هل تثمر الضغوط؟...حزب الله و الجماعات الإرهابية في فنزويلا
تقر الإدارة
الأمريكية بأن "حزب الله" اللبناني المدعوم من إيران يدير مجموعة من
الخلايا الإرهابية في فنزويلا، ومن هنا يظهر تأثير الدولة الإيرانية على المجتمع الفنزويلي. وحافظ
"حزب الله" على وجوده في أمريكا الجنوبية، لاسيما في المنطقة الحدودية
بين الثلاثي (بار اغوى، البرازيل و الأرجنتين)، وهى منطقة يغيب فيها حكم القانون،
كما أن له نفوذ راسخ في فنزويلا؛ حيث عمل الشيعة منذ فترة طويلة على انشاء بنية
تحتية ضخمة لأنشطتها الإجرامية بما يتضمن الاتجار في المخدرات، غسيل الأموال و التهريب
غير المشروع.
فعلى
سبيل المثال تعد جزيرة "مارغريتا" التي تقع على سواحل فنزويلا بمثابة ملاذ
أمن للأعمال الإرهابية التي يقوم بها أعضاء "حزب الله" اللبناني. وفي
عهد الرئيس الفنزويلي الأسبق "هوغو تشافيز" اتخذت الحكومة نهجًا أكثر نشاطًا
لتأمين مؤيدي "حزب الله" في كاراكاس. ومن هنا، من المفترض أن يعمل تغيير
النظام في فنزويلا على التخلص من نفوذ "حزب الله" داخلها وهو ما تريده
واشنطن.
أولاً- تغلغل نفوذ "حزب
الله" في أمريكا اللاتينية "فنزويلا نموذجاً
يرى
الكاتب أن " حزب الله" يمتلك تاريخ طويل من العمل الإجرامي في فنزويلا؛
حيث قاد عصابة لتهريب الكوكايين خلال العقد الأول من القرن الواحد والعشرون، وكان
يترأسها مواطن لبناني مرتبط بـ"حزب الله" يُدعى "شكري حرب" مهرب
مخدرات ومالك غسيل أموال يلقب باسم "طالبان"، و استخدموا بنما وفنزويلا كمحاور
حيوية في عملية أرسال المخدرات من كولومبيا إلى الولايات المتحدة، غرب إفريقيا، الشرق
الأوسط وأوروبا.
كما أدى
اعتماد "حزب الله" على تأييد المتعاطفين معه في دول أمريكا اللاتينية إلي
الحد من محاولات الكشف عن الأعمال الإرهابية التي يقوم بها، فضلاً عن أنه موظفو أمن
الحدود، لم يكونوا مستعدين في وسط حالة اليأس العامة على مواجهة مخططات الرشوة
التي يقدمها أعضاء "حزب الله" وأنصاره.
وبالنظر
إلي حالة عدم الاستقرار الحالية أثار الكاتب تساؤلاً هاماً عن وضع "حزب
الله" في فنزويلا في ظل حكومة زعيم المعارضة الحالي "خوان جوايدو"،
الذي تم الاعتراف به مؤخرًا على أنه الحاكم الشرعي للبلاد من قبل الولايات المتحدة
وعشرات الدول الأخرى، بما في ذلك الدول ذات الثقل الأوروبي مثل فرنسا، المملكة المتحدة،
ألمانيا وإسبانيا.
ثانياً- حكومة "خان
جوايدو" ومواجهة "حزب الله"
يقر
الكاتب بانه من المرجح أن الحكومة التي يقودها " خان جوايدو" ستكون أكثر
نشاطاً في مواجهة نفوذ "حزب الله" في فنزويلا، ليس فقط من الناحية
الرسمية ولكن فعلياً من خلال السعي لتقليص العمل الإجرامي للحزب داخل كاراكاس، ومن
هنا، من المرجح أن تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لاستغلال "جوايدو"
بغرض مواجهة الأنشطة الإيرانية في الدول المجاورة لفنزويلا.
ولكن
أشار الكاتب بأن هناك فرق كبير بين الإرادة والقدرة؛ فيمكن أن تُظهر حكومة "جوايدو" إرادة سياسية قوية في
البداية لمواجهة حزب الله وإيران، حتى تحصل على رضا الإدارة الامريكية، ولكن تواجه
فنزويلا كدولة تحدياً هائلا في محاولة إعادة
بناء مجتمعها الممزق، و بالتالي، من الممكن أن يتحول الدفع بحزب الله و انصاره لخطوة
أساسية وهامة من قبل حكومة
"جوايدو" دون تدخل من قبل واشنطن.
وهناك قضية
أخرى غاية في الأهمية؛ نفوذ طهران في فنزويلا و المناطق المجاورة لها من خلال الفاعلين
من غير الدول التي تدعمها إيران في هذه المنطقة؛ حيث توفر طهران له ما يزيد على 700 مليون دولار سنويا، فضلاً عن اعتبار الجمهورية الإسلامية
فنزويلا بمثابة مدخل لأمريكا اللاتينية، ومن هنا من غير المرجح أن يتخلى عنها الإيرانيين
دون خوض قتال حاد.
ثالثاً- واشنطن و تطوير المؤسسات الأمنية و العسكرية في فنزويلا
أكد
الكاتب أن الطبيعة غير المستقرة للأجهزة الأمنية في فنزويلا تشير إلي صعوبات جمة في
التعامل معها عند الرغبة في الدخول في علاقات مع فنزويلا، فضلاً عن أنه لا يزال غير
معروف أي جهة أمنية وعسكرية ستبقي بعد مادورو، ولذلك من المستبعد أن تحقق الولايات
المتحدة الأمريكية نجاحات في فنزويلا كما في حالة كولومبيا؛ حيث ساعدت واشنطن بوغوتا
من خلال خطة متعددة السنوات قوامها مليارات الدولارات للمشاركة في التعاون الأمني مع
أجهزة إنفاذ القانون والقوات العسكرية الكولومبية وبنائها.
لكن خطة
كولومبيا التي حققت نجاحات كبيرة أثبتت أنها بعيدة المنال في سياقات أخرى؛ حيث
فشلت مبادرة مدريدا (اتفاق تعاون أمنى بين الولايات المتحدة والمكسيك) لمكافحة
المخدرات في مكسيكو عبر الاتجار غير المشروع و الشبكات الإجرامية. كما أظهر الرئيس
"ترامب " خلال السنة الأولى من حكمه رغبة التخلص من عبء التدخلات
الخارجية، ومن هنا تصبح أي خطة أمريكية لمساعدة فنزويلا غير مجدية بالنسبة للإدارة
الأمريكية.
ولنجاح
أي خطة أمريكية مع فنزويلا يتطلب الأمر التزاماً متعدد السنوات للعمل مع السلطات
في كاراكاس للتخلص من الخطر يشكله
"حزب الله" الذي يجمع بين الأنشطة الإرهابية و الجنائية. و تواجه
كاراكاس تحدى أخر يتمثل في القدرة على تطوير المؤسسات الحكومية الفنزويلية،
ولاسيما الأجهزة الأمنية والعسكرية.
علاوة
على ذلك، تحتفظ روسيا من خلال تواجدها في سوريا بعلاقات جيدة مع إيران وحلفاءها
مثل "حزب الله" اللبناني"، ومن هنا تحاول موسكو الحفاظ على مصالحها
الراسخة في دعم الرئيس الفنزويلي "نيكولاس مادورو" وإبقائه في السلطة. ولذلك،
حذرت روسيا الولايات المتحدة الأمريكية من التدخل في كاراكاس نظراً للعلاقات
الطويلة بين البلدين، ومن المرجح أن هناك اتفاق ضمني بين طهران وموسكو بعدم تدخل
كل منهما في القضاء على نفوذ الأخر.
رابعاً- مستقبل "حزب
الله" في فنزويلا
اتفاقاً
مع المعطيات السابقة، يوجد عدد من السيناريوهات المحتملة لنفوذ "حزب
الله" في فنزويلا لاسيما في ظل حالة عدم الاستقرار التي تحكم الوضع الحالي،
والتي يتمحور أولها حول "تنامى نفوذ حزب الله" في كاراكاس"؛
بالنظر إلي حالة الاستقطاب الحاد بين مؤيدي الرئيس السابق "نيكولاس
مادورو" وزعيم المعارضة "خان جوايدو" المعترف به من قبل الولايات
المتحدة الأمريكية و أكثر من 30 دولة أخرى، من المرجح إذا استمرت هذه الحالة أن
يساعد ذلك "حزب الله" على زيادة
نفوذه في فنزويلا بشكل خاص وأمريكا اللاتينية بشكل عام. ومن المقرر أن يحدث ذلك في
ظل وجود الجمهورية الإسلامية الداعم والممول الرئيسي لأنشطة "حزب الله"
في كل مكان.
في
السياق ذاته، تحاول إيران – بعد الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي مع مجموعة
(5+1)- البحث عن مناطق نفوذ جديدة و تعزيز الموجودة بالفعل من أجل مواجهة تهديدات
الولايات المتحدة الأمريكية التي تندد بنفوذها المتصاعد خاصًة في منطقة الشرق
الأوسط. ومن هنا، تسعى طهران عبر دعم "حزب الله" نحو تعزيز نفوذها ليس
فقط في فنزويلا، ولكن في أمريكا اللاتينية بشكل عام، خاصًة لكونها من المناطق
المجاورة و الهامة بالنسبة لواشنطن.
كما يشير الكاتب إلي أن السيناريو الثاني يتمحور حول مواجهة نفوذ حزب الله في فنزويلا من خلال تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية على ملاحقة إيران و اتباعها في أمريكا الجنوبية بشكل عام. وبالتالي، يرتكز أفضل الحلول التي يمكن أن تعتمد عليها واشنطن حول مساعدة حكومة "جوايدو" للقضاء على نفوذ "حزب الله" في البلاد من خلال وجود أمريكي لتدريب القوات الفنزويلية على المهارات الضرورية لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة عبر الوطنية، من خلال شبكات ذات روابط قوية مع المجتمع الفنزويلي، لكن هذا السيناريو يعتمد بالطبع على قيام الولايات المتحدة بتقديم مثل هذه المساعدة في المقام الأول.
COLIN P. CLARKE, Hezbollah Is in Venezuela to Stay Regime change in
Caracas won’t change the country’s problematic relationship with the terrorist
group, Foreign policy, FEBRUARY
9, 2019, available at: