تأثير سقوط نتنياهو السياسي على مستقبل خطة السلام مع الفلسطينين
بعد انتهاء المهلة المقررة لتشكيل حكومة ائتلافية بزعامة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، صوت مؤخرا 74 عضوا لصالح حل البرلمان، الأمر
الذي ترتب عليه قيام الكنيست بتحديد يوم 17 سبتمبر 2019 موعدا للانتخابات التشريعية.
ورغم الفشل الذريع إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد بأن حزب "الليكود"
المحافظ الذي يتزعمه سيفوز في الانتخابات الإسرائيلية المبكرة. (1)
ورغم الثقة المبالغ فيها من نتنياهو إلا أنه سارع بإتهام
عدوه السياسي اللدود لبيرمان إفشاله قائلا:
"ليبرمان للمرة الثانية يجر الدولة بأكملها إلى انتخابات عامة من أجل الحصول على
بضعة مقاعد". والسؤال المطروح الآن ما هو مستقبل نتنياهو السياسي، وكذلك ما
هو مستقبل محادثات السلام المطروحة من الإدارة الأمريكية في ظل تعقد موقف نتنياهو
بعد حل الكنيست، وأيضا مع إقتراب الحملة الدعائية للرئيس الأمريكي المقررة مطلع
نوفمبر المقبل؟.
صراع نتنياهو من أجل البقاء
تُعني خسارة نتنياهو في تشكيل الحكومة الجديدة والتي
بدأها في أبريل الماضي كولاية الخامسة بعدما حصد حزب الليكود الذي يتزعمه 35 من مقاعد
الكنيست الـ 120، أن مستقبله السياسي في خطر كبير في ظل إتهامات مباشرة من
المحققين في ثلاث قضايا فساد. ويعد نتنياهو وفقا لما آلت إليه الأمور هو ثالث مرشح
لرئاسة الحكومة يفشل في تشكيل حكومته، وذلك بعد شيمون بيرس عام 1990، وليفني عام
2008. فخسارة نتنياهو تعني جاهزيته الكاملة للمحاكمة، وهذا
ما كان يحاول منعه من خلال مشاريع قوانين تمنح رئيس الحكومة حصانة تحميه من المحاكمة
في ظل منصبه الرسمي.وقد أكد المدعي العام الإسرائيلي أنه يعتزم توجيه تهم فساد واحتيال
لنتنياهو قبل محاكمته المقررة في أكتوبر. والأمر اللافت للنظر هنا أن خصوم نتنياهو
قد عقدوا عليه الأمور بحسب ما صدر من تصريحات شخصية من نتنياهو نفسه، هذا لأنه كان
ينتوي تغييرالإجراءات القضائية حتى يحصل على حصانة من التقاضي أثناء بقاءه في منصبه.
أي انه كان يهدف تحصين نفسه من المحاكمات القضائية التي قد تكون هي المسمار الأخير
في نعش نتنياهو.
وكانت الانقسامات التي ظهرت بين حزب إسرائيل بيتنا القومي
برئاسة وزير الدفاع السابق أفيجدور ليبرمان وحزب التوراة اليهودي المتحد بشأن قانون
للتجنيد العسكري يتحكم في الإعفاءات الخاصة بطلاب المعاهد الدينية محادثات تشكيل الائتلاف
إلى الجمود سببا في إفشال عملية تشكيل الحكومة. ولكن بحسب معلقين وأعضاء في حزب ليكود
الذي يتزعمه نتنياهو فإن الدافع الحقيقي لليبرمان لإفشال خطة التشكيل الحكومي؛ هو خلافة
نتنياهو في نهاية المطاف وأنه يستخدم قانون التجنيد وجمود محادثات تشكيل الائتلاف لإضعافه
سياسيا. بعد أن تسبب الجمود السياسي في مصادقة الكنيست بالقراءة الثانية والثالثة على
اقتراح قانون حل الكنيست الحادية والعشرين الذي تقدم به عضو الكنيست ميكي مخلوف زوهر.(2)
وقد أيد الاقتراح بالتصويت بقراءة الأسماء 74 عضو كنيست وعارضه 45 وامتنع عضو كنيست
واحد (عضو الكنيست روعي فولكمان الذي تغيب عن القاعة أثناء التصويت)، وفور ذلك تبادل
بنيامين نتنياهو، الذي فشل بتشكيل حكومة إسرائيلية، ووزير دفاعه السابق ليبرمان، الاتهامات،
بعد ساعات على حل الكنيست، والدعوة إلى انتخابات جديدة في سبتمبر المقبل.أما رئيس كاحول
لافان بيني غانتس أحد خصوم نتنياهو فقال: "لا شك لدي أن أهم مسألة هي كيف ستظهر
ملامح الديمقراطية الإسرائيلية وأن الموضوع الأمني يحل في المرتبة الثانية وأن كل المداولات
تتمحور حول هذه المسألتين".
وقد ترتب على إخفاق نتنياهو في تكليف حكومة إلى إعتراف
الجميع بالفشل التاريخي كما أذاعت إذاعة الجيش الإسرائيلي.
ويبدو السبب المعلن للفشل إلى انقسامات بين حزب إسرائيل بيتنا
القومي المتطرف بزعامة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان وحزب التوراة اليهودي المتحد
بشأن قانون للتجنيد العسكري ينظم الإعفاء الذي يحصل عليه طلاب المعاهد اليهودية الدينية
حيث يرى ليبرمان ضرورة أن يشترك طلاب المعاهد الدينية اليهودية مع غيرهم من اليهود
الإسرائيليين في تحمل عبء الخدمة الإجبارية بينما تقول الأحزاب الدينية المتشددة إنه
يجب إعفاء طلاب المعاهد الدينية من التجنيد وفقا لما جرت عليه العادة منذ قيام إسرائيل
في عام 1948. إلا أنه رغم هذا السبب الظاهر للعيان إلا ان قانون اللعبة يشير إلى
أن كثرة مشاكل نتنياهو وعلى الأخص الإتهامات بالفساد هي ما أوقعته في هذا المأزق،
في ظل وجود منافسين واعين لقوانين اللعبة، كما أن لديهم طموح سياسي خاص في الفترة
المقبلة، أضف إلى ذلك طول فترة نتنياهو كرئيس للوزراء جعل الكل الديمقراطي يتأثر
في دولة تصف نفسها بأنها الأكثر ديمقراطية مقارنة بجاراتها.
مستقبل نتنياهو وخصومه السياسيين
فبعد ستة أسابيع فقط من فوزه في انتخابات ابريل. ورغم
حصوله على تفويض من الرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين لتشكيل الحكومة الجديدة مدعوما
بأغلبية بالكنيست مؤلفة من فصائل يمينية ودينية.ويبدو بيني جانتس، الجنرال السابق الذي
يحظى بشعبية في الانتخابات السابقة منافسا سياسيا حقيقيا لنتنياهو. حيث يتزعم جانتس
حزب أزرق أبيض الجديد الذي حصل على 35 مقعدا في الكنيست وهو نفس عدد المقاعد التي فاز
بها حزب ليكود بزعامة نتنياهو. وخاض حزب جانتس الانتخابات ببرنامج انتخابي كانت أبرز
نقاطه حكومة ليس بها فساد وتحقيق السلام والأمن.
بينما يسعى ليبرمان لتعزيز مكانته بعد حل الكنيست، وفي مواجهة
سيل الاتهامات له من قبل اليمين بأنه يساري فإن ليبرمان، وزير الدفاع السابق، أكد بأنه
مستوطن وأنه يرفض تولي زعيم تحالف" ازرق أبيض" الوسطي بيني غانتس رئاسة الحكومة.وجدد
دعوته كنوع من الدعاية السياسية لإخلاء قرية الخان الأحمر الفلسطينية وفرض عقوبة الإعدام
على أسرى فلسطينيين. وقال ليبرمان في مؤتمر صحفي في تل أبيب" آمل في الانتخابات
القادمة أن نحصل على 17 مقعدا".(3)
بينما اتهم حزب" الليكود" ليبرمان بتعطيل محاولة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشكيل حكومة جديدة عبر إصراره على تمرير قانون
التجنيد الذي يتضمن تجنيد المتدينين اليهود.
ويسعى ليبرمان اليوم لمحاولة نفي صفة "يساري" التي
أطلقها عليه نتنياهو، بعد تصويت الكنيست على حل نفسه.واتهم نتنياهو بمنع تمرير قانون
يسمح بفرض عقوبة الإعدام على معتقلين فلسطينيين متهمين بقتل أو المشاركة في عمليات
قتل إسرائيليين.أما موقف بيني غانتس وحزبه مشروع القانون الخاص بحل الكنيست، قائلا
إنه "إذا فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة ، فسيكون من المناسب نقل التفويض إلينا".
ويعني هذا أن غانتس كان يتعجل الحصول على التفويض بتشكيل الحكومة دون المرور من
جديد عبر صندوق الإنتخابات.
وقد قال غانتس :"إصرار نتنياهو الحفاظ على كرسيه بأي
ثمن هو العقبة الوحيدة أمام تشكيل حكومة توافق وطني، يمكنها أن تهتم حقا بجميع مواطني
دولة إسرائيل. لو كان قائد آخر لكان بالإمكان تنفيذ ذلك في لمح البصر".
وتنتظر نتنياهو “جلسة استماع” قضائية لدى المستشار القضائي
للحكومة تمهيدا لتقديم لائحة اتهام بالفساد ضده بثلاثة ملفات وقد حدد موعدها من قبل
في مطبع اكتوبر القادم،أسبوعان بعد الانتخابات الجديدة، مما يعني أن نتنياهو لن
يقدر على إعداد مشاريع قوانين تحصينه ضد المحاكمة.
ويبدو المتسبب في الأزمة منذ البداية ليبرمان وذلك عندما قدم استقالته من وزارة الأمن
وهو ما أكده نتنياهو نفسه عندما أشار بأن ليبرمان
دفع إسرائيل مرتين لجولة انتخابية مبكرة بسبب أطماع وأهواء شخصية ثمنها إسقاط حكومة
يمين وطنية.
وقد أشار عددا
كبيرا من المحللين الإسرائيليين عن استيائهم لحل الكنيست والذهاب لانتخابات جديدة مكلفة
غير مبررة، واعتبر المحلل البارز في “يديعوت أحرونوت” نحوم برنيع أن نتنياهو يقود إسرائيل
لانتخابات مبكرة للمرة الثالثة لعدة أسباب آخرها بسبب رفض شركائه الطبيعيين في اليمين
الذين باتوا غير طبيعيين كما اتضح. وقال برنيع إن ما جرى بمثابة تصفية نهاية الموسم
في السياسة الإسرائيلية معتقدا أن نتنياهو يتجه نحو الفصل الأخير من مسيرته السياسية.
واعتبر كذلك المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس”، يوسي فيرتر أن العد التنازلي لنهاية
عصر نتنياهو قد بدأ.
تأثير حل الكنيست على محادثات السلام مع
الفلسطينين
أما عن مستقبل عملية السلام الجديدة التي كان يحاول
الأمريكيون تمريرها بسرعة ، فيبدو أن الامور تسير بعكس ما تشتهيه السفن حيث كانت الإدارة
الأمريكية علقت خطتها للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى ما بعد تشكيل الحكومة
الإسرائيلية الجديدة. ومن
المؤكد في هذا الأمر أن وضع نتنياهو وإسرائيل الحالي سيتسبب في تعطيل إعلان خطة الرئيس
الأمريكي دونالد ترامب الجديدة بشأن السلام في الشرق الأوسط. كما يبدو مؤتمر
البحرين الإستثماري في حكم الفشل رغم أنه لم يبدأ – خلال الشهر الجاري-. فحليف
ترامب قد سقط في فخ الفشل الذريع، وتنتظره محاكمات قضائية. (4)
ووفقاً لتصريحات أمين سر اللجنة التنفيذية لحركة فتح
صائب عريقات فإن الخطة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المعروفة باسم
"صفقة القرن"، والتي أرجأت الإدارة الأمريكية الكشف عنها إلى ما بعد تشكيل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الحكومة، كان من المقرر الإعلان عنها كما
ذكر مستشار ترامب السياسي كوشنر بعد العيد.وكانت الإدارة الأمريكية تنوي الكشف عن الخطة
قبيل دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الدعاية الانتخابية لولاية رئاسية ثانية
في شهر نوفمبر المقبل،(5) وهو الشهر ذاته الذي يتوقع أن يتم الإعلان فيه
عن حكومة جديدة، بات من غير المعلوم من سيشكلها.
وقد كتب الدبلوماسي الأمريكي السابق آرون ميلر أنه لا يوجد
سوى وجهين إيجابيين للمشهد السخيف في إسرائيل، بعد 7 أسابيع من إجراء الانتخابات والتوجه
إلى انتخابات جديدة: أولاً لن يكون هناك قانون حصانة أو محاولة لتقويض المحكمة العليا
في إسرائيل، وثانيا إذا كان ذكيا فإن كوشنير سيؤجل خطة السلام".(6)
وقد كشفت مصادر فلسطينية رفيعة المستوى في مدينة رام الله
بالضفة الغربية، وفقا لصحيفة ل"الخليج أونلاين" كواليس اجتماع عقد قبل أيام
مع مسؤولين دوليين وأوروبيين مقربين من إدارة الرئيس ترامب، للتباحث حول الأوضاع الفلسطينية
الراهنة، وكذلك تداعيات خطة السلام الفلسطينية - الإسرائيلية المعروفة بـ"صفقة
القرن".وأكدت المصادر أن المسؤولين أبلغوا الجانب الفلسطيني أن واشنطن قررت بشكل
"شبه رسمي" تأجيل طرح "صفقة القرن"، عن الموعد الذي حدده جاريد
كوشنر، صهر ترامب وكبير مستشاريه والمقرر في شهر يونيو المقبل.
كما أوضحت المصادر أن الأوروبيين أبلغوا أن بعض الظروف الداخلية
والخارجية تسببت في تغيير وجهة نظر إدارة ترامب.
ورغم تعقد موقف كلًا من نتنياهو وترامب وخروجًا من فضيحة الإخفاق لم يجد ترامب سببا لستر عورته السياسية، هو حليفه سوى تصريح صدر منه مؤخرا، أكد فيه بأن من حق إسرائيل ضم أراض من الضفة الغربية، إلا أن هذا لن يزيد عن كونه كما قلنا سترا للعورة، لكن مع تعقد موقف كلا من نتنياهو وترامب فإن الأمور تتجه لخسارة كلا من الحليفين لبعضهما البعض، إذ تبدو فرص نتيناهو في البقاء ضعيفة جدا، مما يترتب عليه أن خطة السلام الجديدة ستسقط هي الأخرى، أي ستصبح حبرا على ورق، كسابقتها من مشاريع السلام، نتيجة لهذا السقوط السياسي المدوي للرئيس الباحث عن فوز وسط خصوم سياسيين أفسدوا عليه كثيرا من الأمور، بل وينتظرون دخوله السجن في المستقبل القريب.
الهوامش
1- مايان لوبيل، -نظرة فاحصة- لماذا قد تتجه إسرائيل إلى انتخابات
مبكرة اخرى، رويترز،27/5/2019، الرابط متاح على:
https://ara.reuters.com/article/idARAKCN1SX1T9
2- روسيا اليوم، الكنيست يصوت على حل نفسه والذهاب إلى
إنتخابات بعد فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة، روسيا اليوم، 30/5/2019، الرابط متاح
على:
http://cutt.us/ybEeK
3- العين الإخبارية، الكنيست الإسرائيلي يحل نفسه وانتخابات
مبكرة في سبتمبر،30/5/2019، الرابط متاح على:
https://al-ain.com/article/kurds-uzbekistan-148-women-children-families-daash
4- داوود عبد الرؤوف، حل الكنيست يضع صفقة القرن في مهب
الريح، العين الأخبارية،30/5/2019، الرابط متاح على:
https://al-ain.com/article/elections-deal-century-limbo
5- فهم الصوراني، الكنيست يحل نفسه.. فماذا عن صفقة القرن؟،
سبوتنيك بالعربية،30/5/2019، الرابط متاح على:
6- نادي الصفدي، الخليج أونلاين يكشف تأجيل إعلان صفقة
القرن للعام 2020، الخليج أونلاين، الرابط متاح على: