بعد قرار وقف الاعفاءات .. هل تستطيع تركيا إنقاذ مبيعات النفط الإيراني؟
أعلن
وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" في 22 إبريل/نيسان لعام 2019 إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وقف
الاعفاءات النفطية التي منحتها واشنطن لثماني دول
تتمثل في (الصين، الهند، اليابان، تركيا، إيطاليا، اليونان، كوريا الجنوبية
وتايوان)، على خلفية خوفها من تصاعد الأسعار في سوق النفط العالمية، سيما و أن هذه
الدول تعد من أكثر البلدان استيراداً للنفط الإيراني.
جاء هذا
القرار بعد فشل تحقيق المدعى العام الأمريكي "روبرت موللر" في إدانة
الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، على خلفية اتهام روسيا بالتدخل في
الانتخابات الأمريكية مع علم الرئيس الأمريكي بذلك، ورغبة واشنطن في تصفير صادرات
النفط الإيراني. وعليه، كانت تركيا من أولى الدول التي اعترضت على القرار الأمريكي
و اعلنت رفضها للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب. كما كان لطهران عدد من ردود
الفعل الرافضة على مستوى المؤسسات الرسمية و غير الرسمية، ومن شأن ذلك أن يحلينا
إلي التساؤل حول مدى قدرة حلفاء طهران على انقاذ مبيعات النفط الإيراني.
أولاً- ردود الفعل الإيرانية
أصدرت طهران
عدد من التصريحات الرسمية على القرار كان أبرزها ما هدد به رئيس هيئة الأركان
"محمد باقري" بغلق مضيق هرمز الذي يعد بمثابة أهم ممر مائي حيوي لنقل شحنات
النفط العالمية في حالة منع بلاده من تصدير نفطها، فضلاً عن أنه يمر عبره نحو 80%
من نفط حلفاء واشنطن(المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة،
الكويت)، إلي عدد من الدول الكبرى التي تعتمد على مصادر الطاقة النفطية مثل
(الصين، الهند، كوريا الجنوبية، سنغافورة).
من ناحية
أخرى، أعلن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" استمرار بلاده تصدير النفط في
إشارة إلي تجاهل العقوبات الأمريكية و قرار وقف الاعفاءات، و سترى الولايات
المتحدة الأمريكية ذلك خلال الشهور القليلة المقبلة، و أن طهران لن تلتزم بالقرار
الأمريكي تحت أي ضغوط(1).
ثانياً- التعاملات
الاقتصادية(النفطية) بين تركيا و إيران
كانت
تركيا من الدول القليلة و الأولى التي اعترضت على القرار الأمريكي بوقف الاعفاءات
النفطية على الدول التي كان مسموح لها بتجارة النفط مع طهران والتي كانت هي أحدهم؛
حيث تعد إيران واحدة من أكبر موردي النفط لأنقرة، التي تعتمد بشكل شبه كامل على الواردات
لتلبية احتياجاتها من الطاقة. وعليه، حاولت تركيا التفاوض مع الولايات المتحدة
الأمريكية أبان فرض القرار حول إمكانية مد فترة الاعفاءات أو منح أنقرة إعفاءات
خاصاً و لكنها رفضت.
من ناحية
أخرى، تفتقر تركيا إلي احتياطيات كبيرة من المواد الهيدروكربونية؛ فمن خلال
الاطلاع على الميزانية التركية لعام 2018 تبين
أن أنقرة تحصل على أكثر من 90 % من احتياجاتها من الطاقة عن طريق الواردات، وتنفق
في سبيل ذلك حوالى 43 مليار دولار سنوياً. وفي عام 2017 أخر عام لفترة ما قبل
الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي و فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، شكلت الإمدادات
الإيرانية حوالى 45% من واردات تركيا من النفط
الخام.
ووفقاً لمعهد أوكسفورد
لدراسات الطاقة، كان يتم إرسال 144،000 برميل من النفط الخام يوميًا من إيران إلى تركيا
لعام 2018 مقارنة بمتوسط 244،000 برميل يوميا في 2017، مما يوضح التأثير السلبي للعقوبات الأمريكية على العلاقات النفطية
بين البلدين.
في
السياق ذاته، أشار العديد من المحللين إلي اختلاف سعر خام النفط الإيراني عن نظيره
السعودي أو الإماراتي، سيما و أن طهران اضطرت بعد فرض الحزمة الثالثة من العقوبات
الأمريكية التي تتعلق بموارد الطاقة و على رأسها النفط إلي تخفيض السعر إلي أقصى
حد ممكن حتى تتمكن من تصريفه في السوق العالمية، وعليه أقر وزير الخارجية التركي
"مولود جاويش أوغلو" أن النفط
الإيراني ليس رخيصاً و لكن هناك فرقاً كبيراً مع سعر الخام السعودي و الإماراتي.
ومن هنا،
تطرق بعض الباحثين إلي أن الاقتصاد التركي مُعرض لمزيد من التضخم و الركود في
الفترة القادمة، على خلفية زيادة فاتورة تركيا فيما يتعلق باستيراد النفط الإيراني،
و حالة الكساد التي تعرض لها العام الماضي بسبب العقوبات الأمريكية التي فرضت على أنقرة
مما أدى إلي تراجع قيمة الليرة التركية(2).
ثالثاً- هل تستطيع تركيا
انقاذ الاقتصاد الإيراني؟
على
الرغم من اقترح وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" إنشاء آلية مالية مع
تركيا للالتفاف على العقوبات الأمريكية، والتعامل عبر الحدود البرية في إشارة إلي
الرغبة في تجاوز النظام المصرفي العالمي، و لكن يبدو أن العديد من شركات النفط التركية
قد قلصت من نشاطها التجاري مع إيران، على خلفية مواجهة تهديدات بغرامات تصل إلي مليارات الدولارات والاستبعاد
من النظام المالي الأمريكي.
من ناحية
أخرى، أشار العديد من المحللين إلي أن مواجهة
الولايات المتحدة الأمريكية بشأن إيران تعد استراتيجية محفوفة بالمخاطر بالنسبة لتركيا، المتورطة
بالفعل في العديد من النزاعات مع واشنطن ، وخاصة فيما يتعلق بمخططها لشراء نظام صاروخي
روسي جديد.
كما
أشارت الولايات المتحدة الأمريكية إلي تكليف أثنان من أكبر القوى النفطية في الشرق
الأوسط (المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة) بسد العجز الناجم
عن اختفاء النفط الإيراني من السوق العالمية، مما يؤدى لتصفير عوائد إيران المالية من النفط.
في
السياق ذاته، تمتلك أكبر الدولة المستوردة للنفط الإيراني مثل الهند، الصين و
اليابان تعاملات اقتصادية بمليارات الدولارات مع النظام المصرفي الأمريكي، مما
يشير إلي رغبة هذه الدول في توخى الحذر في التعامل مع إيران لعدم التعرض للعقوبات
الأمريكية. نتيجة لما سبق، لن تستطيع تركيا أو حلفاء الجمهورية الإسلامية انقاذ
الاقتصاد الإيراني من عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية و قرارتها بمهاجمة طهران
اقتصادياً و بالتالي، سياسياً و ثقافياً.
في النهاية: يشير العديد من المحللين إلي اتجاه طهران في الفترة الحالية إلي استعراض كل تجاربها في المفاوضات السابقة مع الولايات المتحدة الأمريكية لترى أي من محاورها يمكن الاتفاق حوله مع واشنطن بشأن صفقة جديدة تحد من شدة الاجراءات العقابية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على الجمهورية الإسلامية. في الوقت الذي ترفض الإدارة الأمريكية الحالية أي صفقة مع طهران بما لا يتضمن التفاوض حول ثلاثة محاور رئيسية تشمل البرنامج النووي، البرنامج الصاروخي الإيراني فضلاً عن دور طهران في الشرق الأوسط.
الهوامش
1. الرئيس الإيراني يعلن استمرار بلاده في تصدير النفط رغم
العقوبات الأمريكية، 30/4/2019، فرانس 24، متاح على الرابط التالي:
2. U.S. waiver refusal could spell trouble for
Turkey, 25/4/2019, Ahval, available at: