دوافع ومخاطر التلويح بالورقة الإسرائيلية .. الصراع الأمريكي الإيراني على المسرح العراقي
تعمل
الولايات المتحدة الأمريكية منذ انسحابها من الاتفاق النووي على التصعيد ضد إيران بشكل
مستمر سواء بفرض العقوبات على قطاع الطاقة الإيراني أو الحشد الإقليمي والدولي
ضدها وذلك من أجل دفعها لتعديل سلوكها في الشرق الأوسط وإيقاف دعمها للفاعلين من
غير الدول أو على الأقل تقليص هذا الدعم وخفض نفوذها إلى أدنى مستوى ممكن وذلك
لضمان أمن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما دفع إيران لإتخاذ مجموعة من
السياسات للحد من تأثير الضغوط والتهديدات الأمريكية غير المسبوقة وهي أولًا إستغلال
شركاءها لتخفيف أثر العقوبات القاسية على الإقتصاد الإيراني وثانيًا تثبيت وتعميق
نفوذ الميليشيات الشيعية في الإقليم تحسبًا لمواجهة عسكرية غير مستبعدة في ظل
القيادة الأمريكية الحالية.
في مقدمة
هؤلاء الشركاء الذين تعتمد عليهم إيران هو الجار العراقي الذي يعتبر أحد أهم مسارح
الصراع الأمريكي الإيراني، ولذلك تعمل إيران على تقوية نفوذ شركاءها في العراق سواء من خلال دعمهم في
الوصول للمراكز الحساسة في أجهزة الدولة الرسمية وإستبعاد شركاء الجانب الأمريكي أو
دعم وتأكيد نفوذ الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق لتكون ورقة مهمة في أي
مواجهة مقبلة، هذه الثغرة تسعى الولايات المتحدة إلى سدها لضمان عدم إفلات إيران
بأي درجة من العقوبات الأمريكية، وانطلاقًا من تلك النقطة أرسلت الولايات المتحدة
طلب إلى الحكومة العراقية بتفكيك وتجميد وسحب السلاح من 67 ميليشا تابعة لإيران
بالعراق خلال 30 يوم(1) وهو ما تم رفضه بشكل كامل من قبل تلك الميليشيات وجناحها
السياسي داخل البرلمان العراقي وتم الرد عليه بطرح مشروع قانون يلزم بإخراج القوات
الأمريكية في العراق(2) لما أسموه تدخل في
الشأن العراقي، وخلال تلك التطورات التي شهدتها الساحة العراقية الأسبوع الماضي تم
تسريب إبلاغ وزير الخارجية الأمريكي لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي عدم
تمكن واشنطن من الوقوف أكثر أمام تل أبيب لمنعها من ضرب أهداف تابعة لإيران داخل
العمق العراقي(3)، هذا التلويح الأمريكي بإطلاق يد إسرائيل في العراق يعد جرس
إنذار بتطور خطير محتمل في مستقبل الصراع بالشرق الأوسط.
أولًا- ارتباط الحشد الشعبي
بإيران
تعد قوات
الحشد الشعبي مرتكز النفوذ الإيراني في العراق فعلى الرغم من حداثة تشكيلها في صيف
2014 إلا أنها تضم بالأساس ميليشيات شيعية تمثل العمود الفقري لقوات الحشد وتربطها
علاقات تاريخية وثيقة بالنظام الإيراني تعود إلى ما قبل ذلك التاريخ بعقود حيث
شارك بعض قادة تلك الميليشات في حرب الخليج الأولى ضمن صفوف القوات الإيرانية ضد
وطنهم العراقي، ودعمت إيران قوات الحشد الشعبي ماليًا وعسكريًا واستخباراتيًا عقب سقوط
الموصل في قبضة تنظيم داعش وركزت هذا الدعم على الميليشيات الموالية لها لتعظيم
دورها في رسم ملامح مرحلة ما بعد داعش وبالفعل حققت قوات الحشد نجاحات كبرى في
تحرير الأراضي العراقية وهزيمة داعش(4) وساهم ذلك في تعظيم حضورها في المشهد
السياسي العراقي، وامتد الدعم الإيراني لتلك الميليشات لينتقل من الجوانب
اللوجيستية إلى الجانب السياسي حيث لعب قاسم سليماني دور كبير في تحديد مسار
الجناح السياسي لتلك الميليشيات الذي يمثله صورة رئيسية تحالف الفتح(5)من حيث
إجهاض جهود خصومهم في تشكيل الكتلة الأكبر داخل البرلمان العراقي واستبعاد حيدر
العبادي من قيادة الحكومة العراقية الجديدة، وتعمل إيران على استنساخ تجربة حزب
الله اللبناني في العراق من خلال تأكيد شرعية قوات الحشد الشعبي التي اكتسبت صفة
قانونية قبل ثلاثة سنوات واستقلاليتها عن الجيش العراقي بما يتيح لها تشكيل تهديد
دائم للقوات الأمريكية في العراق وكذلك مرونة في الحركة للعب أدوار في الحرب
السورية (6)، شكل ذلك الارتباط بين الحشد الشعبي والنظام الإيراني
السياسة الأمريكية الرافضة بشكل مستمر لتواجد تلك القوات في المشهد العراقي
والمطالبات المتكررة بحلها إلى أن بلغ الحد بالتلويح بإطلاق يد إسرائيل عسكريًا في
العراق.
ثانيًا- دوافع وحدود التدخل الإسرائيلي
تعتبر إسرائيل تزايد النفوذ الإيراني في العراق تهديد
لأمنها الداخلي حيث يمثل العراق ساحة مناسبة للتمركز لاستغلاله كمنطلق لتعزيز
قوتها ما يهدد إسرائيل، وفي أواخر أغسطس الماضي أفادت تقارير إعلامية بأن الجيش
الإيراني نقل صواريخ إلى القوات المتحالفة معه في العراق وهو ما أكده لاحقاً
عسكريون إسرائيليون، وهذه الصواريخ الإيرانية التي نقلت إلى العراق من نوع
"زلزال" و"فاتح 110" وهي قادرة على ضرب أهداف في مدى يتراوح
بين 200 و700 كيلومتر وبالتالي قد تصل إلى تل أبيب من غرب العراق(7) وهو ما يمثل استدعاء لتجربة
اطلاق 40 صاروخ عراقي من نظام صدام حسين تجاه تل أبيب أثناء حرب الخليج الثانية،
وهو ما يعد حافز لإسرائيل لشن هجمات جوية إستباقية على مواقع إيرانية في العراق قد
تكون موجهة بشكل مباشر ضد مستودعات تابعة للحشد الشعبي، ولإسرائيل تجربة تاريخية
في التدخل العسكري وتدمير أهداف في العراق عندما قصفت المفاعل النووي العراقي في
مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وكذلك إفصاحها رسميًا منذ أيام على امتلاك خطط
لتدمير بعض السدود العراقية كرد على القصف الصاروخي لإسرائيل أثناء حرب الخليج
الثانية وهو ما كانت ستقدم على وضعها موضع التنفيذ لولا تدخل أمريكي(8).
ثالثًا- سيناريوهات ما بعد الضربة الإسرائيلية
يمكن تقسيم رد الفعل العراقي على ضربات عسكرية إسرائيلية
لثلاث سيناريوهات رئيسية:
1) السيناريو الأول هو امتصاص الضربة وعدم الرد والوقوف عند محاولة التعامل
اللحظي مع القصف الإسرائيلي وعدم التصعيد لما هو أبعد من ذلك وذلك استنساخًا
للتعامل السوري مع الضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة، ويعد هذا السيناريو ضعيف
نظرًا لإختلاف طبيعة الحليف الإيراني في الحالتين ففي حالة الحليف النظامي يمكن
امتصاص الضربة وعدم الرد والتصعيد نظرًا لإنشغال الجيش السوري بالقتال على
جبهات أخرى ضد أطراف مختلفة من أجل إعادة بسط سيادة الدولة على أراضيها ومن شأن
التصعيد ضد إسرائيل وفتح جبهة جديدة في الجنوب أن تلحق بالنظام ضربات جديدة قاتلة،
وهو ما يختلف عن الحالة العراقية التي قد تتعامل معها إيران نفسها كإعتداء مباشر
عليها.
2)
السيناريو الثاني هو التصعيد المحدود داخل الأراضي العراقية من خلال
الربط المباشر بين القوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي العراقية وبين الضربات
الإسرائيلية بإعتبار تلك الضربات هي بالأساس بتحريض مباشر وضوء أخضر من الولايات
المتحدة بحسب ما نقل مايك بومبيو، وهو ما من شأنه استدعاء الجيش الأمريكي من جديد
للعراق وربما توجيه ضربات لإيران نفسها بحسب طلب سابق من جون بولتون لوضع خطة
لمهاجمة إيران على إثر اعتداءات على أهداف أمريكية في العراق سبتمبر الماضي(9).
3) السيناريو الثالث هو التصعيد المفتوح ضد أمريكا وإسرائيل، وهو ما عبر عنه
قيادي بالحشد الشعبي حذر إسرائيل من تلك الخطوة لأنها ستضع مدنها تحت قصف صواريخ
الجنوب اللبناني(10) في إشارة مباشرة لرد قوي من حزب الله، وهو ما يعني دخول إيران
ووكلاؤها لحرب إقليمية ستلحق بالمنطقة دمار لم تشهده في تاريخها من قبل.
ختامًا، من المستبعد إقدام إسرائيل على مثل تلك الخطوة في المدى القريب وذلك لما قد تمثله تداعياتها من أضرار كبرى للجانبين قد تصل إلى حد الدمار الكامل لأحد الأطراف، بالإضافة إلى احتفاظ الولايات المتحدة بمجموعة من الأدوات لم تستنفذ بعد من شأنها إضعاف الجانب الإيراني وشركاؤه في المنطقة، مثل تصفير الصادرات النفطية الإيرانية بعد إنتهاء مدة الاستثناءات التي منحتها الولايات المتحدة لبعض مستوردي النفط الإيراني، بالإضافة إلى محاولة إنهاء الأزمة الخليجية والإعلان عن تشكيل ما يسمى بالتحالف الإستراتيجي للشرق الأوسط الذي تسعى لرعايته لمواجهة إيران في المنطقة، ومن المنتظر أن يفصح إجتماع وارسو في الشهر المقبل عن الملامح الكاملة للاستراتيجية الأمريكية ضد إيران في المنطقة وفي القلب منها تقليص نفوذها في العراق.
الهوامش
1- بعد طلبها
تجميد 67 ميليشيا.. واشنطن تفكك «الحشد الشعبي » في العراق، موقع
"المرجع"، 15 يناير 2019، انظر الرابط:
2- ظريف يحث
مليشيا «الحشد» لمواجهة القوات الأمريكية في العراق، جريدة "عكاظ"،
18 يناير 2019، انظر الرابط:
3- تحشيد إيراني
في العراق ضد أمريكا،جريدة "البيان الإماراتية"، 21 يناير 2018،
انظر الرابط:
4- مجدي طارق،
ما بعد داعش: مستقبل الحشد الشعبي، المركز العربي للبحوث والدراسات، 17
أكتوبر 2018، انظر الرابط:
5- وهو تحالف
يقوده هادي العامري زعيم منظمة بدر، ونجح هذا التحالف في الحصول على المركز الثاني
في الانتخابات النيابية العراقية التي جرت في مايو من العام الماضي بحصة 48 كرسي.
6- مصادر لـ«
البيان »:«الحشد» يستولي على أراضٍ سورية، جريدة "البيان الإماراتية"،
20 يناير 2019، انظر الرابط:
7- تحذير
«إسرائيلي» من تزايد النفوذ الإيراني في العراق، جريدة "الخليج الاماراتية"، 1
يناير 2019، انظر الرابط:
8- وثائق: إسرائيل خططت لتدمير سدود العراق، جريدة "الشرق القطرية"، 20 يناير
2019، انظر الرابط:
9- تقارير
أمريكية: البنتاغون تعد خيارات لضرب إيران، جريدة "البيان
الإماراتية"، 14 يناير 2019، انظر
الرابط:
10-الحشد الشعبي يُهدّد إسرائيل: لا تلعبوا بالنار مع قواتنا، موقع
"رووداو عربي"، 20 يناير 2019، انظر الرابط: