ترامب والديمقراطيون.. بين سيناريو العزل وتقويض الصلاحيات
يبدو
أن أزمة ترامب مع النواب الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي لن تنهى على خير، بل
في طريقها للتطور السريع خلال الأيام القادمة. إذ لدى جماعة الديمقراطيين إصرارًا
واضحًا على محاسبة الرئيس الأمريكي بتهم تتعلق بتحقيقات مولر الخاصة بالإنتخابات
الأمريكية الأخيرة، وقد بدا المشهد الأخير في حالة تأزم شديد من خلال ما غرد به
ترامب، إذ كتب عبر صفحته الرسمية على موقع تويتر قائلا (1):"إن القيادة الديمقراطية
تمزق الولايات المتحدة، لكنني سأستمر في تسجيل الأرقام القياسية للشعب الأمريكي، ونانسي،
أشكرك كثيراً على صلواتك. أعلم أنك تعني ذلك حقًا!".جاء ذلك بعد صدام عنيف ما
بين ترامب والديمقراطيين، وعلى إثره انسحب الرئيس الأمريكي،الأربعاء الماضي، وبشكل
مفاجئ من اجتماع مع زعماء ديمقراطيين في الكونجرس، كان مخصصاً لمواضيع تتعلق بالإنفاق
الحكومي ومواضيع خاصة بمشاريع البنية التحتية، إلا ان هذه الأمور لم تنته ولم يتم
البت بحل بخصوصها.
بداية تفجر الأزمة
نبدأ
من نهاية التوترات والتطورات ما بين الرئيس الجمهوري والإعضاء الديمقراطيين بمجلس
الكونجرس، والتي تسيطر عليه الأغلبية الديمقراطية حيث تجاهل دون مكجاهن المستشار بالبيت
الأبيض طلب استدعاء له مؤخرا من اللجنة القضائية بالمجلس للمثول أمامها للشهادة.وكان
قد خلص تقرير مولر قبل نحو شهرين إلى أن حملة ترامب الانتخابية الرئاسية لم تعمل مع
روسيا لترجيح كفة الانتخابات عام 2016 لصالح الرئيس الذي تعد النتيجة التي توصل إليها
المحقق مولر انتصاراً سياسياً كبيراً له.
إلا
أن رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي لها رأيا آخر، فهي من أشد الباحثات
عن تحقيق هذه المساءلة فلقد قامت بإتهام ترامب اتهمته مؤخرا بالتورط في عملية تستر
وإعاقة عمل العدالة. لكن سرعان ما رفض الرئيس التصريحات سريعاً ورد قائلا(2)"أنا لا أمارس التستر".
وتتعلق
التحقيقات بما إذا كان ترامب قد عرقل سير العدالة خلال تحريات المحقق الخاص روبرت مولر
بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية لعام 2016 وأيضا التحقيق في أمواله وشركاته
الخاصة. كما سبق واتهمت بيلوسي في وقت سابق وزير العدل وليام بار بالكذب على الكونغرس
مشيرة إلى أن ما قام به يعتبر"جريمة". وتم اتهام وزير العدل وليام بار بازدراء
الكونجرس لتجاهله أمر استدعاء لتقديم تقرير المحقق الخاص روبرت مولر الكامل بشأن روسيا.
ويستمر مسلسل ترامب بيلوسي من خلال حرب كلامية سلسلة من الاتهامات وتراشقات بالألفاظ
تبادلها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث بدأ ترمب بنشر تغريدة على «تويتر» أثارت
جدلاً واسعاً، حيث تضمنت مقطع فيديو يظهر لحظات تعثرت فيها بيلوسي في حديثها خلال مؤتمر
صحافي عقدته يوم الخميس الماضي. وقام ترمب بنشر الفيديو في نحو الساعة 9 مساء، وعلق
عليه بعبارة «بيلوسي تتهته خلال مؤتمر صحافي». وكتب ترامب في تغريدة منفصلة: «لا ينبغي
أن تكون نانسي بيلوسي موجودة هناك لتفعل الأشياء التي تقوم بها حالياً... سوف تقلل
من نفسها ومن عضويتها. إنها لا تستطيع وضع فاعل وخبر في الجملة نفسها. ما الذي يحدث؟».
ومن
ثم فقد جاء رد بيلوسي سريعاً، على حسابها بـ«تويتر» إذ قالت:«إنه - الرئيس - يصرف الانتباه
عن الإنجازات العظيمة التي حققها الديمقراطيون في مجلس النواب. نكرر، نتمنى أن تتدخل
أسرته أو إدارته أو موظفوه من أجل مصلحة البلد». وخلال الأسبوع الماضي، تداولت عدة
مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر بيلوسي على أنها تبدو في حالة سكر، وهو
ما أثار غضب الديمقراطيين ودائرة بيلوسي بشكل كبير.
والأكثر
من هذا كله جاء عندما اتهم ترامب بيلوسي بالجنون، وقال في تغريدة مساء الخميس: «كنت
هادئاً للغاية. الباكي تشيك، والمجنونة نانسي... شاهدتها لفترة طويلة من الزمن... إنها
ليست الشخص نفسها. لقد فقدت صوابها»، وتابع: «أنا عبقري مستقر للغاية». ويستمر
مسلسل الردود ما بين الخصمين برد بيلوسي في تغريدة قائلة: «عندما يبدأ (العبقري المستقر
للغاية) في العمل بشكل رئاسي أكثر، سأكون سعيداً بالعمل معه على البنية التحتية والتجارة
وغيرها من القضايا».
صدام ترامب - اللغة العنترية- في التعامل مع الخصوم
وما
نستطيع تحليله هنا في ضوء هذا الصراع هو ردة فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،
التي لا تاخذ أية أبعاد من الحكمة السياسية لإحتواء الأزمة، خاصة أن هذا الذي يحدث
يتزامن مع طلب رئاسي من الكونجرس لإنهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة.
حيث كان ترامب قد طرح خططا جديدة، "تسويات"، لتنفيذ مشروع الجدار الحدودي
مع المكسيك، (3)من أجل إنهاء الإغلاق الجزئي الذي يشل مؤسسات حكومية منذ أكثر من أربعة
أسابيع.
حيث
لا يزال ترامب متمسكا بضرورة توفير مبلغ 5.7 مليارات دولار لتمويل بناء الجدار المثير
للجدل.ويرفض الديمقراطيون تمويل بناء الجدار، كما رفضوا مسبقا المقترحات التي طرحها.
ولكن كان هناك لجوء للحل الوسط فقد خصص الكونغرس 1.375 مليار دولار (1.985 مليار دولار)
لتمديد أو استبدال الحواجز الموجودة في وادي ريو جراندي بولاية تكساس ، وهو الممر الأكثر
ازدحامًا للعبور غير القانوني، وقد قبل ترامب هذه الأموال على مضض ، لكنه أعلن بعد
ذلك الطوارئ الوطنية لسحب الأموال من حسابات حكومية أخرى، وتحديد ما يصل إلى 8.1 مليار
دولار (11.6 مليار دولار) لبناء الجدار. إلا ان خصوم الرئيس قالوا بأن إعلان الطوارئ
كان محاولة غير قانونية لتجاهل الكونجرس.
وتبدو حجج ترامب بشأن الجدار
العازل ضعيفة في نظر خصومه على الرغم من تأكيده أيضا من خلال تغريداته المثيرة
للجدل قائلا: "لا ينظرون إلى الجريمة والمخدرات، فقط ينظرون إلى عام 2020، الذي
لن يفوزوا فيه". ومن ثم فإن ترامب يعتمد على نظرية المؤامرة في شكلها الدولي
لتبرير قرارته وتمريرها، من خلال غياب للغة الحوار مع شركائه، أو حتى خصومه
السياسيين.
هل تتجه الأمور حقًا نحو إجراءات عزل؟
المثير
للتعجب هنا أنه رغم تأكيدات بيلوسي أن هناك إجراءات لعزل الرئيس، إلا أنها سرعان
ما تعود وتؤكد بشكل عكسي بأن هذه الإجراءات لم تبدأ بعد كما أنها سوف تستغرق مدى
زمني طويل، وبينت أن الديموقراطيين سيتركون الواقع يملي عليهم المسار الواجب سلوكه.
مؤكدة أن العزل سيقسم البلاد. أي انه رغم نبرة بيلوسي الحادة مع ترامب بخصوص عدم
التعاون والكسل السياسي منه، إلا أنها تتخوف من إتخاذ إجراءات للعزل. طبقا
لتصريحاتها المختلفة. إلا أنه خلال أيام قليلة ماضية سجل الديمقراطيون نشاطا
ملحوظا بخصوص إمكانية محاكمة ترامب، (4)حيث قرر قاض في نيويورك أنه يمكن تقديم السجلات
المالية للرئيس للمشرعين الديمقراطيين من قبل دويتشه بنك وبنك كابيتال وان. وقد وافق
المجلس التشريعي للولاية الذي يسيطر عليه الديمقراطيون في نيويورك بالفعل على مشروع
قانون يهدف إلى الكشف عن الإقرارات الضريبية للرئيس، والتي سخر منها مرارًا وتكرارًا
بشأن الكشف عنها.في وقت سابق من هذا الأسبوع ، قضى قاضي فيدرالي بأن السيد ترامب لا
يمكنه منع أمر استدعاء يأمر شركته للمحاسبة بتسليم سجلاته المالية إلى الكونجرس.
من
جانبه فقد نصح السناتور ليندسي جراهام يوم الجمعة الماضية من خلال لقاء على قناة فوكس
نيوز الرئيس بأن يعيد النظر في رفضه المعلن للعمل مع الديمقراطيين حتى يتم إسقاط التحقيقات
في حملته لعام 2016، وحذر غراهام، ترامب من عدم العمل مع الديمقراطيين وقال:
"يجب أن يهتم بالبنية التحتية". موجها نصيحته له بألا يدع هؤلاء الرجال يمنعونه
عن فعل أشياء جيدة للبلاد.
ويرى
الكاتب هال ريد في مقا له على موقع تريبون هارلد أنه (5)يمكن لرئيسة مجلس النواب نانسي
بيلوسي، وهي ديموقراطية من كاليفورنيا، أن تتم المصادقة عليها في أي يوم تختاره. مع
كل يوم يمر، كما أنها تتعرض لضغوط أكبر من الديمقراطيين الآخرين، بما في ذلك رؤساء
لجان الكونجرس، والمرشحين للرئاسة والمواطنين كم أن غالبية أعضاء مجلس الشيوخ سيصوتون
لإدانة ترامب. الرجال والنساء الـ 47 الذين تجمعوا كمرشحين ديمقراطيين، مع استثناء
محتمل لجو مانشين من ولاية فرجينيا الغربية، كما أن هناك ما لا يقل عن نصف الأعضاء
الجمهوريين البالغ عددهم 53 الذين لن يفقدوا فرصة إعفاء ترامب. وعلى حد تعبيره
فهذا يعد أقل بكثير من 67 صوتا المطلوبة لإدانته.
ويشير
الكاتب إلى انه في عام 2020، سوف يكون هناك 12 من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين فقط
هم المرشحون لإعادة انتخابهم ، بينما هناك 22 مقعدًا جمهوريًا على المحك. حتى لو تم
هزيمة الديمقراطيين الأكثر تعرضا للخطر، وهما دوغ جونز من ألاباما ومارك وارنر من فيرجينيا
، فإن الأمر سيستغرق ستة ديمقراطيين جدد فقط لقلب مجلس الشيوخ.
يبدو أن الأمور حقا تتجه نحو عزل ترامب؛ بيد أنها تتم ببطء، إذ ترتفع حدة التصريحات ما بين الخصمين وإن كانت على فترات، لكنها لم تصل إلى درجة الغياب التام. وما يزيد من تدهور موقف الرئيس الحالي هو تعاملاته المُتعالية مع خصومه السياسيين، وهو ما يزيد أيضا من توجههم وإصراراهم على محاكمته، فهو يُعد في حكم الفريسة بالنسبة لهم خاصة وهم أغلبية تنتظر العودة في الإنتخابات القادمة إلى البيت الأبيض.
الهوامش
1-
مريم شهاب، تصريحات بيلوسي
تدفع ترامب للإنسحاب من إجتماع الديمقراطيين، يورونيوز،22/5/2019، الرابط متاح
على:
https://www.youtube.com/watch?v=jSQMFSBvN8U
2-
عاطف عبد اللطيف، تلاسن
وإتهامات ما بين ترامب وبيلوسي، الشرق الأوسط، 25/5/2019
http://cutt.us/JH5UW
3-
TRUMP HITS BACK AT
DEMOCRATIC COVER- UP CLAIMS, BBC NEWS,
TRANSLATE BY IBRAHIM SALEH, 22-5-2019
الرابط
متاح على:
https://www.bbc.com/news/world-us-canada-48372001
4-
LINDA SEY GRAHAM
WARNS TRUMP: DON’T LET DEMOCRATTES, POLITICO, TRANSLATE BY IBRAHIM SALEH,24- 5-
2019, at:
الرابط متاح على:
https://www.politico.com/story/2019/05/24/lindsey-graham-trump-infrastructure-1343260
5-
HALL RIED, HAWAIITRIBUNE HERALD, TRANSLATE
BY IBRAHIM SALEH,25-5-2029, at:
https://www.hawaiitribune-herald.com/2019/05/25/opinion/impeach-trump-for-the-spectacle-if-not