المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

ما الخطورة إذا انزلقت الولايات المتحدة إلى حرب العملات؟

الخميس 22/أغسطس/2019 - 07:17 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
نيل إيروين – ترجمة: عمرو خليل

بعدما شهدت الفترة الماضية توترات تجارية طويلة الأمد بين أكبر اقتصادين في العالم، رأينا قيام الولايات المتحدة يوم الاثنين الخامس من أغسطس 2019 بإعلان الصين دولة متلاعبة بالعملة، الأمر الذي يعني انتقال الحرب التجارية إلى منطقة حرب العملات القابلة للاشتعال بصورة مستمرة، مما سيؤثر بالطبع على النظام المالي العالمي في حالة استمرار التصعيد من قبل البلدين.

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بقوة على الساحة في الوقت الراهن، هل سمحت الصين لليوان بالهبوط أمام الدولار لمجرد تعديل وتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي للدولة، وذلك كما يجادل القادة الصينيون وبعض الاقتصاديين الدوليين؟ أم أن هذه الخطوة جاءت لإعطاء المصدرين الصينيين ميزة غير عادلة في التجارة الدولية، وذلك كما يجادل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب؟

ولعل هذا الصدام بين الولايات المتحدة والصين، يعكس بصراحة رفض الرئيس "ترامب" لإجماع معظم صناع السياسة الاقتصادية في العالم، حول ضرورة أن تكون الدول حرة في وضع السياسات النقدية التي تهدف إلى توليد نمو اقتصادي مستمر، حتى لو أدى ذلك إلى تخفيض قيمة عملتها، إذ أن الدول يجب أن يكون لها مطلق الحرية في إدارة أسعار الصرف الخاصة بها طالما أنها تحافظ على هذه الأسعار ضمن نطاق واسع يتماشي مع السياسة الاقتصادية المتبعة في الدولة.

ومن الواضح أيضًا أن الرئيس "ترامب" يركز بشكل فردي على تقليل العجز التجاري للولايات المتحدة، حيث يرى أن هذا العجز يجعل الولايات المتحدة خاسرة في نظام التجارة العالمي. لكن الحقيقة أيضًا أن شن حرب عملات سوف يؤدي إلى خسارة كبيرة للولايات المتحدة.

حيث تقول "كريستين فوربس" الخبيرة الاقتصادية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا  والمسؤولة السابقة في وزارة الخزانة الأمريكية وبنك إنجلترا "إن أسعار الصرف تعتبر أداة لامتصاص الصدمات في الاقتصاد العالمي".

في الماضي كانت هناك مجموعة من القيود والضغوط على تقييم العملة لسنوات طويلة، لاسيما وأن الاقتصادات الرئيسية في العالم كانت تتعامل مع نمو متباطئ، لكن الآن أصبحت الدول تسعى إلى تحفيز اقتصاداتها المحلية، من خلال خفض البنوك المركزية لأسعار الفائدة واتخاذ مجموعة من الخطوات لضخ الأموال في الأنظمة المالية الخاصة بها، هذا فضلًا عن اللجوء أحيانًا إلى خفض الفائدة. ووفقًا للرأي السائد بين الاقتصاديين الدوليين فإن تخفيض العملة من قبل الدولة لا يعد تلاعبًا بها، إذ إن انخفاض أسعار الفائدة من شأنه أن يولد المزيد من النشاط الاقتصادي، مما يجعل العالم بأسره في وضع أفضل.

لكن المشكلة أن إدارة الرئيس "ترامب" تنظر إلى موضوع سياسة العملة العالمية من زاوية "اللعبة الصفرية"، بما يعني أن خفض دولة لقيمة عملتها يعني أنه يجب أن يكون هناك خاسر من وراء ذلك، لكن الحقيقية أنها ليست لعبة يجب أن يخسر فيها طرف ما، في مقابل فوز طرف آخر.

وبهذا المعنى، فإن الخطوة الأخيرة من قبل الولايات المتحدة باعتبار الصين دولة متلاعبة بالعملة تهدد بإحداث اهتزاز في النظام الاقتصادي العالمي المستقر نسبيًا، مما يخلق تأثيرات تموج غير متوقعة، فعندما تتأرجح العملات بصورة كبيرة، فإن ذلك بالطبع سوف يؤثر على أكبر الاقتصادات في العالم، من خلال عدم قدرة العديد من القطاعات على المنافسة في الأسواق العالمية بعد التأرجح الشديد لأسعار الصرف العالمية.

هذا فضلًا عن أن هذه الخطوة يمكن أن تقوض الدور المحوري الذي لعبته الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي، خاصة إذا تم اتباع هذه الخطوة بخطوة أخرى للانتقام من الصين عبر تخفيض قيمة الدولار بشكل مصطنع. ووفقًا لما يراه "آدم بوسن" رئيس معهد بيترسون فإن "الدولار كونه العملة الرئيسية في العالم فإنه يقدم العديد من الفوائد الهائلة للولايات المتحدة، ولكن إذا ما حاولت الولايات المتحدة خفض الدولار، فإن الدور الريادي الذي تلعبه في النظام العالمي سوف يتم تقويضه بصورة واضحة، لاسيما إذا حاولت الولايات المتحدة التصرف بصورة مفرطة".

ومن الصحيح أن قرار تسمية الصين بدولة متلاعبة بالعملة لا يفعل الكثير في حد ذاته، إلا أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى الضغط على صندوق النقد الدولي والدول الأخرى لاتخاذ نفس القرار أو قرارات متاشبهة للضغط على الصين لضبط سياساتها، هذا فضلًا عن إمكانية التدخل من قبل وزارة الخزانة الأمريكية بشكل مباشر في أسواق العملات الأجنبية.

وينبغي الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها الرئيس "ترامب" شريكًا تجاريًا رئيسيًا بإساءة استخدام سياسة العملة للتأثير بالسلب على الولايات المتحدة، فقد هاجم البنك المركزي الأوروبي في يونيو الماضي لإتخاذه خطوات نحو التحفيز النقدي، حيث انتقد "ترامب" تلك الخطوات، مدعيًا أن الانخفاض الناتج في قيمة اليورو سهل على الأوروبيين التنافس بشكل غير عادل ضد الولايات المتحدة. لكن البنك المركزي الأوروبي أوضح أن التحفيز النقدي كان خطوة حيوية لمحاولة منع أوروبا من الانزلاق مرة أخرى نحو الركود، هذا فضلًا عن أن الرئيس السابق "باراك أوباما" هو الذي شجع البنك المركزي الأوروبي على اتخاذ مثل تلك الخطوات، معتقدًا أن تقوية الاقتصاد الأوروبي سوف يعود بالنفع في نهاية المطاف على الاقتصاد الأمريكي، حتى لو كان هناك تأثير على العملات.

ومثلما فعل الاتحاد الأوروبي فإن تخفيض الصين لعملتها جاء للحفاظ على الدولة من الركود، فمع تباطؤ الاقتصاد في الصين، لاسيما بسبب الحروب التجارية، فإن قوى السوق تميل إلى خفض العملة، لكن بنك الشعب الصيني حاول جاهدًا الدفاع عن العملة ضد الانخفاضات الكبيرة، بهدف منع رؤوس الأموال من التدفق إلى خارج البلاد أو زعزعزة الاستقرار الاقتصادي العالمي، لكن في النهاية كان من الضروري تخفيض قيمة العملة للاقتراب من سعرها الحقيقي في الأسواق، وبالتالي فإن قرار الإدارة الأمريكية باعتبار الصين دولة متلاعبة بالعملة جاء في غير محله.

ومن الصحيح أن الصين عملت لسنوات طويلة على خفض قيمة عملتها وربما لجأت إلى ممارسات غير عادلة للحصول على مزايا نسبية من التجارة الدولية ضد شركائها التجاريين، لكن هذه الممارسات انتهت في فترة 2010 تقريبًا. وبما أن قرار إدارة "ترامب" يركز على الإجراء الأخير من قبل الصين بتخفيض العملة بعد فرض مزيد من التعريفات الجمركية ضدها، فإن هذا القرار لا يتطابق مع المنطق الاقتصادي السائد حاليًا.

هناك أيضًا مفارقة عجيبة للرئيس ترامب، فبسبب الدور الفريد للدولار كعملة احتياطي عالمية، عندما يكون هناك ذعر خارج الولايات المتحدة، فإن المال يتدفق إلى سندات الخزانة الأمريكية، والتي تعتبر الأصول الأكثر أمانًا على وجه الأرض، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى دعم قيمة الدولار ودفع العملات الأجنبية إلى الأسفل.  بمعنى آخر، كلما حاول الرئيس "ترامب" الضغط على البلدان الأخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو الصين أو أي دولة أخرى  نتيجة قيامهم بتخفيض العملة، كلما زاد الضغط على الدولار، مما قوض تلك الجهود.

وهذا على الأرجح أسوأ ما في الأمرين، فعندما يرتفع الدولار في أسواق العملات بسبب ازدهار الاقتصاد الأمريكي، فإن ذلك يُصّعب على الصناعات التصديرية الأمريكية المنافسة في الأسواق العالمية، لكنه على الأقل يحدث في سياق نمو قوي، لكن بالنسبة لارتفاع الدولار بسبب الاضطرابات الاقتصادية العالمية، فإن هذا يعني أن المصدرين يجدون صعوبة في التصدير للخارج بسبب ارتفاع قيمة العملة، هذا فضلًا عن تعرض الاقتصاد الكلي للضغوط المختلفة، والمثال الواضح على ذلك ما حدث في خريف عام 2008، عندما كان الاقتصاد الأمريكي في حالة سقوط حر، ومع ذلك ارتفع الدولار بسبب الأزمة المالية العالمية.

ويبدو أن إدارة الرئيس "ترامب" قد إعتادت الربط بين العناصر التي من المفترض أنه لا صلة بينها، للضغط على البلدان الأخرى، فعلى سبيل المثال قد استخدمت تهديدات التعريفة الجمركية لمحاولة التأثير على سياسة الهجرة المكسيكية، ولكن إذا واصلت الإدارة السير في طريق استخدام سياسة العملة في محاولة ضرب الصين في قضايا التجارة والتكنولوجيا والأمن القومي، فإن هذا يعني الدخول إلى منطقة سياسة "سياسة العملة" كانت مصدر للاستقرار في العقود الأخيرة.

وكما قال "إريك وينوجراد" كبير الاقتصاديين الأمريكيين في شركة أليانسبرنشتاين " إنه لمن الخطورة بدء حرب عملة لأنك لا تعرف إلى أين ستنتهي، لقد رأينا أن الحرب التجارية بدأت في مكان احد، وانتهى بها المطاف إلى أماكن عدة، وهذا ما ستفعله حرب العملة بالضبط".

Neil Irwin, What’s at Risk if the U.S. Stumbles Into a Currency War, The New York Times, August 7, 2019, available at:           

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟