الدعم النيجيري لمصر في بطولة العالم لكرة اليد... وإحياء الدور المصري في أفريقيا
تتمتع مصر وجيرانها في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى
بصلات تاريخية وثقافية واقتصادية وسياسية قوية تعود إلى آلاف السنين، فالحكومات
المصرية المتعاقبة، خاصة منذ الاستقلال، حرصت على أن تتجه جنوبًا صوب دول القارة.
وعلى الرغم من أن العلاقات المصرية الأفريقية شهدت بعض التوترات في فترة ما قبل
ثورتي 2011 و2013 إلا أنها عادت إلى سيرتها الأولى مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي
الذي أولى بالغ الاهتمام بالقارة وحرص شديد الحرص على علاقات مصرية أفريقية شعبية
ورسمية أقوى من أي فترة مضت، وبذل في سبيل تحقيق ذلك مساعي حثيثة من بينها إطلاق
عدة مبادرات ومشروعات للتعاون المشترك مع مختلف دول القارة تشمل الاقتصاد والتعليم
والصحة ومحاربة الفساد والتعاون الأمني والتدريب العسكري، بجانب الاهتمام بالشباب
من خلال مؤتمرات ومنتديات الشباب الأفريقي والتدريب والمنح، حتى أضحت بوادر العودة
القوية لمصر في أفريقيا ضمن أهم منجزات الرئيس السيسي، وتوجت جهوده بنجاح ملحوظ.
وكان أحد مظاهر هذا النجاح هو ما حدث في بطولة
العالم لكرة اليد للناشئين حينما تحول الفريق النيجيري ليس فقط إلى تشجيع الفريق
المصري بل ورفع العلم المصري طيلة مباريات نصف النهائي والنهائي رغم خسارة الفريق
النيجيري من الدور الأول حيث حرص الفريق على دعم منتخب مصر أمام البرتغال وتكرر
تواجده في مباريات منتخب مصر، وظهر دعمه مجددًا خلال لقاء النهائي بين مصر
وألمانيا وقام بالاحتفال بالفوز التاريخي لمصر. (1) على الرغم من تفسير البعض لهذا
الدعم أنه أتى فقط لأن الفريق المصري ينتمي للقارة السمراء كما أعلن مدرب الفريق
النيجيري إميكا جوزيف إلا أنه يحمل دلالات أبعد من ذلك منها تغير الصورة الذهنية
لمصر لدى الأفارقة بشكل عام والشباب الأفريقي بشكلٍ خاص بعد أن تم اعتبارها دولة
عربية فقط وليست أفريقية بسبب ابتعاد مصر عن القارة لفترة كبيرة قبل ولاية الرئيس
السيسي، فقد استعادت مصر صورتها كدولة أفريقية في نظر الأفارقة وهو من أهم
التطورات الحادثة في هذه الفترة، وتظهر دلالته بشكل أكثر وضوحًا عند مقارنة هذا
الحدث-رغم كونه رياضيًا- بدعم عدة دول أفريقية لمرشح قطر في الانتخابات التي جرت
على منصب اليونسكو بدلًا من دعم مرشحة مصر، أما الآن أضحت تدعم مصر أمام منافسيها.
وهو ما يسترعي الوقوف على التحول في العلاقات
المصرية الأفريقية عقب ثورتي 2011 و2013، وإيضاح مظاهر التطور في العلاقات المصرية
الأفريقية سعيًا لإعادة إحياء مكانة مصر في أفريقيا والتحديات التي تواجهها لتحقيق
هذا الهدف وكذلك الفرص.
أولاً- مظاهر تحسن العلاقات المصرية الأفريقية في عهد الرئيس السيسي
في أعقاب ثورة 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013، كثفت
مصر جهودها لإثبات وجودها واستعادة القيادة والنفوذ في أفريقيا جنوب الصحراء
الكبرى بعد التراجع الشديد لدورها في أفريقيا لسببين: الأول هو إجبار الاحتجاجات
الشعبية في عامي 2011 و2013 الحكومة المصرية على إعادة النظر في سياستها الخارجية،
لا سيما تجاه أفريقيا جنوب الصحراء. والسبب الآخر هو أن هذه الفترة شهدت تطورات
مستمرة في قضية مياه النيل عندما وضع رئيس إثيوبيا، ميليس زيناوي، حجر الأساس
لمشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير في أبريل 2011 مع مبادرة حوض النيل، وهي شراكة
بين بلدان حوض نهر النيل، وخاصة بلدان مصدر النيل. وضعت هذه الدول اتفاقية إطار
تعاوني في عنتيبي في عام 2010 سعت إلى إعادة تقسيم مياه النيل مع استبعاد دول
المصب (مصر والسودان). شكلت هذه التطورات تهديدًا لمصالح مصر الحيوية في إفريقيا،
خاصة فيما يتعلق بالمياه، ولكنها أدت على الجانب الآخر إلى مستوى جديد من النشاط.
من أبرز مظاهر هذا النشاط الهادف لإحياء دور مصر
كدولة أفريقية رائدة من خلال لعب دور سياسي وعسكري واقتصادي نشط في أفريقي، تخصيص
قطاع للشؤون الأفريقية بمعظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، واستحداث لجنة للشئون
الأفريقية بمجلس النواب، وإنشاء وزارة الخارجية المصرية منصبين دبلوماسيين جديدين
في أبريل 2011، وهما نائب وزير الخارجية للشئون الأفريقية ومساعد وزير الخارجية
للشؤون السودانية وجنوب السودان. وأنشأ الحكومة وكالة الشراكة المصرية الجديدة في
عام 2013 وهي صندوق لضمان الاستثمار في أفريقيا، والتي بدأت عملها في يونيو 2014،
بهدف إرسال متخصصين في التنمية إلى الدول الأفريقية والإسلامية والمساعدة في تنظيم
برامج التنمية في هذه الدول.
وكان البعد الأفريقي حاضرًا بوضوح في السياسة
الخارجية لمصر بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2014. تضمن دستور 2014 أحكامًا تؤكد
البعد الأفريقي للهوية المصرية، لذلك تم إطلاق حملة دبلوماسية شملت عدة زيارات
رئاسية للعدة دول أفريقيا فكانت أول جولات أجنبية للرئيس السيسي بعد توليه منصبه
إلى بلدان أفريقية، بما في ذلك الجزائر والسودان وإثيوبيا ورواندا وأوغندا وكينيا
وتنزانيا، وبلغ عدد الزيارات 21 زيارة حتى الآن كما بلغ عدد اجتماعات الرئيس
السيسي مع قادة ومسئولين أفارقة زاروا مصر 112 اجتماعًا. وبشكل خاص سعت مصر إلى
علاقات ثنائية أقوى مع هذه الدول ومشاركة أكثر نشاطًا في المنظمات الإقليمية. وفي
المجال العسكري قامت مصر بعقد عدة تدريبات حفظ السلام للأفارقة، كما زادت من
التعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع الدول الأفريقية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، اتخذت مصر عددًا من
المبادرات الجديدة التي شملت عقد ثلاثة مؤتمرات اقتصادية في شرم الشيخ لتشجيع
المزيد من التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدان الأفريقية، وإنشاء صندوق
استثمار لبناء البنية التحتية التكنولوجية في أفريقيا. وقد طورت مصر عديد من
مشاريع التعاون مع عدة دول أفريقية. على سبيل المثال، ساعدت وزارة المياه والري
المصرية في تمويل 90 ٪ من مشروع أوغندي لحماية المنطقة الغربية من البلاد من
الفيضانات المفرطة. كما قدمت لأوغندا 1.5 مليون دولار كمساعدات تنموية، وساعدت
جنوب السودان على تطوير شبكات الصرف الصحي والري وحفر 180 بئرًا في كينيا. وفي
فبراير 2018، أطلقت وزارة الزراعة مبادرة زراعية مشتركة مع الحكومة الإريترية. لم
تكن هذه هي المبادرة الأولى في مجال الزراعة حيث تسعى مصر لنشر نظام المزارع
النموذجية كجزء من استراتيجيتها لتعزيز نفوذها في أفريقيا. كما عززت مصر من
تواجدها في الاتحاد الأفريقي، وفي الكوميسا، المنظمة الإقليمية التي انضمت إليها
في عام 1998، فكانت مصر هي واحدة من الدول القليلة التي وقعت وصدقت على اتفاقية
التجارة الحرة الثلاثية للكوميسا- EAC-SADC التي تم إطلاقها في عام 2015، بالإضافة إلى استضافة العديد من
الأحداث الأفريقية. (2)
جدير بالذكر أن مصر لم تتجاهل القيادة السياسية
الشباب الأفريقي ضمن استراتيجيتها لاستعادة دورها في أفريقيا، فمن مظاهر الاهتمام
بالشباب الأفريقي زيادة عدد المنح الدراسية المقدمة للطلاب الأفارقة والدورات
التدريبية ومنها منحة ناصر للقيادة التي تستهدف القيادات الإفريقية الشابة
التنفيذية ذات التخصصات المتنوعة،(3) وكذلك إشراك شباب من 29 دولة
أفريقية في البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب الأفريقي للقيادة، (4) بجانب دعوة الشباب الأفريقي
للمشاركة في مؤتمرات الشباب التي تعقد سنويًا في شرم الشيخ، بالإضافة إلى منتدى
الشباب الأفريقي الأول لرواد الأعمال الذي عُقد في أسوان هذا العام، الهادف إلى
مساعدة الشباب الأفريقي في اكتشاف ذاتهم كرواد أعمال وتوجيههم لكافة نواحي التشبيك
المالي والفني واللوجستي لإقامة مشروعاتهم على أرض الواقع. (5)
ثانياً- التحديات والفرص في العلاقات المصرية الأفريقية
تواجه مصر عددًا من التحديات المهمة في جهودها
لتعزيز قدر أكبر من السلام والتعاون الاقتصادي في أفريقيا. وأهم هذه العوامل
التنافس المتزايد بين الأطراف الدولية والإقليمية على النفوذ في إفريقيا، وغالبًا
ما يكون ذلك بطرق يمكن أن تقوض مصالح مصر في القارة الأفريقية. فعلى عكس ما حدث في
الستينيات عندما كانت مصر في موقع فريد لقيادة القارة الأفريقية في ضوء كاريزما
ناصر والمكانة الفريدة في العالم الثالث، تتنافس مصر اليوم على دور قيادي في
القارة الأفريقية مع عدد من المتنافسين الإقليميين، بما في ذلك جنوب أفريقيا،
إثيوبيا ونيجيريا والجزائر، هذا التنافس يظهر بشكل جلي في المنتديات الإقليمية
والدولية مما يؤدي إلى إحلال التصور متعدد الأطراف محل مفهوم القيادة في أفريقيا.
وبالإضافة إلى التنافس المتزايد بين القوى
الأفريقية، شهدت القارة أيضًا زيادة كبيرة في التنافس بين القوى الخارجية على
موارد القارة تشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وإيطاليا وإسرائيل، وإيران
تركيا وقطر. وفي حين أن هذا الاهتمام المتزايد قد زود البلدان الإفريقية بموارد
أكبر للنمو والتنمية، فقد كثف أيضاً التنافس على الموارد في المنطقة وقوض
الاستقلال السياسي والمالي للعديد من البلدان الأفريقية. والأهم من ذلك أن هذا
السباق من أجل النفوذ في إفريقيا يقوض ويحد من طموحات مصر في لعب دور أكثر نشاطًا
في القارة.
يُضاف لما سبق المشاكل الاقتصادية والسياسية التي
يُعاني منها الداخل المصري والتي قوضت قدرتها على إظهار تأثير أكبر في القارة
الأفريقية، حيث تفتقر مصر إلى الموارد المالية الواسعة المتاحة لبعض الدول الأخرى
التي تتنافس على النفوذ في أفريقيا، وفي الواقع، فإن مصر، مثلها مثل معظم الدول
الأفريقية الأخرى، هي في معظم الأحيان مستفيدة من المنح والاستثمارات الأجنبية
بدلاً من المانح أو المستثمر فيها.
التحدي الأخير في موقف مصر يتعلق بعدم وجود
استراتيجية إفريقيا المتكاملة، ففي حين أن مصر بادرت بعدد من المبادرات المنفصلة
الهامة خلال السنوات القليلة الماضية، فإن هذه المبادرات لا ترقى إلى مستوى سياسة
أو استراتيجية متكاملة تجاه القارة الأفريقية. وبالتالي، سيكون من المفيد لو أن
مختلف المنظمات المصرية العاملة في إفريقيا قد اجتمعت لصياغة استراتيجية شاملة
ومتكاملة فيما يتعلق بأفريقيا، وربطها في مختلف الأجزاء المكونة، ووضع أهداف واضحة
قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
ويوجد فرص عديدة لتذليل تلك التحديات التي قد تؤثر
على دور مصر في أفريقيا، من بينها وجود تاريخ مشترك من النضال ضد الاستعمار يمكن
استغلاله لتعميق رؤية مشتركة. بالإضافة إلى امتلاكها مقدرات عسكرية وأمنية
واستخباراتية متفوقة يمكن أن تستخدمها لتعزيز السلم والأمن في أفريقيا حيث تعد هذه
القضية من أهم المشكلات الوجودية في القارة التي تنتشر فيها الصراعات والحروب
الأهلية والإرهاب، ويمكن لمصر المساهمة في تعزيزه من خلال ترأسها للاتحاد الأفريقي
أو علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية.
كما تمتلك مصر قوة ناعمة أيضًا يمكن أن تمكنها من
تعزيز دورها كدولة أفريقية رائدة في القارة من خلال المنح وبرامج التبادل الطلابي،
والإعلام والأنشطة الثقافية المشتركة، وتفعيل دور الأزهر والكنيسة في الدول
الأفريقية، هذا سيمكنها أيضًا من الحد من نفوذ بعض القوى الإقليمية في القارة مثل
تركيا وإيران.
وأخيرًا تمتلك مصر قوى عاملة مؤهلة ذات خبرة في
مجالات التنمية والبنية التحتية وهي من أمس احتياجات القارة الآن، ومن ثم يمكنها
تقديم الدعم للدول الأفريقية في هذه المجالات. ويمكن حث القطاع الخاص على إقامة
استثمارات في القارة في قطاعات الصناعة والزراعة والطاقة.
الهوامش
(1) على البهجي، " مدرب نيجيريا يحكي ليلا كورة كواليس دعم مصر في بطولة العالم لناشئي
اليد"، يلا كورة، 20 أغسطس 2019، الرابط:
(2) Dina Shehata, "
Egypt’s Africa moment", Ahram online, 10\2\2019, https://bit.ly/2HmGpqh.
(3) زكي القاضي، "وفد الشباب الإفريقى يشيد بمجهودات الرئيس
السيسى فى دعم الأشقاء الأفارقة"، اليوم السابع، 20/6/ 2019، https://bit.ly/2MyvgXJ .
(4)مصطفى
عبد الفتاح، "مصر تحتضن الشباب الأفريقي وأحزاب: الاهتمام بالشباب ركيزة
أساسية للدولة، بلدنا اليوم، 14/6/2019، https://bit.ly/2PadQTh
(5) "انطلاق ملتقى الشباب الأفريقي لروّاد الأعمال"، مركز الأمم
المتحدة للإعلام بالقاهرة، 24/6/2019، http://www.unic-eg.org/23053.