بالأدلة والشواهد.. الجيش المصري الثقل الحقيقي بالمنطقة،
على الرابط: https://cutt.us/wWt0I
3) السيسي تبنى قضية تحسين سياسة مصر الخارجية مع دول
العالم، على الرابط: https://cutt.us/2bQ3G
4) في ذكري يوليو السياسة الخارجية بين عبدالناصر والسيسي، على الرابط: http://www.alraeesnews.com/31926