دلالات وتداعيات استقالة ليبرمان على مستقبل حكومة نتنياهو
عقب الإعلان عن قبول
اتفاق التهدئة برعاية مصرية لإنهاء التصعيد الإسرائيلى مع الفصائل الفلسطينية مع
غزة، وبعد أسابيع من خلافات وزير الدفاع الإسرائيلى ورئيس حزب إسرائيل بيتنا
"أفيجدور ليبرمان" مع رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" حول
آلية "المسار الصحيح" للتعامل مع قطاع غزة، أعلن ليبرمان فى مؤتمر صحفى
عن إستقالته من الحكومة، مشككا فى الكثير من السياسات الداخلية الإسرائيلية،
وكمحاولة لكى ينأى بنفسة وحزبة عن المغالطات السياسية التى صاحبت فترة حكم نتنياهو
على حد تعبيرة، ترك للمشهد الداخلى والإقليمى عدد من التساؤلات حول الدوافع
الحقيقية لتلك الإستقالة وخيارات الحكومة لتجاوز ذلك المشهد، فضلا عن التحركات الداعمة
لمستقبل الإئتلاف ولتجاوز ذلك
التصدع الداخلى والتفكك المُحتمل.
دوافع
ليبرمان
على الرغم من أن إستقالة ليبرمان قد شكلت صدمة فى
المجتمع الإسرائيلى، إلا أن الشواهد المحيطة بسير العملية السياسية بالداخل كانت
لتُنذر بحتمية الإستقالة لعدد من الأسباب، لعل فى مقدمتها:
-
تبرئة
ساحة "أفيجدور ليبرمان" أمام الشعب الإسرائيل وإعادة الثقل لميزان الثقة
فى توجهاته السياسية، ولموازنة جُملة القرارت السياسية التى تمت منذ تولية منصب
وزير الدفاع والتى أخرها قرار التهدئة فى غزة، وما سبقها من وقف التصعيدات المتتالية
التي تصدر عن المجلس الوزاري الأمني المصغر وما تعلق بقرار تأجيل هدم قرية "خان
الأحمر" في أكتوبر 2018 في شرق مدينة القدس المحتلة عقب الاحتجاجات الفلسطينية
وتصدي أهالي القرية للجرافات الإسرائيلية.
-
فك
الإرتباط مع حكومة نتنياهو، حيث أعلن
"ليبرمان" من قبل أن حكومة الإئتلاف تتفاقم أخطاءها على المستوى السياسي
والأمنى، وهو ما ظهر فى التوتر والخلاف القائم بين كلا من نتنياهو وليبرمان،
والمتمثل فى رغبة الأخير فى قيادة معركة عسكرية ممتدة يثبت خلالها جدارته العسكرية
وقيادته للجيش الإسرائيلي، في مقابل حرص "الأول" على تحقيق مكاسب سياسية،
والتركيز على الضربات المركزة للأهداف، مع تجنب التورط في عملية عسكرية موسعة تتضمن
خسائر ضخمة وتكلفة اقتصادية كبيرة دون أن تحقق نتائجها الميدانية، مثل الحرب الإسرائيلية
على لبنان عام 2006.
- إستعادة الشعبية لحزب "إسرائيل بيتنا"،
فمن ضمن دوافع إستقالة ليبرمان هو الرغبة فى إستعادة ثقة اليهود الروس ومؤيدين حزب
"إسرائيل بيتنا"، حيث جاءت الإستقالة كمحاولة لـ"النأي بالنفس"
عن قرار قبول التهدئة، ولمعرفه ليبرمان بأن معايير الانتصار في الثقافة السياسية الراسخة
لدى القاعدة الانتخابية لحزبه لا تتضمن المواءمات السياسية أو قبول حلول الوسط، وإنما
القضاء التام على الخصم على غرار تعامل الجيش الأحمر السوفيتي مع النازيين الألمان
خلال الحرب العالمية الثانية.
سياسات
ممتدة
ثمة ملاحظة نوعية تتعلق بـ "القناعات السياسية"
لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والمتعلقة بموقف إسرائيل من عملية السلام بشكل عام
والوضع السياسى والامنى لقطاع غزة بشكل خاص، حيث تشكلت تلك السياسات وفقا لأطرر
سياسية جاء تحت مسمى "إستراتيجية نتنياهو فى التعامل مع الوضع
الفلسطينى"، تلك التى عبر عن جذورها فى كتابة "مكان ما بين الأمم"،
وأعاد إنتاجها وفقا للممارسات المختلفة والتى أخرها التصعيد الحالى بقطاع غزة، حيث
يمكن إجمالها وفقا لخمس مبادئ رئيسية تتمثل فى:
1. التمسك بمنع إقامة دولة فلسطينية، مع إغفال ما
قد صرح به من قبل تسع سنوات لموائمة الأوضاع مع رئيس الولايات المتحدة في ذلك
الوقت باراك أوباما.
2. أنه على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أن
يتعايشوا في "جيوب شبه مستقلة" في غزة وأجزاء من الضفة الغربية، بينما
سيتولى الإسرائيليون الأمن ومراقبة الحدود؛ للتظاهر بأنه لا يزال يؤمن بحل
الدولتين، ووصف هذه الجيوب بأنها "دولة منقوصة السيادة".
3. أن تقع مسؤولية تحسين الاقتصاد الفلسطيني
على الدول العربية التي استغلت على مدى عقود محنتهم لممارسة الضغط على إسرائيل. ومن
ثم، فإن الأموال القطرية إلى غزة تتناغم تمامًا مع ما يؤمن به نتنياهو.
4. التأكيد على عدم الربط بين التطبيع مع الدول
العربية وبين حل القضية الفلسطينية، كما إن العلاقات المتنامية بين حكومة نتنياهو
ودول الخليج العربي هي دليل على أن هذا الأمر ناجع.
5. إستنزاف الوقت مع الفلسطينين حد الإقرار
بالأمر الواقع وقبول واقعية الدولة الإسرائيلية. فقد جادل نتنياهو أنه بنفس
الطريقة التي استغرق بها الأمر عقودًا قبل
أن تقبل مصر والأردن وجود دولة يهودية وفقا لمواثيق سلام دولية، فإن العملية نفسها
ستحدث وفي نهاية الأمر سيتعين على الفلسطينيين قبول الدولة الإسرائيلية.
إتساقا مع ذلك، يأتى قرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بقبولة الهدنة مع
قطاع غزة، وهو القرار الذى صُنف بمثابة "التصدع المرن" فى هيكل حكومة
الإئتلاف، فبالرغم من إستقالة ليبرمان من منصب وزير الدفاع وإحداث خلل فى السياسات
الداخلية تُنذر بتهديد الهيكل الحكومى، إلا أنه بالمقابل هناك مكاسب آخرى
"للهدنة مع غزة" تتتجاوز الإنعكاسات السلبية لإستقالة ليبرمان والتى
يمكن بيانها من خلال :
- أمنيًا: الهدنة التى تم إقرارها لا تزال لا تخرج عن من منظور نتنياهو فى التعامل
مع القضية الفلسطينية وقطاع غزة، والقائم على إستراتيجية "سلام الردع"
والقائم على إستهلاك الخصم حد القمع. حيث بيتم إقرار مساحة من الوقت لإعادة إنتاج
التحولات النوعية للعمليات العسكرية الإسرائيلية إستنادا لتحركات المقاومة فى غزة
واخرها التطور النوعى فى موقعة "كمين العلم".
- سياسيا: إقرار الهدنة يتيح مساحة لإعادة هيكلة جدول أعمال الحكومة الفترة
المُقبلة، وترحيل قضية غزة مقابل تركيز الإهتمام على ملف الإنتخابات بالعام القادم
فى الجبهه الداخلية، حيث من الأفضل لشعبيتة أن يتحمل تكلفة معركة خاطفة فى غزة دون
استكمال العملية وتحمل تداعيات الإستمرار فى حرب مع غزة قد تؤدى بالمستقبل إلى إستخدام
المقاومة عشوائيا لقذائف الهاون على المناطق الحدودية مع القطاع، فضلا عن ظهور
نتنياهو بمظهر "الشخص المُنقذ"، وكذلك إستحضار سيناريو 2015 عبر مهاجمته
اليسار والعرب وما يحملة ذلك من دلالات سيكولوجية تتعلق بإرتفاع معدلات تأييد
قاعدتة اليمينة المتشددة مع إقتراب الإنتخابات.
كذلك، لم يحمل إقرار الموافقة على إعلان الهدنة مع قطاع غزة دلالات سياسية
وأمنية فقط، ولكن هناك عدد من الرسائل الموجهه للخارج، فإقليميا : يحمل موقف نتنياهو تحركا دبلوماسيا من شانه أن
يُغذى من النزعة الإنقسامية بين طرفى المعادلة الفلسطينية "فتح وحماس"
وهو ما يزيد من تعقيد عملية المصالحة السياسية بين طرفى السلطة الفلسطينية ويعقد
بدورة عملية السلام المأمولة. بينما دوليا: فتتمثل الرسالة فى التأكيد لكلا من
إدارة ترامب وكذلك الأوروبين على أن قواعد "مبادرة السلام" أو "صفقة
القرن" كما يتم الترويج إليها إعلاميا يتم إدارتها عن طريق رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو.
تحركات مُحتملة
على الرغم مما أحدثتة إستقالة وزير الدفاع الإسرائيلى ليبرمان من
"تصدع مرن" فى حكومة الإئتلاف الإسرائيلى بالتوازى مع الحديث حول عجز
نتنياهو عن مواجهه حركة حماس، وفشل سياساته فى توحيد النخب فى المعارضة، الإ أن
الإستقالة مثلت إعادة إنتاج لتحركات نتنياهو من خلال تقليص "هامش المناورة"
أمام ليبرمان ومؤيدية في الائتلاف الحاكم وفي اليمين بشكل عام، وهو ما قد يدفعه
لدرء تهمة الخنوع عن نفسه عبر السعي لتحقيق إنجاز سياسي أو أمني أو عسكري قد يتمثل
على سبيل المثال فى : استعادة الردع وترميمه بشكل كبير، وكذلك فرض قواعد اشتباك
جديدة وإلزام المقاومة بها، تتيح لإسرائيل هامش حرية كبير في القطاع، دون إغفال
حتمية إستعادة ثقة الشعب الإسرائيلى وأطياف المعارضة بالقيادة.
وفقا لذلك، فمن المُحتمل مستقبلا أن يلجأ رئيس الوزراء
الإسرائيلى بنيامين نتنياهو خاصة بعد تمسكة بتولى حقيبة الدفاع لعدد من التحركات
المُحتملة لموازنة تلك الإنجازات المُستهدفة فى ظل تنامى صفوف المعارضة ضد سياساتة
واصفين إياها بالمتخاذلة والعاجزة أمام حركات المقاومة بقطاع غزة، والدعوات الخاصة
بإجراء إنتخابات مبكرة، وذلك من خلال:
- أولًا: شن عمل عسكري مضاد على غزة، يتضمن
عمليات قصف جوي مباغت وعمليات تسلل ضد أهداف نوعية، وعمليات اغتيال.
- ثانيًا: تصفية أهداف هامة لحماس في الخارج، فعلى
سبيل المثال: قد يكون هذا الهدف الخارجى متمثل فى "صالح العاروري" على
سبيل المثال، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي تتهمه إسرائيل بالإشراف على
توجيه العمليات ضدها في الضفة الغربية، والذي يزيد من واقعية هذا الاحتمال حقيقة
أن الولايات المتحدة قد وضعت "العاروري" على قائمة الإرهاب وخصصت 5
ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حوله.
الجدير بالذكر، أن أغلب القيادات الذين تم اغتيالهم من
حزب الله، تم الأمر بعد إعلان الولايات المتحدة أسماءهم ضمن قوائم الإرهابيين
لديها. فعلى سبيل المثال، قبل اغتيال "سمير قنطار" وضعت واشنطن اسمه على
قائمة الإرهاب.
- ثالثًا: الجمع بين الخيارين معًا. حيث ستعمل إسرائيل على إختيار
الظروف المناسبة لها والتي تكون فيها المقاومة في حالة تراخى وفي أقل مستوى من
الجاهزية والاستعداد، وهو بالأمر الأكثر إتساقا مع تصريح الوزير يوآف غالانت عضو
المجلس المصغر: "قد نعمل عند توفير الظروف التي نحددها نحن وليس حماس"،
وقد يتم التمهد لذلك من خلال الحديث عن استئناف التهدئة من أجل إغراء المقاومة
بعدم أخذ الأمور بجدية كبيرة، كما أن الحملة قد تجمع بين توجيه ضربات قوية جوية
وعمليات اغتيال واسعة وعمليات تسلل وتوغل لوحدات خاصة لضرب أهداف بعينها، وهو ما
قد يحدث بشكل مؤكد فى حالة موافقة نتنياهو تولى نفتالي بينيت رئيس حزب "البيت
اليهودي" حقيبة الدفاع.
تأسيسًا على ما سبق .. نجد أن انسحاب ليبرمان من وزارة الدفاع ومن الائتلاف، لازال يسمح باستمرار تشكيل الحكومة القائمة بأغلبية 61 مقعد دون أى عوائق قانونية أو هيكلية تؤثر على مستقبل الإئتلاف، وهو بالأمر الذى أكد عليه "بنيامين نتنياهو" فى خطابة لرؤساء أحزاب بقولة: "لا يوجد سبب يدعو إلى الذهاب إلى الانتخابات، وأنه يجب بذل كل جهد ممكن لإستقرار الحكومة اليمينية، وعدم تكرار الخطأ التاريخي لعام 1992". متجنبا فى ذلك تأزم الأمور نحو حتمية إجراء انتخابات مبكرة، فالشواهد العامة بالداخل الإسرائيلى تؤكد أنه فى حال إجراء إنتخابات فى ظل حالة السخط الشعبي من سياسات نتنياهو، لاسيما في أوساط اليمين، قد تفضي إلى خسارته الحكم، وهو ما يسعى لتفادية حاليا وفقا لسياسات التطويق والمحاصرة لرؤساء الإئتلاف الحاكم وقوى المعارضة.