المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

واقع ومستقبل العلاقات المصرية السعودية

الخميس 22/نوفمبر/2018 - 01:11 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
إعداد: ميادة محمد صادق - عرض: د. شريف درويش اللبان

قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في لقائه بوسائل الإعلام الأجنبية في منتدى الشباب بشرم الشيخ نوفمبر 2018 "أننا بجانب أشقائنا فى الخليج قلبًا وقالبًا، وأنه إذا تعرض أمن الخليج للخطر وتهديد مباشر من جانب أى أحد، فإن شعب مصر قبل قيادته لن يقبل بذلك وسوف تتحرك قواته لحماية أشقائه"، وأضاف الرئيس على هامش حضوره منتدى شباب العالم الثاني بمدينة شرم الشيخ مدينة السلام: "على شعوبنا العربية أن تبقى مدركة ولديها وعى حقيقى لما تمر به المنطقة وتتكاتف معها وتكون ظهيرًا لحكامها وسندًا لهم، وأن كان لى أن أوعى بحكم تجربتنا، أقول دلوقتى هو الوقت اللى احنا محتاجين فيه نكون مع بعض أكتر وسند حقيقى لأمن واستقرار بلادنا"

وأكد السيسي خلال حديثه بالمؤتمر الصحفي أن المملكة العربية السعودية أكبر بكثير من أن يهز أحد استقرارها، وأضاف أن المملكة العربية السعودية دولة كبيرة جدًا، "إحنا مع الممكلة في استقرارها وأمنها بشكل كبير، وهناك حكمة في الإدارة من جلالة الملك سلمان".

وأضاف قائلاً :"نريد المزيد من الاستقرار والقوة وإذا تعرض أمن الخليج للخطر يقبل الشعب المصري تحريك قواته لمؤازرة أشقائه لحماية أراضينا وأمننا القومي، ومن المهم أن تدرك الشعوب العربية المخاطر التي تمر بنا لتتكاتف معنا في هذه المرحلة أكثر من أي وقت آخر وتكون ظهير وسند لحكامها".

ومصداقًا لتصريحات الرئيس السيسي يطيب لنا عرض موجز للعلاقات القوية بين مصر والسعودية على مر التاريخ من خلال دراسة للباحثة ميادة محمد صادق باحثة الدكتوراه بكلية الإعلام جامعة القاهرة، والتي قدمت في رسالتها للدكتوراه موجزًا تاريخيًا للعلاقات المصرية السعودية علاوة على موقف المملكة من القضايا المصرية الراهنة، راصدةً العلاقات المميزة بين مصر والسعودية عقب ثورة 30 يونيو 2013، والعلاقات الأخوية التي تربط بين الرئيس السيسي والعاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده الأمين، والتي تؤكد وجود كيمياء خاصة في العلاقات المصرية السعودية في الأونة الأخيرة.

تعتبر العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية علاقات متميزة، فكل الدول تسعى من وراء سياستها الخارجية إلى تحقيق مصحلتها الوطنية كما تراها قياداتها السياسية، ووفقاً لقوانينها الداخلية، غير أن العلاقة بين مصر والمملكة وإن كانت كبقية العلاقات بين الدول "علاقات مصالح" فى المقام الأول، إلا أنها فى ذات الوقت علاقات تقوم على "المبادئ" قبل أن تقوم على "المصالح".

البدايات التاريخية للعلاقات المصرية السعودية

 برز اسم المملكة العربية السعودية لأول مرة في 21 سبتمبر عام 1932بموجب مرسوم ملكي أصدره الملك عبد العزيز آل سعود، حيث استطاع الملك عبد العزيز الملك المؤسس للمملكة السعودية تحقيق الاستقلال عن السلطة العثمانية عام 1915 بموجب معاهدة الحماية البريطانية.

واهتم سلطان نجد مؤسس المملكة العربية السعودية رغم شواغله بتوحيد أركان المملكة ببدء علاقات طيبة مع ملك مصر فؤاد الأول، حيث هنأه بأول برلمان مصري عام 1924، وبالمقابل بادر الملك فؤاد عام 1925 بإيفاد الشيخ مصطفى المراغي يرافقه ممثل عن السراي الملكي في بعثة صداقة ومحبة.

واعتلى الملك فاروق الأول عرش مصر عام 1936 بعد وفاة والده، وهو العام نفسه الذي اعترف فيه بالمملكة العربية السعودية دولةً حرة ذات سيادة ومستقلة استقلالًا تامًا مطلقًا، وذلك من خلال معاهدة الصداقة وحسن الجوار التي أُبرمت بين الطرفيْن، حيث تعهد أطراف المعاهدة بالمحافظة على حسن العلاقات بينهما والعمل بكل ما لديهما من وسائل على منع استعمال بلاده قاعدة للأعمال غير المشروعة الموجهة ضد السلم والسكينة في بلاد الفريق الآخر، وتم رفع درجة العلاقات الدبلوماسية إلى مفوضية بعد أن كانت وكالة. 

وبادر الملك فاروق بزيارة المملكة العربية السعودية فى 25 يناير 1945، حيث كان الباعث على هذه الزيارة شعور الملك عبد العزيز بالحاجة الملحة إلى إقامة سياسة بين الدولتين تقوم على الود والصفاء والمحبة، ومن منطلق التضامن العربى دعا الملك فاروق الملك عبد العزيز لزيارة مصر فى 6 يناير 1946 واستغرقت الزيارة إثنى عشر يومًا.

 ثم عُقد فى القاهرة أول مؤتمر قمة عربى حضره كل من الملك فاروق والملك عبد الله والرئيس السوري شكرى القواتلى فى الفترة 28-29 مايو 1946 للتوقيع على أول وثيقة عربية وتخرج إلى الوجود جامعة الدول العربية، وكانت تعليمات الملك عبد العزيز لممثليه فى الجامعة العربية تأييد مصر فى جميع ما تقترحه، وتوطدت العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر من خلال إيفاد البعثات إلى مصر واستقدام مستشارين للمملكة لتنظيم الشئون المالية والإدارية، هذا إلى جانب اشتراك الجيش السعودي فى حرب فلسطين سنة 1948 تحت إشراف القيادة المصرية.

العلاقات بين الدولتيْن بعد ثورة يوليو

كان اللواء محمد نجيب وجهاً مألوفاً لدى الأسرة السعودية خاصة الأمراء الذين تولوا شئون وزارة الدفاع منذ حرب 1948، وكذلك شاهدوه عندما أدى فريضة الحج عام 1950. وشهد عام 1952 رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين المملكة العربية السعودية ومصر إلى سفارة مقرها القاهرة، ثم استقبل الملك عبد العزيز الرئيس محمد نجيب في أغسطس 1953 في أولى زيارات الضباط الأحرار الخارجية حينها طمأن نجيب خلال هذه الزيارة الملك عبد العزيز قائلاً: "قمنا بثورة الجيش لنزيل الفساد وليس من أهدافنا تصدير الثورة إليكم أو إلى أي بلد عربي"، وعقب دخول نجيب في خلافات مع أعضاء مجلس قيادة الثورة التي تصاعدت إلى حد الانفجار في شهر مارس 1954، حضر الملك سعود الذي توج ملكاً في نوفمبر 1953 عقب وفاة والده في محاولة للتدخل من أجل حل الأزمة والمصالحة بين نجيب وزملائه من الضباط، إلا أنه قد صدر قرار مجلس قيادة الثورة بإعفاء اللواء نجيب من منصبه 14 نوفمبر 1954.

وفي عهد الرئيس جمال عبد الناصر غلب على العلاقات المصرية السعودية خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر طابع التوتر، إلا أنها لم تخلُ من نقاط توافق خاصة مع بداية حكمه. وبدأ العهد الناصري بإزالة المخاوف التي انتابت السلطات السعودية بعد تفجر ثورة يوليو 1952، حيث اعتبرتها مصدر خطر مباشر يهدد الأسرة المالكة بما أعلنته من مواقف محددة المعالم لصالح أبناء الشعب المصري، الأمر الذي دفع المسئولين السعوديين إلى الحد من إرسال الطلبة للدراسة بالمعاهد المصرية، واستدعاء الطلاب السعوديين الذين كانوا يتلقون دراستهم بالمعاهد العسكرية المصرية تفاديًا من انتقال عدوى المبادئ التي أعلنتها ثورة مصر ضد كل نظم التحكم والقهر الذي مارسته الملكية ضد الشعب المصري، وهو ما لم يحدث من النظام الملكي السعودي تجاه رعاياه.

والتقى عبد الناصر الملك سعود قبل توليه الحكم أثناء تأدية فريضة الحج في أغسطس 1954، وعرض عليه فكرة "المؤتمر الإسلامي" الذي ورد في كتاب فلسفة الثورة والذي كان يرى أن يكون الحج قوة سياسية ضخمة بوصفه مؤتمرًا سياسيًا دوليًا يجتمع فيه كل قادة الدول الاسلامية ورجال الرأي فيها وكتابها وعلمائها وشبابها، ومن أجل تنفيذ الفكرة اجتمع عبد الناصر مع الملك سعود أربع مرات واجتمع كذلك مع كبار المسئولين بالمملكة السعودية، وتم الاتفاق على تأسيس "المجلس الأعلى للمؤتمر الإسلامي" من الملك سعود رئيسًا والسيد غلام محمد رئيس دولة باكستان والرئيس جمال عبد الناصر على أن يكون القائم مقام أنور السادات سكرتيرًا ويكون مقر السكرتارية بمصر، فضلاً عن ذلك شهد عام 1955 توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين حيث قامت مصر بعقد عدة اتفاقيات دفاعية مع بعض الدول العربية لمواجهة حلف بغداد الذي أسسته بريطانيا لتعويض خسارتها التي نجمت عن جلاء قواتها من مصر عام 1954، ومن مظاهر قوة العلاقات المصرية السعودية خلال عهد عبد الناصر أيضاً إعلان المملكة التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وقدمت 100 مليون دولار لمصر بعد سحب العرض الأمريكي  لبناء السد العالي، وبادر بعض الأمراء من بينهم الأمير فهد بن عبد العزيز وشقيقه الأمير سلمان بن عبد العزيز (عاهل السعودية حاليًا) إلى الانضمام إلى المتطوعين للمشاركة في القتال ضد العدوان البريطاني الفرنسي الاسرائيلي على مصر. وهكذا شهد عامي 1955 و1956 ذروة العلاقات المصرية السعودية بيد أن هذا الوفاق لم يدم طويلاً بسبب اندلاع الثورة في اليمن عام 1962.

العلاقات في عهد الرئيسيْن السادات ومبارك

بدأت فترة الرئيس الراحل أنور السادات بعلاقة قوية مع المملكة العربية السعودية، ثم اتجهت إلى التوتر والقطيعة بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وتُعد أبرز ملامح قوة العلاقات الدعم الذي قدمته السعودية لمصر خلال حرب أكتوبر1973، حيث ساهمت بكثير من النفقات المالية أثناء الحرب وتزعمت معركة البترول ضد الدول المساندة للجانب الإسرائيلى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها لخدمة مصر فى الحرب والضغط على الدول المساندة لإسرائيل بهذا السلاح، فأصدر الملك فيصل قرارً بقطع إمدادات البترول عن الولايات المتحدة التي كانت تساند إسرائيل، ومن المواقف التي تعبر عن قوة العلاقات أيضاً فى عهد السادات التدخل الهادئ للدبلوماسية السعودية فى حل الخلاف الذى نشب بين السادات والرئيس السوري حافظ الأسد، حيث تمكنت السعودية من تطويق هذا الخلاف وعقدت مؤتمرًا بالرياض، أثنى السادات على جهود الملك خالد والأمير فهد فى إنجاح هذا الاجتماع قائلًا: "إننا نعتبر السعودية بيتَ العرب، نزوره كلما اختلفنا ليعود الصفاء والوئام إلى الإخوة".

وشهدت العلاقات المصرية السعودية فى عهد الرئيس حسنى مبارك تقاربًا شديدًا بعد عودة  العلاقات عام 1987 فى عهد الملك فهد بن عبد العزيز؛ فشهدت العلاقات الاقتصادية والتجارية تفاعلًا ونموًا مستمرًا تضاعف عدة مرات منذ الثمانينيات، فاحتلت الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى بين الدول العربية المستثمرة في مصر والمرتبة الثانية على مستوى الاستثمارات العالمية، وأكدت اللقاءات الثنائية التي جمعت الرئيس مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز فتح آفاقٍ جديدة للتعاون التجاري والعمل على تذليل العقبات أمام رجال الأعمال في البلدين لمواصلة استثماراتهم بما يحقق المصالح والأهداف المشتركة لكلا البلدين، حيث شملت الاستثمارات السعودية جانباً حكومياً يتضمن شركات بترول وتعمير فضلاً عن الخطوط الجوية، وجانبًا يتعلق بالقطاع الخاص السعودي في مصر تضمن مجالات البنوك والتأمين والسياحة والفنادق بالإضافة إلى القطاعين الصناعي والزراعي بمصر، كما تعتبر المملكة أكبر مقصد لصادرات مصر إلى الدول العربية وأكبر مصدر للواردات على حد سواء.

وزاد التقارب المصري السعودي في التسعينيات عقب المشاركة العسكرية بين الجانبين في حرب تحرير الكويت (1990-1991)، وشهدت العلاقات زيارات عسكرية متبادلة بين القادة والمسئولين العسكريين في كلا البلدين لبعضهما البعض وبشكل دوري لتبادل الأراء والخبرات والمعلومات العسكرية والأمنية والاستخباراتية التي تهم البلدين، وأقيم عدد من المناورات التدريبية لجيشي البلدين مثل مناورات "تبوك" للقوات البرية ومناورات "فيصل" للقوات الجوية ومناورات "مرجان" للقوات البحرية بين البلدين، كما كان هناك مساحات كبيرة من التوافق بين المملكة ومصر في عهد الرئيس مبارك وصلت لحد التطابق فى التعامل مع عدد من القضايا العربية فاتفقت توجهات البلدين بخصوص قضية الصراع العربى الإسرائيلى، وقضية الإرهاب الدولى، وقضية احتلال العراق عام 2003، والأزمة اللبنانية عام 2006، والملف النووى الإيرانى.

من هنا يتضح التقارب الشديد فى السياسة الخارجية للبلدين، خاصة فيما يتعلق بدعم جامعة الدول العربية، ومحاربة الإرهاب، والحل السلمى للمنازعات، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية.

العلاقات المصرية السعودية عقب ثورة 25 يناير

اتسمت العلاقات بين مصر والمملكة العربية السعودية خلال أيام ثورة 25 يناير 2011 والمرحلة الانتقالية التي تلتها، وتولى فيها إدارة شئون البلاد المجلس العسكرى (المجلس الأعلى للقوات المسلحة) لمدة ثمانية عشر شهرًا، اتسمت العلاقات فى هذه الفترة بمزيج من التحفظ والتوتر، حيث بدا الموقف السعودي مع أول أيام الثورة المصرية متحفظًا ثم تأرجح بين تأييد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك تارة وتأييد الثوار تارة أخرى. وفى كل الأحوال أبدت السياسة الخارجية السعودية استعدادها للتعاون مع المجلس العسكرى الحاكم، إلا أن العلاقة لم تكن على اتفاق دائم حيث شابها بعضًا من التوتر.

من أبرز المواقف التي تشير إلى تأييد المملكة العربية السعودية للرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك أن أغلب الدول العربية التزمت الصمت - على الأقل فى الأيام الأولى للثورة – وأشار بعضهم إلى أنهم يراقبون الوضع عن كثب، وكذلك المملكة أبدت موقفاً متحفظاً من الثورة مؤكدة عدم تدخلها فى الشأن المصري الداخلي، واستغرب صاحب السمو الملكى الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية من كون الاحتجاجات التي تشهدها بلدان عربية "وليدة حراك مستورد" مؤكداً أن المملكة "تميز بين ما هو مستورد وما هو حقيقى" وأن "ما يعبر عن وضع داخلي هو شأن كل بلد ونحن لا نتدخل فيه بأى شكل من الأشكال"، كما عبر وزير الخارجية عن "أمل المملكة فى أن يترك المصريين لحل مشاكلهم بأنفسهم لأنهم قادرون على ذلك، مؤكداً رفض المملكة تدخلات بعض الدول الأجنبية فى الأحداث الجارية على الساحة المصرية، موضحاً أن هذه التدخلات تمارس المزايدات على الشعب المصرى وتتدخل بشكل سافر فى شئونه، على نحو يتنافى مع أبسط القواعد الدبلوماسية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة الذى ينص على احترام سيادة واستقلال الدول، وبعد أن برز أن المخاطر على نظام مبارك جدية، تدخل الملك عبد الله بن عبد العزيز معلناً انحيازه لموقف الرئيس مبارك ومتحدثاً عن "بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة".

 ومن أبرز محطات الموقف السعودي أن الملك عبد الله نبه الرئيس الأمريكى إلى أن المملكة على استعداد لتقديم مساعدات مالية للجانب المصري تحل محل المعونة الأمريكية السنوية للقاهرة حال استمرار الضغوط الأمريكية على الرئيس مبارك للتنحي، كما ذكرت صحيفة التايمز البريطانية بتاريخ 10 فبراير2011 أى قبل تنحى مبارك بيوم واحد أن العاهل السعودي قام باتصال تليفوني مع أوباما بتاريخ 29 يناير2011 أخبره فيه بأنه سيدعم نظام مبارك حتى لو تخلت أمريكا عنه، وأنه على استعداد أن يدفع لنظام مبارك قيمة المعونة التي تهدده بها أمريكا للتنحي عن الحكم، وقد صرح أحد الدبلوماسيين السعوديين للصحيفة البريطانية أن "الملك عبد الله لن يسمح بإذلال مبارك لأنهم ليسوا مجرد حلفاء بل أنهم أصدقاء ولابد من السماح لمبارك بالبقاء فى الحكم وعدم خروجه بهذا الشكل المهين.

 كان هذا الموقف المتحفظ الذي اتخذته السعودية بصدد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك نابعًا من قيم عربية تتمثل في المحافظة على هيبة الرئيس وإجارته، خاصة أن الرئيس التونسى على زين العابدين كان قد غادر تونس إلى جدة بعد الثورة مباشرة، ووفرت له السعودية ملاذاً آمناً مقابل ألا يعمل بالسياسة، وقد اقترحت السعودية فى ذلك الحين إمكانية تطبيق الحل نفسه، إلا أن الرئيس السابق مبارك رفض الفكرة، وأبدت المملكة العربية السعودية رغبة فى عدم محاكمة الرئيس حسنى مبارك بعد الثورة ممارسة ضغوطاً على مصر منها التهديد بإعادة العمالة، ووقف الاستثمارات السعودية، وصاحب ذلك بعض الأحداث فى التظاهر حول السفارة السعودية بالقاهرة، وتلفيات وأضرار على يد بعض المندسين والمشاغبين فى ظل الانفلات الأمني الذى صاحب اقتحام السفارة الاسرائيلية المجاورة.

 هكذا عبرت أغلب الدول العربية عن مواقف لا تميل للثوار، وإنما تؤكد على قدرة المجلس العسكرى على التعامل مع المرحلة وإدارة شئون مصر بعد تخلي الرئيس حسنى مبارك عن منصبه.

وعلى الجانب الآخر ظهرت عدة مواقف تشير إلى تأييد المملكة العربية السعودية لثورة 25 يناير وحكم المجلس العسكرى، ففى اليوم الثانى للثورة، وجه مدير الاستخبارات السعودية الأسبق تركي الفيصل هجومًا على نظام مبارك، حين قال إن مستقبل الرئيس المصرى يتوقف على قدرة زعماء مصر على فهم الأسباب وراء الاحتجاجات غير المسبوقة، وأننا "سنرى ما إذا كانوا كقادة سيحققون مطامح الشعب"، ورحبت السعودية بعد سقوط النظام بالانتقال السلمى للسلطة فى مصر، وأبلغت الجانب المصرى رغبتها فى تقديم دعم مالى لحكومة تيسير الأعمال لمواجهة التداعيات السلبية التي يعانيها الاقتصاد المصرى، وحددت موقفها بتقديم هذه المساعدات دون ارتباط موقفها برموز النظام.

 وتحرك أحمد عبد العزيز قطان سفير السعودية بالقاهرة بدبلوماسية ناجحة لمقابلة كبار المسئولين فى مصر وعلى رأسهم المشير طنطاوى ورئيس الوزراء، مؤكداً أن "استقرار مصر يهم السعودية بالدرجة الأولى"، وأن السعودية بقيادة الملك عبد الله لن تتخلى عن مصر فى أزمتها الراهنة، وأن علاقتهم بمبارك انتهت منذ تنحيه عن الحكم، كما أن بلاده سوف تتعامل مع الرئيس الجديد الذى يختاره الشعب، ونفى دعمهم للسلفيين الذين رفع بعضهم أعلام السعودية وسط المظاهرات، واعدًا بدعم التبادل التجاري والاستثمارات بين البلدين.

 وبعد تنحى مبارك عن الحكم فى فبراير2011 وتولى الحكم فى البلاد المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير طنطاوي، كانت وجهته الأولى خارجيًا هى السعودية، حيث أدى واجب العزاء فى وفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز ولى العهد السعودي الأسبق فى 13 أكتوبر2011.

 وعلى المستوى الاقتصادى، زاد حجم التبادل التجارى بين السعودية ومصر خلال عام 2012 بنسبة 50%، مقارنة بالفترة نفسها فى عام 2011، لتسجل 1021 مليار دولار مقابل 800 مليون دولار فى الفترة نفسها من عام 2011، إضافة إلى إجمالي عدد المشاريع السعودية التي تعمل في مصر حيث بلغت نحو 2315 مشروعاً وذلك وفق تقرير صادر عن هيئة الرقابة المصرية على الصادرات والواردات التابعة لوزارة الصناعة والتجارة الخارجية المصرية.

العلاقات المصرية السعودية في فترة حكم الإخوان

وعلى صعيد علاقات مصر الخارجية في عهد مرسي اتسمت أغلبها بالتخبط وعدم وجود مفاهيم واضحة بشأن السيادة والدولة الوطنية وبنظرتها بعيدة المدى للخلافة الإسلامية التي تجب كيانات الدول القائمة، وعلى مستوى علاقة مصر بالمملكة العربية السعودية فاتسمت خلال عام حكم الإخوان بالفتور، حيث حاول محمد مرسي التقارب مع الدولة السعودية وكانت أول دولة يقصدها بعد نحو أسبوعين من توليه الحكم إلا أن عوامل مختلفة لم تسهم في تحقيق التقارب مع المملكة لعل أبرزها اتجاه السياسة الخارجية للإخوان للانفتاح على إيران رغم تعقيدات العلاقات السعودية الإيرانية على خلفية ملفات شتى، وصرح مرسي أثناء زيارته للمملكة في يوليو 2012 بأن السعودية هي "راعية مشروع الإسلام الوسطي السني" وأن مصر هي "الحامية لهذا المشروع"، وعلى غرار نظام مبارك أكد مرسي وبعض مسئولي إدارته أن "أمن الخليج خط أحمر" وأنه "جزء من الأمن القومي المصري"، إلا أن ذلك لم يترجم عملياً على الأرض واتسمت رسائل الإخوان بالتعارض وعدم الاتساق تجاه دول الخليج عامة التي كانت تتعامل مع الإخوان في حالة من "الترقب".

ويبدو أن الإخوان كانوا يرغبوا في إقامة علاقات قوية مع المملكة على خلفية احتضان السعودية لهم في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث فتحت السعودية الباب على مصرعيه لأعضاء جماعة الإخوان خاصة في عهد الملك فيصل الذي كان يبرز مشروع "الوحدة الإسلامية" في مواجهة "القومية العربية" والفكر الناصري، بيد أن بعض التجاوزات التى قام بها الإخوان فى فترة التسعينيات نتيجة اشتغالهم بالسياسة أدى إلى بعض الأزمات فى علاقتهم بالنظم الخليجية.

العلاقات المصرية السعودية عقب ثورة 30 يونيو

اتجه الموقف السعودى إلى دعم وتأييد ثورة 30 يونيو وكافة الإجراءات التي تلتها من بيان 3 يوليو وخارطة الطريق، ولم ينصب الدعم السعودي لمصر على الجانب السياسي والمالي فقد بل امتد إلى المجتمع الدولي، حيث قام الملك عبد الله بن عبد العزيز العاهل السعودي بتفويض وزير خارجيته سعود الفيصل بعمل جولة أوربية لشرح حقيقة الأوضاع على الأراضى المصرية سواء ما يتعلق منها بحقيقة ثورة 30 يونيو أو ما يتعلق بفض اعتصاميْ رابعة العدوية والنهضة.

وتعد هذه الفترة من أكثر الفترات المميزة فى العلاقات المصرية السعودية حيث شهدت توافقاً ودعماً كبيراً ولم يتخللها مواقف تشير لتوتر العلاقات على عكس ما حدث فى المرحلة الانتقالية الأولى؛ فبخلاف الاتجاه المتحفظ الذى أبدته المملكة العربية السعودية تجاه الثورة المصرية فى 25 يناير 2011، كان الاتجاه من ثورة 30 يونيو 2013 واضحًا مؤيدًا بقوة للثورة وما تلاها من خطوات إجرائية منها ما يتعلق بخارطة الطريق وإجراءات فض اعتصامى رابعة والنهضة، مرورًا بدعم الاستفتاء على الدستور، ووصولًا للانتخابات الرئاسية وتهنئة السيسى بانتخابه رئيسًا لجمهورية مصر العربية.

 ومن أبرز ملامح التأييد السعودى لثورة 30 يونيو على المستوى السياسي خطاب الملك عبد الله بن عبد العزيز الذى أعلن فيه دعمه الكامل لمصر فى مكافحة الإرهاب قائلًا: "ليعلم العالم أجمع بأن المملكة العربية السعودية - شعبًا وحكومة - وقفت وتقف اليوم مع أشقائها فى مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشئون مصر الداخلية" ، وأيدت المملكة الخطوات التي اتبعتها السلطات المصرية فى فض اعتصاميْ رابعة العدوية والنهضة فى 14 أغسطس 2013، ودافعت عنها فى المحافل الدولية، حيث أكد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي أثناء زيارته لباريس أن "الحكومة المصرية بذلت محاولات مضنية لفض الاعتصام بالطرق السلمية وعبر المفاوضات، إلا أنه قوبلت هذه الجهود بالتعنت والرفض بل ومواجهتها بالعنف عبر استخدام السلاح والمولوتوف ضد رجال الشرطة والمدنيين على حد سواء، وبالرغم من كبر حجم الاعتصامات فى كل من ميداني رابعة العدوية والنهضة إلا أنه لابد من الإشادة بما قامت به الحكومة المصرية وقدرتها على فضها فى فترة زمنية قياسية قصيرة وبأقل عدد من الأضرار وأقول ذلك ليس من باب الفرضيات وإنما من واقع أحداث مسجلة بالصوت والصورة".

 يعد التأييد الذى أبدته المملكة العربية السعودية لمصر على المستوى الدولي ليس فقط فى شرح إجراءات فض الاعتصامين، ولكن فى توضيح مجمل الصورة على الأراضى المصرية وأن ما تم ثورة شعبية وليس انقلابًا عسكريًا، فأشار وزير الخارجية السعودى إلى أن "انتفاضة ثلاثين مليون مصرى لا يمكن بأى حال من الأحوال أن توصف بالانقلاب العسكري إذ أن الانقلابات العسكرية تجرى تحت جنح الظلام كما أن من تولى سدة الحكم فى مصر رئاسة مدنية وبما يتوافق مع الدستور المصرى"، امتد الدعم السعودي للجانب المصرى إلى التهنئة والمباركة على نجاح الخطوة المتعلقة بالاستفتاء على الدستور، ووصولاً للمرحلة النهائية والمتمثلة فى الانتخابات الرئاسية، حيث كانت السعودية من أول المهنئين بفوز المشير عبد الفتاح السيسى، واتسمت العلاقات بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السيسى بقوة شديدة إلى أن توفاه الله، وجاء بعد ذلك الملك سلمان والذى صاحب قدومه كثير من الشائعات حول إمكانية تغير الموقف السعودي نحو مصر ودعمها السياسي والاقتصادي، إلا أنه وبعد مرور الوقت أعرب سلمان عن اعتزازه بوجود علاقات قوية مع الجانب المصرى.

ومن المواقف الدالة على دعم المملكة العربية السعودية لثورة 30 يونيو على المستوى الاقتصادى، إعلان السعودية فى 9 يوليو 2013 عن تقديم مساعدات بقيمة خمسة مليارات دولار، ملياران فى صورة غاز ومنتجات نفطية، وملياران فى صورة وديعة، ومليار نقدًا، كما كشف تقرير صادر عن الهيئة العامة للاستثمار أن حجم الاستثمارات السعودية فى مصر بعد ثورة 30 يونيو قد بلغ مليار جنيه، وأن عدد الشركات السعودية التي أسست فى المرحلة الانتقالية الثانية بلغت 16 شركة، ووصل حجم الاستثمارات السعودية لـ 28 مليار دولار بقطاعات مختلفة فى عام 2013، ووفقاً لاحصائيات البنك المركزي المصري فإن حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية فى 2013 بلغ نحو 302 مليار دولار، حيث تمثل حجم الصادرات السعودية لمصر سلعاً قيمة 2.3 مليار دولار بينما بلغ حجم الصادرات المصرية للسعودية حوالى 900 مليون دولار، وصرح وزير الاستثمار المصرى أن "المملكة على رأس قائمة المستثمرين فى القاهرة".

 كانت المبالغ المالية التي قدمتها المملكة لدعم ثورة 30 يونيو جزءًا من دعم مالي خليجي شاركت فيه الإمارات بملياران فى صورة وديعة ومليارًا لدعم الموازنة وشحنة سولار تبلغ 30 ألف طن لمصر، وأعلنت الكويت عن تقديم وديعة بقيمة 2 مليار دولار فى البنك المركزي ومليار دولار كمنحة، من هنا أعلن الأمير فيصل "استعداد بلاده والدول العربية تعويض المساعدات التي تهدد الدول الغربية بقطعها عن مصر ردًا على عزل مرسى"، بالإضافة إلى ذلك قامت المملكة "بتدشين جسر جوى لبناء ثلاثة مستشفيات ميدانية فى مصر" وذلك فى إطار دعم المملكة لثورة 30 يونيو.

تجدر الإشارة إلى أن جريدة "عكاظ" السعودية تبنت اتجاه السياسة الخارجية للمملكة نحو مصر، حيث أكدت صراحة "هذا هو موقفنا وهذه هى توجهاتنا فى الشأن المصري.. دعم كامل لمصر وشعبها فى كل الاتجاهات السياسية والاقتصادية والمعنوية، ورفض تام لما يحدث من الجماعات الإرهابية، ذلك لأننا فى المملكة ندرك ماهية ما تحاوله قوى الظلام بهدف زعزعة استقرار مصر وإخراجها من المسار العربى، وإدخالها عنوة إلى أتون الصراع الذى لا يبقى ولا يذر لحرمان الأمة من مواقفها المشرفة المشهودة تجاه القضايا العربية المصيرية.. نعم، نقف مع مصر الدولة، ونقف مع مصر الشعب، هذا اتجاهنا وهذا هو موقفنا الذى لا نحيد عنه، نواجه معها قوى الظلام، وننتصر لها فى المجتمع الدولي، ونؤزارها بكل الطرق الشريفة المشرفة ونجمع لها الدعم الدولي من كل حرب وصوب، لتعود مصر كما نعرفها.. فتية قوية أبية".

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟