امتداد الأزمات .. طهران وسيناريوهات ما قبل الاتفاق النووي 2015
جاء إعلان بهروز كمالوندي المتحدث باسم الوكالة الإيرانية
للطاقة الذرية اعتزام بلاده رفع نسبة اليورانيوم المخصب إلى أكثر من 3,67%، وهي النسبة
المسموح بها طبقًا للاتفاق النووي المبرم في 2015، بالتزامن مع التصعيد الأوروبي والأمريكي
في اتجاه فرض عقوبات من جانب واشنطن أو فيما يتعلق باحتجاز السفن الإيرانية من
جانب بعض دول الاتحاد الأوروبي وهو ما تم بالفعل من جانب بريطانيا بعد احتجازها
سفينة جريس 1 في جبل طارق عند الطرف الجنوبي لإسبانيا، الأمر الذي كان له تداعياته
على الالتزامات الإيرانية الموقعة في الاتفاق النووي، خاصة وأن ناقلة النفط كانت
في طريقها إلى سوريا وبالتالي كان احتجازها مطلوب لأغراض الامتثال للائحة الاتحاد الأوروبي
بشأن العقوبات المفروضة على سوريا.
على الجانب الآخر؛ أكدت إيران أنها ستتخلى عن أي تعهد
دولي قطعته حيال المنظمات الدولية والمجتمع الدولي، وأعلن الرئيس الإيراني حسن
روحاني بأن بلاده ستبدأ تجاوز النسبة المسموح بها من اليورانيوم المخصب بمستوى يحظره
الاتفاق المبرم في 2015 حول برنامجها النووي بعدما كانت إيران تعهدت
بموجب اتفاق فيينا بعدم السعي لامتلاك السلاح الذري والحد من أنشطتها النووية مقابل
رفع قسم من العقوبات الدولية التي تخنق اقتصادها، ولكن انسحاب الولايات المتحدة من
الاتفاق بصورة منفردة في مايو 2018، أوجد بيئة صراعية بين الجانبين لم تقتصر
تداعياتها عليهما فقط بل على مستوى الإقليم والسياسة الدولية.
توتر
أوروبي – إيراني
حالة من التوترات المتعاقبة التي يشهدها الملف الإيراني التي
تجاوزت تداعياتها أطرافها من الولايات المتحدة وإيران إلى العديد من الفاعلين من
القوى الإقليمية والدولية، وفي هذا الإطار يمكن القول بأن الجانب الأوروبي يُعد أحد
أهم الأطراف في هذه المعادلة خاصة أنها طرف مشارك في بلورة الاتفاق النووي مع
إيران بجانب الدول الكبرى، يضاف لذلك أنه يمثل أحد أهم القوى التي كانت تقف بجانب
إيران في العديد من المواقف السياسية والاقتصادية في مواجهة الضغوط الأمريكية
المفروضة عليها.
بالنسبة للولايات المتحدة فإن احتجاز السفينة الإيرانية
في جبل طارق استحوذ على اهتمام واشنطن فيما يتعلق بسياسة بريطانيا التي باتت أقرب
إلى الولايات المتحدة خاصة بعدما تم إرسال قوات خاصة بريطانية قوامها 100 جندي من النخبة
للقيام بدوريات في مياه الخليج بعد الهجمات التي استهدفت ناقلات نفط في المنطقة،
كما رحبت واشنطن بتوقيف بريطانيا لناقلة النفط الإيرانية التي كانت متوجهة إلى سوريا،
وأعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون
أن توقيف الناقلة الإيرانية في جبل طارق "خبر ممتاز"، لافتاً إلى أن بريطانيا
اعترضت ناقلة النفط العملاقة "جريس 1"، المحملة بالنفط الإيراني إلى سوريا
في انتهاك واضح لعقوبات الاتحاد الأوروبي المفروضة على دمشق.
وعلى خلفية تبدل الموقف الأوروبي تجاه طهران استدعت
إيران السفير البريطاني لديها للتنديد بالاعتراض غير القانوني من وجهة نظرها،
الأمر الذي يشكل معادلة صعبة على مستقبل العلاقات الأوروبية – الإيرانية، خاصة في
ظل توجه الاتحاد نحو مواجهة الطموحات الإيرانية بعدم تنفيذ التزاماتها تجاه
الاتفاق النووي الموقع في عام 2015.
وبرغم أن العلاقات بينهما شهدت حالة من التقارب عقب
الانسحاب الأمريكي بصورة منفردة من الاتفاق النووي، بل وعملت على بلورة آليه
تجارية "انستكس"، لتجاوز بعض آثار تلك العقوبات الأمريكية المفروضة
عليها، وإن كانت هذه الآلية مشروطة بالتزام طهران بتنفيذ بنود الاتفاق النووي.
وبالنسبة لإيران
فإن مخالفتها لالتزاماتها برفع نسبة تخصيبها لليورانيوم بمستوى أعلى سيؤدي في
النهاية إلى بلورة مناخ دولي وليس أوروبي فقط مناهض لها، خاصة وأن هناك العديد من
القوى الدولية ومن بينها بعض الدول الأوروبية كفرنسا التي أعربت عن رغبتها استمرار
المشاورات مع السلطات الإيرانية والشركاء الدوليين المعنيين من أجل الدفع نحو
"التهدئة الضرورية، لأنه في حال رفع ملف الاتفاق النووي إلى مجلس الأمن سيتم
فرض مزيد العقوبات عليها.
دلالات
متعددة
تحمل هذه التطورات الكثير من المدلولات التي تنذر بتصعيد
واسع النطاق على الصعيد السياسي والعسكري؛ كما أنها تحمل المزيد من الصعوبات على
مسار حركة طهران الداخلية والخارجية، خاصة أن إيران تعتزم بلورة بيئة صراعية تقوم على استخدام كافة وسائل
الضغط الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية وفق استراتيجية توازن التهديد مع الولايات
المتحدة الأمريكية، وذلك في سعيها الوصول إلى موقف تفاوضي قوي عندما يتم الجلوس مجددًا
على طاولة الحوار.
ولعل عملية احتجاز ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل
طارق وهو من المناطق البعيدة عن مناطق الصراع الجغرافي يؤكد مدى تشابك وتعقد المسارات
التي تنعكس تأثيراتها على أوضاع السياسة الدولية وليس النظم الإقليمية الفرعية بمفردها،
الأمر الذي سيؤدي إلى تغير في موازين القوى بصورة كبيرة عما كانت عليه في السابق، خاصة
من جانب الدول الأوروبية، وأن هذا الموقف الأوروبي سيأتي بعدما اتخذت نهجًا حذرًا منذ
2018، عندما تجاهلت الولايات المتحدة مناشداتها وانسحبت من الاتفاق النووي بين إيران
والقوى العالمية الذي ساعد طهران على الوصول إلى التجارة العالمية مقابل فرض قيود على
برنامجها النووي.
كما أن هذه الخطوات التي تعد مفترق طرق بين التقارب
الأوروبي - الإيراني، يأتي بعد السياسات التصعيدية من جانب الولايات المتحدة،
سيؤدي إلى حدوث تراجع في العلاقات الثنائية بينهما في اتجاه تحقيق مزيد من التفاهم
مع الولايات المتحدة على حساب إيران، خاصة أنها كانت تحاول أن تكون طرف محايد في
خضم الأزمة المتصاعدة بين واشنطن وطهران.
ومن زاوية أخرى فإن تضييق الخناق على طهران سيدفعها إلى استمرار
سياسة التصعيد في ظل عدم وجود رؤية حقيقية لتسوية الأزمة المشتعلة، بعدما أبدت
العديد من الدول الأوروبية موقفًا مناهضًا لها على خلفية تزايد الضغوط حتى من أقرب
حلفائها الأوروبيين.
خيارات
طهران
هناك سيناريوهان تحاول إيران الوصول إليهما لتحقيق مصالحها
القومية، في ظل هذه المعادلة الإقليمية والدولية الصعبة؛ حيث يرتكز السيناريو الأول
على إمكانية التعويل على الدور الأوروبي في تحقيق الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية،
خاصة وأن هناك تمايز واضح بين سياسة واشنطن وسياسة أوروبا فيما يتعلق بالاتفاق النووي
الإيراني، وإن شهدت العلاقات الأوروبية – الإيرانية خلال الفترة السابقة حالة من
التوترات، إلا أن هذا السيناريو يصعب التعويل عليه خاصة في ظل ارتباط السياسة الخارجية
الأمريكية ببرنامج ترامب الانتخابي الذي صعد به إلى البيت الأبيض عوضًا عن فشل واشنطن
في إدارة الأزمة الكورية والفنزولية، والذي سينعكس بصورة كبيرة على مسار حركة واشنطن
تجاه قبولها أو عدم قبولها لهذا الأمر في ظل اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ويرتكز السيناريو الثاني على أن الدور الأوروبي قد ينعكس
بصورة كبيرة على وضع إيران من حيث مساحة التقارب خاصة أن هذا الأمر مرتبط بتحقيق التزامات
من جانب إيران بإبقائها على التزاماتها في الاتفاق النووي، كما أن الآلية الأوروبية
"انستكس" الهادفة إلى مساعدة إيران على تخفيف حدة العقوبات الاقتصادية الأمريكية
عليها، مشروطة أيضًا بالتزام طهران ببنود وشروط الاتفاق النووي، ولعل انتهاج إيران
لمثل هذه السياسات التصعيدية قد يدفع أوروبا إلى التقارب مع واشنطن على حساب طهران.
وتأسيسًا على ذلك؛ فإن خيارات إيران الخارجية في ظل هذا المناخ المأزوم ستكون في اتجاه تصعيدي قائم على استمرار تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة خاصة الدول الخليجية، بالإضافة إلى زيادة نفوذها وانخراطها داخل الأراضي السورية لتهديد أمن إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، ولعل كل هذه الأوضاع ستعود بنا مجددًا إلى فترة ما قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، وإن كانت المعادلة الإقليمية والدولية الآن أكثر صعوبة من ذي قبل.
المراجع
1) إيران تزيد النسبة المسموح
بها من اليورانيوم المخصب، على الرابط: http://cutt.us/byU9V
2) بوادر تصعيد متزايد ضد إيران
بعد محاولتها نقل النفط إلى سوريا، على الرابط: http://cutt.us/uoThT