أزمة السيول في إيران... بين فساد الإدارة و سيطرة المؤسسات الموازية
تعرضت
إيران لموجات كبيرة من السيول و الفيضانات التي اجتاحت ما يقرب من 20 مدينة، نتج
عنها وقوع عدد كبير من الضحايا و
المصابين، في الوقت الذي يقر فيه الكثير من المحللين أن الأمر لا يتعلق فقط
بالطبيعة وتغير المناخ بل أن هناك تدخل بشرى أدى لكل هذه الكوارث الطبيعية.
وعليه،
كشفت كارثة السيول في إيران فشل النظام في التعامل مع مثل هذه الأزمات، سيما وانها
ليست بجديدة، بل متجددة عبر فترات قليلة
من الزمن. فعلى الرغم من حصول النظام في إيران على مليارات الدولارات من عوائد النفط،
لكنهم لم يفكروا في انشاء البني التحتية اللازمة لمنع تكرار هذه الكوارث. و اتضح
ذلك من خلال تأخر الحكومة في التعامل مع الأمر، فساد الإدارة فضلاً عن عمق سيطرة
المؤسسات الموازية مثل الحرس الثوري ودورها في التعامل مع هذه الأزمات لتأكيد فشل
الحكومة.
محفزات الأزمة
يُعد تغير
المناخ بطبيعة الحال هو أحد الأسباب الرئيسية في حدوث الكوارث الطبيعية، مثل أزمة
السيول داخل الجمهورية الإسلامية، لكن اللوم الأكبر يقع على عاتق الحكومة الإيرانية
غير الكفء و الإدارة الفاسدة لملف المياه و الأراضي الزراعية و البنى التحتية
اللازمة للحفاظ عليهما، ومن هنا تمثلت التدخل البشرى في عدد من المحفزات يمكن
تفسيرها على النحو التالي: -
1-
تحويل مجارى الأنهار
يشير عدد
من المحللين الأحواز و الأكراد الذين تعرضت مدنهم للكوارث الطبيعية في إيران إلي أن
السبب الرئيسي في ذلك يتمثل في سياسات النظام التي كانت ومازالت تتعمد نقل مياه الأنهار
إلى داخل المدن الرئيسية الإيرانية الواقعة ضمن المحافظات الفارسية، و بالتبعية
أدى ذلك أدى إلى تجمع المياه بشكل أدى إلى الفيضانات بعد هبوط الأمطار الغزيرة.
كما يذكر
الناشط الحقوقي الأحوازي "كريم دحيمي" أن السياسات الفاسدة للنظام فيما
يتعلق بملف الموارد المائية، عّرض كثير من المناطق التي يقطنها الأقليات داخل
إيران عرض للدمار بنقل مياه الأنهار، و
بناء عدد من السدود الضخمة على الأنهار الأحوازية، الأمر الذي أدى إلى تجمع منسوب كبير
من تلك المياه التي حُرمت منها الأراضي الزراعية في الأحواز، ثم فاضت أخيراً بشكل كبير
أدى إلى إحداث دمار هائل في الممتلكات، فضلاً عن عشرات القتلى بسبب الفيضانات.
كما اتجه
معظم الرؤساء و المسئولين الإيرانيين إلي تحويل مجارى الأنهار لتوصيل المياه إلي مسقط
رؤوسهم، بغض النظر عما يمكن أن يسببه ذلك للمناطق الأخرى التي حرمت منها المياه،
سيما الأراضي الزراعية، و المناطق القاحلة(1).
2-
إقامة عدد هائل من السدود
على
الرغم من المعارضة الواسعة و المحاذير البيئية، بدأت قضية انشاء السدود في إيران
منذ عهد حكومة الرئيس الإيراني الراحل
"هاشمي رفسنجاني" و استمرت عبر الحكومات التالية؛ حيث وصلت إلي ما يقرب
من 1330 سد بين مُشيد بالفعل و ما هو تحت الانشاء. ويعتقد كثير من الخبراء أن
الكثير منها لم يكن تشييده خطأ فحسب، بل أدى إلي انتشار ظاهرة الجفاف و التصحر،
خاصًة في المناطق الزراعية الخصبة.
ومن
الجدير بالذكر ، أن معظم هذه السدود تم انشاءها في المناطق التي تقطنها الأقليات مثل
أذربيجان الغربية و الشرقية وكردستان؛ حيث
أنشأت الحكومة حوالى 56 سدا تتسع مخازنها لنحو 2.1 مليار متر مكعب من الماء؛ مما أدی
إلی جفاف عدد كبير من البحيرات وتقلص مساحتها بنحو 88 % بحلول عام 2016(2).
3-
إعدام ونفي خبراء و التعامل معهم بمنطق
الشك و الريبة
على
الرغم من دعوة روحاني لعدد لا بأس به من خبراء البيئة الإيرانيين الذي يعيشون في
الخارج لتولى بعض المناصب الهامة داخل الحكومة الإيرانية، إلا أن معظمهم لم يستطع
حتى استكمال عامه الأول و قرر الرحيل إلي
حيث جاء، فغالباً ما تتعامل طهران مع إي إيراني يعيش في الخارج أو يحمل جنسية دولة
أخرى على أنه جاسوس لابد من معاقبته.
في
السياق ذاته، تعد عملية الاعتقال الجماعي التي نفذتها الحكومة الإيرانية في
فبراير/شباط لعام 2018 بمثابة دليلاً بارزاً على عمليات القمع المنظمة ضد خبراء
البيئة من قبل المؤسسات التي يترأسها المتشددين في إيران مثل الحرس الثوري، الذي
يعتبر أن تقليص سلطات حكومة "روحاني" الإصلاحية احد مهامه الرئيسية
للحفاظ على مكانته داخل البلاد.
وعليه،
ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية ملابسات مقتل عالم البيئة الإيراني الكندي "كافوس
سيد إمامي" الذي احتجزته إيران وتوفي في ظروف غامضة، فضلاً عن Kaveh Madani عالم البيئة و اقتصاد المياه الإيراني المقيم في المملكة المتحدة الذي
غادر البلاد بعد استدعائه لتولى منصب نائب رئيس قطاع تنظيم المياه في ظل حكومة "روحاني"
بعد ملاحقته من قبل الحرس الثوري حتى قبل أن يكمل عامه الأول في منصبه داخل
الحكومة الإيرانية(3).
تداعيات أزمة السيول
خلفت
أزمة السيول في إيران أضراراً جمة تمثلت في عدد كبير من الضحايا و المصابين فضلاً
عن غرق مساحات كبيرة من المناطق التي تعرضت للفيضانات و الأمطار الشديدة، مما أدى
لتصاعد موجات عارمة من الاحتجاجات ضد
حكومة روحاني، وهو ما يمكن تفسيره على النحو التالي: -
1-
غرق معظم المدن و خسائر كبيرة في قطاع
الزراعة الإيراني
ألحقت
الفيضانات التي تعرضت لها المدن الإيرانية خسائر بمئات الملايين من الدولارات بالزراعة
الإيرانية؛ حيث تضررت حوالي 1900 مدينة وقرية من السيول، كما راح ضحية هذه الأزمة
بحسب وكالة أنباء رويترز حوالى 62 شخصا، وانتقل
86 ألف شخص إلى أماكن إيواء طارئة وفرتها الحكومة.
ومن هنا،
ذكرت وكالة أنباء فارس أن التقديرات الأولية تشير إلي أن الخسائر التي ألحقتها السيول
بالقطاع الزراعي تصل قيمتها إلى 47 تريليون ريال (حوالي 350 مليون دولار) على أساس
سعر الصرف الرسمي للعملة الإيرانية البالغ 135 ألف ريال للدولار(4).
كما
ذكر موقع المعارضة الإيرانية في الخارج "مجاهدي خلق" أن السيول أدت إلي نزوح
أكثر من نصف مليون مواطن بمدينة الأهواز، وتم إيقاف إنتاج النفط في بعض الآبار في حقول
خوزستان النفطية بسبب اجتياح المياه. نتيجة لذلك، تنبأ مياه الصرف الصحي الموجودة
في شوارع المدن التي يقطنها الأحواز بكارثة صحية، يمكن أن تضر بحياة الكثير منهم(5).
2-
تصاعد الاحتجاجات ضد النظام
باتت
هناك حالة من الاضطراب و العنف، سيما في المناطق التي يقطنها الأحواز جراء السياسات
التي تقوم بها الحكومة في هذه الأماكن من تجريف للتربة و تحويل مجارى الأنهار، بما
أدى إلي سقوط كمية هائلة من الأمطار نتيجة سرعة التبخر و الترسب في أماكن أخرى. و
عليه، أخذت نبرات الغضب تتصاعد لدى المواطنين في محافظة جولستان جراء الخسائر
الناشئة عن السيول.
نتيجة
لما سبق، اضطر ممثل الخميني في مدينة شيراز محافظة فارس إلي الاعتراف ببعض سياسات النظام
التي أدت إلي وقوع السيول للحد من مشاعر الغضب لدى المواطنين في هذه المدينة. مما
دفع المواطنون للتنديد بسياسات الحكومة، فضلاً عن دور المؤسسات الموازية مثل الحرس
الثوري في المساهمة في هذه الأزمة، على خلفية امتلاكهم للشركات الهندسية التي قامت
ببناء السدود و شق الطرق التي نتجت عنها هذه السيول(6).
كيف تعاطت الحكومة الإيرانية مع الأزمة
شهدت
الساحة الإيرانية صراعات واسعة أبان أزمة السيول و اتهامات متبادلة ما بين الأوساط
السياسية المختلفة سيما حكومة روحاني التي تحسب على تيار الاصلاحيين، في مقابل عدد
من المؤسسات الأمنية التي تحسب على التيار المتشددين، ومن هنا سنعرض فيما يلى لأهم
العوامل المفسرة لتعاطى الحكومة الإيرانية مع أزمة السيول؛-
1-
ردود فعل لاحقة من قبل الحكومة
تزامنت أزمة السيول داخل الجمهورية الإسلامية مع الاحتفالات
بعيد النيروز ، مما أدى لتأخر الحكومة الإيرانية في التعامل مع الأزمة؛ حيث سافر
الرئيس الإيراني" حسن روحاني" إلي مسقط رأسه في سمنان شمال إيران. ولكن
ذلك يدل على نهج التعامل مع الأزمات بشكل عام، الذي يتمثل في ردود الفعل اللاحقة
على حدوث المشكلات أو تجنب التعامل معها من الأساس كما في حالة قضايا البيئة و
تغير المناخ داخل طهران. وعليه، لفتت هذه الأزمة الأنظار إلي فشل الجمهورية
الإسلامية في التعامل مع الأزمات المفاجئة، وانعدام اللامركزية، فضلاً عن عدم
كفاءة السلطات المحلية وجاهزيتها(7).
2-
إعادة التأكيد على دور المؤسسات الموازية
ظهرت أهم
التحركات التي تم بذلها لاحتواء تداعيات أزمة الفيضانات داخل إيران ليس فقط من قبل
القوات المسلحة المتمثلة في الجيش الإيراني، و لكن (الحرس الثوري) المؤسسة
الموازية؛ فلم تتمثل الجهود التي قام بها الحرس في الإمداد العسكري فقط، ولكن قام "محمد على جعفري" قائد الحرس
الثوري بزيارتين إلي المناطق المدمرة.
وعليه، تشير هذه المساعدات إلي رغبة تيار المحافظين في التأكيد على عدم قدرة حكومة روحاني في التعامل الفعال مع الأزمات، فضلاً عن عدم اقتصار دور هذه المؤسسات على الجهود الخارجية فقط و أنما تمتد أيضاً إلي احتواء حالة الغضب الداخلية، وهو ما يؤكد شرعية سيطرتها على الاقتصاد الإيراني (8).
1. Megan Specia, Flooding Displaces Tens of
Thousands in Iran. And More Rain Is Forecast, 6/4/2019, The New York times,
available at:
https://www.nytimes.com/2019/04/06/world/middleeast/iran-floods-evacuations.html.
2. السدود
الإيرانية زراع تغذي البرنامج النووي، 27/7/2018، مركز الروابط للبحوث و
الدراسات المتقدمة، متاح على الرابط التالي:
https://rawabetcenter.com/archives/70747 .
3. Saeed Kamali Dehghan, Top
scientist leaves Iran after crackdown on environmentalis Kaveh Madani had been seen as symbol of
Rouhani government’s attempt to reverse brain drain, 18/4/2018, The
Guardians, available at:
4. إيران: خسائر السيول بقطاع الزراعة تبلغ مئات الملايين
من الدولارات، 4/4/2019، رويترز، متاح على الرابط التالي:
https://ara.reuters.com/article/idARAKCN1RG1WB
5. السيول والفيضانات في إيران – أخر أخبار وتقارير السيول
والفيضانات، 13 /4/ 2019، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، متاح على الرابط
التالي:
6. عبد المجيد
محمد، السيل المدمر ناجم عن حكومة الدمار المعادية للشعب الإيراني، 29/3/2019، منظمة
مجاهدي خلق الإيرانية، متاح على الرابط التالي:
7. Arash Sigarchi, Iran Floods Kill
20, Iranians Fault Government’s Disaster Management, 25/3/2019, Relief web,
available at:
8. أهمية التوقيت: هل كشفت أزمة السيول عن مهام جديدة
للميليشيات الإيرانية، 22/4/2019، مركز المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة،
متاح على الرابط التالي: