الإسلام السياسي والعدالة والحكم
يجادل الكاتب "مباي لو هو"
في كتابه المُعنون: Political Islam and
Justice and Governance، بأن
الإسلام السياسي (ممثلاً بأشكاله المعتدلة والمتشددة) قد فشل في الحكم بسبب عدم
قدرته على التوفيق بين العدالة والحرية. من خلال تسليط الضوء على دراسات الحالة:
الإخوان المسلمون في مصر (في ظل حكم الرئيس محمد مرسي)، والجبهة الإسلامية القومية
في السودان، وتنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق (داعش).
العدالة
مقابل الحرية: مُعضلة الإسلام السياسي
يبرز الكاتب الصراع بين الحرية الليبرالية
والعدالة الإسلامية، فظهرت أشكال جديدة للمقاومة ضد النظام الليبرالي، متمثلة في
حركات الإسلام السياسي المتشددة، فأعلن أسامة بن لادن العدالة كمطلب أساسي والجهاد
ضد الولايات المتحدة الأمريكية، فدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في صراع مع
تنظيم طالبان في أفغانستان وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا والعراق، جاءت
أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، تبريراً أخلاقياً للحرب العالمية على الإرهاب.
فماهي
الجذور الفكرية للإيديولوجيات الإسلامية؟ وكيف يشكل هذا التصور وجهة نظر العالم من
الإسلام السياسي؟ وهل يمكن تبرير العنف سعياً لتحقيق العدالة؟ فالإسلاميون يتبنون
مشروع ومبادئ العدالة والمساواة عندما يصلون إلى السلطة، ويتجلى ذلك في الممارسات
السياسية والحكم وخطاب الإيديولوجيات السياسية.
من الحرية
الليبرالية إلى عدم المساواة الليبرالية الجديدة: تاريخ أجندة الحرية
سعى
الكاتب لعرض سجال الليبرالية الكلاسيكية والليبرالية الجديدة، فالليبرالية تركز
على الحريات المدنية ورأسمالية السوق الحر. فأصبح هناك تحول في الديمقراطيات في أفريقيا،
وهي المرحلة الأخيرة لتطور الرأسمالية، فالإسلامين مؤيدين للرأسمالية، وحسب
اعتقادهم أن الله سيعطى الدولة العادلة النصر حتى لو كافرة وسيقمع الدولة الظالمة،
العدالة تأخذ الأسبقية على أجندة الحرية الليبرالية.
الحرية في
الفكر السياسي والعدالة ووكلائها الإسلاميين
يقودنا
الكاتب إلى الإجابة على هذه التساؤلات: ماهي أهمية العدالة كقيمة في الإسلام؟ إذا
كانت قيمة الحرية في تقاليد الليبرالية الكلاسيكية فكيف يتم تجربتها في سياق
الأفكار والممارسات الإسلامية؟ وماهي ادعاءات العدالة للإسلاميين؟ وكيف تصبح معززة
للمجتمع المسلم العالمي؟ وهل مفهوم الحرية موجود عند الغرب فقط؟ ما هو الأكثر
ملائمة لسلام دائم العدالة أم الحرية؟
وعليه، فهناك مشكلات فيما يتعلق بتحقيق
التوازن بين الحرية والعدالة عند الإسلاميين ،مشكلة الحرية في الإسلام السياسي، والنظرية
العالمية للعدالة الإسلامية ، وهنا تكُمن العلاقة بين الإسلام والعولمة ، فالعدالة
حجر الزاوية للعولمة والهُوية الإسلامية من خلال قضايا الانتماء في الأمة العالمية
ليست بالضرورة ذات صلة بالسياسات المحلية ، أما الاختلاف بين الحركات الإسلامية : القاعدة
التي تتخذ شبه الجزيرة العربية مقراً لها ( الدولة الإسلامية العامة ) ، وبين حماس
تقتصر طموحاتها على إقامة خلافة إسلامية على أراضها المحددة. بينما حاول الترابي
التوفيق بين صورتين متناقضتين للإرهاب من جانب مؤسسي كعمل شرير، أما بالنسبة
للصورة الأخرى عمل سيد قطب في تصوير الإرهاب كأداة شرعية ومقياس ضروري للحركة الجهادية.
السعي إلى العدالة .. من الإسلام السياسي إلى
الإسلام المتشدد
وضح الكاتب أن الجهاد يشكل فجوة متنقلة
بين السياسي المعتدل والإسلام المتشدد، فمواقف الإسلام السياسي المعتدل غير واضحة
بشكل تدريجي عندما دخلت الديمقراطية في حقبة التسعينيات، أما الإسلام المتشدد يمثل
سلسة متصلة وإعادة ظهور قطب من جديد ، فالإسلام السياسي يمثل الجهاد طقوس إسلامية معينة
تعادل الصلاة وغيرها من الممارسات الإسلامية الإجبارية على المسلمين، أما في
المتشدد يعنى شن الحرب فقط ( الجهاد بالسيف ) ، ومصطلح الدولة الإسلامية في العصر
الحديث تم انتقادها بين الممارسة والنظرية ، فتطورت عقيدة الإسلام المتشدد ، ويتم
تداول الجهاد السلفي بسهولة من خلال الكتب القابلة للتنزيل ، المواقع السلفية ، الخطب
، أشرطة الفيديو ، فيديو اليوتيوب ، ... .
ووفقاً
لذلك، أعطى الكاتب مجموعة من الكتب لبعض المفكرين كالآتي: أبو يحي الليبي، مناظرة القاعدة:
النصر الموعود للإسلام المتشدد، أبو عبد الله المهاجر: فقه الجهاد، أبو بكر ناجى،
إدارة التوحش: إنهاء الدولة القومية عن طريق الوحشية.
الدولة
الإسلامية: صعود العدالة الإلهية
ننوه
الكاتب على المسارات العديدة للعدالة من خلال تأطير إلهية الدولة الإسلامية، الاتصال
الليبرالي الجديد للعدالة، بالتركيز على مناقشة الجذور الإيديولوجية للعدالة عند
للمتطرفين، تراث الزرقاوي وصعود الإسلاميين: من القاعدة إلى الدولة الإسلامية،
وتوضيح الفرق بين تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة من خلال إجراء الجهاد وليس في
جوهر فعل الجهاد، واختلاف لغة الدعاية بين البغدادي والظواهري.
ما وراء العدالة والحرية
عالج الكاتب بعض الأسئلة التقليدية
المتعلقة بالدين الإسلامي، باعتبار السياسة دين الإسلام، واتهامات العنف ضد
الإسلام السياسي، واختلاف العنف سواء الجسدي( العودة إلى الجهاد) ، والعنف النفسي
من خلال الخيانة أو البيع أو التكفير، ونلاحظ في العقدين الأخيرين، شهد العالم
العربي أنظمة سياسية إسلامية، بالتأكيد على تكلفة الفرصة البديلة من خلال مفهوم
الليبرالي للحرية وتهميش العدالة في الفكر الغربي، النقاش حول الحرية والتعددية في
المجتمع التعددي مع التركيز على الأخلاق، ومشكلة الإسلام السياسي ليست في محاولاته
لاستعادة النظام القديم ولكن في معادته للحرية ، والأفكار المتنافسة ، فالنظام
العالمي يعتز بالقيم الليبرالية الجديدة للحرية ، والسعي وراء السعادة ، وهناك
حاجة النظام العالمي أيضاً للعدالة .
وختاماً، يعد الكتاب من أحد الإسهامات
البارزة في توضيح إخفاقات الإسلام السياسي في الحكم نظراً لاختلاف الرؤي بين
الحرية والعدالة، فتركيز الليبرالية الجديدة على الحرية الفردية. بينما الإسلاميين
على العدالة، وكيف
أن الاختلافات في القيم الرئيسية في التقاليد
الغربية والإسلامية لها عواقب مهمة عندما يتعلق الأمر بقضايا الحكم في الأنظمة الإسلامية
المعاصرة. ولذلك الحرية ستبقى محورية في السياسة العالمية مع مركزية العدالة في الثقافة الفكرية للإسلاميين.
Mbaye Lo, Political Islam and Justice and Governance (Palgrave Macmillan, November 9, 2018).