تهديدات متزايدة... الموقف الإيراني بعد فشل تحقيق "مولر " في إدانة ترامب
بدت هناك
مقارنات كثيرة منذ بداية حملة المدعى الخاص "روبرت مولر " في اتهام الرئيس
الأمريكي "دونالد ترامب" و فريقه بالتخابر مع روسيا أثناء حملته
الانتخابية، مع الرئيس الأمريكي السابق "بيل كلينتون" في مشاكله الشخصية
مع "مونيكا لوينسكي" بعد هجمات تنظيم القاعدة على سفارتي الولايات المتحدة
في نيروبي ودار السلام، و مع الرئيس "ريتشارد نيكسون" فيما عرف باسم
"فضيحة ووترجيت".
وعليه،
بدأت طهران في التعويل على أن تتسبب نتائج التحقيق في إحداث أزمة سياسية داخل
الولايات المتحدة الأمريكية مما يؤدى لضعف موقف "ترامب" داخل البيت
الأبيض، و لكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن و خرج الرئيس الأمريكي سالماً. و
اتجهت واشنطن بعدها في الضغط على طهران من خلال مجموعة من المحددات تمثل أهمها في
فرض المزيد من العقوبات على أفراد و كيانات إيرانية، و الإعلان عن إمكانية سحب
الاعفاء الممنوح لبعض الدول بأجراء معاملات تجارية نفطية مع الجمهورية الإسلامية.
أولاً- سقوط الإدانة عن
"ترامب"
بعد
استمرار تحقيقات ادعاءات التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي جاءت بالرئيس
"دونالد ترامب" لمدة عامين، تلقي الكونجرس الأمريكى في 21 مارس/أذار
لعام 2018 تقريراً من وزارة العدل الأمريكية يقر بعدم وجود دليل يثبت إدانة ترامب
أو أي من أعضاء حملته الانتخابية
بالتخابر مع موسكو، ومن هنا، اعتبر
البيت الأبيض نتائج التحقيقات بمثابة تبرئة كاملة وشاملة.
نتيجة
لما سبق، تلقت طهران صفعة كبيرة، على خلفية تعويلها منذ الخروج الأمريكي من
الاتفاق النووي مع دول (4+1)، و إعادة فرض العقوبات الأمريكية على امكانية أن
يتسبب تحقيق "مولر " في احداث أزمة سياسية كبيرة لـ "ترامب"
تمنعه من الترشح مرة أخرى للانتخابات الأمريكية. في السياق ذاته، راهنت طهران على
أن تودى نتائج التقرير إلي زيادة التوتر بين البيت الأبيض و مؤسسات صنع القرار
الأمريكية من جهة و المساس بالاستقرار الداخلي للحزب الجمهوري من جهة أخرى، بما يجبره
على التراجع عن سياساته كما وعد وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق
باراك أوباما "جون كيري" نظيره الإيراني "جواد ظريف"(1).
ثانياً- تداعيات فشل التحقيق
في إدانة ترامب
استعاد
البيت الأبيض ثقته في سياساته تجاه إيران، وعمل على فرض المزيد من العقوبات، بل
طالب مجلس الأمن بذلك. ومن هنا، من المفترض أن تبدأ طهران في التعامل بواقعية تجاه
عدد من الملفات العالقة مع واشنطن، على أن يكون أبرزها الاتفاق النووي مع مجموعة
(4+1)، وهو ما سيتم تفسيره على النحو التالي:-
1-
اتجاه طهران لتطوير ميناء "تشابهار "
مع الهند و باكستان
لجأت
طهران كجزء من رغبتها في الخروج من العزلة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة
الأمريكية بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، إلي تطوير ميناء "تشابهار
" على الحدود بين أفغانستان و الهند، من خلال التركيز على الأهمية
الاستراتيجية و الاقتصادية للميناء؛ حيث تقع
"تشابهار" في جنوب شرق إيران في محافظة سيستان وبلوشستان، على أن يُسهل الميناء
الوصول إلى المحيط الهندي وكذلك بحر عمان.
لذا،
توصلت أفغانستان، الهند وإيران إلى "اتفاقية
تشابهار" التي ستوفر التنمية و فرص
العمل في منطقة سيستان وبلوشستان التي تعاني
التهميش والبطالة؛ حيث تشكل هذه المناطق تهديدا أمنياً لإيران، سيما مع تزايد نشاط
الجماعات المسلحة هناك، التي تنتج خطابا لاستقطاب الشباب الإيراني و تجنيدهم.
من ناحية أخرى، استقطبت طهران الهند كشريك تجارى ذو
اقتصاد قوى بغرض تجاوز العقوبات التي فرضتها واشنطن بعد الخروج الأمريكي من
الاتفاق النووي، فضلاً عن تأكيد فكرة وجود حلفاء لها قادرين على التعاون
معها في ظل العقوبات وبالتالي، داعمين لسياستها في مواجهة واشنطن(2) .
2-
احتمالية سحب الاعفاء من الدول المسموح لها
بتجارة النفط مع إيران
تصادف
اثبات براءة "ترامب" خلال تحقيق "مولر " مع اعلان الإدارة
الأمريكية رغبتها في الغاء كافة الاعفاءات التي تم منحها لثماني دول(الصين، الهند،
اليابان، تركيا، إيطاليا، اليونان، كوريا الجنوبية وتايوان) لاستيراد النفط
الإيراني مع انتهاء المهلة الممنوحة لهذه الدول بحلول مايو/أيار لعام 2019 . منحت
واشنطن هذه الاعفاءات لمنع حدوث صدمة في أسواق النفط العالمية جراء زيادة الأسعار
، وبالفعل نجحت العقوبات الأمريكية في منع مليون نصف برميل نفط إيراني من الدخول
إلي السوق العالمية دون أي زيادة في الأسعار.
من
الجدير بالذكر، أن سحب الاعفاءات جاءت في إطار استعادة الحزب الجمهوري و الإدارة
الأمريكية ثقتها في جدوى السياسات المتبعة تجاه طهران، فضلاً عن أنها تعتبر جزء من
حملة الضغوط التي تقودها واشنطن لتصفير صادرات النفط الإيراني. ولكن تراجع تصدير النفط
الإيرانى مع اندلاع الأزمة في فنزويلا بالتزامن
مع فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على النفط الفنزويلي أدت إلي تعقيد وضع
أسواق النفط العالمية، سيما مع انخفاض حجم المعروض، مما أجبر واشنطن على التفكير في
الأمر مرة أخرى(3).
3-
مُطالبة مجلس الأمن بإعادة فرض العقوبات
على طهران
تزامنت
تحقيقات "مولر" مع توجيه القائم بأعمال المندوب الأميركي الدائم لدى الأمم
المتحدة "جوناثان كوهين"، رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو
غوتيريش" بشأن عمليات صواريخ تم اطلاقها؛ في 1 ديسمبر/كانون الأول 2018 لصاروخ باليستي متوسط
المدى، 15 يناير/كانون الثاني و5 فبراير/شباط 2019 و التي كانت بمثابة محاولتين فاشلتين
باستخدام صاروخي "سيمورغ" و"سفير" لوضع قمرين اصطناعيين في المدار.
ومن هنا، لفتت واشنطن انتباه المسئولين في مجلس الأمن إلي أن إيران باتت تتحدى الفقرة
الثالثة من الملحق باء للقرار 2231.
في هذا
السياق، ادرجت وزارتا الخارجية والخزانة الأميركيتان 31 من الكيانات والأفراد الإيرانيين
على قائمة العقوبات النووية، خاصًة تلك المرتبطة بمنظمة الابتكار والبحث الدفاعي الإيراني
والمعروفة باسم SPND، على أن يتم حرمان الأفراد و الكيانات الخاضعين للعقوبات من التعامل
مع النظام المصرفي الأمريكي، كما ستخضع الشركات و الكيانات الأجنبية الداعمة
للإيرانيين العاملين في البرامج المتعلقة بالانتشار النووي للعقوبات أيضاً.
وجاء
ذلك في إطار اتهام المبعوث الأمريكي الخاص لإيران "بريان هوك" النظام
الإيراني بزعزعة الاستقرار في مناطق نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية و خاصًة
الشرق الأوسط، فضلاً عن اقرار هوك في الوقت ذاته بنجاح منظومة العقوبات الأمريكية
على طهران، على خلفية تأثيرها على الفاعلين من غير الدول مثل "حزب الله
اللبناني" و الميلشيات الإيرانية في سوريا(4).
ثالثاً-
هل الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على اخضاع طهران؟
في
الواقع، تعد الولايات المتحدة الأمريكية أقوى دولة في العالم على الصعيد السياسي و
العسكري، لذلك يشير كثير من المحللين إلي قدرتها في الضغط على طهران إلي أقصى قدر
ممكن، وبالتالي، الحد من أنشطتها النووية و نفوذها داخل الشرق الأوسط، لكنها غير
راغبة في ذلك نتيجة لعدة اعتبارات يمكن تفصيلها كما يلى:
1-
مصالحها الموجودة داخل المنطقة العربية،
فضلا عن حلفاءها التقليدين المنوط بها حمايتهم؛ تمتلك واشنطن كثير من المصالح الاستراتيجية في منطقة
الخليج العربي مثل ضمان استمرار تدفق نفط الشرق الأوسط، و حماية قواعدها العسكرية
الموجودة في المنطقة؛ حيث تعد البحرين مقراً للأسطول البحري الخامس الأمريكي، الذي
تشمل عملياته منطقة الخليج، خليج عُمان، وبحر العرب، خليج عدن، البحر الأحمر وأجزاء
من المحيط الهندي، فضلاً عن الجنود الأمريكيين الموجودين في كل من قطر و الكويت(5).
2- المواطنين الأمريكيين الموجودين داخل طهران والشرق الأوسط؛ حيث يتواجد العديد من المواطنين الأمريكيين داخل طهران و المنطقة العربية، سيما الصحفيين و مزدوجي الجنسية الذين لا تعترف بهم الجمهورية الإسلامية وكثيراً ما تستخدمهم كورقة ضغط على الغرب لتحقيق مصالحها، وهو ما فعلته أثناء مفاوضات الاتفاق النووي مع دول (4+1).
الهوامش
1. مصطفى فحص، إيران ما بعد تقرير مولر، المستقبل
للأبحاث و الدراسات المتقدمة، 27/3/2019، متاح على الرابط التالي:
2. فاطمة الصمادي، ميناء تشابهار؛ أهمية متعاظمة لعلاقات
أفغانستان- إيران- الهند، مركز الجزيرة للدراسات،28/3/2019 ، متاح على الرابط
التالي:
3. صالح حميد، واشنطن: لا إعفاءات.. بل مزيد من العقوبات
على إيران، 28/3/2019، العربية. نت، متاح على الرابط التالي:
4. واشنطن تدرج 31 عالما نوويا إيرانيا على لائحة العقوبات،
22/3/2019، العربية. نت، متاح على الرابط التالي:
5. القواعد العسكرية الغربية في الشرق الأوسط ، 16/4/2018، وكالة
الأناضول التركية، متاح على الرابط التالي: