أهمية البلديات .. تأثير نتائج انتخابات بلدية اسطنبول على السياسة الداخلية التركية
جرت إعادة الانتخابات المحلية في بلدية "إسطنبول"
في يوم 23 يونيه 2019، بعد ما يقارب أقل من ثلاثة شهور عن عقد الانتخابات في جميع
البلديات التركية فى 31 مارس 2019، وإعلان نتائجها، وطعن حزب "العدالة
والتنمية" على نتائج بلدية "إسطنبول" بعد خسارة مرشحه "بن على
يلدريم" "رجل أوردغان المقرب"، وفوز "أكرم إمام أوغلو"
عن حزب "الشعب الجمهورى" وتحالف "الأمة"، ومن ثم قرار إعادة
الانتخابات لكافة مقاعد بلدية "إسطنبول" وأقضيتها، وتعد هذه أول إعادة
من نوعها فى مدينة "إسطنبول"، وتعتبر انتخابات بلديات 2019 أول انتخابات
محلية تجرى منذ انتقال تركيا فعلياً إلى النظام الرئاسى، وثمة تداعيات متوقعة ستعكسها
نتائج هذه الانتخابات على الحياة السياسية التركية.
واقع اللامركزية فى تركيا
عبر سنوات حكم حزب العدالة والتنمية منذ العام 2002 وحتى
الآن، تم تعديل وتجديد قوانين البلديات والإدارات الخاصة فى المحافظات، منها:
قانون البلديات رقم (5393)، وقانون البلديات الكبرى رقم (5216)، وقانون الإدارات
الخاصة فى المحافظات رقم (5302)، وقانون وحدات الإدارة المحلية رقم (5355)، وقانون
تخصيص حصة من عائدات ضريبة الموازنة العامة إلى الإدارات الخاصة فى المحافظات
والبلديات، كما صدر فى عام 2012 قانون إعادة ترسيم حدود البلديات الكبرى. ونتيجة لانتقال
تركيا إلى النظام الرئاسى فى عام 2018، صدر القرار الرئاسى رقم 17 عام 2018، والذى
ربط جميع ميزانيات البلديات بخطة الموازنة العامة للدولة، تم أيضا قبل انطلاق
انتخابات 2019 بموجب تشريع جديد نقل صلاحية التحقيق مع رؤساء البلديات من وزارة
الداخلية إلى رئيس الجمهورية وفصلهم بقرار مباشر منه.
كل ذلك فى إطار التغييرات التى أحدثها حزب العدالة والتنمية
والرئيس "رجب طيب أوردغان"، فى بنية الحكم فى تركيا، حيث أن السيطرة الشديدة
إداريا وماليا على البلديات فى ظل النظام الرئاسى المطلق، يمنح الرئيس التركى
وحزبه الحاكم فرصة لإعادة ترتيب السياسات الاجتماعية والاقتصادية بما يتوافق مع
قناعاته الإيديولوجية، وهذا ما ترفضه المعارضة التركية.
اللامركزية
فى إطار رؤية تركيا الجديدة
هدفت مجمل التغييرات التشريعية والوظيفية والمالية للإدارة
المحلية والبلديات إلى ضمان كفاءة وجودة الأداء فى خدمات البلديات التركية، فى ظل
حكم حزب "العدالة والتنمية" ولعل من أهم ما جاء فى حزمة قوانين الإدارة
المحلية والبلديات فى تركيا هو ما يتعلق بالدور الاقتصادى للبلديات الكبرى، حيث أنشئت
بتشريعات من البرلمان الشركات المملوكة للبلديات الكبرى بأسهم لمصلحة المواطنين،
والمتخصصة فى إدارة المرافق والقطاعات والمشروعات الخدمية، وتنهض هذه الشركات على
السياسات الاقتصادية للتوسع الاقتصادى، وعدم اقتصارها على الداخل التركى فقط، بل امتداد
عملها إلى دول ومناطق الجوار الجغرافى، وتمتلك تركيا أكبر خمس شركات تطوير فى
أعمال البلديات، بالإضافة إلى دخول الهيئات الإدارية المحلية فى شراكة لأداء خدمات
عامة، بإذن من مجلس الوزراء.
وذلك مزجًا بين
توجهات السلطة المركزية، وعمل البلديات، وشركات إدارة المرافق والخدمات المحلية. مما
يعنى تكامل مركزى ولامركزى فى تركيا.
بهذا المعنى، يمثل النظام المحلى آفاق مشاركة المواطنين فى
إدارة شئونهم المحلية بمنهج اقتصادى تشاركى من ناحية، وإنشاء الشركات المملوكة
للبلديات الكبرى، وبالتالى تعظيم مخرجاتها من حيث العائدين الاقتصادى والسياسى من
ناحية أخرى، فى إطار رؤية الدور الإقليمى التركى الجديد. وعليه، يمكن
تفسير أسباب تحول الانتخابات المحلية التركية منذ انتخابات عام 2014، إلى شأن
إقليمى ودولى، بعد أن كانت أقل الانتخابات التركية شأنًا.
أهمية
إسطنبول: "من يفوز في إسطنبول يفوز بتركيا"
إن مقولة "أردوغان": "من يفوز في إسطنبول
يفوز بتركيا"، صحيحة إلى حد كبير، نظرا للأهمية متعددة الأبعاد لمدينة
"إسطنبول"، وذلك إستراتيجيا وجغرافيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا
وسياحيا، حيث تتكون إداريا من (39) قضاء، منهم (25) فى الجانب الأوربى، و(14) فى
الجانب الآسيوى، ويمثل سكانها كافة المكونات المجتمعية التركية، ويذكر أن
"أوردغان" قد بدأ صعوده السياسى، حينما فاز برئاسة بلدية
"إسطنبول" فى عام 1994، كما تشهد "إسطنبول" استراتيجية
التنمية المستدامة "رؤية 2019-2023" لذا تشهد عاصمة تركيا الاقتصادية أهمية كبيرة فى
الانتخابات البلدية، أذ تمتلك عدد من شركات المرافق والقطاعات الخدمية، وميزانتيها
تفوق أكثر من وزارة تركية، وتتيح نفوذا قويا للحزب الفائز برئاستها، وكانت قد شهدت العلاقات العربية-التركية
فى مجال الإدارة المحلية والبلديات عدة تحركات وأوجه عمل مشتركة، منها ما يتعلق
تحديدا بمدينة "إسطنبول": عقد اتفاق توأمة مع مدينة "تونس"، وبروتوكول تآخى مع مدينة
"القاهرة"، ومباحثات لنقل تجربة إدارتها إلى مدينة "الإحساء" السعودية.
إعادة
الانتخابات البلدية في إسطنبول
كانت الانتخابات البلدية الأولى في المدينة في 31 مارس
2019، فاز بها المرشح المعارض "أكرم إمام أوغلو" (49 عاما)، بفارق ضئيل نحو
13 ألف صوت فقط، على مرشح الجزب الحاكم "بن علي يلديريم" (63 عاما)، أذن قد تراجع حزب العدالة والتنمية، في
الانتخابات البلدية التي أجريت قبل نحو ثلاثة أشهر، حيث أن بعد نحو ثلاثة أسابيع
من إغلاق صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية في إسطنبول تم الإعلان عن فوز
مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو على مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدريم، وهو الفوز
الذي لم يستطع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقبله بسهولة وقاومه لكن القضاء دفع
إلى إلغائها بعد أن تقدم حزب العدالة والتنمية بطعن على نتيجة الانتخابات مشيرا إلى
تجاوزات كثيرة تخللتها، وأمرت اللجنة العليا للانتخابات بإعادتها، ويعود الناخبين
فى "إسطنبول" مجددا إلى صناديق الاقتراع، فى 23 يونيه 2019، وقد أغضب قرار إعادة الانتخابات البلدية في
إسطنبول المعارضة التركية، ومن ثم قبلت بالقرار واستعدت لخوض معركة
الانتخابات البلدية في إسطنبول مرة أخرى، ووضع الرئيس التركي "رجب طيب
أردوغان" كل ثقله في المعركة الجديدة، لضمان فوز مرشحه في إسطنبول.
التحالفات
والأحزاب السياسية المتنافسة في إعادة انتخابات بلدية "إسطنبول"
جرت إعادة الانتخابات المحلية في يوم 23 يونيه 2019، فى
بلدية "إسطنبول" الكبرى وأقضيتها وبلداتها الفرعية، وقد تنافس على مقعد رئاسة البلدية الكبرى واحد
وعشرون مرشحا، منهم مرشحى أربع أحزاب، وسبعة عشر مرشحا مستقلا، كان التنافس الأبرز
فى هذه الانتخابات بين تحالف "الجمهور" الذى يضم حزبى العدالة والتنمية والحركة
القومية فى إطار تحالف إسلامى قومى لأول مرة فى انتخابات بلدية، وتحالف "الأمة"
الذى يضم أحزاب الشعب الجمهورى والخير (أو الجيد) وحزب الوطن، وحزب السعادة،
واللافت للنظر أن هذه التحالفات الانتخابية استمرار لتحالفات سابقة تشكّلت قبيل
الاستفتاء على التعديلات الدستورية، والانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية،
التى جرت فى أبريل 2017، ويونيو العام 2018 على التوالى.
كان حزب العدالة والتنمية قد دفع بشخصية يعتبرها تتمتع بقبول
جماهيرى للترشح على رئاسة بلدية "إسطنبول" الكبرى، هو "بن على
يلدريم" الذى يوصف بأنه "رجل أردوغان المخلص"، وتقدم باستقالته من
رئاسة البرلمان التركى ليتمكن من إتمام الترشح فى الانتخابات البلدية. إلا أن هذا
الترشيح لم يضمن الحصول على أكبر قدر من الأصوات القومية لصالح الحزب الحاكم، برغم
أنه قد تم ترك الترشح على رئاسة ثلاث بلدات فى إسطنبول لحزب الحركة القومية.
يذكر أن مرشح حزب العدالة والتنمية "يلدريم" قد أخفق
فى الفوز برئاسة مدينة"أزمير" الكبرى، في الانتخابات البلدية السابقة فى
مارس 2014، علما أن "أزمير" تقع في منطقة النفوذ التقليدية لحزب
"الشعب الجمهورى" ثاني أكبر الأحزاب التركية، وهي الساحل الغربي
التركي.
كما أملت وحققت أحزاب المعارضة الرئيسية فوز مرشحيها برئاسة
وعضوية مجالس مجموعة من كبرى المدن التركية، في انتخابات مارس 2019، استمر
"أكرم إمام أوغلو" وحزبه "الشعب الجمهورى" في إطار تحالف
"الأمة" في الحفاظ على التقدم الذى أحرزه في الانتخابات الأولى قبل طعون
حزب "العدالة والتنمية" وإعادتها مرة أخرى. ويذكر أنه على الرغم من
إنجازات حزب"الشعب الجمهورى" ودوره التاريخي في تأسيس الجمهورية
التركية، فإن توجهاته العلمانية وسياساته ضد الهوية الدينية الإسلامية، تمثل
تحديات جسيمة، وفى سبيل التغلب على هذا، توجه "إمام أوغلو"
في دعايته لتحقيق "سياسات القرب" المحلية، وإبرز الدور الاقتصادى
للبلديات، كما قام بزيارة المساجد وتلاوة آيات قرأنية، وذلك لكسر الحاجز الدينى بينه
وبين "الناخبين الإسطنبوليين"، أما شعاره الانتخابى فهو " كل شيء
سيجري على ما يرام".
نتائج
إعادة انتخابات بلدية إسطنبول
بالتركيز على انتخابات رئاسة بلدية "إسطنبول"
الكبرى، والتى جرت إعادتها يوم 23 يونيه 2019، يمكن الإشارة إلى نتائجها، على
النحو التالى: يبلغ إجمالى الناخبين فى "إسطنبول" حوالى 10570222 ناخبا،
شارك منهم وأدلوا بأصواتهم، فى هذه الانتخابات حوالى 8868664 ناخبا، كانت الأصوات
الصحيحة تقريبا 8696552. ووصلت نسبة المشاركة إلى أعلى معدلاتها فى انتخابات محلية
تركية، وكانت 84.42%. وذلك عبر 31342 صندوق اقتراع. وفاز المرشح المعارض
"أكرم إمام أوغلو" وحصل على أكثر من 4698000 صوتا، وبفارق تجاوز 600000
صوتا عن منافسه مرشح الحزب الحاكم "بن على يلدريم"، وبنسبة تقديريا
54.03%. إلا أن الحزب الحاكم فاز بأغلبية الأقضية والبلدات الفرعية فى
"إسطنبول".
وتمنت جميع خطابات التهانئ السياسية سواء من الحزب
الحاكم أو من المعارضة "أن تحمل هذه
النتيجة الخير لتركيا"، وزاد عليها "إمام أوغلو" المرشح الفائز
"بأن تكون هذه النتيجة بداية جديدة لإسطنبول وتركيا والعالم، وشكر كل من حافظ
على الديمقراطية التركية".
تعتبر الانتخابات المحلية الأخيرة التى جرت فى 31 مارس 2019
للبلديات التركية، وإعادتها في بلدية "إسطنبول" في 23 يونيه 2019،
الانتخابات الأولى منذ انتقال تركيا فعلياً إلى النظام الرئاسى، وفى هذه
الانتخابات كانت المنافسة بين الأحزاب المشاركة في أعلى درجات حدتها، كما سعت
المعارضة إلى تحجيم نفوذ الرئيس "رجب طيب أردوغان" وحزبه الحاكم، لذا
فأن نتائج هذه الانتخابات فى مجملها، وفوز المعارضة في عدد من المدن الكبرى منها
"أنقرة" و"إسطنبول" و"أزمير"، تعني انخفاض سيطرة
الحزب الحاكم على الدور الخدمى فى هذه البلديات.
وبالإشارة إلى حسم معركة رئاسة المدن الثلاث الكبرى: إسطنبول وأنقرة وإزمير، ومقارنة بنتائج الانتخابات المتعاقبة، خاصة منذ انتخابات بلديات 2009، فقد بقيت إزمير تحت سيطرة حزب "الشعب الجمهوري"، إلا أن متغير يمكن أن يكون له دلالات مستقبلية، وهو فوز المعارضة وخاصة تحالف "الأمة" برئاسة مدينتى "إسطنبول" و"أنقرة"، وذلك برغم أن هذا يأتى فى ظل صلاحيات النظام الرئاسى، كما أن ما زال حزب "العدالة والتنمية" يحتفظ بمعظم أقضية "إسطنبول"، إلا أن المسألة تفسر لصالح القوة المتنامية للمعارضة وخاصة حزب "الشعب الجمهوري"، الذى يمكنه منافسة "العدالة والتنمية"، كما أن أنصار "إمام أوغلو" باتوا يعتبرونه "بطل"، ويقدر على تحدي "أردوغان" خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.
مراجع
1.
بن
علي يلدريم الوفي لأردوغان ومرشحه لرئاسة بلدية إسطنبول، bbc arabic، 22/06/2019، متاح على الرابط التالى:
http://www.bbc.com/arabic/world-48177189
2. محمد عبد القادر خليل، تركيا الأردوغانية: مآلات مابعد
الانتخابات البلدية، متابعات تحليلية، مركز الأهرام للبحوث والدراسات
الاستراتيجية، 7/ 4/ 2019، في الرابط التالى:
http://acpss.ahram.org.eg/News/16888.aspx
3. محمد عبد الهادى، تركيا: انتخابات محلية تحت
وصاية رئاسية، مجلة الديمقراطية، العدد 74، أبريل 2019، ص ص 200-201.
4. مشاريع الشراكة بين البلديات، وكالة خدمات
البلديات فى عالم واحد، مبادرة الخبرة العملية لشئون البلديات فى منطقة الشرق
الأوسط،
https://www.initiative-nahost.de/ar/Municipal-project-partnerships.html
5. مها بن عبد العظيم، من يفوز في إسطنبول يفوز
بتركيا: إعادة حاسمة لانتخابات البلدية في
العاصمة الاقتصادية، france24، 22/06/2019، متاح على الرابط التالى: