تدابير بناء الشراكة .. التوافق الروسي الإسرائيلي في سوريا
شكل إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين
نتانياهو" حول التوافق مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين" أثناء
زيارته لموسكو للتعاون من أجل إخراج القوات الأجنبية من سوريا، مدى انعكاس التخوفات
الإسرائيلية من التواجد الإيراني في الأراضي السورية إلى جانب ذلك التعزيزات
التي حصل عليها الرئيس السوري "بشار الأسد" من إيران وجماعة حزب الله
اللبنانية المدعومة من طهران. وتقوم
سياسة تل أبيب في هذا الشأن على التعاون مع موسكو لتشكيل فريق مهمات مشترك لتأمين خروج
القوات الأجنبية التي جاءت بعد اندلاع الأحداث في سوريا، وإنشاء خط عسكري مباشر بين
إسرائيل وروسيا للعمل على الحيلولة دون وقوع أي اشتباك بين الجانبين على الأراضي
السورية.(1)
العلاقات الروسية الإسرائيلية
شهدت
العلاقات بين موسكو وتل أبيب العديد من محطات التوافق والخلاف؛ حيث كان الاتحاد
السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل في 1948. ثم توترت العلاقات بعد ذلك
نتيجة لتوجه موسكو غلى توسيع علاقاتها مع الدول العربية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي
في 1991. وهناك تقارب استراتيجي يجمعهما فيما يتعلق بوضع القوة العسكرية على قمة
الأولويات.
وكان التدخل العسكري الروسي
في النزاع السوري في سبتمبر 2015 بمثابة مرحلة جديدة في العلاقات الروسية –
الإسرائيلية. حيث أسفر التدخل الروسي في سوريا عن حاجة الجانبين (الروسي الاسرائيلي)
لتأسيس قنوات اتصال فعالة واتفاقات موثوقة لتجنب وقوع اشتباكات عسكرية غير متعمدة.
وعملت إسرائيل على توسيع نطاق غاراتها الجوية على الأراضي السورية منذ فبراير
٢٠١٨. كما استهدفت إسرائيل في هذه العملية مواقع ذات أهمية بالنسبة للعمليات العسكرية
الروسية. وفي فبراير ٢٠١٨ شنت القوات الجوية الإسرائيلية ضربة جوية على قاعدة التياس
العسكرية (التيفور) في سوريا أثناء تواجد المستشارين العسكريين الروس، وذلك في أعقاب
تنفيذ هجوم بطائرة من دون طيار نُسب إلى القوات الموالية لإيران وإسقاط القوات الجوية
السورية لطائرة حربية إسرائيلية. وأدت هذه الضربة إلى توتر العلاقات مع موسكو . حيث
انتقدت القيادة العسكرية الروسية تصرفات إسرائيل بحدة، واستلزم حل هذه الأزمة عقد لقاء
بين بوتين ونتنياهو في مايو ٢٠١٨ بموسكو. أعادت فيه موسكو تقييم سياستها في سوريا
وباتت تبدي تسامحاً تجاه استراتيجية إسرائيل في سوريا.
وتأتي
زيارة الرئيس نتانياهو إلى موسكو في ذلك
التوقيت دلالة على رغبة إسرائيل القوية في تعزيز التعاون مع روسيا من أجل تأمين
الوجود الإسرائيلي في سوريا، مما تتطلب المزيد
من التنسيق لاتسامها بعدم التوافق. وتُشكل آلية النزاع في سوريا وقضايا الأمن والنظام
الإقليمي المتعلقة به اختباراً صعباً للعلاقات الروسية – الإسرائيلية.(2)
دوافع التقارب الروسي الإسرائيلي
لا يمكن تحليل الاتفاق الثنائي بين موسكو وتل أبيب إلا
من خلال فهم طبيعة أهداف كلا منهما؛ وعند الحديث عن الجانب الإسرائيلي فهناك إدراك
من جانب تل أبيب بالأهمية المركزية لروسيا في المعادلة السورية، وأنها لن تستطيع
تنفيذ أهدافها تجاه دمشق إلا من خلال البوابة الروسية، وهذا ما يستدل به من خلال
عمليات التنسيق العسكرية بين الجانبين فيما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية داخل
الأراضي السورية كما أنّ الضربات ضد إيران في سوريا نُفذت بضوء أخضر روسي. وبالتالي
باتت إسرائيل لديها فقط موسكو لضمان أمنها من خلال إبقاء إيران وحزب الله بعيدا عن
حدودها.
كما أن إسرائيل تحاول أن تحقق التقارب مع روسيا فيما
يتعلق بالتواجد الإيراني في المناطق الحدودية القريبة منها، وهذا ما أعلنه وزير
الخارجية الروسية سيرجي لافروف في 29 سبتمبر 2018، بأن كل مخاوف إسرائيل في منطقة مرتفعات
الجولان قد تم إزالتها، وروسيا نفذت ما وعدت به فيما يتعلق بالتواجد الإيراني
بالقرب منها، خاصة في ظل توجه روسيا في الوقت الحالي بضرورة خروج القوات الأجنبية من
سوريا، في إشارة إلى الميليشيات الإيرانية وحزب الله وأيضا قوات الولايات المتحدة.
يضاف لذلك كان إعلان الولايات المتحدة انسحاب قواتها من
سوريا، أحد أهم الدوافع التي قادت تل أبيب إلى سرعة التحرك بالاتفاق مع الجانب
الروسي لتحقيق التوازن السياسي والعسكري في ظل غياب الولايات المتحدة وذلك لتأمين
مصالحها بعد أن كان الوجود العسكري الأمريكي ضمانة إسرائيلية لتحقيق التوازن في
الداخل السوري.
على الجانب الروسي؛ تسعى موسكو إلى كسب العديد من
الأطراف التي ترتبط بصورة مباشرة بالولايات المتحدة، خاصة بعد إعلان واشنطن
الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي طالما طالبت به روسيا وحلفاؤها ووصفته بالغير
قانوني، وكذلك تسعى روسيا إلى تأمين المناطق القريبة من الحدود الإسرائيلية السورية،
والتي تتطلب التنسيق الأمني مع إسرائيل. كما أن روسيا تستخدم المجال الجوي الإسرائيلي
لتنفيذ هجمات عسكرية في سوريا بما تعزز هذه النقطة.(3)
توترات إيرانية إسرائيلية
شهدت العلاقات الإسرائيلية الإيرانية مزيدًا من التوترات
المتجذرة والمتجددة، فمن قبل تعارض إسرائيل امتلاك إيران للأسلحة النووية، كما
أنها تواجه الدور الإيراني في نمط التدخلات في الدول العربية، وخاصة سوريا لما لها
من أهمية في تقديم الدعم العسكري والمالي لميليشيات حزب الله اللبناني التي تهدد
أمن إسرائيل، كما أن العلاقات العسكرية بينهما شهدت تصعيد على الأراضي السورية
فيما يتعلق بالاستهداف المتبادل للأهداف العسكرية.
كما توالت الدعوات الإسرائيلية للمجتمع الدولي بالتصدي لمساعي إيران في المنطقة،
وزعزعة الاستقرار، في إعلان منها عزمها منع إيران من إقامة قواعد عسكرية أخرى يمكن
من خلالها تهديد إسرائيل ومهاجمتها، في محاولة ترسيخ وجودها العسكري في سوريا أو بناء
مصانع للصواريخ في لبنان.(4)
خسائر إيرانية
على الرغم من التقارب الروسي الإيراني فيما يتعلق
بالنظام السوري إلا أن هذا الاتفاق جاء بعكس ما ترغب به إيران؛ حيث كانت روسيا
تمثل حاجز الأمان للقوات الإيرانية الموجودة بالقرب من الحدود الإسرائيلية في ظل
الأهداف الإيرانية المتعلقة بالاحتفاظ بموقع عسكري متقدم ضد إسرائيل، وأن التخلي أو
إبعاد إيران عن منطقة الجولان سيمثل انتكاسة قوية لطهران، خاصة في ظل توقيع الاتفاق
الروسي الإسرائيلي حول إبقاء إيران وحلفائها بعيدًا عن الجولان من قبل.
ويعد هذا الاتفاق ضربة قوية للمصالح الإيرانية التي تعتمد خلالها إيران على الدعم الروسي، ولعل هذا التقارب جاء ليشكل بدايات التسوية السياسية للأزمة السورية عن طريق إبعاد القوات الأجنبية بما فيهم القوات الإيرانية الموجودة بالقرب من الحدود الإسرائيلية.
الهوامش
1) نتانياهو: اتفقنا مع بوتين على تشكيل فريق مهمات مشتركة لتأمين خروج القوات
الأجنبية من سوريا:
2) الصراع في سوريا يرسم معالم العلاقات الروسية – الإسرائيلية، على
الرابط:
https://fanack.com/ar/russia-israel-relationship-transformed-by-syria-conflict/
3- Marriage of Convenience: Implications of
Russian-Israeli Rapprochement on Iranian Influence in Syria, AT:
4) محاولة استنساخ حزب الله جديد: الصراع الإيراني الإسرائيلي في مرتفعات الجولان، على الرابط: http://www.acrseg.org/40788