استغلال المساجد والتطرف في أوروبا .. آليات التجنيد والارتباطات الخارجية
تشير بعض الدراسات إلى أن ثلث المقاتلين
الأجانب في سوريا هم من الأوروبيين ويقدر المركز الدولي لدراسة ظاهرة التشدد
التابع لجامعة كينغز كوليدج في لندن عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بواحد وأربعين
ألفا قتل بعضهم ورجع بعضهم إلى بلدانهم و ما تبقى ما زال موجودا هناك ويرى المركز
أن عدد الأوروبيين أكثر من البيانات المقدمة من بعض الحكومات .
تختلف الأرقام بين مراكز البحث لكننا نستطيع أن
ننشر المتفق عليه فكل البيانات تتفق مثلا على أن الدول الأكثر تصديرا للمقاتلين هي
فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وذلك وفقا للبيانات التي قدمتها تلك الدول نفسها
و حسب وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول فإن حوالي ستة آلاف مقاتل أوروبي كانوا في
سوريا وقد رجع الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية ويشمل هؤلاء الحاصلين على الجنسية
والمواطنين الأصليين ولا تشمل الأرقام المهاجرين المقيمين على الأراضي الأوروبية
والذين ذهبوا إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق .
تهمنا هذه الأرقام كثيرا في دراستنا عن دور
أئمة المساجد والجمعيات الإسلامية في صناعة هؤلاء المتطرفين ومن ثم شحنهم
إلى جبهات القتال سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو أية جهة أخرى جاذبة
للمتطرفين والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هل من المعقول أن يكون أعداد الأوروبيين
المنضوين في صفوف هذه الجماعات أكبر من عدد المقاتلين من الدول الإسلامية نفسها
فدولة مثل ألمانيا حسب بياناتها كان لديها 1050 مقاتل في سوريا وهي دولة مسيحية
يقدر عدد سكانها بحوالي ثمانين مليونا بينما دولة إسلامية مثل مصر يقدر عدد
سكانها بمئة مليون كان لديها 800 مقاتل في سوريا رغم أن مصر بيئة خصبة للجماعات
الإسلامية .
ما سبق يؤكد على وجود خلل في أوروبا الغربية
ولدراسة هذا الخلل بجب أن نبحث عن الأسباب فمما لا شك فيه أن الإسلاميين
نشطون في أوروبا وإلا لما أفرزوا كل هؤلاء المقاتلين وهنا يجب أن نبحث عن الجمعيات
والمساجد والأئمة الذين تخرج على أيديهم هؤلاء المتطرفون.
أولاً- دور
أئمة المساجد في تجنيد المقاتلين لصالح التنظيمات الإرهابية
أن
يتمتع الإمام أو خطيب المسجد بشخصية كاريزمية كفيل بأن يمنحه القدرة على
اجتذاب الشباب والتأثير بهم للالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية .. بهذه
الكلمات وصف الجهادي الموقوف في ألمانيا أيوب (27 عاما) دور الإمام في
جذب الشباب إلى داعش خلال اعترافاته أمام محكمة مدينة سيلة شمال ألمانيا وقد اعترف
أنه تأثر بأحد أئمة المساجد لينضم بعدها إلى تنظيم داعش وقد سلطت إعترافاته الضوء
في الصحافة الألمانية على الدور السلبي الذي يلعبه أئمة المساجد في خلق وصناعة
الجهاديين .
و يوجد
الآلاف من أئمة المساجد في ألمانيا يديرون 2600 مسجدا وأغلبهم لا يحملون مؤهلات
علمية وتتحكم فيهم الجمعيات التركية غالبا فعدد الأتراك في ألمانيا هو ثلاثة
ملايين من أصل خمسة ملايين مسلم وتصل عدد الجمعيات الإسلامية إلى حوالي 2000 جمعية
غالبيتها مدعومة وممولة من قبل الدولة التركية .
حسب
ما صرح رئيس مكتب حماية الدستور بولاية شمال الراين وستفاليا في غرب ألمانيا
بوركارد فراير إن 109 مسجدا من مجموع 850 مسجدا موجودا في الولاية تخضع لمراقبة
السلطات الأمنية وأكد فراير في مؤتمر صحفي عقده الأربعاء الثالث من تموز/ يوليو
2019 في مدينة دوسلدورف إن هذا العدد ازداد بشكل ملحوظ في الأعوام الأخيرة وأوضح
المسؤول الأمني بأنه يتم تصنيف مسجد ما بكونه ذا ميول تطرفية عندما يقصده سلفيون
متطرفون أو تتكرر فيه خطابات الكراهية ومن بين 109 مسجداً خاضعاً لرقابة
الجهات الأمنية هناك 70 مسجداً تحوم الشكوك حول توجهاته السلفية وتعتبر السلطات أن
16 مسجداً آخر له ارتباط مادي وهيكلي بجماعة الإخوان المسلمين .
أما في السويد فإن جهاز المخابرات
السويدية "السابو" شرع في تبني تكتيك جديد لطرد الأئمة المتورطين في
الترويج لفكر الحركات المتطرفة عبر استغلال المساجد السويدية حيث كان أول
الإسلاميين المتطرفين الذين جرى اعتقالهم إمام مسجد يافلا رياض عبد الكريم
الملقب بأبي رعد ثم جرى اعتقال حسين الجبوري من مدينة أوميو شمال البلاد وهو
من المقربين من أبي رعد وأخيرا تم اعتقال الشيخ فكري حامد .
في النمسا وفي 2018 قامت الحكومة بإغلاق سبعة
مساجد وطرد ستين إماما بدعوى أن المساجد ممولة من تركيا والأئمة مرتبطون وممولون
من قبلها والغريب أن الرئاسة التركية اعتبرت ذلك عملا معاديا للإسلام حسب
تصريح رسمي صادر منها وهذا يدل على أن تركيا تعتبر نفسها محتكرة للإسلام .
في فرنسا وبعد سلسلة الهجمات الإرهابية التي
ضربتها ركزت الصحافة الفرنسية على دور أئمة المساجد في نشر خطاب الكراهية وتم
بالفعل طرد عشرة أئمة خلال سنة واحدة بعد العمليات الإرهابية وبلغ عموم الأئمة
المطرودين بعد 2012 حوالي أربعين إماما وفي بريطانيا صرح ديفيد كاميرون حين كان
رئيسا للوزراء بأنه يتعين على أئمة المساجد نشر أفكار التسامح بدل أفكار الكراهية
وقد حدث على إثرها أزمة بينه وبين الجمعيات الإسلامية .
مما سبق يتأكد لنا الدور السيئ الذي يلعبه أئمة
المساجد في نشر العنف وخطاب الكراهية وتجنيد المقاتلين في عملية صناعة الموت
الممنهجة وأغلب هؤلاء الأئمة لا يتحركون بشكل منفرد بل يتبعون جهات ودولا أخرى هي
التي تمولهم وتحركهم بالشكل المطلوب .
ثانياً- الدول و المنظمات
التي تتحكم في أئمة المساجد ومصادر التمويل
تختلف تبعية الجمعيات والمساجد من دولة أوروبية
إلى أخرى فبينما يعمل بعض الأئمة بشكل فردي في بعض الدول مثل السويد نجد أن دولة
مثل ألمانيا تتحكم فيها الجمعيات التركية في الغالب بينما تتحكم قطر في الجمعيات
الإسلامية في بريطانيا وأغلبها يتبع لجماعة الإخوان المسلمين النشطين في لندن
وضواحيها وتستفيد قطر من حجم استثماراتها الهائلة في بريطانيا للتحكم في هذه
الجماعات .
ونوع الجاليات في الدول الأوروبية يؤثر على مدى
تحكم الدولة التي تنحدر منها تلك الجاليات ففي دولة مثل ألمانيا تتحكم تركيا بمعظم
المساجد وأئمتها وهي التي تختارهم وترسلهم إلى ألمانيا وتدفع رواتبهم من خزانة
الدولة التركية وطالما اشتكت جهات عدة في ألمانيا بتبعية اتحاد الجمعيات الإسلامية
"ديتيب" للدولة التركية وبما أن الدولة التركية انتهجت في عهد العدالة
والتنمية برنامج دعم الحركات الإسلامية والجهادية فإن تأثير الأئمة في ألمانيا على
الشباب و تجنيد الجهاديين أكبر منها في دولة مثل فرنسا مثلا التي ينحدر مهاجروها
من الدول المغاربية التي لا تمتلك سياسة ممنهجة مثل تركيا وقطر في دعم الجماعات الإسلامية
في أوروبا .
ثالثاً- التجنيد وحقن الأفكار.. دور الأئمة
في توليد العنف
لا شك أن أي إنسان حتى يصل إلى مرحلة التطرف
والقتال والجهاد تلزمه أرضية مناسبة وإلا فمن المستحيل أن يفيق الإنسان صباحا
ليقول سأذهب وأجاهد في سبيل الله في سوريا أو العراق ومن هنا يأتي دور من يحقنه
بالأفكار المناسبة أما العملية فهي تدريجية تبدأ بزرع البذرة في الدماغ ثم سقايتها
حتى تنمو جيدا ثم يأتي دور المنسق الذي يرسل المجاهدين إلى الخارج .
حقيقة، فإن هذه القضية في غاية الأهمية لأن
القانون لا يحاسب زارع الفكرة والساقي بل يحاسب الذي يقطف الثمار و عادة ما يعتبر
الخطيب الذي يبذر ويهيئ البيئة المناسبة بالإسلامي المعتدل أما الذي ينفذ العملية
فهو الإرهابي المجرم مع أن ذلك الإرهابي هو مجرد ضحية مغسولة الدماغ لذلك الذي
ينشر السم الزعاف من أعلى المنابر .
الإسلاميون كلهم كتلة واحدة وهم يكملون بعضهم
بعضا والقضية تبدأ كلها عن طريق النصوص الدينية التي يتلاعبون بمحتواها ومفهومها
وناسخها ومنسوخها فيقدمون للمتلقي اللبنة الأولى نحو التطرف وهنا يركز أئمة
المساجد بداية على فكرة أن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن
يقبل منه وبالتالي يزرعون فكرة التقوقع الأولى داخل ذهن المتلقي ليصبح الآخر
المختلف عنه غير مقبول ربانيا وبالتالي غير مقبول عنده أيضا ثم بعد ذلك تبدأ فكرة
ضرورة دعوة جميع البشر إلى الهداية للإسلام وإخراجهم من الظلمات إلى النور فينغرس
الإحساس داخل المتلقي أن كل ما حوله من البشر والأديان والملل والنحل يعيشون
في ظلام وأنه مسؤول عن إخراجهم إلى النور .
بعد ذلك يبدأ خطاب الكراهية بالدعوة على اليهود
والنصارى وعادة ما تنتهي كل خطب الجمعة بهذه الدعوة ثم تبدأ فكرة المظلومية وأن كل
العالم متآمرون على الإسلام ما يخلق حزناً وغيظاً وشعوراً بالانتقام في نفس
المتلقي ثم تبدأ فكرة الجهاد ووجوبه على المسلمين وهذه أيضا نقطة خطيرة فكون
الجهاد واجبا وفرضا يحفز الشاب إلى القتال فإذا لم يستطع الذهاب إلى جبهات القتال
وقد انغرست في دماغه فكرة أن كل من حوله كفار استسهل القضية وارتكب عملية ما في
محيطه سواء كان تفجيرا بقنبلة بدائية أو حتى عملية بالسواطير والسكاكين .
النصوص الدينية المستخدمة لدى الخطباء كثيرة
ولا مجال لذكرها في هذا البحث ولكنهم يركزون على آية تكفير المسيحيين التي تقول (لقد
كفر الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة) .. الآية 73 سورة المائدة-وذلك لكي يأخذ
المسيحي حكم الكافر فيستحلوا قتله ويركزون على حديث (أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم
وأموالهم) .. رواه البخاري ومسلم- و لهذا
يرون أن دماء الناس وأموالهم ونساءهم حق لهم ما لم يدخل الطرف الآخر إلى الإسلام .
هؤلاء هم أئمة الفكرة والذين يجهزون المجاهد
نفسياً وهم يتبعون لجمعيات توصف بالمعتدلة ثم يأتي دور الإمام الذي يعمل مع
التنظيمات المتطرفة والذي يوصف بالسلفي المتشدد و يكون دوره تعزيز الفكرة
بشكل أكثر وضوحا وشراسة في ذهن الشباب ثم ينسق ويرسل المجاهدين إلى جبهات
القتال حيث تكون هناك شبكة عنكبوتية وتنسيق تام بين المصدر والمكان الذي يذهب إليه
المجاهد .
رابعاً- استغلال الثغرات القانونية
الأوروبية وأجواء التسامح الغربية
تستفيد الجماعات الإسلامية بشكل عام من أجواء
التسامح الأوروبية للتوغل والانتشار والعمل داخل المجتمعات الأوروبية وتستغل كذلك
الثغرات القانونية ومبدأ حرية العقيدة والتعبير وتبادل الأفكار وتستفيد من قانون
إنشاء الجمعيات والمؤسسات التي توفرها الحكومات وذلك لاستغلالها في أنشطة غير
مشروعة فيما تبدو ظاهريا وحسب القانون أنشطة لا غبار عليها .
خطبة الجمعة في أوروبا تعتمد على لغات البلدان
التي ينحدر منها اللاجئون وبعد كل حدث إرهابي تتحدث الصحافة الأوروبية عن هذه
الإشكالية نظراً لصعوبة مراقبة تلك الخطب ومعرفة مدى مطابقتها لدساتير الدول
الأوروبية ففي دولة مثل ألمانيا يخطب أئمة المساجد باللغة التركية أو البوسنية أو
العربية ويصبح من الصعب مراقبة هذه الخطب وترجمتها بالشكل الصحيح ومقارنة كلمات
التحريض وخطاب الكراهية بين اللغتين حيث تختلف دلالة الكلمات وكذلك النصوص الدينية
التي تحمل معان كثيرة فعلماء الدين الإسلامي أنفسهم وصفوا النصوص الدينية بأنها
حمالة أوجه ولذلك اختلفوا هم أنفسهم في فهم معانيها ومع عدم وجود تشريعات
قانونية ألمانية في تحديد خطاب التحريض والكراهية باللغات الأخرى يلعب الأئمة على
هذه النقطة ونصبح أمام مجتمعات موازية مغلقة داخل المجتمعات الأوروبية .
نقطة قانونية أخرى يلعب عليها المتشددون وهي
عدم ترحيل من يشتبه أنه سيحكم بالإعدام في بلده ولذلك يتجه المتطرفون الأكثر تشددا
نحو أوروبا ورغم معرفة الأوروبيين بتاريخهم إلا أنهم لا يرحلونهم بحجة أنهم
سيعدمون في بلادهم ولذلك يستفيد الأكثر تشددا من القوانين الأوروبية على عكس
اللاجئ العادي الذي من الممكن أن يتعرض للترحيل بكل سهولة وعلى هذا المبدأ أصبح
هناك شعور عام في الكثير من الدول الأوربية لدى اللاجئين بأن هناك أفضلية للدواعش
دائما .
قضية الحارس الشخصي لأسامة بن لادن
التونسي سامي العيدودي تكشف بوضوح هذه الإشكاليات القانونية في أوروبا فقد
عاش الرجل في ألمانيا منذ 1997 وكان يتقاضى 1168 يورو شهريا كمساعدات وتم ترحيله
في 2018 بضغوط من اليمين وكانت المحكمة الإدارية في مدينة جيلزنكيرشن الألمانية
قضت في اليوم السابق للترحيل بعدم جواز ترحيله إلا أن قرار المحكمة لم يصل
إلى السلطات المختصة إلا بعد الترحيل .
واعتبر قضاة محكمة جيلزنكيرشن ترحيل التونسي
انتهاكا للقانون وطالبوا بإعادته إلى ألمانيا وقد تعرضت مدينة بوخوم
الألمانية للغرامة بسبب ترحيله والفشل في استعادته رغم أن آلاف التونسيين غيره قد
تم ترحيلهم لرفض طلبات لجوئهم بعد أن صنفت الدول المغاربية كدول آمنة ولم ترفض أية
محكمة ترحيلهم .
خامساً- غياب
آليات التمييز بين الدعوة للإسلام والتجنيد للتنظيم
فالقانون الأوروبي عكس القوانين في الكثير من
الدول العربية مثلا لا يجرم الدعوة إلى أي دين وبالتالي لا يمنع إقامة أماكن
للعبادة لذلك الدين وتستغل الجماعات الإسلامية هذه الخاصية لدعوة الأوروبيين إلى الانتماء
إلى تنظيماتهم ومن ثم تجنيدهم للقتال في الخارج أو تنفيذ عمليات إرهابية في الداخل
الأوروبي ولكن لا توجد أية آلية للتفريق بين من يدعو إلى الإسلام كدين أو يدعو للانتماء
إلى تنظيمه الذي يتخذ من الدين مجرد ستارة لأعماله المافيوية .
الجمعيات الإسلامية تقوم بتغيير اسم الداخل
الجديد إلى الإسلام وغالباً ما يختارون له اسماً عربياً يرجع إلى العهود
الأولى للإسلام وهي أول طريقة لسلخ الشخص عن هويته الأوروبية ومن ثم الانسلاخ عن
عاداته وتقاليده وقوانينه التي تربى عليها وهذه النقطة خطيرة جدا فهي بداية الطريق
لعملية غسيل الدماغ الممنهجة علماً أن تغيير اسم الشخص الداخل إلى الإسلام ليس من
الإسلام في شيء فالرسول لم يغير اسم أحد وبقي اسم سلمان الفارسي وصهيب الرومي
وكابان الكردي كما كانت واكتفى الرسول بتغيير بعض الأسماء العربية التي لا
تتناسب مع روح الإسلام ويفوح منها رائحة الشرك كعبد اللات وعبد العزى وهما آلهتان
كانتا تعبدان لدى العرب قبل الإسلام .
فكرة تغيير الاسم لم توجد في التاريخ الإسلامي
وتم استحداثها بعد حركة المد القومي العربي أيام عبدالناصر ثم تبناها البعثيون حتى
أصبحت ركيزة لدى جميع المؤسسات الإسلامية اليوم ومنها الأزهر و لتغيير الإسم هدفان
رئيسيان أولهما سلخ الشخص من هويته وانتمائه وقومتيه والثاني قوقعته داخل زمن غير
الزمن الذي يعيش فيه وهو زمن الغزو والسبي والسيف وهو من أخطر ما أنتجه تمازج
الفكر القومي العروبي مع الفكر الديني مع أن الأساس في الإسلام أن من آياته اختلاف
ألسنتكم وألوانكم كما تقول الآية الكريمة .
للأسف لا توجد أية آلية لدى الأوروبيين لفهم
هذه الأشياء ولا منع عمليات غسل الأدمغة ولا قوانين ثابتة لتحديد نوعية الإسلام
الذي ينتمي إليه الشخص وهل دخل ذلك المواطن إلى دين جديد أم دخل إلى عصابة إجرامية
ولو وجدت مثل هذه القوانين لتم تجريم الكثيرين فلا حرية في الإنتماء إلى الفكر
الدموي وأمراض التاريخ وخلق شخصيات عبثية تنحر هنا وتذبح هناك .
سادساً- تقليص
التأثير المادي والمؤسساتي الخارجي على المراجع الإسلامية الأوروبية
في عام 2017 قام الصحفي الألماني كونستانتين
شرايبر الذي يتقن عدة لغات بينها العربية بالدخول إلى مساجد مختلفة والاستماع إلى
خطب الجمعة ثم ترجم تلك الخطب وألف كتاباً بعنوان (الإسلام من الداخل)، وكانت
النتائج التي توصل إليها ذلك الإعلامي مخيبة للآمال فمن ملاحظاته المهمة أن الخطب
التركية سياسية الطابع أما الخطب العربية فإنها دينية روحانية أكثر وأخف وطأة من
الخطب التركية لكن كل الخطب في مجملها تهاجم النظام الألماني والغربي ولا تعترف
بالديمقراطية والنظام العلماني و ليست هناك أية رقابة على تلك الخطب .
لأجل ما سبق تعتزم الحكومة الألمانية تغيير هذا
الوضع وتقليل التأثير المادي والمؤسساتي على الأئمة من الخارج فهي تريد دعم
إسلام داخلي من أجل ألمانيا والرفع من عدد الأئمة المكونين محليا إذا توجه شباب
وُلدوا ونشؤوا في ألمانيا إلى المسجد أو البحث عن نصيحة من إمام فإنه من
الأفضل أن يكون لرجل الدين تجربة مع الحياة في ألمانيا كما يقول ماركوس
كربير سكرتير الدولة في وزارة الداخلية في حديث مع دويتشه فيله ويضيف كربير
الأمر لا يتعلق بإضفاء طابع ألماني على الإسلام بل توطين الإسلام في ألمانيا
والهدف هو أن يشعر المسلمون الذين يعيشون هنا بأنهم مقبولون مع دينهم وأنهم إثراء
لبلادنا .
في الجدل حول التأثير الأجنبي داخل الجالية
المسلمة في ألمانيا يلعب الاتحاد التركي الإسلامي دورا محوريا فالأئمة
التابعون لهذا الاتحاد يديرون 900 مسجد ويعتبر الإتحاد التركي الإسلامي
المنظمة الإسلامية الأكبر في ألمانيا و يتم تكوين أئمتهم في تركيا التي ترسلهم
وتمولهم أيضا وقد اعتبر ذلك إشكالية لاسيما أننا لا نتعامل هنا مع مجموعة دينية بل
مع دولة توفد هؤلاء الأئمة و يقول النائب كريستوف دي فريز من الحزب المسيحي
الديمقراطي لدويتشه فيله هناك انتقاد واسع لتدخل الاتحاد التركي الإسلامي في
القضايا السياسية الوطنية .. نريد أن لا ترسل سلطة دينية في تركيا أئمة إلى
ألمانيا بل أن يعمل تدريجيا أئمة مكونون في ألمانيا كما يشرح سكرتير
الدولة كربير .
وفي فترة ليست ببعيدة تصدر الاتحاد التركي
الإسلامي في ألمانيا عناوين الصحف حول دوره السلبي و يتمثل ذلك في الاتهام بالتجسس
وتبجيل الهجوم العسكري التركي على مدينة عفرين السورية الكردية داخل المساجد
التابعة للاتحاد التركي الإسلامي إضافة إلى مشاركة أعضاء من الإخوان المسلمين في
تظاهرات للاتحاد التركي الإسلامي في كانون الثاني/يناير 2019 .
أما في فرنسا فقد اتخذت الدولة منحى آخر حيث
وقع الرئيس السابق فرانسوا هولاند مذكرة تفاهم مع الملك المغربي محمد السادس بعد
زيارة للمغرب لتأهيل الأئمة الفرنسيين داخل المغرب ليدعوا إلى إسلام معتدل
ينسجم مع قيم الانفتاح والتسامح وتفيد بعض المصادر الفرنسية أن نحو خمسين من
الأئمة الفرنسيين يمكن أن يتابعوا سنويا في المغرب .
ويتلقى هؤلاء الطلبة دروسا تندرج في الحرية
الدينية التي يكفلها الدستور الفرنسي بالإضافة إلى تاريخ العلمانية في فرنسا
وفق ما جاء في تصريح لأحدهم لفرانس24 واعتبر هولاند أن هؤلاء الأئمة يمكن أن يظهروا
لفرنسا أن الإسلام دين سلام .
أما في بريطانيا فقد هددت تيريزا ماي في آذار
مارس 2015 بشن حملة على أئمة المساجد لدورهم في نشر التطرف لكن لم تتخذ الحكومة
أية إجراءات حقيقية وليست هناك مرجعية ولا محاولات إصلاح كما حدث في فرنسا وتبقى
جماعة الإخوان المسلمين والأموال القطرية هي التي تتحكم في المجتمع الإسلامي في
بريطانيا .
مما سبق نستشف أن مساجد أوروبا متحكم فيها من
الخارج ومن الضروري أن تكون هناك مرجعيات أوروبية هي التي تؤهل الأئمة وتتحكم في
المسار الديني وتنظم عملية المساجد والخطابة ومن المهم أن تكون هناك مؤسسة خاصة
لمن يدخلون إلى الإسلام حتى تحدد بشكل دقيق إلى أي إسلام دخل هذا المواطن وهل هو
بصدد تغيير وجداني روحي أم تم التلاعب بعقله من قبل تنظيمات عصاباتية ستلقي به إلى
التهلكة .
سابعاً- الاستغلال السياسي للجماعات
الإسلامية
هناك قضية في غاية الأهمية ولها دور سلبي جدا
في نشر التطرف داخل أوروبا وهي قضية الاستغلال السياسي للجماعات الإسلامية فمنذ
بداية إنشاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر في العشرينات من القرن الماضي تنافست
بريطانيا وألمانيا النازية على كسب ودها ثم اتخذ الإسلام السياسي بالنسبة للغرب
كحاجز ضد تمدد الشيوعية في الشرق ثم تم دعم المجاهدين في أفغانستان ضد السوفييت
وعلى إثر ذلك تنامت العلاقات بين جهات استخباراتية غربية والجماعات الإسلامية وكان
لا بد من تواجد تلك التنظيمات على الأرض الأوروبية وقد كانوا نواة جذب للجماعات
الأخرى فيما بعد و مدخلا سيئا لنشر أفكار التشدد في الغرب حيث إن تلك
الجماعات كانت ذات خبرة خطابية واستلمت المساجد و التف الجيل المسلم المولود
في أوروبا حولهم وملؤوا الفراغ في ظل عدم وجود أية مرجعية أخرى .
في التسعينات كانت بريطانيا تستقبل أعضاء
وقيادات الجماعة الإسلامية المصرية التي كانت تنفذ أعمالا إرهابية كبرى في
مصر وقد قدمت الخارجية المصرية حينها مذكرة احتجاج للخارجية البريطانية وفي
ألمانيا تساهلت الدولة مع الأئمة الذين يرسلون المقاتلين إلى الخارج بل سهلت
خروجهم حسب برنامج المونيتور على قناة wdr الألمانية
ولا يمكن إغفال الدور الاستخباراتي للدول حين نتحدث عن التنظيمات الإسلامية فيها
ولعل هذا الموضوع بالذات يحتاج إلى بحث خاص أكثر استفاضة وتوسعاً مع العلم أن
أوروبا لا تمتلك حتى الآن أية استراتيجية لاستقبال مواطنيها المحتجزين في سوريا
والعراق رغم دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإرجاع مواطنيها ومحاكمتهم بعد أن
أفرز تراخيها كل هؤلاء المقاتلين.
المصادر والهوامش
1-
كتاب الإسلام من الداخل (Inside Islam ) تأليف
constantin schreiber إصدار عام 2017 دار econ.
2-
كتاب التاريخ السري لتآمر
بريطانيا مع الأصوليين تأليف مارك كيرتس ترجمة كمال السيد .. إصدار المركز القومي
للدراسات 2012 .
3-
تقرير صدر في
16 فبراير
2018 عن المركز الدولي لدراسة التشدد ICSR التابع لجامعة “كينغز كوليدج” في لندن .
4-
التقرير السنوي لوكالة
الشرطة الأوروبية ( يوروبول ) لعام 2018 .
5-
موقع قناة دويشة فيلية DW.
6-
قناة فرانس 24.
7-
برنامج
المونيتور على قناة wdr الألمانية.
8-
محمد حبش كنو بعنوان
الجذور الخفية لعلاقة بريطانيا بالجماعات الإسلامية .. صحيفة التآخي 2017 / 7 / 10 .
9- محمد حبش كنو بعنوان صراع جيوديني في سوريا .. ميدل إيست أونلاين 2019 /1 /16.