قامت السياسة العسكرية الصينية على إطار
تفاعلي في ظل ثوابت ومحددات السياسة الخارجية للبلاد، جعلها تدور في فلك ثوابتها
الدبلوماسية المتمثلة في إقامة علاقات
تفاعلية تحقق لها الدفاع عن السيادة الوطنية وتعزيز فكرة الصين الواحد ، لذلك يتم
النظر إلى المؤسسة العسكرية الصينية علي أنها جزء أساسي من أدوات السياسة الخارجية
للبلاد.
وتنبع الرغبة الصينية في الحضور
العسكري في أفريقيا، كجزء أصيل من سياستها التي ترفع شعار " تجديد شباب الصين
كقوة عظمي"، حيث اتبعت الصين سياسة خارجية تنافسية وحازمة في نفس الوقت، فبعد
أن كانت ترفع شعار عسكري يقول " إخفاء قدراتنا، وقضاء وقتنا" اتجهت
مؤخرًا نحو الانفتاح العسكري .
فالمشروعات العسكرية بين الصين والدول الأفريقية تترابط مع مشروعاتها
الاقتصادية ، حيث تخلق تلك المشروعات باعثا قويا للحكومات الأفريقية في التقارب مع
الصين والبعد عن القوى الاستعمارية القديمة لها مما يعطيها القدرة علي أحداث
توازنات في سياستها الخارجية إضافة إلى
قدرة الصين على بناء قدرات دفاعية متماسكة
تمكنها من الدفاع والمحافظة على مشروعاتها المنفذة ضد الاعتداءات الخارجية او الهجمات الإرهابية المحتملة.
أفريقيا مجال حيوي للعسكرية الصينية
تعتبر العقيدة العسكرية الصينية أن أفريقيا
مجالا حيويًا ومصدر لحماية الأمن القومي
يجعلها على أتم الاستعداد للتدخل العسكري إذا تم المس بإمدادات الطاقة و
المواد الأولية التي مصدرها القارة (1) ، فالتواجد العسكري للصين في أفريقيا في تصاعد خاصة مع رغبة الأفارقة في تنويع الشركاء
الدوليين في المجال العسكري والصين تعد احد أفضل البدلاء حاليا للأفارقة.
وتزايد التواجد العسكري للصين بشكل رسمي في أفريقيا عام
2008 وذلك كدولة مشاركة في حماية السواحل الصومالية من القراصنة بعد القرارات الأممية
التي اتخذت في ذلك الوقت لحماية تلك المنطقة(2) ، حيث كانت الصين من بين الدول التي ترغب في الحفاظ عن
مصالحها في تلك المنطقة.
وهو ما دفعها بعد ذلك إلى التوظيف
المتنوع للقوات المسلحة الصينية في السياسة الخارجية حيث جاء فيما يعرف بـ "دليل
الدفاع الصيني" القول بأن التوسع العسكري للصين يجب أن يقوم علي مجموعة من
السيناريوهات (3)، كما أصدرت الصين في عام 2015 ، قانون يسمح بنشر القوات المسلحة في الخارج بما
في ذلك قوات الشرطة.
لعبة القواعد العسكرية
افتتحت الصين أول قاعدة عسكرية لها في أفريقيا بدولة جيبوتي وذلك عام 2017، وفي يوليو 2018 أجرت
مرافق إضافية لرصيف هذه القاعدة البحري، كما أجرت أول مناورات حربية هناك في
نوفمبر 2018 (4)، ووفقاً للاتفاق الموقع بين الطرفين والذي يسري حتى
2026، فإن القاعدة قد تضم ما يفوق العشرة آلاف جندي .
وتشير دلالات إنشاء هذه القاعدة إلى أن الصين
تأخذ بسياستها العسكرية إلى ما هو ابعد من محيطها الشرق آسيوي، وهذا نابع من أهمية
جيبوتي الجيوسياسية في تلك المنطقة من القارة فمن خلال هذه القاعدة يمكن للصين أن
تصل إلى قناة السويس وإلى القارة الأوروبية عبر البحر الأحمر وقناة السويس وبحر
العرب والمحيط الهندي شرقًا .
كما أن تشكيل هذه القاعدة لا يمكن تغافل ربطه بمبادرة الحزام والطريق ومسعى الصين
إلى إنشاء طرق برية وبحرية تربط أقاليم آسيا والمحيط الهندي، إلى جانب حماية قوافلها
النفطية القادمة من أفريقيا)5).
السلاح مقابل المواد الخام
أجري الجيش الصيني في عام 2018 تدريبات
مشتركة في كلًا من الكاميرون والجابون وغانا ونيجيريا، كما عملت وحداته الطبية مع
نظرائها في إثيوبيا وسيراليون وزامبيا لتطوير قدراتهم في رعاية المصابين من الجنود،
وأقامت في مايو من نفس العام علاقات قوية مع القوات المسلحة في بوركينافاسو.
وفي ذات السياق، فأن هذا الاتجاه نحو
المساعدات العسكرية والتدريبية المقدمة من الصين إلى أفريقيا يعود إلى أن الصين
نظرت إلى أفريقيا على أنها مركز للتعاون العسكري وسوق واعد للأسلحة الصينية حيث
تحتل الشركات الصينية المرتبة الأولى بين موردي الأسلحة في أفريقيا (6)،
أيضاً تتبع الصين سياسة فريدة من نوعها تجاه الدول الأفريقية لبيع أسلحتها تقوم على أساس
تقديم السلاح في مقابل النفط أو المواد
الخام (7) .
كما تعتبر الصين أن المنتديات ومعارض الأسلحة التي تقيمها
في أفريقيا وفي بكين بحضور القادة الأفارقة وسيلة من وسائل تعزيز التعاون العسكري
حيث شكل منتدى أفريقيا والصين للأمن
والدفاع الذي أقيم في بكين في السادس والعشرين من يونيو 2018 منصة انطلاق قوية لتحرك الصين الساعي إلى تعميق
شراكتها مع أفريقيا على صعيد الدفاع والأمن ومكافحة الإرهاب جنباً إلى جنب مع
تحركها لتعزيز الشراكات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية .
أيضاً، قامت الصين بتنويع مبيعاتها من الأسلحة الصغيرة والأسلحة الأخرى
من دبابات وناقلات للجنود وطائرات إلى العديد من الدول الأفريقية وذلك
بهدف تطوير القدرات المؤسسية في قطاع
الأمن للدول الأفريقية، وفي عام 2018 ، أعلنت الإدارة الحكومية الصينية للعلوم
والتكنولوجيا والصناعة للدفاع الوطني (SASTIND)
أنها أبرمت اتفاقات ثنائية مع 45 دولة أفريقية بشأن تبادل تكنولوجيات الدفاع (8).
الانخراط في عمليات حفظ السلام
أعلنت الصين في سبتمبر 2015 في أطار
قمة حفظ السلام بالامم المتحدة أنها ستقدم مساعدات عسكرية بدون مقابل قيمتها 100
مليون دولار للاتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب كما ستنشر أول كتيبة مروحيات في
بعثات حفظ السلام في أفريقيا (9).
ومنذ ذلك الوقت وهناك تزايد في
الانخراط الصيني بعمليات حفظ السلام في أفريقيا و تقديم المساعدات المالية و
اللوجيستية للاتحاد الأفريقي حتى يتمكن من مواجهة الأزمات الأفريقية الطارئة ،
كما أن الاتحاد الأفريقي دائما ما يعرب
عن تطلعاته القوية لزيادة التعاون العسكري والأمني معها، ففي العاشر من يوليو 2019،
أعلن عن توقيعه اتفاقية تفاهم مع الصين في مجالات التدريب الأمني للدول الأعضاء في
الاتحاد ، إذ ينص الاتفاق على الاستفادة من الصين في مجال مكافحة الإرهاب.
وضمن المسعى الصيني في الاستفادة من
التعاون مع المنظمات الإقليمية في أفريقيا، اتخذت الصين قرار في يناير من عام 2019
ينص على تخصيص البلاد 73 مليون دولار أمريكي كمساعدات للاتحاد الأفريقي لدعم
القوات متعددة الجنسيات في منطقة الساحل الأفريقي، بالإضافة إلى 30 مليون دولار
للمعدات اللوجستية العسكرية"(10).
وفي ذات السياق، وتمشيا مع خطة عمل
الصين وأفريقيا 2019-2021 ، تم إنشاء 50 برنامجا أمنيا جديدا لمواجهة المخاطر
المتزايدة على أفريقيا من خلال المساعدة في مكافحة الإرهاب ، وتطبيق القانون ،
وأنظمة الإنذار المبكر ، بالإضافة إلى المساعدة العسكرية التقليدية.
وختامًا، يمكن القول بأن الاهتمام العسكري الصيني بالقارة
الأفريقية لا يخرج عن المصالح الاقتصادية التي تمس الصين هناك خاصة في ظل تحول
القارة الأفريقية إلى ملعب للعديد من القوى السياسية الدولية التي تبحث عن موطئ بالقارة،
ولذلك ربطت الصين إستراتيجيتها العسكرية بعدة محاور تتفاعل فيما بينها لتخدم أهدافها
ومصالحها حيث انبثق التعاون العسكري
والأمني الصيني مع الدول الأفريقية، من رغبة
الصين في الحفاظ على الممرات والطرق
البحرية دون تدخل، لذلك نجدها تتواجد عبر خليجي عدن وغينيا ، ونتيجة لهذه
السياسات مثلت نسبة الواردات الأفريقية من السلاح الصيني 27 % وذلك في الفترة من 2013 وحتى 2017 ، بزيادة قدرها 55 % عن الفترة
2008-2012.
وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الأهداف
المرجوة من هذه الإستراتيجية يتمثل في توسيع نطاق خدمات الأمن الصينية في أفريقيا خاصة في ظل التطوير الذي يحدث لما
يعرف بـ (مكتب التعاون العسكري الدولي
التابع للمؤسسة العسكرية الصينية) ، حيث
خصص جزء منه لاستيعاب برامج الصين المتنامية في إفريقيا، كما تم تحديث مركز التدريب العسكري بالقوات المسلحة
الصينية لدعم برنامج لتدريب 2000 من قوات حفظ السلام الدولية بحلول عام 2020 ، مع
مراعاة أن يكون غالبيتهم أفارقة.
الهوامش
1.طارق ليساوي، تحليل بينة
العلاقات الصينة –الافريقية..على هامش منتدى " بكين" 2018،صحيفة رأى
اليوم، الرابط: https://bit.ly/2Y1swn0
2.
نورالدين عفان، البعد العسكري في الإستراتيجية الصينية اتجاه إفريقيا، الموسوعة
الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، الرابط:
https://bit.ly/2Z0CJBo
3. Paul Nantulya, Chinese Hard Power Supports Its Growing
Strategic Interests in Africa, Africa Center for Strategic Studies, at:
4.ibid.
5. أميرة عبد الحليم,
القواعد العسكرية في البحر الأحمر... تغير موازين القوى, مركز الأهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية،الرابط :
https://bit.ly/2SsVF8b
6. Josh
Kurlantzick, China's Africa Strategy, the Carnegie Endowment for International
Peace, at: https://bit.ly/2GiPH6j.
7. وصال الورفيلي ،تعاظم الدور الصيني في
إفريقيا: الدوافع والتحديات، مركز الدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، الرابط:
8. Paul Nantulya, Chinese
Hard Power Supports Its Growing Strategic Interests in Africa, Africa Center
for Strategic Studies, Op.Cit.
9. الصين
هنا من أجل السلام،خطاب أمام قمة الأمم المتحدة لحفظ السلام ، سبتمبر2015، الرابط:
https://on.china.cn/2XQdbun
10. الصين تعتزم تخصيص نحو 73 مليون دولار
لمحاربة الإرهاب بالساحل الأفريقي، بوابة العين الاخبارية، الرابط: https://bit.ly/2Gl7PfA