المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
مرﭬت زكريا
مرﭬت زكريا

تهديدات متداخلة... بين تجدد اتهامات الفساد وصراع رجال الدين في إيران

الإثنين 09/سبتمبر/2019 - 09:53 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

ظهرت في الأونة الأخيرة الكثير من الاتهامات بالفساد المالي والسياسي بين رجال الدين في إيران، سيما بين أيات الله ورؤساء المؤسسات السياسية مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس خبراء القيادة، على خلفية استغلال نفوذهم في امتلاك حسابات مالية خاصة؛ حيث يحظى رجال الدين في إيران بمكانة خاصة منذ قيام الثورة الإسلامية ومساعدتهم للخميني على انجاحها وبالطبع حاولوا ومازالوا الحفاظ على مكتسبات الثورة والمكانة الكبيرة التي منحتها لهم.

ومع انتشار الفساد بشكل عام داخل الجمهورية الإسلامية، سيما فيما يتعلق بالمؤسسات التابعة للمرشد الأعلى وغير الخاضعة للمساءلة القانونية، باتت الحوزة الدينية من أبرز المؤسسات التي يسود بين أعضاءها والمنظمات غير الحكومية التابعة لها الكثير من الشكوك والاتهامات. وعليه، طال الأمر رجال الدين وباتوا في مواجهة الكثير من الاتهامات، على خلفية استغلال المؤسسات التي يتولون رئاستها لتحقيق مأرب شخصية.

أولاً- دور رجال الدين في إيران منذ قيام الثورة الإسلامية

كانت سياسات الشاه الموالية للغرب أبرز ما أدي إلى بروز دور رجال الدين في طهران، على خلفية اعتراضهم على تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بأسعار زهيدة علي حساب الشعب الإيراني الذي يعاني من تدهور مستوي المعيشة، فضلاً عن عدم رضاء مراجع قم عن النهج الثقافي المتبع من قبل الشاه والذي تمحور حول ما يسمي الثورة البيضاء.

وعليه، بات رجال الدين يمثلون أكبر شبكة اجتماعية في إيران؛ حيث امتد نفوذهم من المدن الكبيرة والرئيسية إلى المناطق الصغيرة والنائية، ومن ناحية أخرى، استغل الملالى شرعية الدين والإسلام للتأثير على النظام السياسي الجديد الذي نشأ داخل إيران بعد الثورة الإسلامية، فضلاً عن الاستفادة من الشرعية التقليدية والشبكة الاجتماعية التي تقدمها المؤسسة الدينية الشيعية(1).

وعن طريق زكاة الخمس التي يحصل عليها مراجع الشيعة من خلال المواطن الإيراني، بات رجال الدين يتمتعوا باستقلالية كبيرة على كافة الأصعدة، سيما على الجانب الاقتصادي، مما أدي إلى أن يحظى رجال الدين بسلطة كبيرة، خاصًة بعد تحكمهم في جزء كبير من تجارة السوق الإيراني فيما يعرف بالبازار، إلى أن أصبحت المؤسسة الدينية بفعالية الجهاز الإيديولوجي المركزي للدولة. ولم تقتصر صراعات علماء الدين في إيران على الداخل وإنما امتدت إلى الخارج سيما في العراق؛ حيث يحاول رجال الدين تمويل بعض المدارس، الجمعيات الخيرية وبناء مساجد حديثة في محاولة لتقويض نفوذ علماء الدين المحليين، من خلال الترويج لنوع بعينه من الفكر والمناورة لتثبيت أحدهم كمرجع رئيسي في بغداد(2).

ثانياً- الفساد المالي في إيران

تكشف التقارير الدولية لمنظمة الشفافية العالمية عن كثير من مؤشرات الفساد داخل الجمهورية الإسلامية؛ حيث شغل موضوع الفساد المالي والاقتصادي العديد من الباحثين والإعلاميين، وما صاحبه من تبادل تهم بالفساد الذي لحق بعض الشخصيات الدينية والسياسية ذات النفوذ داخل طهران. وعليه، سعت بعض الجهات والقادة وسيما الإصلاحيين إلى محاولة الحد من هذه الظاهرة، إلا أن بقاء جزء كبير منها بعيداً عن المحاسبة، جعلها قضية هيكلية تعوق عملية الإصلاح، ومجالاً لتصفية الحسابات بين الأطراف السياسية.

تمتد شعارات محاربة الفساد والقضاء عليه إلى ما قبل ثورة عام 1979؛ حيث زرع الشاه والأسرة الحاكمة في إيران جذور الفساد المالي عن طريق المؤسسات الخيرية الصورية التي لم يكن لها أي أساس من الوجود، ولكن استغلتها الأسرة الحاكمة لزيادة ثروتها من أموال المواطن الإيراني. وأثبتت الممارسة العملية لاجتثاث الفساد أن هذا ليس أمراً سهلاً؛ حيث ظهرت فئة اجتماعية جديدة في عهد الجمهورية الإسلامية تستفيد من الفساد وثقافته (3).

وعليه، يشير بعض المحللين إلى أن أسباب الفساد تتنوع داخل إيران ما بين هيكلي، أيديولوجي وقانوني؛ حيث تتعلق بعض الأسباب بالضعف الموجود داخل المنظومة الاقتصادية وانخفاض القدرة التنافسية والإبداعية مع هجرة العقول إلى الكثير من الدول الأوروبية والغربية، مما أدى إلى نمو شبكة فساد كبيرة لا تقدم أي قيمة إنتاجية للسوق وتعمل على ازدهار السوق السودة من خلال الاعتماد على العمليات التهريبية.  ومن ناحية أخري، على الرغم من التقدم الكبير الذي وصلت إليه الصناعات العسكرية في طهران، إلا أنها فشلت في نقل هذا التقدم إلى الصناعات المدنية مما أدي إلى جعل الانفاق العسكري عبئاً على الاقتصاد، أكثر منه مساهمة في العملية التنموية.

وعلى الجانب الأيديولوجي، استخدم رجال الدين الثقافة الشيعية المليئة بالرموز والدلالات لحشد وتجييش المواطنين أنفسهم للدفاع عن سياسات النظام داخلياً وخارجياً، بحيث يجري الفساد الاقتصادي بعيداً عن أي رقابة حكومية وفي الوقت ذاته يكون هناك غطاء جاهز والذي يتمحور حول التعويل على أعداء الثورة وضرورة الحفاظ على البنية الأساسية للنظام(4).

ثالثاً- تجدد اتهامات الفساد بين رجال الدين داخل الجمهورية الإسلامية

تحاول السلطات الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية منع تسرب أي معلومات تخص ملفات الفساد إلى ساحات النقاش العام، لأنها تعي جيداً أن ذلك من شأنه التأثير علي صورتها بالسلب في الداخل والعمل على إضعافها أمام أعدائها في الخارج.

ولكن عادت من جديد الاتهامات المتبادلة بين رجال الدين في إيران بالفساد والتشكيك في النزاهة المالية وطريقة تكوين الثروة؛ حيث تعرض رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس السلطة القضائية السابق "صادق لاريجاني" لهجوم شديد من قبل   عضو مجلس خبراء القيادة في إيران وأحد أبرز علماء الدين الإيرانيين "آية الله الشيخ تقي مصباح اليزدي" والرئيس الإيراني السابق المحسوب علي التيار المتشدد "أحمدي نجاد" على خلفية اتهامه بالفساد واستغلال نفوذه داخل المؤسسات الحكومية للقيام بأعمال غير مشروعة.

كما تم توجيه الاتهام إلي صادق لاريجاني أيضاً من قبل حكومة الرئيس الإيراني الحالي "حسن روحاني" بسبب الكشف عن امتلاكه حسابات مالية خاصة ليضع فيها الغرامات المالية التي يحصلها الجهاز الذي يتولى قيادته من المتقاضيين. كما فتح باب انتقاد السلطة القضائية وقائدها الباب على مصراعيه لكشف الفساد الموجود داخل الحوزات العلمية التي يٌنظر اليها من قبل المجتمع الإيراني على أنها باتت بمثابة قصور لرجال الدين وليس مدارس لتلقي العلوم الفقهية(5).

وعليه، أشار الكثير من المحللين إلى أن أسرة لاريجاني تمثل حالة من احتكار السلطة الموجودة داخل المجتمع الإيراني على خلفية الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من المرشد الأعلى "علي خامنئي"؛ حيث تبوء كل من صادق وعلي لاريجاني الكثير من المناصب حصل صادق في سن الثامنة والثلاثين على عضوية مجلس الخبراء ثم عضوية مجلس صيانة الدستور ثم رئيساً للسلطة القضائية ثم رئيساً لمجمع تشخيص مصلحة النظام في عام 2018، أما فيما يتعلق بـ"علي لاريجاني" فيشغل منصب رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) لمدة 3 دورات متالييه منذ عام 2008.

وكان للكشف عن هذه الملفات بين رؤوساء وقادة الأجهزة والمؤسسات الحكومية داخل الجمهورية الإسلامية تداعيات خطيرة على الداخل الإيراني تمثل أبرزها في تراجع مكانة رجال الدين وهو عكس ما كان يتم الدعوة إليه أبان الثورة الإسلامية لعام 1979 والدعوة لإسقاط نظام الشاه؛ حيث تم تصوير رجل الدين علي أنه يعيش حياة التقشف والزهد ومناصرة المستضعفين في مواجهة المستبدين، مما أدي إلي القضاء علي الصورة الذهنية النمطية الموجودة عن رجل الدين، و بالتالي انخفاض معدل الثقة الممنوح من قبل المواطن الإيراني و سقوط المثل العليا بالنسبة له، مما أدي لارتكاب الكثير من الجرائم الأخلاقية داخل المجتمع الإيراني.

ومن ناحية أخري، من شأن الكشف عن قضايا الفساد بين رجال الدين المساس باستقرار النظام؛ على خلفية اتهام الكثير من الفقهاء والذين يترأسون عدد لا بأس به من مؤسسات وأجهزة الدولة، بما يؤثر على التيارات السياسية الفاعلة داخل النظام، والتشكيك في مقدار الثقة الموجود بين الدولة والمجتمع داخل الجمهورية الإسلامية (6).  

ختاماً: من الجدير بالذكر، أن هذه الانقسامات والانشقاقات الداخلية تحدث في وقت تمر فيه الدولة الإيرانية بفترات عصيبة، على خلفية الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية من قبل الإدارة الأمريكية الحالية، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من قدر الضغوط المفروض على حكومة الرئيس "حسن روحاني" وتدهور الوضع العام.

الهوامش

1.             Asher Brandis, The 1979 Iranian Revolution: The Revolutionary Revolution, Bachelor’s Thesis, (The University of Arizona, 2009), pp 1-5.

2.       رأفت حرب، إيران والغرب: النفوذ الديني الإيراني يتمدد في العراق؟ جادة إيران، 7/5/2019، متاح على الرابط التالي https://jadehiran.com/archives/7968

3.             Akbar E. Torbat, Financial Corruption in Iran, California State University, Los Angeles, 2013, pp 1-5.

4.       رشيد يلوح، الفساد المالي والاقتصادي في إيران: قضايا وتحديات، تحليل سياسات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص ص 1-8.

5.       صراعات رجال الدين في إيران. اتهامات متبادلة بالفساد، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 25/9/2019، متاح على الرابط التالي https://cutit.org/HQFKf

6.       الإيرانيون يتظاهرون أمام حوزة رجال الدين… قراءة في السياقات والدلالات، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 7/8/2019، متاح على الرابط التالي  https://cutit.org/SoWjE .

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟