تقارب براجماتي... آلية التعاون الثلاثي ما بين ماليزيا وتركيا وباكستان
أثارت زيارة رئيس الوزراء
الماليزي "مهاتير محمد" إلى تركيا في 28 يوليو/ تموز 2019، التي أستمرت
أربعة أيام حالة من الجدل، خاصة فيما يتعلق بالملفات التي تم طرحها على جدول أعمال
الزيارة؛ حيث أكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" خلال المؤتمر الصحفي المشترك
مع رئيس وزراء الماليزي على أهمية التعاون، والتنسيق المشترك مع ماليزيا على كافة
المستويات خاصة المتعلقة بالثقافة والفنون والسياحة والتعليم، لتعزيز العلاقات الاجتماعية
بينهم إلى جانب تعاونهم في السياسة والتجارة. كما أعرب "أردوغان" عن استعداده
لمنح ماليزيا إمكانية الوصول إلى تكنولوجيا الدفاع الخاصة بها؛ حيث ستساعد تركيا ماليزيا
على تحقيق التقدم في مجالات الطيران وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار (UAV).، وهو امتياز نادرًا ما يمنح لأي شركة أو دول، وفقًا لرئيس الوزراء
الماليزي.
وعليه فقد أشار "أردوغان"
إلى أهمية التوافق مع ماليزيا حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية، لمواجهة بعض
القضايا والأزمات مثل أزمة "الروهينجا"، وتنامي الإرهاب العابر للحدود، والقضية
الفلسطينية بشكل خاص. (1) وفي هذا السياق أعرب من موقفه من التعاون مع باكستان في
هذه الملفات موضحًا، دعمه لتحسين العلاقات التعاونية مع "إسلام أباد"
بمشاركة ماليزيا التي بدأت بمقترح "مهاتير محمد" حول إنشاء آلية للتعاون
الثلاثي بين كل من تركيا وماليزيا وباكستان، لاستعادة النهضة الإسلامية، من خلال توحيد
العقول والجهود، والعمل المشترك بين ماليزيا وتركيا، وبالتعاون مع باكستان في ذات الوقت.
في المقابل؛ رحب "شاه
محمود قريشي" وزير الخارجية الباكستاني بالمبادرة التي طرحها رئيس الوزراء الماليزي،
خلال زيارته لأنقرة. والجدير بالذكر أن تركيا وباكستان وماليزيا هي من
بين مؤسسي مجموعة D-8 ذات الأغلبية المسلمة التي تسعى إلى إقامة علاقات
استراتيجية وزيادة التجارة ومزيد من التعاون بين أعضائها. ومع ذلك، فإن المجموعة لم
تدرك بعد إمكاناتها. (2)
دوافع التقارب الماليزي التركي
1- على الصعيد
الدبلوماسي؛ تتميز العلاقات
التاريخية بين البلدين بكونها ذات روابط قوية، فقد بدأت العلاقات الدبلوماسية بين تركيا
وماليزيا في عام 1964. فضلاً عن كونهم أعضاء في الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي
ومجموعة الدول الثماني الكبرى، وتتوافق سياسة البلدين الخارجية حول عدد من الملفات
الإقليمية والدولية.
2- على الصعيد
التجاري؛ زيادة الرغبة في تنامي حجم التبادل التجاري خاصة مع
محاولة القيادة الماليزية لزيادة التعاون بين البلدين؛ حيث تشهد العلاقات التجارية
بينهم طفرة نوعية على خلفية رغبة القيادة السياسة في تنامي العلاقات إلى حد
الشراكة الاستراتيجية، وهو ما تمثل في تشكيل مجلس الأعمال التركي-الماليزي من قبل اتحاد
الغرف والتبادل السلعي في تركيا (TOBB) والغرفة الوطنية للصناعة والتجارة في ماليزيا
في عام 1995. كما دخلت اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وماليزيا، التي تم توقيعها
خلال زيارة رئيس الوزراء آنذاك "نجيب رزاق" إلى تركيا في أبريل 2014، حيز
التنفيذ في 1 أغسطس 2015، وهي أول اتفاقية تجارة حرة يتم إبرامها مع عضو في رابطة آسيان.
وفيما يتعلق بالجانب الاستثماري فقد بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر لماليزيا في تركيا
844 مليون دولار أمريكي، اعتبارًا من مارس/ أذار 2015. وذلك وفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد
التركية. في المقابل بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر لماليزيا في تركيا حوالي 2،5
مليار دولار أمريكي وفقًا للسلطات الماليزية المعنية، بالإضافة إلى وجود ما يقرب
من42 شركة ماليزية تعمل في تركيا. (3)
3- على الصعيد
الاجتماعي؛ الرغبة في زيادة التبادلات والمساعدات الإنمائية بين
البلدين؛ حيث تقدر المساعدة الإنمائية الرسمية لتركيا في ماليزيا ما يقرب من 5،54 مليون
دولار أمريكي بين عامي 2004 و 2013 بشكل إجمالي. وفيما يتعلق بالتعليم يقيم حوالي
300 مواطن ماليزي في تركيا. فيما يبلغ العدد الحالي للمواطنين الأتراك المقيمين في
ماليزيا حوالي 600. بموجب منح Türkiye الدراسية، وقد تم منح 199 طالب ماليزي منحة دراسية
للتعليم العالي في الجامعات التركية. خلال العام الدراسي 2018-2019، كما قدمت تركيا
25 منحة دراسية للطلاب الماليزيين.
4- التحولات
الدولية؛ إعادة التوافق حول القضايا محل الاهتمام في سياق ما
يشهده النظام العالمي من التحديات الاقتصادية والسياسية بجانب حالة الغموض وعدم
اليقين الاقتصادي، بالإضافة إلى التحولات الجيو-سياسية التي تواجهها منطقة الشرق
الأوسط، والتحول النوعي في نهج الإدارة الأميركية تجاه بعض الملفات الدولية
المثارة، وخاصة على الصعيد التجاري والعسكري.
دلالات التقارب بين (تركيا، وماليزيا،
وباكستان)
تسعى كل
من ماليزيا وتركيا بالتعاون مع باكستان إلى تعزيز الشراكة والتنسيق في إدارة عدد
من الملفات الخاصة بالعالم الإسلامي لمواجهة التحديات المشتركة، فضلاً عن الرغبة
في استعادة مكانتهم داخل العالم الإسلامي التي تراجعت في الآونة الأخيرة نتيجة
توجههم نحو عمقهم الاستراتيجي ودول الجوار، وانشغالهم بتحدياتهم الداخلية.
وفي هذا
الإطار ترغب أنقرة في تعزيز نفوذها في محيطها الإسلامي خاصة مع تراجع علاقاتها
بشكل نسبي مع الدول العربية، على غرار تدخلاتها في الشأن الداخلي، ودعمها لبعض
الجماعات المتطرفة التي ساهمت في تنامي حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة،
بجانب فشلها في تحييد علاقاتها مع الدول الأوروبية والصدام معهم في التوافق حول
مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، نتيجة سياسات "أردوغان"
الداخلية والداعمة لتكريس هيمنته على الدولة التركية.
وفيما يتعلق بماليزيا فإنها تسعى إلى التقارب مع تركيا باعتبارها
من أهم الدول الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، كما ترغب في زيادة حجم التبادل التجاري
والاستثماري، وذلك لأن ماليزيا تشهد مرحلة جديدة بقيادة زعيم المعارضة
"مهاتير محمد" بعد فوزه في الانتخابات 2018، علاوة على إمكانية التعاون
في مجال الصناعات الدفاعية، وقد تجلى ذلك إبان زيارة "مهاتير محمد" لشركة
الصناعات الجوية والفضائية "توساش"، واطّلعه على بعض المعلومات حول منتجات
الصناعات التركية، وشاهد طلعات مروحية "أتاك"، وطائرتي "حرقوش"،
و"العنقاء".
وفيما يتعلق بالدولة الباكستانية، فإنها تسعى إلى توطيد علاقاتها
مع الدول الإسلامية الفاعلة في النظام الإقليمي، وذلك لدعمها في إدارة مجموعة من
الملفات المثارة، يأتي في مقدمتهم أزمة إقليم كشمير الواقع في جبال الهيمالايا ذات
الأغلبية المسلمة والمتنازع عليه مع الهند منذ ما يقرب من 70 عامًا، خاصة بعد ما
شهده من تصعيد عسكري في الآونة الأخيرة، كما أعلنت الهند مؤخرًا إلغاء الحكم
الذاتي للإقليم في مسعى لدمجه مع بقية أجزاء البلاد.
الأمر الذي اعتبرته "إسلام أباد" خطوةً "غير
شرعية"، لا يمكن أن تغير الوضع المتنازع عليه، مؤكدة أن المنطقة، معترف بها دوليًا
كأرض متنازع عليها. فيما أكدت الخارجية الباكستانية في بيان: "تنديد
باكستان للقرار الهندي بشدة رافضة القرار أحادي الجانب من الحكومة الهندية، ستفعل باكستان
كل ما بوسعها للتصدي للإجراءات غير الشرعية". (4)
ختامًا؛ ترغب ماليزيا في إعادة التمركز والانتشار مرة ثانية في محيطها الجغرافي، وفي العالم الإسلامي مستندة على بعض الدول الفاعلة مثل تركيا وباكستان لخلق نفوذ قوي لها يدعم تحركاتها الخارجية على المدى القريب.
الهوامش
1.
"We
will see in the period ahead that the cooperation between Turkey and Malaysia
will improve in all areas”, The Republic of Turkey Directorate of
Communications. https://www.iletisim.gov.tr/english/haberler/detay/we-will-see-in-the-period-ahead-that-the-cooperation-between-turkey-and-malaysia-will-improve-in-all-areas-
2.
Riyaz
ul Khaliq, “'Turkey, Malaysia, Pakistan to lead Muslim renaissance”, 26/7/2019.
https://www.aa.com.tr/en/economy/turkey-malaysia-pakistan-to-lead-muslim-renaissance/1542366
3.
" Turkey-Malaysia
Economic and Trade Relations",
Republic of Turkey Ministry of Foreign
Affairs. http://www.mfa.gov.tr/turkey_s-commercial-and-economic-relations-with-malaysia.en.mfa
4. " الهند تنهي "الحكم الذاتي" في كشمير.. وباكستان تندد"، سكاي نيوز عربي، 5/8/2019. https://cutt.us/JgcLq