الديمقراطية في أفريقيا .. قصص النجاح التي تحدت الصعاب
يحتوي حاضر وماضي القارة الإفريقية على الكثير شظايا
الديمقراطية بشكل قد لا يتوقعه الكثير، فهناك العديد من الأشياء التي يمكن أن توضح
للعالم الظروف التي يمكن من خلالها بناء الديمقراطية.
وبسبب سوء نوعية الانتخابات في العديد من البلدان
الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى جنبًا إلى جنب مع وجود اتجاه إعلامي يركز
علي الجدل حول قضية الديمقراطية في إفريقيا، فلا يزال البعض يصف إفريقيا على انها معقل
" الاستبداد" ، ولكن في الواقع هناك دول إفريقية لديها قصص مع الصراع
الديمقراطي مثل ( بنين- بوتسوانا- غانا- ناميبيا-موريشيوس-السنغال- جنوب أفريقيا)،
هذه الدول لم تصبح فقط منارات للحقوق السياسية والحريات المدنية، بل فعلت ذلك ضد
أكبر العقبات أمام تحقيق الديمقراطية، وتعلمنا هذه التجارب دروسًا مهمة حول اين
يمكن أن تعمل الديمقراطية ولماذا؟
الشروط
المسبقة للديمقراطية
يتحدث المتخصصين في العلوم السياسية عن الظروف الملائمة
لبناء وتحقيق ديمقراطية قوية ومستقرة، وفي هذا الإطار هناك بعض من العناصر التي
يري معظم الباحثين والمتخصصين أنها مهمة.
فالهوية الوطنية، المتماسكة إلى جانب النجاح الاقتصادي
جزء من تعزيز الاستقرار السياسي، بل وجزء أساسي من شروط الديمقراطية، إلى جانب بنية
وطنية قوية مدعمة بسيادة حكم القانون، تعني أن الحكومة تعمل من دون إساءة، في ظل
وجود طبقة وسطي نابضة ومجتمع مدني قوى.
وباستثناء جنوب إفريقيا، دخلت جميع الديمقراطيات في
إفريقيا في سياسات حزبية متعددة مع انخفاض في نصيب الفرد من الناتج المحلي وارتفاع
مستوى البطالة، إلى جانب تاريخ تشكيل الكثير من الدول الإفريقية التي رسمها
الاستعمار وحكمه هناك لاستغلال موارد هذه الدول بدلًا من تمكين المواطنين، فجميع هذه
الدول تضمنت مجتمعات مدنية تعاني من صراعات، وفي الوقت نفسه كانت الطبقة المتوسطة
صغيرة في أكثر الاحيان وكانت تعتمد اقتصاديًا على الحكومة في كل شيء مما خلق وضع
غير مناسب لمحاربة الفساد وذلك حتى اوائل فترة التسعينيات من القرن الماضي.
التحديات
لعبت قضية الهوية العرقية تاريخًا دورًا في هيكل الشبكات
السياسية في بعض الدول الافريقية كغانا وموريشيوس وبتسوانا ذلك المجتمع المعروف
عنه بتعدد الأعراق، ، بل والأسواء من ذلك أنه في ظل الحكم الاستعماري وأثناء الفصل
العنصري سعت الانظمة البيضاء إلى ترسيخ الانقسامات العرقية والاعمال العدائية في
كلًا من ناميبيا وجنوب أفريقيا وخلقت بيئة معقدة.
ولذلك، ربما كان من المتوقع أن تنهار هذه الدول في شكل
من اشكال الاستبداد السياسي، ولكن بالنظر إلى وضع هذ هذه الدول في الوقت الحالي
فيجب الاشادة بما وصلت إليه من نجاحات حول كيفية بناء الديمقراطية حتى في أكثر
السياقات صعوبة.
الوجه
الآخر
من اللافت للنظر باستثناء بنين وربما السنغال، حالة
القوة التي ازادات فيها هذه الديمقراطيات في فترة يفترض فيها أن العالم يشهد تراجع
للديمقراطية، فصعود الشعبوية ومشاكل البريكسيت التى هزت أوروبا لم تؤثر على
الديمقراطية في إفريقيا بل اثبتت قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ.
وفي عام 2016 شهدت غانا العديد من عمليات نقل السلطة بشكل
ديمقراطي، كما عززت ناميبيا من موقعها كنظام سياسي حر مع احترام قوى للحريات
المدنية، وذلك وفقًا لمؤسسة فريدوم هاوس.
وفي جنوب إفريقيا، عانت البلاد سياسيًا واقتصاديا خلال
فترة "جاكوب زوما"، لكن البلاد لديها فرصة الان في الارتداد بعد أن صوتت
لصالح مواصلة الاصلاح في عهد الرئيس "سيريل رامافوزا" وحزب المؤتمر
الوطني الافريقي، وعلى الجانب الاخر، تواصل بوتسوانا وموريشيوس أقدم ديمقراطيات
القارة الجمع ما بين احترام الحقوق السياسية والسياسات الاقتصادية المستقرة.
وعلى الرغم من ذلك فأن هناك بلدان إفريقية تراجعت للوراء
ولا تزال تعاني من مشاكل سياسية مثل الكاميرون وتشاد وإريتريا وغيرها الكثير لكن
من الضروري أن نفهم أن هناك الكثير من الإصلاحات في إفريقيا أكثر من الاستبداد.
شرح
النجاح
في غياب اللبنات التقليدية للديمقراطية، نحتاج إلى البحث
في قصص اخرى لشرح قصص النجاح الديمقراطي في إفريقيا، فقد يميل البعض إلى الاعتقاد
بأن دور المجتمع الدولي كان حاسم في إبقاء الحكومات الافريقية في وضع مستقيم
وصحيح، ولكن في واقع الامر تم بناء الديمقراطية من الداخل حيث أن البلدان المعتمدة
على المساعدات ظلت تظهر بشكل متراجع.
لذلك يتطلب أن تكون الاشادة والفضل الاكبر للسياسيين
وشعوب الدول الديمقراطية في إفريقيا، فغالبًا ما يتم انتقاد الرؤساء الافارقة، لكن
بعضهم نجح في عدد من البلدان الأخرى، حيث أنشأوا مؤسسات قادرة على التحقق من سلطاتهم.
ففي غانا عززت العلاقات المتماسكة بين النخبة السياسية
اجماع متزايد على تعزيز قيم الديمقراطية وفي جنوب إفريقيا لعبت القيادة السياسية
دور حاسم في التغلب على الانقسامات العرقية وبناء الثقة في النظام السياسي الجديد
لما بعد الفصل العنصري منذ عام 1994، وفي ناميبيا رفض الرؤساء المتعاقبون استخدام
الهيمنة الانتخابية للحزب الحاكم لإزالة المعارضة.
وفي الوقت الذي يتساءل فيه الناس عن قيمة الديمقراطية في
العديد من الدول الغربية، فإن العديد من السكان الافارقة الذين عاشوا تحت حكم
الحزب الواحد لا يرغبون العودة إلى تلك النظم.
فالمواطن الإفريقي، صاحب فرض الارادة السياسية للانفتاح الديمقراطي منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية والصعوبات التى واجهت الدول الافريقية في تلك الفترة إلا أن المستويات العالية من الدعم الشعبي للديمقراطية في إفريقيا تعني أن القادة يفهمون تكاليف التراجع.
Nic Cheeseman, Democracy
in Africa: success stories that have defied the odds, July 23, 2019,
at: