صلاحيات متقلصة ... إعلان الحرب بين سلطة الكونجرس وترامب
هل بدأت نهاية ترامب المذلة على يد الديمقراطيين؟ أم هو
مجرد صراع سياسي ستحسمه في المستقبل القريب نتائج إنتخابات الرئاسة القادمة أمريكا
2020؟.
يبدو أن الأمور تتجه نحو مزيدا من الصراع المشتعل، فيما بين
ترامب والحزب الديمقراطي المسيطر على أغلبية المقاعد داخل الكونجرس. فها هو قانون
يصدر عن المجلس التشريعي – الكونجرس- يُحد فيه من صلاحيات ترامب من إعلان حالة
الحرب على إيران كنوع من الوصاية السياسية على الرئيس الأرعن، الذي تبدو تصريحاته
كأنها صادرة عن طفل صغير لا يتحمل تبعة كلامه. ولا شك ان تصريحه الصادر بقرار
إعلانه الحرب على إيران منذ أيام ثم تأكيده على تراجعه عن هذا القرار يظهر لنا عدم
حنكة ترامب وتصرفاتها السياسية غير المدروسة الأمر الذي جرأ الديمقراطيون عليه في
إستصدار هذا القانون المذل لرئيس أكبر دولة في التاريخ.
القانون المُذل للرئيس ترامب
فلم يستغرق الأمر كثيرا كي يصوت مجلس النواب الأميركي على
بند ملحق بميزانية الدفاع يحظّر فيه على الرئيس دونالد ترامب شن حرب على إيران من دون
موافقة الكونغرس، وكذلك على بند آخر يحظّر على إدارته شن عمليات عسكرية في الخارج.
وقد صوت لصالح هذا القانون(1) 251 نائبا، معظمهم من الديمقراطيين، فيما صوت 170 نائبا
عن الحزب الجمهوري ضده.
وقد أدرج هذا التعديل على القانون الخاص بالميزانية الدفاعية
لعام 2020، والذي من المقرر أن يصوت عليه مجلس النواب يوم الجمعة المقبل. وفي حال إقرار
مشروع الميزانية في مجلس النواب، سيصوت عليه مجلس الشيوخ، ثم سيتعين على الرئيس دونالد
ترامب التوقيع عليه، ولكن البيت الأبيض ألمح إلى أن الرئيس يستخدم حق الفيتو ضد مشروع
الميزانية المعدل.
ولم يكن الأمر متعلقا فقط بالديمقراطيين، وشعورهم بالقلق
من تصرفات ترامب مع إيران بل أن تشاك شومر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي،
أعرب عن قلقه السياسي بسبب استدراج الرئيس دونالد ترامب إلى حرب مع إيران، وأكد
بضرورة الحصول على موافقة من الكونجرس لتمويل أي نزاع مع إيران.
وأضاف شومر في تصريحات لصحفيين: "قلت للرئيس إن هذه
الصراعات لها طريقة في التصعيد".وتابع: "ربما لا ينوي الرئيس خوض الحرب،
لكننا قلقون من أن يتم استدراجه هو وإدارته لحرب" ، مشيرا إلى أنه أعلن موقف حزبه
الديمقراطي المطالب "بضرورة الحصول على موافقة من الكونجرس قبل تمويل أي نزاع
مع إيران".
وقد
بدأت إرهاصات مشروعات الحد من سلطات ترامب منذ توليه للسلطة فقد أثار ترامب (2) الجدل
حول سياساته الخارجية المضرة بالولايات المتحدة الأمريكية بدأت بتفجر قضية التدخل
الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وما ترتب عليها من تأليف لجنة تحقيق خاصة
عرفت بلجنة تحقيق مولر، وكذلك بناء جدار على الحدود مع المكسيك حيث نشب خلاف سياسي
حاد بين الرئيس دونالد ترامب والكونجرس حول تمويل الجدار على الحدود الأمريكية المكسيكية،
والذي يريده ترامب لمنع تدفق المهاجرين، من أجل ان يفي بوعده للمحافظين الرافضين للهجرة.
وأضف إلى ذلك قراراه الذي أغضب عموم العرب والمسلمين،
عندما وقع على قرار نقل سفارة بلاده للقدس ، كما خرج من كثير من الإتفاقيات التي
وقعها أسلافه ومن ذلك الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018
ونص الاتفاق النووي مع إيران على التزام طهران بالتخلي لمدة
لا تقل عن عشر سنوات، عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي وتقييده بشكل كبير بهدف منع
إيران من أن يكون لديها القدرة على تطوير أسلحة نووية، وذلك مقابل رفع العقوبات عنها.
كما أغضب الدول الأوروبية وعلى وجه الخصوص فرنسا عندما إنسحب من اتفاق باريس للمناخ،
لأنها لا تدر ربحا يصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا في عام 2017
بعد سنة واحدة من تواجده بالبيت الأبيض.
أي أن قرارات ترامب مهدت الطريق لخصومه نحو اللجوء
لساسية القوامة القانونية عليه.
السياسة الأمريكية الحالية في ضوء صراع
الكونجرس و ترامب
ولكن ما سوف يترتب على هذا الصراع المتفجر بين
الديمقراطيين والجمهوريين هو الأخطر، فهل سينظر كلا الطرفين للمصلحة العامة أم ان
توجيه النظر على كرسي الخلافة بالبيت الأبيض هو الأهم الآن؟.
يبدو ذلك اللتصور الأخير الأقرب بمنطق الأحداث
الجارية، وهو ما سيؤدي إلى إهتزاز صورة الولايات المتحدة كسيدة للعالم أمام
الجميع. وهذا ما اكده القاصي قبل الداني.. الجمهوريون قبل الخصوم فقد ذكر الزعماء الجمهوريون في مجلسي النواب والشيوخ
(3)إن لغة القانون سترسل رسالة سيئة إلى طهران مفادها أن الولايات المتحدة منقسمة على
نفسها، مما يعقد قدرة الرئيس على إدارة التوترات المتصاعدة.
إلا أنه لابد لنا ان نلقي نظرة على ما للرئيس الامريكي صلاحيات
في المجال الحربي.
حيث يمكنه أن يعطي أمرا للقوات المسلحة ببدء عمليات عسكرية
على أراضي الدول الأخرى من دون إعلان حالة الحرب، "حق إعلان الحرب يملكه الكونغرس".
فمثل هذه العمليات يمكن أن تجرى في غضون 60 يوما، وعند الضرورة يمكن زيادة هذه المهلة
30 يوما آخر. ويجب على الرئيس فقط تقديم تقرير بهذا الخصوص إلى الكونغرس.
وبقرار من الرئيس تفرض حالة الطوارئ في البلاد ويتم الإعلان
عن التعبئة.
كما يملك الرئيس الحق، إذا لزم الأمر، نقل قسم من قوات الحرس
الوطني، وهي بمثابة قوات داخلية تخضع في زمن السلم لحكام الولايات، وأيضا قوات الاحتياط
في الجيش، إلى القوات النظامية " لمدة تصل إلى 6 أشهر"، وبقرار من الرئيس
يمكن استخدام هؤلاء لدعم الجيش والقوات الجوية خارج حدود الولايات المتحدة.
ويقدم الرئيس ايضا مقترحات إلى الكونغرس بشأن الانفاق العسكري
"في إطار ميزانية البلاد" ويحدد طريق واتجاه تطوير القوات المسلحة، ويعين
القيادات العسكرية العليا "بموافقة مجلس الشيوخ" ويمنح الرتب العسكرية.
الديمقراطيون.. والضربة القاضية
إشتعال الصراع فيما بين الخصمين السياسيين والذي بدأه
الديمقراطيون وتوسعوا فيه، لا يقتصر على عمل وحيد، بل يلاحظ هنا تنوع الديمقراطيون
في إستخدام أساليب متنوعة لإسقاط ترامب وحزبه الجمهوري، فرغم إمتلاك الديمقراطيين الىن
بموجب القانون الصادر لزر الحرب، إلا ان هناك أمورا أخرى يفعلها الديمقراطيين ومن
ذلك محاولة إستغلالهم لدعوى قضائية للمطالبة بالحصول على وثائق من شركات مملوكة للرئيس
دونالد ترامب على أمل إثبات انتهاكها لمواد الدستور الأميركي المعنية بمكافحة الفساد.
حيث ذكرت مجموعة من (4) 200 مشرع ديمقراطي، في بيان لهم نشرته
وكالة "رويترز" مؤخرا، أنهم أصدروا، في إطار دعوى أمام محكمة اتحادية،
37 مذكرة إلى منظمة ترامب وكيانات أخرى طلبا لمعلومات بشأن مدفوعات من حكومات أجنبية
قبلتها عقارات في إمبراطوريته العقارية.
وتطلب المذكرات أيضا معلومات بشأن علامات تجارية حصلت عليها
شركات ترامب من حكومات أجنبية.
وقال ريتشارد بلومنتال، السناتور عن كونيتيكت والمدعي الرئيسي
في الدعوى: "هدفنا بسيط ومباشر- ألا وهو منع الرئيس ترامب من وضع لافتة (للبيع)
باللغة الروسية على باب المكتب البيضاوي".
كما كان الديمقراطيون قد رفعوا في عام 2017 دعوى قضائية تزعم
أن ترامب يتربح بشكل غير قانوني من شركاته بطرق مختلفة، منها عن طريق الحصول على مدفوعات
من مسؤولي حكومات أجنبية يقيمون في عقاراته.
كما يخوض الديمقراطيون الذين يسيطرون على مجلس النواب، صراع
قوة مع ترامب بشأن مدى قدرتهم على التحقيق معه، في الوقت الذي يماطل فيه الرئيس في
المثول للتحقيق أمام لجان بالكونغرس في عدد من القضايا.
والحرب الذي سوف تشتعل اكثر خلال الأيام والأشهر القادمة
هي حرب المناظرات بين الحزبين. حيث يسعى الحزب الديمقراطي لاختيار المرشح الأكثر شعبية
والبدء في حصول تأييد من قبل الشارع الأمريكي قبل مايقرب من عام على الانتخابات الرئاسية
المقبلة، ومع بداية المناظرات وتجهيزات الحزب يستمر الحزب في الهجوم على ترامب ليرد
الرئيس الأمريكي بالمثل.
ولعل أبرز التصريحات كان هجوم الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي
كارتر،(5) الذي قال إن ترامب تولى منصبه بشكل غير شرعي، وأنه لولا التدخل الروسي لما
فاز بانتخابات عام 2016، وأنه لم يحظ بفرصة الفوز في الانتخابات المقبلة عام 2020،
ما دفع ترامب للتعليق على تصريحاته، واصفًا إياه بأنه "سيئ ومنافق"، مشيرًا
إلى أن الحزب الديمقراطي أطاح به ونسيه بعد ذلك.
وهناك هجوم آخر شنته مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأسبق،
بسبب علاقاته مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، قائلة: "لم أر أبدًا رئيسًا أمريكيًا
يصطف مع مثل هذا العدد من الزعماء المستبدين وخاصة بوتين".
ورفضت أولبرايت السماح ببقاء ترامب في منصب الرئيس قائلة:
"لا يمكننا أن نسمح ببقاء رئيس غير خاضع لأي سيطرة".
وقد علق جون بايدن خلال المناظرة الأولى للحزب الديمقراطي لاختيار المرشح الرئاسي ، على وضع الدولة قائلًا إن دونالد ترامب، وضع أمريكا في موقف رهيب؛ بسبب التفاوتات الكبيرة في الأجور، الأمر الذي دفع ترامب للرد واصفه المناظرة أنها مملة. ومن ثم فإن ترامب يبدو أنه لن يستفيق من كم الضربات التي ستوجه له، فلن يكون آخرها وضع حد القوامة عليه من الناحية العسكرية بغل يده، عن إعلان حالة حرب دون موافقة الكونجرس وما يمثله من ضربة شبه قاضية عليه، ستكتمل خلال عام الإنتخابات القادمة أمريكا 2020.
الهوامش
1- وكالة معا، مجلس النواب الأمريكي يقر تعديلا قد يمنع ترامب
من شن حرب على إيران
12/7/2019 الرابط متاح على:
http://maannews.net/Content.aspx?id=989407
2- هبة وهدان، بعد إعلان ترشحه رسميا.. أهم صراعات ترامب في
ولايته الأولى،19/6/2019 الرابط متاح على: https://www.elwatannews.com/news/details/4218119
3- أخبار الآن، ما هي صلاحيات الرئيس
الأمريكي.. حسب دستور الولايات المتحدة الرابط متاح على:
4-
ترامب
والديمقراطيون.. الصراع في ذروة جديدة، سكاي نيوز عربية، 3/5/2019 الرابط متاح
على: https://www.skynewsarabia.com/world/1249095-%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%A8-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%B0%D8%B1%D9%88%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A9
5- محمد رزق، التجهيز للانتخابات
الرئاسية.. هل بدأ هجوم الديمقراطيين المخضرمين على ترامب؟،الشروق،29/6/2019الرابط
متاح على:
https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=29062019&id=98e5be91-2ff7-45cd-a31b-6ea52370ffff