العودة مجددًا .. روسيا وأوكرانيا بين اتفاق نورماندي ومينسك
يمثل تأكيد روسيا على موافقتها لمبادرات توسيع "صيغة
نورماندي" للتسوية السياسة في أوكرانيا لتشمل واشنطن ولندن، فرصة جديدة
لإعادة الأمل تجاه الأزمة المندلعة منذ عام 2014، على الرغم من أن موسكو اشترطت موافقة
فرنسا وألمانيا أيضًا، اللتان لا يمكن الجزم بـأنهما سيشتركان في المفاوضات، وفي
هذا الإطار؛ يذكر أن الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، اقترح في 8 يوليو 2019،
على نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء مفاوضات لتسوية النزاع في شرق أوكرانيا بمشاركة
قادة الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، وتشكلت "رباعية النورماندي"
الخاصة بتسوية الوضع في أوكرانيا عام 2014، في إقليم نورماندي شمال غربي فرنسا، أثناء
الاحتفالات بذكرى مرور 70 عامًا على إنزال قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية
إلى الشاطئ الفرنسي. وتقتضي "صيغة النورماندي" مشاركة كل من روسيا، وفرنسا،
وألمانيا، وأوكرانيا، في المباحثات حول تسوية الوضع في منطقة دونباس جنوب شرقي أوكرانيا.
(1)
توترات
متلاحقة
هناك العديد من التوترات المتلاحقة التي شهدتها الأزمة
الروسية – الأوكرانية؛ بدأت بقيام روسيا بالعديد من العمليات العسكرية داخل الأراضي
الأوكرانية، بعد أحتجاجات الميدان الأوروبي وعزل الرئيس الأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش"،
قام الجنود الروس بالسيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية في شبه جزيرة القرم، وبعد ذلك
قامت روسيا بضم القرم تحت سيادتها، بعد الاستفتاء عليها في 16 مارس 2014.
وفي 25 نوفمبر 2018، تزايدت حدة التوترات بين الجانبين بعدما
أعلنت روسيا بأن هناك ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية المياه الإقليمية الروسية،
وتجاهلت مطالب السلطات الروسية، ولم ترسل طلبا بالمرور عبر مضيق كيرتش للجانب الروسي،
ومن ثم أعلنت موسكو نشر أنظمة صواريخ أرض جو جديدة من طراز إس 400، في شبه جزيرة القرم،
على الجانب الآخر؛ أعلنت أوكرانيا فرض الأحكام العرفية في أجزاء من البلاد لمدة 30
يومًا، بعد أن احتجزت موسكو السفن، وأوضح الرئيس الأوكراني "بيترو بوروشينكو"
في مقابلة تلفزيونية بأن البلاد "تواجه خطر اندلاع حرب شاملة مع روسيا،"
محذرًا مشاهديه "بألا يعتقدوا أن هذه مزحة"، وخلال اجتماع لمجلس الأمن والدفاع
الوطني في كييف، وصف الرئيس الأوكراني التصرفات الروسية بأنها "مجنونة وغير مبررة".
وطلبت أوكرانيا عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، ودعت إلى رد فعل دولي ضد موسكو.(2)
من جانب روسيا أعلن الرئيس بوتين بأن التصعيد من جانب
كييف لا يخرج عن كونه محاولة تلميع صورة الرئيس الأوكراني أمام الناخبين قبيل الانتخابات
الرئاسية التي أجريت في أوكرانيا أبريل 2019، بافتعال مواجهة بحرية مع روسيا في منطقة
القرم، وعليه أكد نائب وزير الخارجية الروسي "ألكسندر جروشكو"، في وقت سابق،
بأن فرض الغرب المزيد من العقوبات على موسكو لن يحل أي مشكلة، وحذر من استغلال الأزمة
الأخيرة لتصعيد التوتر السياسي".
وعلى الصعيد الدولي حاولت الولايات المتحدة إرسال قوة
عسكرية أممية إلى منطقة النزاع في دونباس، وعليه أكد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف،
أن خطة أوكرانيا والولايات المتحدة حول إرسال قوات حفظ سلام أممية إلى منطقة النزاع
في دونباس، تدمر تطبيق اتفاقات مينسك، وتزايدت على إثره حدة التوترات بين
الجانبين، خاصة وأن الجانب الروسي أعلن هدفه بضمان حماية الأمم المتحدة للمراقبين العاملين
عبر قناة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وأعلنت بأن الأوكرانيون والمسؤولون الأمريكيون
يحاولون تحويل البعثة إلى سلطة عسكرية سياسية من شأنها أن تسيطر على كامل أراضي جمهوريتي
دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد وأن تقرر بنفسها من سيتم انتخابه
مستقبلًا.
كما تتهم كييف موسكو بممارسة العدوان ضد أوكرانيا على
خلفية احتلال شبه جزيرة القرم التي باتت تحت السيادة الأوكرانية منذ انهيار الاتحاد
السوفيتي عام 1991، بناء على نتائج استفتاء مارس 2014، وكذلك على خلفية النزاع المسلح
المستمر في جنوب شرق البلاد، بين الجيش الأوكراني وقوات "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك
الشعبيتين" اللتين أعلنتا استقلالهما عن أوكرانيا من جانب واحد في أبريل 2014،
احتجاجًا على أحداث "ميدان الاستقلال" في كييف والتي أسفرت عن الإطاحة بحكم
الرئيس فيكتور يانوكوفيتش قبل شهرين من ذلك.
دعائم
التوافق
على الرغم من العديد من المشاهد الصراعية في علاقات
الدولتين الثنائية إلا أن هناك العديد من المؤشرات الإيجابية التي من الممكن أن
يتم البناء عليها لتسوية الأزمة السياسية والعسكرية بين موسكو وكييف؛ حيث بحث الرئيس
الروسي، فلاديمير بوتين، في 12 يوليو 2019، مع أعضاء مجلس الأمن القومي العلاقات بين
روسيا وأوكرانيا، في ضوء نتائج مكالمته الهاتفية، مع الرئيس الأوكراني الجديد فلاديمير
زيلينسكي.
الجدير بالذكر أن هذه المحادثات الثنائية لاقت الكثير من
الترحيب من جانب العديد من الدول الأوروبية؛ حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية
الألمانية، كريستوفر بورغر: "كنا نعلن بوضوح أننا ندعم المفاوضات المباشرة بشأن
تسوية النزاع في أوكرانيا. ونرحب بأن الرئيسين الأوكراني فلاديمير زيلينسكي والروسي
فلاديمير بوتين.(3)
ويزيد من
احتمالات حدوث التقارب بين الدولتين تأكيد الرئيس الأوكراني الجديد فلاديمير زيلينسكي،
في 4 يونيو 2019، استعداد كييف للحوار مع روسيا وتنفيذ اتفاقات مينسك الخاصة بتسوية
النزاع المسلح في منطقة دونباس، جنوب شرقي أوكرانيا.
ومنذ
2014، تعمل مجموعة الاتصال الثلاثية حول أوكرانيا (روسيا، أوكرانيا، منظمة الأمن والتعاون
في أوروبا)، بمشاركة ممثلي "لوغانسك" و"دونيتسك"، لتسوية النزاع
المسلح، إضافة إلى الجهود المبذولة في إطار "رباعية النورماندي" (روسيا،
أوكرانيا، فرنسا، ألمانيا).
على
الجانب الأوروبي أعلنت فرنسا وألمانيا استعدادهما لإعطاء زخم جديد للمفاوضات حول تسوية
النزاع في منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، من خلال بيان فرنسي – ألماني مشترك، بعد
لقاء وزيري خارجية البلدين جان إيف لودريان وهايكو ماس الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي
في كييف 30 مايو 2019، وأصدروا بيانًا مشتركًا بأنهما لا يزالان عازمتان على تسوية
النزاع شرقي أوكرانيا واستعادة وحدة أراضيها.(4)
سيناريوهات محتملة
هناك
العديد من الصعوبات التي تحيط بمستقبل التفاوض بين موسكو وكييف على الرغم من
المؤشرات الأولية التي يمكن أن تكون بداية لبناء تفاوض هادف إلى حلحلة الأزمة
الروسية – الأوكرانية، خاصة في ظل تمسك كييف بالحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي
والتكامل الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)،
خاصة في ظل وجود قادة متمسكين في المقام الأول بربط مستقبلهم بأوروبا وليس بروسيا.
وتتصاعد الخلافات
بين البلدين على خلفية الأولوية الأوكرانية حول علاقات كييف بالاتحاد الأوروبي والولايات
المتحدة الذين تعارضهم روسيا وتنافس وجودهم في المنطقة، وتسعى موسكو إلى إعادة ربط
الدول التي كانت تشكل في السابق الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، لمنافسة ليس فقط الاتحاد
الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين أيضًا، ويعد هذا الأمر بمثابة أمن استراتيجي
للجانب الروسي وخاصة للرئيس فلاديمير بوتين الذي يهدف إلى إبقاء أوكرانيا في الدائرة
الاستراتيجية الروسية، وتعتمد في ذلك التأثير على سياسة أوكرانيا العديد من الوسائل الكثيرة أهمها الروابط القوية جدًا بين اقتصادي
الدولتين، عوضًا عن التأثير الداخلي بالضغط على الحكومة الأوكرانية.
ومن قبل
أعلنت روسيا من جانب الرئيس بوتين في قمة العشرين في ديسمبر 2018، بأن "الحرب
ستستمر" ما دامت السلطات الأوكرانية الحالية "باقية في الحكم"، وذلك
تعليقًا على تجدد التوتر أخيرًا بين موسكو وكييف، ولكن حدث في أوكرانيا تغير في البعد
القيادي متمثلًا في الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي، الذي أبدى استعدادت كبيرة
لتحقيق التفاوض البناء مع الجانب الروسي خاصة بعدما عرض على نظيره الروسي فلاديمير
بوتين مؤخرًا عقد اجتماع في العاصمة البيلاروسية مينسك بمشاركة زعماء الولايات المتحدة
وبريطانيا وفرنسيا وألمانيا، للبحث في تبعية شبه جزيرة القرم ومن هم الذين لا وجود
لهم في دونباس.
وتكمن
أهمية الدعوة الأوكرانية كونها جاءت بعد حالة التوترات الأخيرة حول عملية الملاحة البحرية
في مضيق كيرتش، والتي أظهرت في مؤشراتها سواء من الجانب الروسي والأوكراني أو من جانب
الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى أن الأزمة بين موسكو وكييف تسير إلى مزيد
من التعقيد الذي قد يتطور من كونه تلاسن بالتهديدات إلى نزاع مسلح بين البلدين قد يتطور
لتدخل العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، والانخراط على خط الأزمة.
إلا أن
دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي والقبول المشروط من جانب روسيا لإجراء مفاوضات حول
تسوية الأزمة يمكن أن يخلق بيئة متفائلة للتفاوض للوصول إلى صيغ أمن جماعية توافقية
يمكن أن تكون حجز الزاوية في إنهاء تلك الأزمة.
ومن جانب آخر، فإن انخراط العديد من الدول الكبرى على خط الأزمة يمكن أن يعمق حدة الخلافات خاصة وأن تلك الدول تتخذ مواقف عدة متباينة مع السياسة الروسية بشكل عام في مسارات حركتها الدولية، الأمر الذي قد يضيف بعدًا آخر للصراع في الأزمة الروسية – الأوكرانية، ومن ثم عد الوصول بصيغة نورماندي أو اتفاق مينسك إلى تسوية حالية أو مستقبلية.
المراجع
1) موسكو: لا نمانع توسيع صيغة
"نورماندي" لحل الأزمة الأوكرانية لكن بشرط، على الرابط: https://cutt.us/QogKl
2) مصطفى صلاح، توترات متصاعدة
.. روسيا وأوكرانيا بين التصعيد السياسي والمواجهة العسكرية، على الرابط: http://www.acrseg.org/41040
3) بوتين يعلق على مقترح زيلينسكي
لعقد اجتماع بمشاركة ترامب وماي وميركل وماكرون، على الرابط: https://cutt.us/sX6MF
4) فرنسا وألمانيا تريدان إعطاء "زخم جديد" للتسوية الأوكرانية، على الرابط: https://cutt.us/p8WAT