مطالبات الفيفا لحضورها المباريات .. وضع المرأة في الداخل الإيراني
أثارت قضية دخول المرأة الإيرانية ملاعب كرة القدم ضجة
كبيرة في جميع انحاء العالم، على خلفية منع الحكومة للمرأة من القيام بذلك،
وانتحار المواطنة الإيرانية "سحر خداياري" التي أشعلت النار في نفسها أمام
محكمة في طهران في الثاني من سبتمبر لعام 2019، خشية تعرضها للسجن.
في السياق ذاته،
تعاني المرأة الإيرانية الكثير من المظالم في ظل نظام الملالى، بداية من عدم
العدالة القانونية فيما يتعلق بالمساوة مع الرجل في المناصب السياسية والقانونية
مثل وظيفة رئيس الدولة، فضلاً عن عدم المساواة في الحقوق والواجبات.
وعلى الرغم من التضحيات الكبيرة التي بذلتها المرأة
الإيرانية خلال الثورة الإيرانية؛ حيث تم توظيفها من قبل رجال الدين للنزول
للشوارع والوقوف في مواجهة نظام الشاه علي خلفية القمع السياسي والحرمان الاقتصادي،
فضلاً عن اجبارها على خلع الحجاب ومحاولة تطبيق ما أطلق عليه "محمد رضا
بهلوي" في ذلك الوقت بمبادئ الثورة البيضاء والتي عارضها رجال الدين بشدة.
وعليه، انتظرت المرأة الإيرانية تحقيق الكثير من الوعود التي يتعلق أبرزها
بالمساواة السياسية وتقلد المناصب العليا في الدولة، ولكن لم يتحقق شيء بعد.
أولاً-
المظالم السياسية والقانونية ضد المرأة في إيران
قابلت الجمهورية الإسلامية التضحيات التي قدمتها المرأة
الإيرانية خلال الثورة بالكثير من السياسات المجحفة لحقها مثل خفض سن الزواج من 15
إلى 9 سنوات، استبعاد المرأة الإيرانية من مجالات عديدة، فضلاً عن الفرض الإلزامي
للحجاب. علاوة على ذلك، حرم نظام الجمهورية الإسلامية المرأة من المشاركة السياسية
بغرض تفرغها للقيام بدورها في إطار الأسرة، وألقى باللوم عليها فيما بعد على خلفية
التدهور الثقافي الحادث في المجتمع الإيراني.
وعليه، أدت هذه السياسات إلى حرمان المرأة من ممارسة
دورها الاجتماعي والسياسي بما تضمن؛ تراجع مشاركة المرأة في القوى العاملة خاصة في
القطاع الصناعي، قلة التقدم في محو الأمية والتحصيل العلمي، مما أدى إلى هيمنة
الذكور داخل المجتمع الإيراني واضعاف استقلالية المرأة، وخلق علاقة تتميز بعدم
المساواة العميقة بين النوعيين(1).
وعلى الرغم من حدوث تغييرات طفيفة فيما يتعلق بوضع
المرأة بعد وفاة أية الله الخميني عام 1989 في سياق سياسات التحرير الاقتصادي والاندماج
الاقتصادي العالمي، كما ظهرت فكرة المجتمع المدني الصحافة النسائية، كما حدثت
تغييرات جذرية خلال فترة الرئيس "محمد خاتمي" في ظل موجات الاصلاح
الثقافي والاقتصاد التي مرت بها الجمهورية الإسلامية في عهده.
ولكن اتساقاً مع الطريقة غير العادلة التي يعيش من
خلالها الأقليات داخل الجمهورية الإسلامية تأتى القوانين غير العادلة للمرأة
أيضاً؛ حيث يحظر قانون العمل تعيين النساء كقاضيات نتيجة عدم توقيع الجمهورية
الإسلامية على اتفاقية القضاء على الجميع أشكال التمييز ضد المرأة. وعلى الرغم من
توقيعها على صكوك حقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حقوق الطفل
العهد الدولي الخاص، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية، إلا انها مازالت توجد تناقضات خطيرة بين قانون الأسرة الإيراني
وحقوق الإنسان الدولية.
ولفت بعض المحللين الانتباه إلي سعى المرأة الإيرانية
إلي التأثير في مجتمعها و الحصول على حقوقها من خلال العمل الجماعي الذي قامت به
الكثير من النساء الإيرانيات، سيما الذين تلقوا تعليمهم الجامعى في
الخارج(الولايات المتحدة الأمريكية و أروبا) و أبرزهم الإيرانية الحاصلة على جائزة
نوبل "شيرين عبادى" التى قادت حملات دعم قضايا معينة للمرأة، سيما فيما
يتعلق بتحديث قانون الأسرة ، والحاجة إلى المشاركة السياسية الفعالة للمرأة، ودعم حركة
الإصلاح، وكيفية دمج المرأة لتصبح شريك أساسي في كل قضايا المجتمع، وسبل معالجة المشكلات
الاجتماعية(2).
ثانياً- المرأة الإيرانية والحداثة
أثرت عوامل الحداثة على متغيرات عديدة داخل الجمهورية
الإسلامية؛ حيث شهدت الطبقة المتوسطة والعاملة معدلات متزايدة من صعود ثقافة محو
الأمية والتحصيل العلمي مما أدى إلى تأثير التحديث على توقعات النساء وتطلعاتهن داخل
المجتمع الإيراني. وكافأ "خاتمي" المرأة الإيرانية التي دعمته
بشدة خلال حملاته الرئاسية من خلال بالسماح لهن بالترشح في البرلمان ومنحهم وظائف في
الخدمة المدنية، ولكن مازالت هناك بعض ظروف العمل غير الملائمة في الكثير من
المصانع بالنسبة للنساء.
وعليه، فتحت الحكومة الإيرانية الكثير من المجالات بشكل
كبير أمام المرأة الإيرانية التي تمثل أبرزها في القطاع الطبي، التمريض والصيدلة
والمجال القانوني؛ حيث تم تعيين المرأة في مناصب المستشارين القانونيين في المحاكم
المدنية الخاصة، كما بات حوالي 35% من الموظفين في القطاع العام من النساء، والتحقت
النسبة مثلها بالجامعات، إلى أن تجاوزت نسبة التحاق المرأة بالتعليم الجامعي نسبة
الذكور داخل المجتمع الإيراني. وتشغل المرأة حوالي 15% من مجالس إدارة دور النشر وتمثل
30٪ من أعضاء الجمعيات المهنية للصحفيين.
وعلى الصعيد السياسي، اندمجت المرأة الإيرانية فيما يعرف
بأسم "النسوية العالمية" والتي ظهرت من خلالها مجموعة من البرلمانيات
البارزات مثل سهيلة جلود زاده، جميلة كاديفار، فاطمة راكاي، كما ظهرت الصحافة النسائية
الحيوية، مع الكتب ومجلات الدراسات النسائية التي تتناول قضايا سياسية وثقافية ودينية
واجتماعية مهمة(3).
ثالثاً- المرأة وتشجيع كرة القدم في إيران
سعت الكثير من النساء الإيرانيات خلال العقود اللاحقة
على قيام الثورة الإسلامية للارتباط بسياق الحداثة واللحاق بركب الدول المتقدمة،
سيما فيما يتعلق بالحقوق والحريات، فضلاً عن المساواة بالرجل. وعليه، أكدت الناشطة
الإيرانية المقيمة في كندا "مريم شجاعي" أن الحركة النسوية في إيران
بذلت محاولات عديدة لحمل السلطات الإيرانية لرفع الحظر عن دخول النساء إلى ملاعب كرة
القدم المفروض عليها منذ أربعين سنة أي تاريخ صعود نظام الملالى لسدة الحكم.
وعلى الرغم من عدم نصوص صريحة داخل الدستور او القانون الإيراني
تمنع ذلك، إلا أنهن ممنوعات بحكم الواقع على حد وصف شجاعي، بعدم الاختلاط مع الرجال؛
حيث تخشي السلطات الإيرانية ان سمحت للنساء بدخول الملاعب أن تتحول مطالبهم لدخول
قطاعات اخري. ولكن المنع الممنهج من قبل السلطات الإيرانية للمرأة من دخول ملاعب
كرة القدم دفع الكثير منهن للتحايل على الوضع بالتنكر في زي رجالي، خصوصا المغرمات
منهم بهذه الرياضة(4).
وعلى الرغم من أن السلطات ترفض الاعتراف بمنع النساء لعدم وجود قانون يمنعهن،
إلا أن الكثير من الفتيات تعرضن للاعتقال، على خلفية رغبتهن في القيام بذلك. وعليه
سمحت السلطات الإيرانية للمرأة أخيرا بدخول ملاعب كرة القدم بعد إدانة الاتحاد الدولي
لكرة القدم "فيفا" لحكومة الجمهورية الإسلامية، على خلفية لجوء مشجعة كرة
القدم الإيرانية "سحر خداياري" التي أشعلت النار في نفسها أمام محكمة في
طهران، عندما عملت باعتقالها فقامت بذلك خشية تعرضها للسجن.
تعرف
"سحر خدارياي" بالفتاة الزرقاء انتساباً للون قميص فريقها المفضل "استقلال"،
لجأت سحر لإضرام النار في نفسها بعد أن حكم عليها بالسجن لمدة ستة أشهر بتهمة محاولة
دخول ملعب "آزادي" لكرة القدم في فبراير لعام 2019 لمشاهدة مباراة وهي ترتدي
زي الرجال (5).
وأمام ضغوط الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" تستعد المرأة الإيرانية لدخول الملاعب منذ بداية أكتوبر لعام 2019 لأول مرة لمتابعة مباراة إيران وكمبوديا المقررة يوم 10 اكتوبر المقبل، ضمن المرحلة الثانية لمباريات تصفيات كأس العالم؛ حيث قام اتحاد كرة القدم الإيراني باختبار دخول النساء للملعب، من حيث الدخول والخروج، بوابات التفتيش وأماكن الجلوس، فضلاً عن المسافة بينهم وبين أماكن جلوس الرجال حتى لا تحدث مضايقات(6).
الهوامش
1.
Valentine M. Moghadam,
Women in the Islamic Republic of Iran: Legal Status, Social Positions, and
Collective Action, Wilson center,
available at:
https://www.wilsoncenter.org/sites/default/files/ValentineMoghadamFinal.pdf.
2.
Louise Halper, Law and
Women’s Agency in Post-Revolutionary Iran, Harvard Journal of Law &
Gender, Vol. 28, 2005, pp 110-117.
3.
Helia Vaezian, An
Overview of the Women’s Movement in Iran, Analiza: journal of gender and
feminist studies, no 8, 2017, available at:
http://www.analize-journal.ro/library/files/numarul_8/8_6_helia_vaezian_107-117.pdf
4. 40 سنة من المنع.. متى تتمكن الإيرانيات من دخول
الملاعب؟ 13/9/2019، الحرة، ماح على الرابط التالي:
https://www.alhurra.com/a/إيران-كرة-فيفا-نساء-منع/508399.html.
5. مشجعة إيرانية تحرق نفسها لتفتح أبواب ملاعب كرة القدم
لمواطناتها، 11/9/2019، روسيا اليوم، متاح على الرابط التالي:
https://arabic.rt.com/sport/1044585-
6. دخول النساء للملعب، أمام ضغوط الفيفا. المرأة الإيرانية
سيُسمح لها بدخول الملاعب أكتوبر المقبل، 3/8/2019، اليوم السابع، متاح على
الرابط التالي: