المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

توترات متصاعدة .. روسيا وأوكرانيا بين التصعيد السياسي والمواجهة العسكرية

الأربعاء 05/ديسمبر/2018 - 03:44 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
مصطفى صلاح
توتر جديد في شبه جزيرة القرم المتنازع عليها بين موسكو وكييف، ظهر بصورة واضحة بعدما أعلنت روسيا  في 25 نوفمبر 2018، بأن هناك ثلاث سفن تابعة للبحرية الأوكرانية المياه الإقليمية الروسية، وتجاهلت مطالب السلطات الروسية، ولم ترسل طلبا بالمرور عبر مضيق كيرتش للجانب الروسي، وبالتالي لم تدرج في جدول المرور، وتوجهت إلى جسر القرم، مارة أسفل القوس الرئيسي للجسر، حيث تمر جميع سفن النقل المتوجهة من بحر آزوف إلى البحر الأسود، ويكتظ الممر بالسفن، وينظم حركة المرور خلاله المرشدون الروس، وفقا لجداول صارمة. لذلك هدد اقتحام السفن الأوكرانية الملاحة الدولية، وجسر القرم، الذي يعد منشأ استراتيجيا روسيا.(1)
يذكر أن منذ عام 2014؛ قامت روسيا بالعديد من العمليات العسكرية في الأراضي الأوكرانية، بعد أحتجاجات الميدان الأوروبي وعزل الرئيس الأوكراني "فيكتور يانوكوفيتش"، وقام الجنود الروس بالسيطرة على مواقع استراتيجية وحيوية في شبه جزيرة القرم، بعد ذلك قامت روسيا بضم القرم تحت سيادتها، بعد الاستفتاء في القرم في 16 مارس 2014؛ حيث صوتَ سكّان القرم لصالح الأنضمام لروسيا الاتحادية، بحسب النتائج الرسمية.(2)
تصعيد متبادل
أعلنت موسكو أعتزامها نشر أنظمة صواريخ أرض جو جديدة من طراز إس 400، في شبه جزيرة القرم، وفق ما ذكرت وكالة إنترفاكس للأنباء عن وزارة الدفاع الروسية في 28 نوفمبر 2018، في أعقاب إعلان أوكرانيا فرض الأحكام العرفية في أجزاء من البلاد لمدة 30 يومًا، بعد أن احتجزت موسكو 3 سفن تابعة للبحرية الأوكرانية قبالة ساحل شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا إليها، ويشمل قرار فرض الأحكام العرفية، والذي صدّق عليه البرلمان الأوكراني، عشر مناطق أوكرانية حدودية، وأوضح الرئيس الأوكراني في مقابلة تلفزيونية بأن البلاد "تواجه خطر اندلاع حرب شاملة مع روسيا،" محذرا مشاهديه "بألا يعتقدوا أن هذه مزحة"، وخلال اجتماع لمجلس الأمن والدفاع الوطني في كييف، وصف الرئيس الأوكراني التصرفات الروسية بأنها "مجنونة وغير مبررة". وطلبت أوكرانيا عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، ودعت إلى رد فعل دولي ضد موسكو.(3)
على الجانب الآخر، اتهم الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، نظيره الأوكراني "بيترو بوروشينكو" بمحاولة تلميع صورته أمام الناخبين قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في أوكرانيا في العام المقبل بافتعال مواجهة بحرية مع روسيا في منطقة القرم، وعليه أكد نائب وزير الخارجية الروسي "ألكسندر جروشكو"، في وقت سابق، أن فرض الغرب المزيد من العقوبات على موسكو لن يحل أي مشكلة، وحذر من استغلال الأزمة الأخيرة لتصعيد التوتر السياسي".
وأضاف الرئيس بوتين أن القرار الذي أصدره بوروشينكو بفرض الأحكام العرفية عقب "حادثة حدودية بسيطة" كان ردًا مبالغًا فيه خصوصًا وأن أوكرانيا لم تفرض الأحكام العرفية حتى إبان الحرب مع الانفصاليين الموالين لروسيا في الجزء الشرقي من البلاد في عام 2014.
كما هددت موسكو بأنها ستزيد الرسوم الجمركية على المنتجات الواردة من أوكرانيا إن اقتربت كييف من الاتحاد الأوروبي. كذلك أدانت موسكو التدابير المعادية لروسيا التي اتخذتها السلطات الجديدة في كييف، كما أدانت المنحى "الدكتاتوري والأساليب الإرهابية" في أوكرانيا. خاصة بعد أن كانت أول نتيجة لتغيير الحكم في كييف توقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي والتخلي عن اتفاق التقارب مع موسكو الذي وقعه الرئيس المعزول "فيكتور يانوكوفيتش".(4)
وتتهم أوكرانيا والولايات المتحدة روسيا بالتدخل في الشحن الدولي من وإلى مضيق كيرتش منذ عدة أشهر.كما دخلت روسيا وأوكرانيا في صراع مستمر منذ ضم شبه جزيرة القرم للبحر الأسود إلى موسكو في عام 2014؛ حيث يعد المضيق شريان حياة اقتصاديًا هامًا بالنسبة لأوكرانيا، في أنه يسمح للسفن التي تغادر مدينة ماريوبول الساحلية بالوصول إلى البحر الأسود.
كما أنها أقرب نقطة وصول لروسيا إلى شبه جزيرة القرم، ورغم وجود العديد من الإدانات الدولية إلا أن ذلك لم يمنع روسيا من بناء جسر فوق مضيق كيرتش يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي روسيا.
ردود الفعل الدولية
لم تقف حدود التوترات على الجانبين الروسي والأوكراني فقط، بل امتدت هذه التوترات إلى الصعيد الدولي؛ حيث أعلنت العديد من الدول مواقفها تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، وفي هذا الشأن أعلن الاتحاد الأوروبي موقفه مبكرًا ودعا روسيا، إلى "إعادة حرية المرور في مضيق كيرتش"، وحث جميع الأطراف على التحلي بأقصى قدر من ضبط النفس"، وقال حلف شمال الأطلسي (ناتو) إنه "يؤيد تمامًا سيادة أوكرانيا، ووحدتها الإقليمية، بما في ذلك حقوقها الملاحية في مياهها الإقليمية، ودعا روسيا إلى أن تضمن مرور السفن من دون عوائق إلى الموانئ الأوكرانية على بحر آزوف"، وعلى الرغم من أن أوكرانيا ليست عضوًا في الحلف، إلا أن لها وضع الشريك فيه مما يعني أن الجانبين يتعاونان في بعض الأمور السياسية والأمنية.(5)
على الجانب الأمريكي دعت وزارة الخارجية الأميركيةالدول الأوروبية إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة أوكرانيا في نزاعها مع روسيا بشأن القرم، وقالت المتحدثة باسم الوزارة هيذر ناورت إن "حكومات عديدة تفرض عقوبات على روسيا بسبب أفعالها في القرم بأوكرانيا. ليس كل هذه العقوبات مطبق بشكل كامل. لذلك نرى أن على الدول الأوروبية فعل المزيد".
وحذرت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، "نيكي هايلي"، أمام مجلس الأمن الدولي،  روسيا من أن التحركات «الخارجة عن القانون» مثل احتجاز سفن أوكرانية في بحر آزوف تحول دون تطوير علاقات طبيعية بين واشنطن وموسكو، وأن تلك الأفعال الخارجة عن القانون مثل هذه تجعل ذلك مستحيلًا".
وقال وزير الخارجيّة الأمريكي، "مايك بومبيو"، في بيان، إن "الولايات المتّحدة تدين العمل العدواني من جانب روسيا. وأضاف إنّ بلاده تطلب من روسيا أن تُعيد إلى أوكرانيا سفنها وبحّارتها المحتجزين، وأن تحترم سيادتها ووحدة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليًا بما في ذلك مياهها الإقليميّة".(6)
وتتابعت ردود الفعل الدولية؛ حيث حمّلت المستشارة الألمانية ”أنجيلا ميركل" موسكو حصرًا مسؤولية المواجهة البحرية الأخيرة بين روسيا وأوكرانيا في منطقة القرم، وقالت ميركل إن الأزمة من عمل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كليًا، وتعهدت بالتباحث معه.(7)
كما وجه الرئيس التركي، "رجب طيب أردوغان"، في كلمة له في البرلمان يوم 27 نوفمبر2018، رسالة إلى روسيا وأوكرانيا، عقب تصاعد الأحداث في مضيق كيرتش، وقال أن بلاده ترغب في استمرار علاقاتها الجيدة بكل من روسيا وأوكرانيا، داعيًا موسكو وكييف لحل مشكلاتهما حول البحر الأسود بالعودة إلى الحوار.(8)
مستقبل الصراع
من الصعب تكهن ما ستؤول إليه الأمور. لكن وصول قادة متمسكين في المقام الأول بربط مستقبلهم بأوروبا وليس بروسيا، يعتبر مشكلة جدية للرئيس فلاديمير بوتين الذي يحلم بإبقاء أوكرانيا في فلك روسيا. وللتأثير على سياسة أوكرانيا تملك روسيا وسائل عدة بحكم الروابط القوية جدًا بين اقتصادي البلدين.(9)
وتتصاعد الخلافات بين البلدين على خلفية الأولوية الأوكرانية حول علاقات كييف بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذين تعارضهم روسيا وتنافس وجودهم في المنطقة، وتسعى موسكو إلى إعادة ربط الدول التي كانت تشكل في السابق الاتحاد السوفيتي قبل انهياره، لمنافسة ليس فقط الاتحاد الأوروبي بل والولايات المتحدة والصين أيضًا.
  كما أكّد الرئيس الروسي بوتين، فيختام قمة مجموعة العشرين في 1 ديسمبر 2018، بأن "الحرب ستستمر" ما دامت السلطات الأوكرانية الحالية "باقية في الحكم"، وذلك تعليقًا على تجدد التوتر أخيرًا بين موسكو وكييف.
ولعل التوترات الأخيرة حول عملية الملاحة البحرية في مضيق كيرتش تظهر في مؤشراتها سواء من الجانب الروسي والأوكراني أو من جانب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، إلى أن الأزمة بين موسكو وكييف تسير إلى مزيد من التعقيد الذي قد يتطور من كونه تلاسن بالتهديدات إلى نزاع مسلح بين البلدين قد يتطور لتدخل العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة على خط الأزمة.

الهوامش

1) تصاعد التوتر عقب احتجاز روسيا سفنا حربية أوكرانية، شبكة بي بي سي عربي، بتاريخ 26 نوفمبر 2018، على الرابط:                                                                                                                                                        http://www.bbc.com/arabic/world-46339635

2) التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، على الرابط:                                                                             http://cutt.us/PWkis

3) روسيا تصعد ضد أوكرانيا وتعتزم نشر صواريخ إس 400 في القرم، سكاي نيوز عربية، بتاريخ 28 نوفمبر 2018، على الرابط:                                                                                                                                                                      http://cutt.us/gbTlQ

4) أوكرانيا تتهم روسيا بفتح النار على سفنها والاستيلاء عليها، 26 نوفمبر 2018، على الرابط:

http://cutt.us/GuRbd

5) الاتحاد الأوروبي والناتو يدعوان لـ«نزع فتيل التوتر» بين روسيا وأوكرانيا، بتاريخ 26-11-2018، على الرابط:                                                                                                                        https://www.almasryalyoum.com/news/details/1346133

6) أمريكا تحذر روسيا من التحرك «خارج القانون» في أوكرانيا، بتاريخ 27 نوفمبر 2018، على الرابط:

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1346452          

7) ميركل تحمّل بوتين مسؤولية أزمة القرم، بتاريخ 29 نوفمبر 2018، على الرابط:                                                                                                                                                                                             http://www.bbc.com/arabic/world-46392269          

8) أردوغان يوجه رسالة إلى روسيا وأوكرانيا، بتاريخ 27 نوفمبر 2018، على الرابط:       http://cutt.us/oSHrE

9) ما أسباب الأزمة في أوكرانيا؟ أسئلة وأجوبة، بتاريخ 5 مارس 2014، على الرابط:  

https://www.alhurra.com/a/244952.html

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟