المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
الصادق الشعراني
الصادق الشعراني

مُستقبل تحالف قوى إعلان الحُرية والتغيير في السودان

الأحد 25/أغسطس/2019 - 05:54 م
المركز العربي للبحوث والدراسات

حاورت حكومة الإنقاذ الوطني الحركة الشعبية لتحرير السودان سنين متطاولة في الوقت التي كانت فيه أحد أعضاء تحالف قوى الإجماع الوطني. وهو تحالف عريض شُكل في سبتمبر/ أيلول 2009م، وكانت واحدة من أكثر التجارب الناضِجة في تاريخ التحالفات السودانية من حيثُ عدد الأحزاب المشاركة فيها واتجاهاتها. تُوجت في نهاية المطاف  بإتفاق سلام أنهى أطول حرب في تاريخ السودان الحديث. الحركة الشعبية كانت عنئذ تقُود وفدِ التفاوض وتحمل مطلُوبات القوى المتحالفة معها. هذا التحالف الذي كان ثمرة عشرات السنين في العمل السياسي المشترك بين الأحزاب والحركات الوطنية.إستطاعت الحركة تحقيق إتفاق تقاسم الثروة والسلطة  تحصلت بموجبه على مُحاصصات وُصفت حينها "بالكبيرة" في الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم والمجلس التشريعي القومي والمجالس الفرعية، وهو ما بات يعرف لاحقاً إتفاقية نيفاشا.

للأسف لم تكن نهايات هذا الإتفاقية مُرضية لمجموعة من القُوى المتحالفة ضمن تحالف قوى الإجماع الوطني لأنها إنتهت بإنفصال جنوب السودان بنسبة 98.83% بدعم أمريكي أوروبي في العام 2011م(1).بإكمال عملية الانفصال وتنفيذه إجرائيا بدأ فصل جديد من المُعاناة السياسية والاقتصادية في البلد الأم.بعد سنوات من الإنتعاش. إذا أن أول وإكبر إرتدادات الإنفصال هو خروج عائدات النفط من المُوازنة العامة مما كان له الأثر الكبير في التدهور المُريع للإقتصاد السُوداني ككل لاحقاً.

أدى شُح العملة الصعبة في خزينة البنك المركزي لصعوبات حقيقية في تسّسير البِلاد، مما أدى إلى  نقص في السلع الإستراتيجية والأدوية والمواد البترولية، وتراكم الدين العام وإرتفاع التضخم لمستويات غير مسبوقة. حاولت الحكومة مُعالجة الأوضاع ولو جزئيا، ولكنها فشلت في ذلك لأسباب متعددة أهمها  الفساد والعزلة الدولية والإقليمية.

 

 

كُل هذه الأسباب مجتمعة ساهمت في تأثيث  غضب عام وتململاً غير مسبوق في الأوساط الشعبية  والشبابية على جهة الخصوص الغير راغبة اصلاً في إدارة الرئيس عمر البشير، ولكنها دائما ما كانت تصتدم  بسؤال:  من هو البديل؟. هذا السؤال ذو الطابع الشعبي الذي دائما ما يُتوسَل به للإستقرار ويُخشى من بابه التغيير، استطاع أن يؤخر إندلاع الثورة التي إكتملت كل شروطها وأركانها إلى أواخر العام 2018.

سِياقات تشُكل تحالف قوى الحرية التغيير

التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول 2018م كان يوم تاريخي إنطلقت في شرارة حركة إحتجاجية من مدينة عطبرة(2)، شِمالي السودان، كانت كافية لإشعال حركات الاحتجاج السلمي في كل أقاليم السودان تقريبا، إحتجاجا على سوء الأحوال الإقتصادية، تطورت لاحقا لمطالب سياسية، تبلورت بمطالبتها في تغيير النظام كاملا  وهو ما تبنته تنظيمات سياسية كان هذا مطلبا أساسيا بالنسبة لها وأخرى كان سقفها أقل من ذلك، بل وكانت أقصى مطالبها هو عدم ترشح البشير لعهدة رئاسية جديدة. في أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2018 ظهر على خط الأحتجاجات تجمع المهنيين السودانيين .وهو جسم نقابي تكون في العام 2016، مكون من مجموعة من التجمعات النقابية المهنية. إلا أنه سَطع نجمُه في هذا الحِراك وقدم نفسه كمُنسق وقائِد. في هذا السِياق السِياسي والتأريخي وفي الأول من يناير/ كانون الثاني وقًع تجمعُ المِهنيين ومجموعة من تحالفات الأحزاب والقوى المدنية ما بات يُعرف ب إعلان الحرية والتغيير. وهي مسودة تحتوي على رُؤية هذه القوى لطبيعة الفضاء السياسي والإجتماعي الإنتقالي(3).

لاحقاً، انضمت مجموعة كبيرة من التجمُعات المِهنية الوظيفية كأساتذة الجامعات و مُوظفي القطِاع الخاص والمنظمات المدنية والمرأة وأصبح جبهة "عريضة" بالمعنى الحرفي للكلمة، وفي نهاية المطاف أصبحت جبهة قوى إعلان الحرية والتغيير تضم:

 (جمع المهنيين السودانيين، تحالف قوى الإجماع الوطني، قوى نداء السودان، التجمع الاتحادي المعارض، الحزب الجمهوري، الحزب الليبرالي، تيار الوسط للتغيير، مبادرة لا لقهر النساء، حركة قرفنا، التغيير  الآن، تجمع القوي المدنية، لجان المقاومة السودانية، مؤتمر خريجي جامعة الخرطوم، كونفدرالية منظمات المجتمع المدني، تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، منبر المغردين السودانيين، الكيان النوبي الجامع، مجلس الصحوة الثوري، المجموعات النسوية المدنية والسياسية(منسم)، الجبهة الوطنية العريضة، حزب بناء السودان، تجمع أسر شهداء رمضان).

وتجمع المهنيين يضُم ( لجنة المعلمين - لجنة أطباء السودان المركزية - التحالف الديمقراطي للمحامين - شبكة الصحفيين السودانيين - رابطة الأطباء البياطرة الديمقراطيين - تجمع أساتذة الجامعات - نقابة أطباء السودان الشرعية - لجنة مبادرة استعادة نقابة المهندسين -لجنة الصيادلة المركزية - تجمع المهندسين السودانيين - تجمع التشكيليين السودانيين - جمعية اختصاصي الإنتاج الحيواني- تجمع ضباط الصحة - اللجنة المركزية للمختبرات الطبية - تجمع الصيادلة المهنيين) (4).

مستقبل تحالف قوى التغيير

لِقراءة مُستقبل هذه القوى  يجبُ التعرف على الفاعِلين الرئيسين في هذا التحالف  وهم: تجمع المهنيين وقوى التغيير، المجلس العسكري، والحركات المسلحة. وبتتبع مسارات مُكونات هذا التحالف السياسية  وتفكِكيها رُبما  نستطيع أن نتوقع مُستقبلها.

ولنبدأ أولاً بفصل تجمع المهنيين من قوى التغيير، لأن التجمُع بالأساس هو جِسم نقابي إنتحل الشخصية السياسية الصرفة لأسباب موضوعية ربما بدأت تتلاشي. وحان الوقت لتُواجه الأحزاب الجماهير وجهاً لوجه، ولكن ما يهمنا هو أن التجمع أعلن عبر صفحته على الفيس بوك أنه لا يريد المشاركة و التمثيل في أي حكومة وسيكتفي بالمراقبة فقط.وهو أمر مفهوم في  إطار طبيعة وأهداف التجمعات النقابية.

الحركات المُسلحة بالطبع ليست جسمًا واحداُ، وإنما متوزعة داخل التحالفات المختلفة وخصوصاً "نِداء السودان"  وبالتالي سننُظر في مستقبلها ضمن تحالفاتها. وحركات أخرى ليس جزء من أي تحالف. وفي كل الأحوال السِياق الثوري عموماً رُبما لا يضع هذه الحركات في المقدمة وذلك لطبيعة وسيلتها في التغيير في مُقابل الوسائل الشعبية التي أثبتت نجاعتها، وبالتالي في هذه المرحلة ربما لا يكون صوتها عاليا" ومؤثرا في خِضم الزخم الثوري، خصوصا وأن خُصومها التقليديين قد ذهبوا.

صَحيح أن هذا التحالف ذُو طابٍع مرحلي، إلا أنه وبتوقيعه على إتفاق تقاسُم السلطة ربما ينفي عنه هذه الصفة. التحالف مكون بالأساس من أحزاب سياسية تقليدية تختلف في مرجعياتها وأيدلوجيتها إلا أنها تكتلت في نهاية المطاف في " تحالفات" قوي التغيير الثلاثة الرئيسية والمؤثرة : وهي نداء السودان وقوى الإجماع الوطني والتجمع الإتحادى المعارض.إذن التحالف هو عبارة عن تحالفات كُتل. وبمراقبة وفحص إستراتيجيات هذه التحالفات ومواقفها ربما  نستطيع أن نرى مستقبلها.

أول ما يمكن تلمُسه من مواقف هذه الكتل أن إستراتيجتها في إدارة التغير ليست واحِدة. فا تحالف نداء السودان ينتهج سياسة براغماتية تعمد الي تحصيل المكاسب المُتاحة والبحث عن المزيد. وإستراتيجية قوى الإجماع تكمن في التعويل على الشارع المنتفض وإنتزاع المكاسب دفعة واحدة. وبالتالي يُمكنني أن أزعم  أن هذا التحالف الضخم غير مُنسجم وأن هناك تباين واضح بين مكوناته  يظهر بوضُوح من خلال مواقف نداء السودان من جهة وقوى الإجماع  الوطني من جهة أخرى. ولهذا  الزَعم  ما يدعمُه  من المؤشرات والمواقف التي طفت على السطح.

البداية الفعلية التي بدأت تطفو على السطح كانت في في يوم السبت 13 أبريل / نيسان عندما أصدر الحزب الشيوعي بيان إتهم فيه بعض قوي التحالف بتغييب عضوي تحالف قوى الإجماع قصداً وعمداُ رغم تواجُدهم في ذات المكان(5).

في 29 أبريل / نيسان 2019م  وبين ثنايا الاتفاق الوشيك بين المجلس العسكري وقوى التغيير أصدر الحزب الشيوعي "منفردا" " بيان قطع فيه الطريق على الإتفاق ودعا إلى تصعيد العمل الثوري(6).

في 5 مايو / أيار 2019م أصدر تجمع المهنيين بيان اعتذر فيه عن فوضى البيانات التي تخرج من هنا وهناك بإعتباره الخيط الناظم لقوى إعلان التغيير (7)

وفي 28 مايو / أيار 2019 أصدر حزب الأمة   وهو العضو المؤثر والفاعل في تحالف نداء السودان بياناً ربما يمكن وصفة بأنه  "براغماتي" يدعو للأخذ بالمكاسب المحققة والبناء عليها(8).

 

أهم وأقوى مُؤشر من وجِهة نظري هو إستمرار  تستُر الأحزاب السياسية وراء التجمع النقابي الذي كان دائما في واجهة قيادة الحراك في الشارع ،وهو ما يفسر عدم مقبولية هذه الأحزاب لدى قطاعات واسعة من الجماهير.

إن عدم التوافق  على إستراتيجية واضحة داخل هذا  التآلف يُعتبر من أكبر مهددات وجوده في نظري، فضلاً عن ترهله الكبير الذي يعيق حركته السياسية ويؤخر عمليات إتخاذ القرار.

               إذن نستطيع أن نلحظ  أن هنالك تياران داخل هذا التحالف أحدهما ذو توجهات سياسية براغماتيه يقوده حزب الأمة والمؤتمر السوداني أو نداء السودان عموماً، وتوجه ثوري  يقوده الحِزب الشيوعي عبر تحالف قُوى الإجماع الوطني .

اعتماد أي من الاتجاهين، هو ما سيُعبر عن  إستراتيجية  التحالف ككل في التعامل مع شريِكه العسكري وتكريس هذه الشراكة أم فضها، وذلك ربما يتم عبر إعاده تعريف العلاقة بين الشركاء الجُدد  وصياغتها بحيث يمكن إعتبارهم منظومة واحدة تجمعها نفس المصالح وتحيقُ بها نفس الأخطار.

وفي حال اختيار  التشاكس بين تياريي  قوى التغيير  هنالك مخاطِر حقيقية تُهدد تماسُك هذا  التحالف وشراكاته. وفي هذه الحالة  ربما ترث قوي نداء السودان مخرجات إتفاق أغسطس / آب والسير بها مع العسكريين تحت مظلة الإستقرار.

سيناريوهات المستقبل

بعد التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية في 17 أغسطس /آب 2019(9) إنتقلت العلاقة بين قوى التغيير والمجلس العسكري الانتقالي  بالفعل لمربع الشراكة وبالتالي إعادة تموضع كل  الفاعلين الأساسيين في المشهد السياسي حيث :

عاد تجمُع  المِهنيين إلى دوره الرقابي والنقابي بحسب الوعود التي قطعها للجماهير بعدم مشاركته في السلطة الانتقالية.

 

الفعل الآخر اللافت هو مُغاضبة الجبهة الثورية ورفضِها الاتفاق النهائي، في ظل عدم تضمِين مخرجات اجتماعاتها مع قوى التغيير في أديس أبابا في هذا الشهر(10)، وهو ما ترتب عليه عدم حضورها  ومشاركتها في حفل التوقيع المحفُول المشهود أفريقياً وعربياً.

عموماً بدا هنالك ملامح شراكة حقيقة بين قوى التغيير والمجلس العسكري تمظهرت في إنسجام الخطاب الإعلامي وسرعة البدء في التنفِيذ الفعلي للاتفاق.

اقتصادياً نجاح قوى التغيير  رهين بمدى نجاحاتها في معالجة الوضع الاقتصادي المتأزم، وهو أحد العوامل الكفيلة بتحقيق إستقرار للفترة الإنتقالية وزيادة رصيدها الجماهيري حتي الوصول للإنتخابات بعد ثلاثة سنوات.

وتأسيسا على ما سبق يُمكننا أن نتكهن بمستقبل قوي التغيير في واحدة من ثلاثة مسارات:

المسار الأول: الذهاب إلى الاتفاق مع الجبهة الثورية وإدخالها في الحكومة والمجلس التشريعي بإتفاق سلام شامل يعطي ضمانات أكثر لتحقيق إستقرار سياسي وأمني لفترة الإنتقال.

المسار الثاني: ذهاب الجبهة الثورية للمُعارضة وهو أمر وارد في ظِل عدم استيعاب مطالبهم أو مُقاربتها، وهو أمر سيكون مكلف جداً في شقه السياسي والإقتصادي.

المسار الثالث : وهو في حال اهتزاز الثقة بين العسكريين وقُوى التغيير سينعكس ذلك على تماسك التحالف الهش أصلا، مما يُهدد بفض الشراكة، مع ترجيح بقاء الأحزاب  التي تنتهج السياسة البراجماتية لإكمال الطريق الإنتقالي مع العسكريين. ربما يفضي ذلك إلى الوصول لانتخابات مُبكرة. الأمر الذي ترفضه مجموعة من الأحزاب لأسباب موضوعية تارةً وأخرى لخوفها من أن تكتشف حجمها الجماهيري.

وعليه أستطيع القول بأن تجربة هذا التحالف كانت تجربة ثرية في فضاء الإجتماع السياسي في السودان. لكن ضخامة حجمه وإختِلاف إستراتيجة كل"حِلف"  منهم في تحقيق أهدافه، إضافة  لأخطائهم المتكررة في تقدير أوزان القوى الداخلية والخارجية تُعتبر أكبر مهددات إستمراره بتركيبته الحالية.

وأيضا أعتقد بأن المُستحضر الدستوري "الوثيقة"، قد لا تُؤمن إنتقال سياسي آمن ومستقر، نظراً لتجاهلها مطلوبات الجبهة الثورية في تضمين إتفاقها في الوثيقة النهائية الأمر الذي يُعتبر أيضا من مُهددات فترة الإنتقال السياسي ومهددات قوي التغيير نفسها لأن الجبهة الثورية جزء من تحالف التغيير الأساسية.

المصادر

 (1) انفصال جنوب السودان يوليو 2011م

 https://undocs.org/pdf?symbol=ar/S/PRST/2011/3

 (2) إنطلاق شرارة الثورة  في السودان، ديسمبر 2018م

https://tinyurl.com/www-aljazeera-net-programs-new

 (3) مسودة إعلان الحرية والتغيير  الموقع في يناير 2019 م

https://www.sudaneseprofessionals.org/en/declaration-of-freedom-and-change

 (4) الأجسام المنطوية تحت تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير

 https://tinyurl.com/www-sudaneseprofessionals-org

 (5) بيان تحالف قوي الإجماع بخصوص تغيييب عضويتهم

 https://cutt.ly/gXjcwT

 (6) بيان للحزب الشيوعي  خارج أسراب بيانات تجمع المِهنيين وقوى التغيير

https://cutt.ly/IXzrrE

 (7) https://tinyurl.com/y62con4z

بيان تجمع المهنيين إعتذر فيه عن فوضى البيانات

 (8) https://cutt.ly/wXl1hU

بيان من المكتب السياسي لحزب الأمة  يوكد حرصه على وحدة قوى إعلان الحرية والتغيير

(9) https://bit.ly/2zitLEn

السودان: توقيع اتفاق تاريخي يمهد للانتقال لحكم مدني

 (10) https://bit.ly/2OHbZ8h

السودان.. "الجبهة الثورية" تعلن رفضها وثيقة "الإعلان الدستوري"

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟