بين فرنسا ونيوزيلندا ... الإلهام الفكري للإرهاب
تناقش
المقالة مدى تأثر الإرهابي الأسترالي الذي قام بالهجوم على مسلمي نيوزيلندا بالفكر
العنصري المتطرف، الداعم لسيادة الجنس الأبيض وتفوقه، علاوة على إيمانه ببعض
المفكرين الفرنسين المروجين للنهج العنصري في التعاطي مع المهاجرين باعتبارهم
استمعار لابد من التصدي له على كافة الأصعدة.
وعليه يعد
الهجوم الإرهابي الذي قام به "برينتون تارانت" الأسترالي البالغ من العمر 28
عامًا، والمتهم باستهداف 49 مصلًا بالرصاص في مسجدين، وجرح العشرات في مدينة كرايستشيرش،
نيوزيلندا، يوم الجمعة، أكثر وضوحًا عندما يتعلق الأمر بإلهامه الفكري. وقد تجلى
ذلك في البيان المكون من 74 صفحة الذي نشره قبل الهجوم؛ حيث امتدح عدد من القتلة الأوروبيين
والزعماء العنصريين علاوة على تأثره بعدد من الأفكار الفرنسية ذات الطابع العنصري.
الإلهام الفكري
للإرهابي
استند
الإرهابي في بيانه الذي أصدره، وهجومه على عمل الكاتب الفرنسي المناهض للهجرة "رينو
كامو" بما في ذلك انتحال عنوان كتابه "Grand Placement" التي تعني "الاستبدال العظيم" - وهي عبارة أصبحت
شائعة في مناقشات الهجرة الأوروبية، والمفضلة لدى السياسيون اليمينيون المتطرفون
في جميع أنحاء أوروبا، بما في ذلك "خيرت فيلدرز" الهولندي ومجموعة من
نشطاء اليمين المتطرف.
تجسد هذا
التأثير بعدة طرق، كان أبرزها الخوف من المحو الديموغرافي الذي يحل فيه السكان
الجدد محل السكان الأصليين الحاليين، وهي عملية يصر "كامو" على أنها
تشبه بالاستعمار. وفي مقاله " mon amour"،
يشيد كامو بالمجموعة الألمانية " Pegida" المعادية للإسلام باعتبارها "آمالاً كبيرة تنهض في
الشرق" و"جبهة تحرير" تقاتل "الكفاح ضد الاستعمار"؛ حيث
لا يوجد أمل في العيش معًا في أوروبا عندما يكون هناك "غزو استعماري قيد
التقدم، نحن فيه السكان الأصليون المستعمرون" وتستخدم الأسلحة ذات الأرقام
الهائلة والاستبدال الديموغرافي لإخضاع السكان الأصليين.
وبالرجوع
إلى البيان الذي أصدره الإرهابي فإنه يجادل؛ "إن أزمة الهجرة الجماعية
والخصوبة البديلة تمثل اعتداء على الشعب الأوروبي، إن لم يتم مكافحته، سيؤدي في
النهاية إلى الاستبدال العرقي والثقافي الكامل للشعب الأوروبي." كما يزعم الإرهابي
أن هدفه هو "إظهار الغزاة أن أرضنا لن تكون أبدًا أرضهم".
فيما اختار
المساجد لأن المصلين كانوا "مجموعة كبيرة من الغزاة، من ثقافة ذات معدلات
خصوبة أعلى وثقة اجتماعية أعلى وقوية، التقاليد القوية التي تسعى إلى احتلال أراضي
شعبي وتحل محل شعبي ".
نظرية "رينو
كامو" حول الاستبدال العظيم
تمثل
نظرية "كامو" عدد من التخوفات والأفكار حول التغير الديموغرافي،
وانعكاساته الحضارية والثقافية على المجتمعات الغربية التي اعتبرها استعمار في
شكله الجديد، وسعى على تقديم عدد من الرؤى حول مقاومة هذا الاستعمار المتقدم لأن الناس
لا يريدون أن يأتي أشخاص آخرون إلى أراضيهم، وفي بلدهم، ويغيرون ثقافاتهم ودياناتهم،
وطريقة عيشهم، وطريقة تناولهم للأكل، وطريقة لبسهم.
"
كما بذل جهدًا
للتمييز بين النازية، والأفكار التي ترتكز على القومية البيضاء التي يتعاطف معها
بشكل كبير؛ موضحًا أنه يسعى للحفاظ على جميع الأجناس بدءًا من الأكثر تعرضًا للخطر،
وفيما يتعلق بالعنف واستخدامه للدفاع عن أمن المجتمعات من التغيرات المتلاحقة التي
تشهدها عبر "كامو" عن رفضه لاستخدام العنف، قائلًا إنه يستنكر من
استخدام العنف للمقاومة الاستعمار بالرغم من إنه تعاطف مع شعار " لن يتم
استبدالنا "، الذي نادت به القومية البيضاء في شارلوتسفيل في 2017 بفرجينيا، مُعتقدًا
أن الأميركيين لديهم سبب وجيه للقلق بشأن بلادهم.
ويعد
القلق الديموغرافي حول انخفاض أعداد البيض المتزايدين والمهاجرين المتزايدين بسرعة
-خاصة تلك التي تتكون من مسلمين -أمرًا أساسيًا لبرامج الأحزاب الوطنية في جميع أنحاء
العالم. ففي القرن العشرين، يمكن تتبع هذا الخوف في الرؤى المروعة لـ "نيلوك
بأول" السياسي الإنجليزي المناهض للمهاجرين، الذي تصور في الستينيات أنهار
دموية في بريطانيا جلبتها الهجرة، والمؤلف الفرنسي "جان راسبيل". ويرى "كامو"
أن أفكار "تارانت" راسخة بجذورها في تفكير "راسبيل" أكثر من
نظرية الاستبدال العظيمة.
"راسبيل" ومعاداة
الآخر
أصبحت رواية
"راسبيل" المُعنونة بـ "معسكر القديسين" منارة للشخصيات
اليمينية المتطرفة مثل السياسية الفرنسية "مارين لوبان" زعيمة اليمين
المتطرف، والداعمة للسياسات المناهضة للاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بملف
الهجرة واللجوء والأمن، والمستشار السابق للرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"
"ستيف بانون".
تجلت
أثرها على سلوك السياسيين في عام 2015، خلال أزمة اللاجئين السوريين، عندما حثت "لوبان"
التي عرفت "راسبيل" منذ طفولتها الصغيرة، الملايين على وسائل التواصل
الاجتماعي على قراءة روايته من أجل منع فرنسا من "الغمر"، أي من تنامي
موجات الهجرة غير النظامية.
وقد
أشارت الرواية إلى مستقبل أوروبا في سياق تزايد موجات الهجرة، من خلال وصفها "أن
جميع الأسرة داخل المستشفيات سيتم تفريغها، حتى يتسنى للفارين المصابين بالكوليرا
والجذام أن ينتشروا بين ملاءاتهم البيضاء النظيفة. وسيشعر آخر بحضارتنا الأكثر
إشراقًا وأشدها مرحًا والمليئة بأطفال الوحوش". وفي ذلك الوقت، كان شديد
الثناء على الأمم "البيضاء" في جنوب المحيط الهادئ، مشيدًا بها وبسياستها الصارمة تاريخيًا فيما يتعلق بالهجرة، والقائمة
على أساس عنصري باعتبارهم "أبطال العالم الغربي عالقين في المناطق النائية في
آسيا".
وفيما
يتعلق بالحكومات الأسترالية الأخيرة فقد أيدت بحماس هذا النهج الصارم تجاه
المهاجرين تمثل في أكتوبر 2015، عندما أدان رئيس الوزراء الأسترالي المخلوع "توني
أبوت" "الإيثار المضلل" في أوروبا، وحذر من أن إنقاذ المهاجرين في
عرض البحر كان "ميسرًا وليس رادعًا" للهجرة الجماعية، لذا لابد من
سياسات أكثر قوة لمنع حدوث موجة إنسانية في أوروبا، وربما تغييرها إلى الأبد
مُحذرًا من أن الاستبدال الثقافي أصبح قيد التشكل.
إيمان
"راسبيل" بأفكاره
بعد
حوالي خمسة عقود من كتابته للرواية، لم يغير "راسبيل" وجهات نظره. ففي
مقابلة معه في شقته في باريس في عام 2016، أخبر المحاور أنه رأى حركة تتشكل، مثلها
مثل مجموعة صغيرة من الرجال الذين يواجهون اللاجئين في نهاية روايته، ويتجمعون في منزل
حجري قديم للحفاظ عليه حصيلة الجسد وهي تُسقط "الغزاة".
قائلًا ستكون
هناك حركة مقاومة، وقد بدأت". وأضاف: "إذا أصبح الوضع هو الموقف الذي
أتوقعه -كارثية -فستكون هناك بالتأكيد مقاومة قوية ومسلحة". موضحًا بصراحة:
"سيرغب الناس في تحرير مدينتهم". الحقيقة البسيطة هي أنه "بدون
استخدام القوة، لن نوقف الغزو أبدًا".
لذا فمن
الواضح أن "تارانت" أخذ هذه النظرة للعالم يوم الجمعة، وحاول التغلب على
إرهابه المستوحى من العنصرية من خلال الاعتماد على اللغة الأكثر استساغة في
التعددية العرقية، وهو مفهوم شائع الآن في الأوساط اليمينية المتطرفة كوسيلة
لتجاهل تهم العنصرية. "لم يكن الهجوم هجومًا على التنوع، بل كان هجومًا باسم
التنوع"، وهو ما كتبه الإرهابي في بيانه "لضمان أن تظل الشعوب المتنوعة متنوعة،
منفصلة، فريدة من نوعها، غير مخففة غير مقيدة في التعبير الثقافي أو العرقي
والاستقلال الذاتي."
Sasha Polakow -Suransky, Sarah Wildman, “The Inspiration for Terrorism
in New Zealand Came From France”, Foreign Policy, 16/3/2019, at: