إدراك الشباب المصري لصورة رجال الشرطة في الدراما التليفزيونية
في أعقاب
25 يناير 2011 والتي جاءت في ذكرى الاحتفال بعيد الشرطة، تعرضت أقسام الشرطة
والسجون لهجمات ضارية من جانب المتظاهرين وبعض العناصر المندسة من خارج البلاد،
وصب المتظاهرون غضبهم على كل ما يمت للشرطة بصلة، وارتفعت أصواتهم تنادي بمعاقبة
رجال الشرطة ووزير الداخلية بوصفهم مسئولين عما وصلت إليه أحوال البلاد على مدار
السنوات الماضية.
وزادت
معدلات إنتاج وعرض الأعمال الدرامية التي حاولت أن تترجم هذه الحالة من العداء
لرجال الشرطة، سواء في السينما أو التليفزيون، وكدنا لا نرى فيلمًا أو مسلسلًا واحدًا يخلو من دور رئيسٍ أو ثانوي لرجل
الشرطة، وأسهمت هذة الاعمال الدرامية – بشكلٍ ما- في تشكيل صورة رجال الشرطة لدى
الجمهور المصري سواء بالسلب أو الإيجاب، حيث أن الدراما تعد أحد أهم مصادر القوى
الناعمة، ومصدر تأثير كبير على المشاهد المصري والعربي.
وشهد شهر
رمضان 2018 سيلًا من المسلسلات الدرامية التي عُرضت على شاشات القنوات المصرية
والعربية والتي تناولت أدوارًا لجنودٍ وضباطٍ ينتمون إلى الشرطة المصرية، وبلغ عدد
هذه المسلسلات عشرة مسلسلات على أقل تقدير، وأثارت هذة الأعمال عديدًا من
التساؤلات في أوساط النقاد، والذين اتهمها البعض منهم بالدفاع عن رجالِ الشرطة
وتحسينِ صورتهم لدى المشاهدين، في حين اتهمها البعض الآخر بأنها تسعى لتشويه صورة
رجال الشرطة والنيلِ منهم وتشويه صورتهم لدى جمهور المشاهدين والشعب المصري.
وتعمل
وسائل الإعلام على تشكيل صورٍ ذهنية عن جماعات وفئات المجتمع والدول والشعوب لدى
جماهيرها مما يؤثر في تقبلهم وإدراكهم لواقع بعض هذه الفئات والدول والشعوب
والتأثير على اتجاهات الجماهير نحوها. ولسنواتٍ طويلة لعبت الدراما التليفزيونية
دورًا كبيرًا ومهمًا في تشكيل اتجاهات الجمهور نحو فئات المجتمع وعرض ملامحهم
وسماتهم بشكلٍ محدد لتوجيه إدراك الجمهور لواقعهم، حيث أنها تعد مصدرًا رئيسًا
لنقلِ الأفكار والصور لما تتميز به من قدرة على جذب المشاهدين والاستحواذ على
أوقاتهم من خلال عوامل الإثارة والتشويق.
وفي هذا
الإطار جاءت الدراسة المهمة التي أجرتها الدكتورة ريم سامي الشريف
مدرس الإذاعة والتليفزيون بكلية الإعلام بالجامعة الحديثة للتكنولوجيا والمعلومات
بعنوان: "إدراك الشباب المصري لمدى واقعية صورة رجال الشرطة المقدمة في
الدراما التليفزيونية"، والتي عرضتها بالمؤتمر العلمي الثالث لكلية الإعلام
بالجامعة الحديثة المعنون: "الدراما العربية وقضايا الهوية" خلال يوميْ 18
و19 ديسمبر الماضي.
رأت
الباحثة أن هذه الدراسة تسعى للكشف عن علاقة مشاهدة هذه المسلسلات التي تعرض لصورة
رجال الشرطة بتشكيل صورتهم لدى عينة من الجمهور المصري، واختارت الباحثة قطاعًا مهمًا
من قطاعات هذا الجمهور يتمثل في فئة الشباب؛ حيث تمثلت مشكلة الدراسة في رصد سمات
الصورة المتكونة لدى الشباب المصري عن رجال الشرطة، وتحديد الدور الذي تقوم به الدراما
التليفزيونية في تشكيل هذه الصورة لديهم.
أهمية الدراسة وأهدافها
تتحدد أهمية
الدراسة في إلقاء الضوء على العوامل المختلفة المسئولة عن تشكيل صورة رجل الشرطة
لدى الشباب المصري في الدراما التليفزيونية، وتنامي الدور الذي تؤديه الدراما
التليفزيونية في التأثير على الشباب المصري، وما تعرضت له الدراما التليفزيونية في
السنوات الأخيرة من اتهامات بتشويه صورة رجال الشرطة أو محاباتهم بالعمل على تحسين
صورتهم بشكلٍ مُبالغ فيه، وقلة الدراسات العربية التي تعرضت لقياس العلاقة بين
التعرض للدراما التليفزيونية وتشكيل صورة رجال الشرطة لدى الشباب.
واستهدفت
الدراسة التعرف على أهم ما تبرزه الدراما التليفزيونية من سماتٍ إيجابية أو سلبية
عن رجال الشرطة من وجهة نظر الشباب المصري، ورصد مدى إدراك الشباب المصري لواقعية
المضمون المقدم عن رجال الشرطة، ومقارنة الصورة الذهنية المتكونة لدى الشباب
المصري عن رجال الشرطة وصورتهم في الدراما التليفزيونية، وقد أجرت الباحثة
عينة من الشباب المصري من سن 18 عامًا إلى 35 عامًا، ممن يتابعون الدراما التليفزيونية
قوامها (200) مبحوثًا بأسلوب العينة المتاحة.
الدراما ودورها في تشكيل
صورة رجال الشرطة
تبين من
الدراسة أنه فيما يتعلق بأهم المسلسلات التليفزيونية التي تعرضت لصورة رجال الشرطة
وحرص الشباب على متابعتها، جاء "كلبش 2" كأكثر مسلسل تليفزيوني مشاهدةً
من قِبَل الشباب بنسبة 58%، ورغم أن هذا المسلسل يعد استكمالًا للجزء الأول الذي عُرض
في شهر رمضان 2017، إلا أنه لازال على رأس المسلسلات التي حققت نجاحًا جماهيريًا
للموسم الثاني على التوالي، وجاء مسلسل "نسر الصعيد" في المرتبة الثانية
بنسبة 46.5% ضمن اختيارات المبحوثين، تلاه في المركز الثالث مسلسل
"رحيم" بنسبة 44.5%، ثم في المراكز الرابع والخامس والسادس على الترتيب
مسلسلات "عوالم خفية"(23.5%)، "طايع" (20.5%)، "أمر
واقع" (13.5%).
أوضحت
الدراسة أنه بالنسبة لمدى الاعتقاد أن للمسلسلات التليفزيونية دورٌ كبير في تشكيل
صورة رجال الشرطة لدى الشباب المصري، أجاب 59.5% من الشباب أن للمسلسلات التليفزيونية
دورٌ في تشكيل هذه الصورة "إلى حد ما"، بينما يعتقد 23.5% أن الدراما
التليفزيونية لها دورٌ كبير في تشكيل صورة رجال الشرطة، وأجاب 17% من الشباب أن
المسلسلات التليفزيونية ليس لها أي دور في تشكيل صورة رجال الشرطة.
تقييم صورة رجل الشرطة في
الدراما
جاءت
نسبة المبحوثين الذين أجابوا بأنهم لم يستطيعوا تحديد اتجاه صورة الشرطة التي
تقدمها المسلسلات التليفزيونية في مقدمة إجابات المبحوثين والذين أجابوا بـ (لا
أعرف)، وربما تدل هذه النتيجة إما على عدم المتابعة الدقيقة للمبحوثين للمسلسلات
التي اختاروها، أو لعدم تركيزهم على اتجاه الصورة التي تقدمها تلك المسلسلات عن
رجال الشرطة.
أما فيما يتعلق بإجابات المبحوثين حول الصورة
الإيجابية لرجال الشرطة، فقد جاء مسلسل "كلبش 2" في مقدمة المسلسلات
التي قدمت صورة إيجابية عن رجال الشرطة بنسبة 49%، يليه مسلسل "نسر
الصعيد" بنسبة 36%. وفي المقابل أكد المبحوثون أن مسلسل "رحيم" هو
أكثر المسلسلات التي قدمت صورة متوازنة وموضوعية عن رجال الشرطة وذلك بنسبة 25.5%،
يليه مسلسل "نسر الصعيد" بنسبة 20%، في حين جاء مسلسل "اختفاء"
في مقدمة المسلسلات التي قدمت صورةً سلبية عن رجال الشرطة من خلال الضابط التي قدم
شخصيته الفنان "محمد ممدوح"، وذلك بنسبة 6.5%، يليه مسلسل
"رحيم" بنسبة 6%، وجاء مسلسل "طايع" في المرتبة الثالثة بنسبة
5.5%.
واقعية الصورة المقدمة عن
رجال الشرطة في الدراما
بالنسبة لمدى واقعية الصورة المقدمة عن
رجال الشرطة في الدراما التليفزيونية، ارتفعت نسبة المبحوثين الذين أجابوا بواقعية
الصورة المقدمة عن رجال الشرطة في الدراما التليفزيونية لتصل إلى 74.5%، حيث أجاب
66% منهم بأنها واقعية إلى حدٍ ما، في حين أجاب 8.5% بأنها واقعية إلى حدٍ كبير،
وتدل هذه النتيجة على ارتفاع مدى اقتناع عينة المبحوثين بواقعية الصورة المقدمة عن
رجال الشرطة في الدراما التليفزيونية.
وقد أعدت الباحثة مقياسًا لصورة رجال الشرطة في الدراما
التليفزيونية، ويتكون هذا المقياس من 12 عبارة، تم تقسيمها إلى ست عبارات إيجابية
هى:
- رجال الشرطة على دراية
كبيرة بالمسؤلية الأمنية |
- رجال الشرطة مخلصون
لبلدهم |
- تفاني رجال الشرطة في
أداء عملهم |
- يهتم رجال الشرطة بمصالح
المواطنين |
- يتمتع رجال الشرطة بحس
الفكاهة والطيبة |
- يتعامل رجال الشرطة
بتواضع مع المواطنين |
وفي مقابل هذه العبارات الإيجابية وضعت الباحثة ست
عبارات سلبية، وقد تم توزيع درجات الإجابة على العبارات الإثنتيْ عشر على النحو
التالى: موافق (3 درجات)، ومتوازن (درجتان)، ومعارض (درجة واحدة)، لتتراوح درجات
المقياس ككل بين 12 و36. وقد تم تصنيف المبحوثين على درجات المقياس على النحو
التالى:
أصحاب صورة إيجابية |
12- 19 |
أصحاب صورة متوازنة |
20- 28 |
أصحاب صورة سلبية |
29- 36 |
بالنسبة للعبارات الإيجابية، جاءت عبارة "رجال
الشرطة على دراية كبيرة بالمسئولية الأمنية" في مقدمة العبارات الإيجابية وفي
المرتبة الثالثة من مجمل العبارات الإيجابية والسلبية بوزن نسبي 79.7%، حيث أجاب
(100) من الشباب بأوافق، بينما أجاب (22) منهم بلا أوافق.
وبالنسبة للعبارات السلبية، جاءت عبارة "يستغل رجال
الشرطة مناصبهم لتحقيق مصالح شخصية" في مقدمة مجمل العبارات السلبية
والإيجابية التي وافق عليها الشباب المصري، وبوزن نسبي 80.3%، حيث أجاب (102) من الشباب
بالموافقة على هذه العبارة، مقابل (20) فقط لم يوافقوا عليها.
وإجمالاً، كانت صورة رجال الشرطة في الدراما
التليفزيونية متوازنة وإيجابية بنسبة 83.5%، في حين كانت هذه الصورة سلبية بنسبة
16.5% فقط.
مصادر تكوين الصورة عن رجال
الشرطة
تعددت المصادر التي اعتمد عليها الشباب المصري لتكوين
صورة رجال الشرطة لديه، حيث جاء "التعامل المباشر مع رجال الشرطة" في
المرتبة الأولى بنسبة 60.5%، يليها "المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل
الاجتماعي" بنسبة 44%، في حين جاء "أقاربي وأصدقائي من رجال الشرطة"
في المرتبة الثالثة بنسبة 41%، ويمكن تفسير هذه النتيجة في إطار طبيعة عمل رجال
الشرطة، حيث أن جهاز الشرطة يُعَدُ مؤسسةً خدمية جماهيرية يقوم أفراد المجتمع
بالتعامل المباشر معها بصفةٍ يومية وعلى مدار الساعة، ومن ثم تُتَاحُ للشباب
إمكانية تكوين صورة عنهم عن طريق الاتصال الشخصي والاحتكاك اليومي بهم.
ومن الملاحظ أنه لم تظهر "الأفلام السينمائية"
و"الدراما التليفزيونية" في المراتب الأولى بين مصادر تكوين الصورة عن
رجال الشرطة، ولكنهما احتلا المرتبتيْن الرابعة والخامسة بنسبة 35% و 34.5% على
التوالي.
وعلى الرغم من ذلك، إلا أننا نستطيع القول إنها نسبٌ
ليست بالقليلة أيضًا، وتؤكدُ الدورَ الكبير الذي تقومُ به الدراما في تشكيل صورة
رجال الشرطة لدى الشباب، وترى الباحثة أن هذه النتيجة يجب أن يتوقف عندها القائمون
على صناعة الدراما التليفزيونية لكي يبذلوا محاولاتٍ جادة لتقديم صورٍ أكثر واقعية
عن رجال الشرطة، نظرًا لما تتمتع به الدراما من تأثير كبير في تشكيل صورة رجال
الشرطة لدى الشباب.
متابعة الدراما وتأثيرها على
التعامل مع رجال الشرطة
أوضحت الدراسة أنه فيما يتعلق بمدى تأثير الدراما
التليفزيونية على تصور الشباب للتعامل مع رجال الشرطة، تبين أنه تقاربت إجابات
المبحوثين حول مدى تأثير الدراما التليفزيونية في تصور تعامل الشباب مع رجال
الشرطة حيث أجاب 49.5% من الشباب أن الدراما التليفزيونية "أثرت إلى حدٍ
كبير" أو "أثرت إلى حدٍ ما"، بينما أجاب 50.5% من العينة محل
الدراسة أنه ليس للدراما أي تأثير على طريقة تعامل الشباب مع رجال الشرطة.
وبالنسبة لاتجاه التأثير على المبحوثين الذين أجابوا
بوجود تأثير للدراما التليفزيونية على تصور تعامل الشباب مع رجال الشرطة، أجاب
58.6% من الشباب أن للدراما التليفزيونية تأثيرٌ سلبي على طريقة تعامل الشباب مع
رجال الشرطة، في مقابل 41.4% أجابوا أن لها تأثير إيجابي عليهم في مدى تقبل الشباب
للتعامل مع رجال الشرطة.
وبالنسبة لمدى وجود معارف لدى المبحوثين من أصدقاء أو
أقارب يعملون بالشرطة، أجاب 28% من إجمالي المبحوثين بنعم، في مقابل 72% أجابوا
بأن ليس لديهم معارف في جهاز الشرطة.
سمات رجل الشرطة من وجهة نظر الشباب
بلغ عدد السمات الإيجابية التي ذكرها المبحوثون عن رجال
الشرطة (116) سمة، جاء في مقدمتها "حسن الخلق والمعاملة" بنسبة 23.2%،
يليها "الإخلاص" بنسبة 19%، ثم "الاحترام" بنسبة 11.2%، كما
جاء في المرتبة الرابعة "التضحية" بنسبة 9.5%، ثم "الشجاعة"
و"استشعار المسئولية" بنسبة 6.03% لكلٍ منهما، ثم "النزاهة"
بنسبة 5.2%، فالتعاون بنسبة 4.3%، ثم "البطولة" و"الانضباط"
بنسبة 2.6% لكلٍ منهما، تليهما سمات "الوطنية" و"تقديم الصالح
العام" و"الذكاء" و"العدل" و"الوسامة" بنسبة
1.7% لكلٍ منها.
بلغ عدد تكرارات السمات السلبية التي ذكرها المبحوثون عن
رجال الشرطة (60) سمة، جاء في مقدمتها "التعالي" بنسبة 30%، و جاء
"استغلال النفوذ" في المرتبة الثانية بنسبة 28.3%، ثم
"الفساد" بنسبة 15%، كما جاء "قلة الإنجاز" في المرتبة الرابعة بنسبة 8.3%.
تقديم صناعة الدراما للصورة
الحقيقية لرجال الشرطة
من خلال ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج، قامت الباحثة د. ريم الشريف بوضع مجموعة من المقترحات والتوصيات من أهمها دعوة صُناع الدراما المصرية إلى تقديم الصورة الحقيقية لرجال الشرطة فيما يقدمونه من أعمالٍ درامية لتكونَ نافذةً واقعية تعكس تضحياتهم في سبيلِ حمايةِ أمنِ الأوطان، ودعوة مؤسسات الإنتاج الدرامي الرسمية والخاصة إلى الاهتمام بإنتاجِ أعمالٍ تركز على إبراز النماذج الإيجابية لرجال الشرطة المصرية، لتكون مثالًا وقدوةً للمشاهدين من الشباب و النشء، والاهتمام بإجراءِ مزيدٍ من الدراساتِ العلمية التي تتناول صورة رجال الشرطة في السينما، والأعمال الدرامية التليفزيونية، وصورتهم لدى الجمهور.