تصاعدت وتيرة العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة
الأمريكية وإيران في الفترة الأخيرة على خلفية شروع طهران في إعادة تشغيل برنامجها
النووي فيما يتعلق بتسريع عمليات تخصيب اليورانيوم، فضلاً عن البدء في رفع القيود
المفروضة على عمليات البحث والتطوير داخل البرنامج النووي الإيراني بحسب تقارير
الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في المقابل، ردت الولايات المتحدة الأمريكية
باحتمالية اللجوء إلى الخيار العسكري، في إشارة إلي فشل ألية العقوبات الاقتصادية
المفروضة من قبل واشنطن.
وعليه، لجأت الجمهورية الإسلامية من خلال استخدام النفوذ
القوي لوكلائها في المنطقة إلى الهجوم على المنشأت النفطية لحلفاء الولايات
المتحدة الأمريكية في المنطقة وكان أخرها ما أعلنت عنه الرياض في 14 سبتمبر/أيلول لعام
2019 من السيطرة على حريقين وقعا في منشأتين تابعتين لشركة "أرامكو" النفطية
شرقي السعودية بسبب استهدافهما بطائرات مسيرة.
وكان
لذلك تداعيات كبيرة تمثلت في ارتفاع أسعار النفط بصورة كبيرة لأول مرة منذ حرب
الخليج الثانية، واحتمالية تغير الموقف الأوروبي وسيما الوساطة التي تقوم بها فرنسا
تجاه القضية النووية الإيرانية، وأخيراً تصاعد وتيرة عدم الاستقرار في منطقة الشرق
الأوسط.
أولاً- دوافع التصعيد الحالي بين الولايات المتحدة
الأمريكية وإيران
بدأت
فكرة التصعيد بين الطرفين الأمريكي والإيراني بالقرار الذي اتخذته الولايات
المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالخروج الأمريكي من الاتفاق النووي الذي عقدته مع
دول (5+1) في 14 يوليو 2015، مما ترتب عليه فرض عقوبات جديدة أدت لتدهور حالة
الاقتصاد الإيراني، على خلفية خروج عشرات الشركات الأجنبية متعددة الجنسية من
السوق الإيراني وترك عدد كبير من المشروعات الاستثمارية.
من ناحية أخري، اعترضت الإدارة الأمريكية الحالية
المتمثلة في الرئيس "دونالد ترامب" على عدم اشتمال الاتفاق النووي الذي
تم عقده في عهد الرئيس الأسبق "باراك أوباما" على بند يحد من نفوذ إيران
الإقليمي، الذي يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في المنطقة، وكان
أخرها الهجوم على شركة النفط " أرامكو السعودية" الذي أعلنت جماعة
الحوثي اليمينة التابعة لإيران عن ضلوعها في القيام بالحادث، وأكدت أنه استهدف مصفاتين
نفطيتين بـ 10 طائرات مسيرة (1).
فغالباً ما تلجأ طهران لاستخدام تكتيكات الحرب غير
المتكافئة من خلال وكلائها في المنطقة لتعويض النقص في قدراتها العسكرية في مواجهة
بعض القوي العظمي مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبعض القوي الإقليمية مثل
إسرائيل والمملكة العربية السعودية. كما سمحت الفواعل من غير الدول بالنسبة
للجمهورية الإسلامية في تعميق نفوذها في المنطقة والتغلغل بنزاعاتها في دول مثل
(سوريا، العراق واليمن) (2).
ثانياً- الهجمات الإيرانية على ناقلات ومراكز النفط في المنطقة
استهدفت طهران خلال الفترة الماضية الكثير من الناقلات
النفطية في مياه الخليج العربي في إشارة إلى ضرورة مواجهة الولايات المتحدة
الأمريكية من خلال تهديد مصالحها ومصالح حلفاءها في المنطقة؛ حيث تعرضت أربع شاحنات
تجارية مدنية في 13 مايو/ أيار لعام 2019 لعمليات
تخربيه بالقرب من الساحل الشرقي لإمارة الفجيرة، فضلاً عن تعرض ناقلتين سعوديتين لهجوم
تخريبي بالقرب من المياه الاقتصادية للإمارات العربية المتحدة، وتم توجيه أصابع
الاتهام إلي الجمهورية الإسلامية في القيام بذلك، على خلفية رغبتها في الرد على
العقوبات الأمريكية التي تم فرضها على واشنطن في ذلك الوقت.
لطالما رغبت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إثبات
قدرتها على المواجهة وتمتلك المقومات اللازمة لذلك؛ حيث يعد الحرس الثوري الإيراني
والقوات التابعة له من أقوى التنظيمات العسكرية الموجودة في المنطقة مثل قوة القدس
والباسيج اللازمة لأعمال المقاومة، فضلاً عن المعدات العسكرية القادمة من الولايات
المتحدة الأمريكية وبريطانيا والتي تم استيراد الكثير منها في عهد الشاه
"محمد رضا بهلوي"(3).
وأشار العديد من الباحثين أن مثل هذه الأفعال المحدودة
النطاق لا تعنى الكثير نسبيًا عند النظر إليه من خلال عدسة الأنماط التقليدية للسلوك
العدائي، فعادة ما تكون الأفعال من هذا النوع غير ذات قيمة فيما يتعلق بالحصول على
تنازلات من خصم كبير، ولكن بشكل عام قد تكون هذه الأعمال بمثابة دليل بارز على استعداد
الدولة للشروع في تهديد آخر أكثر جوهرية، وهو ما يخص مصالح الولايات المتحدة
الأمريكية ومصالح حلفاءها في المنطقة بالنسبة للحالة الإيرانية، أو بمعنى أخر غلق
مضيق هرمز بشكل عام(4).
ثانياً-
تداعيات الهجمات الإيرانية على "أرامكو " السعودية
أقرت السلطات السعودية أن جماعة الحوثي اليمنية شنت هجمات
بطائرات بدون طيار على أكبر منشأة لمعالجة النفط في الرياض وحقل نفط كبير، مما أدى
إلى اندلاع حرائق ضخمة ووقف حوالي نصف الإمدادات من أكبر مصدر للنفط في العالم.
وأثارت
هذه الهجمات الكثير من المخاوف بشأن إمدادات النفط العالمية، وعليه، أشار العديد
من الباحثين أنه من أن تزيد التوترات في جميع أنحاء المنطقة وسط الأزمة المتصاعدة بين
الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بسبب العقوبات المفروضة عليها بعد الخروج
الأمريكي من الاتفاق النووي مع القوى العالمية.
1- ارتفاع
أسعار النفط والسحب من الاحتياطي
أشارت بعض التقارير إلى توقف حوالي 50% من انتاج شركة أرامكو،
كما أدت الحرائق إلى توقف انتاج ما يقدر بنحو 5.7 مليون برميل من إمدادات النفط الخام،
وتم التأكيد على أن الجزء المفقود سيتم تعويضه عن طريق المخزونات الاحتياطية؛ حيث
تعد المملكة العربية السعودية هي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وتقوم بشحن أكثر
من 7 ملايين برميل من النفط إلى وجهات عالمية كل يوم، وقد عملت لسنوات عديدة كمورد
الملاذ الأخير للأسواق.
وعليه،
من المتوقع أن ترتفع أسعار النفط في السوق العالمية نتيجة هذا الحادث؛ حيث أدت
الهجمات إلى خفض حوالي 6% من امدادات النفط في العالم، لكن التأثير سيتوقف على السرعة
التي يمكن أن تستعيد بها أوبك الإنتاج مرة أخري(5).
2- تغير الموقف
الأوروبي تجاه القضية النووية
يقوم الرئيس الفرنسي الحالي "إيمانويل ماكرون"
بدور كبير للوساطة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية
فيما يتعلق بمأزق الملف النووي الإيراني بين الدولتين؛ حيث اقترحت باريس تقديم 15
مليار دولار لإيران مقابل عودتها للالتزام بالاتفاق النووي.
كما يشير بعض
المحللين إلى أن هناك اتفاق نووي جديد يتم التشاور عليه حالياً بين إيران والدول
الأوروبية وسيما فرنسا، بما يتضمن وضع قواعد محددة لكل الملفات الشائكة بين
الطرفين والتي تتمثل في برنامج إيران الصاروخي، دعم إيران لعملائها في المنطقة (مثل:
حزب الله، الحوثيين)، دور إيران في زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل عام، والحظر الاقتصادي
على إيران، وأخيرًا قضية تغيير النظام الإيراني ذاته.
ومن هنا، من شأن هذا الحادث أن يخفض من رغبة الدول الأوروبية
لمساعدة طهران على الخروج من مأزق حالة التصعيد الحالية مع الولايات المتحدة
الأمريكية المرتبطة بالاتفاق النووي، والاتفاق مع وجهة النظر الأمريكية الرامية
إلى وضع طهران في حالة القدر الأقصى من الضغوط، من خلال حملات العقوبات الاقتصادية
المفروضة والتي من المقترح فرضها من قبل واشنطن وبعض الدول الأوروبية(6).
3- تزايد وتيرة
عدم الاستقرار في المنطقة
ستؤدى السياسات الإيرانية بالتزامن مع الأزمات الكبيرة
التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، خاصًة منذ أحداث الربيع العربي في عام 2011 التي
تمثلت في مجموعة من الانتفاضات الشعبية التي أدت إلى الإطاحة ببعض الحكام وصعود
نفوذ عدد كبير من الوكلاء أو الفاعلين من غير الدول مثل (الحوثيين في اليمن،
الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش).
وعليه، باتت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستخدم هؤلاء الوكلاء من خلال الدعم الاقتصادي، السياسي والعسكري لتعظيم نفوذها في المنطقة وزيادة قدرتها على مواجهة أعدائها، سيما بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض مجموعة كبيرة من العقوبات التي أدت لتدهور حالة الاقتصاد وانخفاض مستوى معيشة المواطن الإيراني.
الهوامش
1. عقود
النفط تقفز فوق 10 بالمئة على خلفية هجوم أرامكو: نقص في الإمدادات تعاني منه
شركات بتروكيماوية سعودية، 16/9/2019، وكالة الأناضول، متاح على الرابط
التالي https://cutit.org/gdDOe .
2.
Anoush
Ehteshami and Ariabarzan Mohammadi, Iran’s Discourses and Practices in the
Mediterranean Since 2001, working paper, MED RESET, No. 5, June 2017, pp
16-19.
3.
تعزيزات عسكرية أمريكية
إلى الشرق الأوسط في أوج الأزمة مع إيران بشأن الهجوم على ناقلات النفط، 18/6/2019،
فرانس 24، متاح على الرابط التالي https://cutit.org/wBCsO
4.
Sidharth Kaushal, Shutdown Showdown: How the Strait of
Hormuz Factors into the U.S.-Iran Crisis, 7/7/2019, National Interest,
available at https://nationalinterest.org/feature/shutdown-showdown-how-strait-hormuz-factors-us-iran-crisis-65596.
5.
Saudi Arabia: Attacks on Aramco،
largest oil processing facility،
explained، 16/9/2019، Gulf News،
available at https://gulfnews.com/world/gulf/saudi/saudi-arabia-attacks-on-aramco-largest-oil-processing-facility-explained-1.1568522843716.
6. حسام إبراهيم، ما بعد الضغوط: هل يتجه "ترامب" إلى عقد اتفاق نووي جديد مع إيران؟ 12/9/2019، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي https://futureuae.com/ar-AE/Mainpage/Item/4968