المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
ريم عبد المجيد
ريم عبد المجيد

قمة مجموعة السبع....انفراجات وإخفاقات

الثلاثاء 27/أغسطس/2019 - 06:23 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

اجتمع قادة دول مجموعة السبع على مدار الثلاثة أيام الماضية وسط أجواء متوترة وانقسامات حول عدة قضايا كبرى توقع الكثير  عدم انتهاء القمة بالتوافق حول حلول فعالة لها. تمثلت تلك القضايا في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والملف النووي الإيراني وأزمة حريق غابات الأمازون، بالإضافة إلى عودة روسيا للمجموعة، وأزمة الضريبة الرقمية. (1) وقد شهدت القمة خلافات عدة منذ يومها الأول قلت حدتها نسبيًا في اليوم الأخير بحدوث انفراجة في بعض الأزمات دون الأخرى.

الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة

خلال حملته الانتخابية، هدد الرئيس دونالد ترامب بفرض 35 ٪ إلى 45 ٪ من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية لإجبار الصين على إعادة التفاوض على ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة، وقام بالانسحاب عن الشراكة عبر المحيط الهادي في الأيام الأولى من توليه منصبه مما أسفر عن اندلاع حرب تجارية بين البلدين أنذرت بتهديد الاقتصاد العالمي.  (2)

وعلى الرغم من توقع الكثيرين أن القمة لن تسفر عن تطور إيجابي في هذه القضية إثر تبادل الدولتين فرض رسوم جمركية واستمرار تصعيدهم للحرب، بجانب التخوف من عدم قيام الرئيس ترامب بتقديم تنازلات لحلها خاصة عقب التوتر بينه وبين الرئيس ماكرون وتلويحه بفرض رسوم جمركية على فرنسا، إلا أن القمة شهدت بوادر انفراجة في اليوم الأخير للقمة ليس فقط في الحرب التجارية على الصين بل فرنسا أيضًا. فيما يتعلق بالصين، شهدت القمة تبدل موقف الرئيس ترامب تجاهها من الحدة إلى المرونة أكد الرئيس ترامب في اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أهمية التوصل إلى اتفاق مع الصين من شأنه تخفيف التوترات بينهما، وعلى ضرورة إيجاد حل يخدم مصالح الجميع، وإعلان رغبته في العودة إلى طاولة المفاوضات معها وذلك بعد عرضها عليه التفاوض بدلًا من الحرب. (3)

ويمكن القول إن هذه المرونة ربما تأتت من إدراك الرئيس ترامب للخسائر التي سيتكبدها الاقتصاد الأمريكي  والتي قد يعاقبه عليها الناخبون في الانتخابات الرئاسية القادمة بعدم التصويت له وبخاصة أنه قد تلقى دعمًا من عدة شركات مثل والمارت التي تستورد بضائع بمليارات الدولارات من الصين والتي ستتأثر سلبًا بقرار استمرار الحرب، فضلًا عن إن الاضرابات ستكون كارثية في الفئات الفقيرة والعمالية.

الملف النووي الإيراني

كان الملف النووي الإيراني القضية الأصعب نظرًا لوجود تعقيدات كثيرة فيه ومروره بمبادرات فاشلة متكررة نجم عنها استمرار التصعيد إلى حد انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من جانب واحد من الاتفاق النووي وفرض عقوبات على إيران التي قامت بدورها بمهاجمة واحتجاز ناقلات النفط في مضيق هرمز. وللتغلب على ذلك طمح قادة مجموعة السبع وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التوصل لحل عن طريق إقناع الرئيس ترامب بتخفيف العقوبات على إيران أو توفير بديل يعوض الشعب الإيراني عما يتكبده من خسائر جراء تلك العقوبات في مقابل التزام إيران بالاتفاق النووي وإجراء مفاوضات حول انخراطها في الأزمات الإقليمية خاصة في الخليج ومضيق هرمز، وقضية الصواريخ الباليستية. وعلى الرغم من الجهود التي بذلت من قبل الرئيس ماكرون في فاعليات القمة، إلا إنها لم تفض إلى انفراجة في هذا الملف. تأتى ذلك بسبب إعلان ترامب أنه لم يوافق على الوساطة الأوروبية وما أفضت إليه اجتماعات قادة المجموعة من الاتفاق على إجراء اتصال مشترك مع إيران ومسار عمل يوفق بين المواقف المختلفة، فقد أكد أنه سيقوم بالتواصل بشكل خاص مع إيران وإجراء ترتيب ثنائي معها وهو ما أدى إلى تراجع ماكرون عن التصرف باسم المجموعة ككل وأشار إلى أنه يتصرف بمفرده وأنه لم يحصل على تفويض رسمي منهم. (4) ويساهم في فشل مباحثات القمة أيضًا ازدواجية الاستراتيجية الإيرانية في التعامل مع هذا الملف فهي تعلن تصريحات التهدئة وتقبل المفاوضات وفي ذات الوقت تمارس التصعيد. فقد قام وزير الخارجية الإيراني بعقد اجتماع مع الرئيس ماكرون للتفاوض والذي أيده الرئيس الإيراني حسن روحاني، مؤكدًا إنه لن يتردد في عقد اجتماع مع أي شخص من شأنه أن يؤدي إلى خدمة المصالح الوطنية لبلده، (5) وذلك في ظل كشف إيران عن منظومة جديدة للدفاع الصاروخي، واستمرار تصعيدها للأزمة دون تراجع حقيقي كما تزعم انطلاقًا من تأكدها من عدم تمكن الرئيس ترامب والدول الأوروبية من إجراء أي تصعيد بالحرب خاصة قبل الانتخابات الرئاسية. 

حريق غابات الأمازون

قرر الرئيس ماكرون، بعد زيادة معدلات الحريق في غابات الأمازون بنسبة 80% مقارنة بالعام الماضي، في اللحظات الأخيرة إضافة هذه القضية إلى جدول أعمال القمة حيث وصفها بالأزمة الدولية الواجب مناقشتها في القمة وهو ما أثار  غضب رئيس البرازيل. وعلى الرغم من تغيب الرئيس ترامب عن الجلسة التي غطت المناخ والتنوع البيولوجي والتي تناولت قضية حريق غابات الأمازون، (6) وبالرغم أيضًا من فقدان الرئيس ماكرون الأمل في إقناع الرئيس ترامب بالعودة إلى اتفاق باريس، إلا أن قادة المجموعة تمكنوا من التوصل إلى توافق حول هذه القضية تمثل في إنشاء صندوق طوارئ بقيمة 20 مليون دولار لمساعدة دول الأمازون المتضررة من حرائق الغابات كما تم الإعلان عن مبادرة مشتركة طويلة الأجل للأمازون سيتم مناقشتها في الجمعية العامة للأمم المتحدة. (7)

عودة روسيا إلى مجموعة السبع

كانت هذه القضية من أبرز ما جاء في القمة حيث شهدت خلافًا حادًا بين الرئيس ترامب وباقي قادة الدول في المجموعة. فقد دعا الرئيس ترامب إلى طرح عودة روسيا إلى المجموعة مرة أخرى بعد أن توقفت في عام 2014 على خلفية الأزمة الأوكرانية وانضمام القرم إلى روسيا والذي اعتبرته الدول الغربية "غير شرعي" وأعلنت فرض عقوبات على روسيا. وعلى هامش اجتماعات القمة أكد ترامب على أهمية عودة روسيا واصفًا ذلك بالأمر الإيجابي لأنه سيتيح مناقشة القضايا المتعلقة بسوريا وكوريا الشمالية وإيران. (8) وأعلن في اجتماع يوم الأحد رفضه بقاء مجموعة السبع اتحادًا للديمقراطيات الليبرالية فقط وأصر على عودة روسيا وهو ما تسبب في نشوب خلافًا بين قادة دول المجموعة وتباين مواقفهم، ففي حين اتخذ رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي موقفًا محايدًا، قام رئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي، بتأييد مطلب الرئيس ترامب، بينما رفضت الدول الأخرى وبخاصة فرنسا وألمانيا، عودة روسيا للمشاركة في القمة ولم ينتهي الأمر إلى الوصول لتوافق حول هذه القضية.  (9)

أزمة الضريبة الرقمية الجديدة

عُد التوتر التجاري مع فرنسا من القضايا الساخنة في قمة مجموعة السبع إثر إعلان فرنسا فرض ضريبة بنسبة 3% على الإيرادات التي تجنيها شركات الإنترنت الكبيرة مثل أمازون وفيس بوك وجوجل، ومعارضة الولايات المتحدة لهذا القرار مهددة بفرض رسوم على المنتجات الفرنسية ردًا على الضريبة الجديدة، وقد شهدت هذه الأزمة انفراجه أيضًا بإعلان كلا من الولايات المتحدة وفرنسا في اليوم الأخير من القمة توصلهما إلى اتفاق تسوية سيتمثل في سداد الأخيرة للشركات الفرق بين الضريبة الفرنسية وبين الضريبة التي وضعتها منظمة التعاون الاقتصادي. (10)

تأسيسًا على ما تقدم، يتضح أن القمة نجحت في إحداث حراك في بعض الأزمات نتج عنها انفراجة لم تكن متوقعة، وفشلت في أزمات أخرى. فقد شهدت القمة انفراجة في أهم قضية شغلت الساحة الدولية لفترة كبيرة وهي الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، من خلال إعلان الطرفين توافقهما حول ضرورة العودة إلى المفاوضات والتوصل إلى حل يخدم مصالح الجميع. كما شهدت توافقًا حول أزمة حريق غابات الأمازون على الرغم من غياب الرئيس الأمريكي، متمثلًا في إنشاء صندوق الطوارئ كحل على المدى القصير والمبادرة على المدى الطويل. وأخيرًا انتهاء أزمة الضريبة الرقمية بين فرنسا والولايات المتحدة باتفاق جديد.

وعلى الصعيد الآخر، فشلت القمة في قضايا أخرى وهي الملف النووي الإيراني وذلك على الرغم من قيام إيران بإعلانها قبول التفاوض ودعوة وزير خارجيتها إلى القمة إلا أن موقف الرئيس الأمريكي أدى إلى إفشال الجهود الدبلوماسية المبذولة من قبل قادة الدول الأوروبية وبخاصة الرئيس ماكرون، برفضه مناقشة تلك القضية في القمة بشكل متعدد الأطراف، وإعلانه عن التواصل الثنائي فقط بين البلدين بما قد ينذر بتوافقهما حول حلول لا تخدم بالضرورة المصالح الأوروبية أو لا توافق عليها. كما شهدت القمة إخفاقًا في قضية عودة روسيا إلى المجموعة مرة أخرى والتي أوضحت انقسامًا كبيرًا ليس بين الدول الأوروبية واليابان والولايات المتحدة فقط بل داخل الدول الأوروبية نفسها حينما أيدت إيطاليا مطلب الرئيس ترامب في عودة روسيا وعارضته ألمانيا وفرنسا بينما اتخذت اليابان موقف الحياد. وأخيرًا فشلت في قضية البريكست رغم إعلان رئيس المجلس الأوروبي دونالد تاسك استعداد الاتحاد الاستماع إلى حلول عملية ومقبولة حول البريكست بما في ذلك إيرلندا إذا رغبت بريطانيا طرحها على طاولة المفاوضات.

المراجع

(([1] "ما أبرز الملفات المدرجة على جدول أعمال قمة مجموعة السبع/ في فرنسا؟"، فرانس 24، 24/8/2019، https://bit.ly/341bCsY

)2( Winter Nie, “Why China Doesn't Need The U.S. For Trade”, Forbes Asia, 7/2/2017, https://bit.ly/30DIDZX.

)3( “Trump says he got positive messages from Beijing”, CNN, 26/8/2019, https://cnn.it/2ZjqJPF.

(4 ) "خلاف بين قادة دول مجموعة الـ7.. والسبب إيران"، سكاي نيوز، 25/8/2019، https://bit.ly/2ZofUqE.

)5( “Iran president makes case for talks as G7 gambit slammed”, Ahram Online, 26/8/2019, https://bit.ly/323GwyW.

)6( Pamela Brown and Jim Acosta, “Here's why Trump skipped the climate meeting, according to White House officials”, CNN, 26/8/2019, https://cnn.it/2ZjqJPF .

)7( Jonathan Watts, Julian Borger and Angelique Chrisafis, " G7 cash for Amazon fires is ‘chump change’, say campaigners”, The Guardian, 26/8/2019, https://bit.ly/2zmZMeD.

 

(8) "ترامب: عودة روسيا إلى مجموعة G7 أمر إيجابي في ظل ما يشهده العالم"، أر تي، 25/8/2019، https://bit.ly/2LaKVJz.

)9( “Trump wants Russia back in the G7. The other leaders? Not so much”, CNN, 25/8/2019, https://cnn.it/2Pg98TZ.

)10( Sandrine Amiel and Kevin Liptak, “US and France "getting close" to a digital tax deal”, CNN, 26/8/2019, https://cnn.it/2ZjqJPF.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟