تنفيس الضغوط .. ما وراء زيارة روحانى للعراق
تميزت
الفترة التي تلت الغزو الأمريكى للعراق في عام 2003 بتحسن كبير في مسار
العلاقات العراقية الإيرانية بعد قطيعة دبلوماسية وحرب دارت لثمانى سنوات
من 1980 إلي 1988 بين الطرفين، ومنذ ذلك الحين قفزت العلاقة بين البلدين إلي درجة كبيرة من التعاون سيما في ظل حكومة إبراهيم
الجعفري، حيث أصدرت تلك الحكومة أمراً بالعفو عن المحتجزين والمعتقلين الإيرانيين في
السجون العراقية ترحيبا بزيارة وزير الخارجية الإيراني في ذلك الوقت "كمال خرازي"
لبغداد.
وعليه،
كانت العراق من أولى عواصم الشرق الأوسط التي لجأ اليها المسئولين الإيرانيين بعد
زيادة الضغوط عليها خاصًة بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووى الإيرانى مع دول
(4+1)، بغرض التأكيد على ضرورة تجاوز العقوبات الأمريكية، استمرار التعاون
الاقتصادي و انهاء العزلة السياسية و الاقتصادية التى فرضتها سياسات واشنطن تجاه
طهران على المستوى الدولى و الاقليمى، ونتج عن هذه الزيارة مجموعة من النتائج الهامة.
أولاً- المصالح الإيرانية في العراق
توطدت
العلاقات الإيرانية العراقية في ظل تولى الحكومة الجديدة ذات الأغلبية الشيعية
التى اعقبت انتهاء الاحتلال الأمريكى
للعراق، وعليه، بادرت إيران بالاعتراف بهذه الحكومة، وفي المقابل أصدرت تلك الحكومة أمراً بالعفو عن المحتجزين والمعتقلين
الإيرانيين في السجون العراقية(1).
ادركت
طهران منذ البداية أن العراق هى البوابة الرئيسية للسيطرة على الدول العربية، ومن
هنا، اتخذ النفوذ الإيرانى في العراق عدة أبعاد تمثلت في؛ الجانب السياسى،
الاقتصادى الأمنى و المذهبي، والواقع كما أشار بعض المحللين أن إيران باتت تستفيد بشكل
كبير من أخطاء الأخرين في المنطقة؛ حيث
استغلت طهران الأزمة الأمنية التي شهدها العراق منذ مطلع 2014، و التى تفجرت في 10
يونيو/حزيران من العام ذاته بعد استيلاء تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام"داعش"
على عدد من المحافظات العراقية. ومن هنا استغلت الجمهورية الإسلامية الفرصة لاقناع
العراق بضرورة التدخل ضد "داعش"، مما أسفر عن بروز نفوذ كبير لقائد فيلق القدس داخل الحرس الثوري الإيراني
"قاسم سليمانى"، وأدى لتعينه مستشاراً عسكرياً للحكومة العراقية.
نتيجة
لما سبق، أدى زيادة التدخل الأمنى في العراق إلي توغل النفوذ الإيرانى على المستوى
الاقتصادى و السياسي، ومن هنا باتت طهران تتمتع بالسيطرة الكاملة على بغداد(2).
وعليه، تسعى الجمهورية الإسلامية على خلفية الضغوط الشديدة التي تتعرض لها خلال زيارة "روحاني" إلى
تعزيز فرص التعاون الاقتصادى مع بغداد؛ حيث تعد بمثابة ثانى أكبر مستورد للسلع الإيرانية غير النفطية، في ظل
تراجع العوائد النفطية منذ فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية(3).
ثانياً- دلالات الزيارة
عكس
المؤتمر الذي عقدته الولايات المتحدة الأمريكية في العاصمة البولندية "وارسو" يومي 13 و14 فبراير/ شباط لعام 2019، رغبة
واشنطن في محاصرة طهران و تصعيد الضغوط المفروضة عليها إلي اقصي حد ممكن، وفي هذا
السياق، يمكن القول أن دلالات هذه الزيارة تشكل رد غير مباشر على السياسات
الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية داخل المنطقة وخارجها، وهو ما يمكن توضيحه على
النحو التالى:-
1-
رغبة إيرانية في تعزيز فرص التعاون الاقتصادي وتجاوز العقوبات الأمريكية
وصف الرئيس الإيراني "حسن روحانى" الوضع
الحالى في طهران على أنه حرب كبيرة و من أصعب الفترات التى مرت بها الجمهورية
الإسلامية في تاريخها، وفي هذا السياق، وقعت كلا البلدين عدة صفقات تجارية أولية بغرض توسيع العلاقات التجارية
فضلاً عن المساعدة في تعويض العقوبات الأمريكية
الجديدة.
وتمثلت
أبرز هذه الصفقات في خطة لبناء خط سكة حديد
يربط بين مدينة البصرة الجنوبية النفطية وبلدة شلامجة الإيرانية الحدودية. ومن
ناحية أخرى، أقر مكتب رئيس الوزراء العراقي "عادل المهدى" بتوقيع عدة مذكرات
تفاهم تضمنت اتفاقيات حول النفط، التجارة، الصحة، فضلاً عن الاتفاق على مجموعة من التدابير
لتسهيل حصول رجال الأعمال والمستثمرين على تأشيرات(4).
2-
الحد من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية
في المنطقة
تمثلت
أبرز النتائج التى تم التوصل اليها خلال مؤتمر وارسو المنعقد في فبراير /شباط لعام 2019
في ضرورة مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وتجلى ذلك دعوة وزير الخارجية
الأمريكي "مايك بومبيو" إلي اتفاق دولى حول ضمان الاستقرار في الشرق
الأوسط، فضلاً عن الحد من النفوذ المتصاعد لطهران في المنطقة.
وعليه،
جاءت هذه الزيارة بهدف تأكيد المسؤولين الإيرانيين على وجودهم داخل معاقل النفوذ
الأمريكية، ومن هنا، بدأ الرئيس الإيراني في التعويل على الخلفية المذهبية الشيعية
التى يشترك فيها عدد كبير من سكان العراق مع المواطنين داخل الجمهورية الإسلامية،
بغرض الحفاظ على المستوى المرتفع من العلاقات بين البلدين، فضلاً عن أن إيران
دائماً ما تكون مستعدة لمساعدة جيرانها في إشارة إلي الدور الذي لعبته طهران في محاربة
داعش داخل بغداد؛ حيث اعتمد العراق منذ انتخاب روحاني في عام 2013، على الدعم شبه العسكري
الإيراني لمحاربة داعش، وذلك في أعقاب استيلاء
الجماعة المسلحة على مدينة الموصل العراقية وغيرها من الأراضي في كل من العراق وسوريا(5).
3-
تقوية موقف حكومة "روحانى" في
الداخل
مثلت
الاستقالة التى تقدم بها وزير الخارجية الإيراني "جواد ظريف" صفعة كبيرة
للداخل الإيراني؛ حيث عكست هذه الاستقالة الصراع الكبير بين المحافظين و الاصلاحيين داخل طهران، فضلاً
عن ضعف موقف حكومة روحانى، على خلفية الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووي مع
مجموعة (4+1)، وإعادة فرض العقوبات
الاقتصادية مرة أخرى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه،
ساهمت النتائج الإيجابية لهذه الزيارة في رفع الروح المعنوية للشعب الإيراني، والتأكيد
على نجاح سياسات الحكومة في الخارج، وانعكاس ذلك ايجاباً على المستوى الداخلى
خاصًة من الناحية الاقتصادية؛ حيث تعد العراق سوقاً كبيراً للمنتجات الإيرانية،
فضلاً عن انها باتت تمثل منفذاً حياً لتجاوز العقوبات الأمريكية(6).
ثالثاً- تداعيات زيارة روحاني لبغداد
على الرغم من عدم ترحيب بعض العراقيين
بزيارة "روحاني" للعراق، ولكن تم اختتام اللقاء بعدد من النتائج تمثل
اهمها في توقيع مجموعة من الاتفاقيات التجارية في عدد من المجالات الهامة، وهو ما يمكن توضيحه على
النحو التالي:-
1.
عدم ترحيب العراق برفع مستوى التعاون
على
الرغم من ظهور عدم ترحيب نوعى خلال زيارة الرئيس الإيراني "حسن روحاني" إلي
بغداد تمثلت في رفض الرئيس العراقي اقتراح طهران الغاء تأشيرة السفر إلي بغداد
بالنسبة للإيرانيين، كما ظهر ذلك في التصريحات التي أدلى الرئيس العراقي
"برهام صالح".
لكن بالنظر إلي إلى أن العراق لا يزال يواجه العديد
من المشاكل، بما في ذلك عودة "داعش" المحتملة ، فإن بغداد لا تستطيع تحمل
نفور إيران إلى ما بعد نقطة معينة. علاوة على ذلك، سوف يمر وقت طويل قبل أن يثق معظم
الشيعة العراقيين بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج العربية الأخرى، وبالتالي،
فإن إقامة علاقات معقولة مع طهران لا تزال ذات قيمة كبيرة للعراق كقوة موازنة للقوة
والنفوذ في الخليج.
كما أن تصريحات
القادة العراقيين توضح أن أياً منهم لم يوافق على رؤية إيران للعلاقات الاستراتيجية
بين الدولتين؛ حيث وضع القادة العراقيون علاقات بغداد مع طهران في إطار علاقاتها الأوسع
مع جميع دول المنطقة.
في
السياق ذاته، أظهر ذلك حرص العراقيين على تبني
علاقة خاصة مع طهران، فبعد أن غادر روحاني
بغداد قبل وقت قصير، ذكر رئيس الوزراء العراقي "عادل عبد المهدي" مقترح
زيارته القريبة للرياض، مما يدل على رغبة العراق في عدم السماح لصلتها الوطيدة مع
طهران بالإضرار بعلاقاتها مع الدول العربية الأخرى(7).
2.
مطالبة الجانب العراقي بتعديل اتفاقية
الجزائر لعام 1975
تم توقيع اتفاقية الجزائر في 6 مارس عام 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك
صدام حسين وشاه ايران "محمد رضا بهلوي" وبإشراف رئيس الجزائر آنذاك "هواري
بومدين"؛ تعتبر هذه الاتفاقية أن نقطة
معينة في شط العرب غير خط القعر هي الحدود البحرية بين العراق وايران لكن الحكومات
المتلاحقة في ايران رفضت هذا الترسيم الحدودي واعتبرته صنيعة امبريالية. لكن اعتبرت
ايران نقطة خط القعر في شط العرب التي كان متفقا عليه عام 1913 بين ايران والعثمانيين
بمثابة الحدود الرسمية ونقطة خط القعر هي النقطة التي يكون الشط فيها بأشد حالات انحداره.
وفي
عام 1969 أبلغت العراق الحكومة الإيرانية ان شط العرب كاملة هي مياه عراقية ولم تعترف
بفكرة خط القعر، ولكن في عام 1975 وبغرض اخماد الصراع المسلح للأكراد بقيادة مصطفى
البارزاني المدعوم من شاه ايران "محمد رضا بهلوي"، قام العراق بتوقيع اتفاقية
الجزائر مع ايران وتم الاتفاق على النقطة التي حددتها الحكومة الإيرانية كحد فاصل بين
الدولتين(8). وعليه، صرح المرجع الشيعي الأعلى في العراق "على
السيستاني" في إطار زيارة "روحاني" بضرورة العودة إلي تعديل
اتفاقية الجزائر، لإعادة ترسيم الحدود مع إيران فيما يتعلق بشط العرب.
3.
طرح قانون منح الجنسية للأجانب
أثارت
فكرة تعديل قانون الجنسية العراقي الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب العراقي بعد
زيارة الرئيس الإيراني "حسن روحاني" لبغداد، موجات كبيرة من الانتقادات،
نتيجة اقتراح منحها لمن يقيم في العراق لمدة سنة واحدة، لكن قوبل هذه المقترح
بالرفض من قبل التكتلات البرلمانية العراقية.
في السياق ذاته، شن الكاتب والبرلماني السابق "حسن العلوى" هجوماً عنيفاً على الأشخاص و الجهات الداعمة للقانون، لأن من شانه المساعدة على تغيير الهوية الديموغرافية لبغداد في غضون بضع سنوات، الأمر الذي يتيح لبعض الإيرانيين، الأفغان أو لرعايا دول أخرى الحصول على الجنسية العراقية بمجرد زيارتهم العراق في المواسم الدينية والبقاء فيه لفترة وجيزة(9).
الهوامش
1. محمد عبد العاطي، العلاقات العراقية
الإيرانية بين عهدين، الجزيرة. نت، متاح على الرابط التالي:
2. معمر فيصل
خولي، التغلغل الإيراني في العراق…الدوافع
والأشكال وأدوات التأثير، 11/6/2016، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية،
متاح على الرابط التالي:
http://rawabetcenter.com/archives/27905 .
3. تامر بدوى،
تعزيز النفوذ الاقتصادي الإيراني في العراق، 23/5/2018، مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي،
متاح على الرابط التتالي:
https://carnegieendowment.org/sada/76437
4. Ahmed
Rasheed, Iran's Rouhani signs trade pacts in Iraq to help offset US sanctions,
11/3/2019, Reuters, available at:
5.
Rouhani slams US on first day of Iraq visit,
12/3/2019, Arab News, available at:
http://www.arabnews.com/node/1464876/middle-east .
6. مرفت زكريا،
استقالة ثم عودة .. الصراعات الخفية ومصير حكومة روحاني، 27/2/2019، المركز
العربي للبحوث والدراسات، متاح على الرابط التالي:
http://www.acrseg.org/41127?fbclid=IwAR0F-HlVIxS5ypEsFwGMpLdRNEw4bTSX4El-m4bB6LXYwcLcN6B2cDgeipI .
7. Shireen T.
Hunter, What Did Rouhani Really Get From His Iraq Visit? 15/3/2019, lobe log,
available at:
https://lobelog.com/what-did-rouhani-really-get-from-his-iraq-visit/
8. اتفاقية
الجزائر 1975، المعرفة، متاح على الرابط التالي:
http://cutt.us/7oPXL
9. مشروع تعديل
قانون الجنسية العراقية يثير موجة سخط واسعة، 17/3/2019، Iraq News، متاح على الرابط التالي: