تصدير الثورة... و تأسيس "حزب الله" جديد في سوريا
يعد العدل، الرخاء، السلام، الاستقلال، الحرية من أبرز
الشعارات التي جاءت بها الثورة الإسلامية؛ حيث يعتبر العدل بمثابة الشعار الأسمى
والأساسي للثورة الإيرانية، التي قامت على تصور يعكس القيم الإسلامية، بالإضافة
إلى اقتصاد قائم على المساواة و القضاء على التفاوت بين الطبقات، فضلاً عن تحقيق
العدل الاجتماعي.
ومن هنا، شعرت إيران بالفخر مما جعلها مُصرة على تصدير
الثورة الإسلامية إلى الدول المجاورة، وفي هذا السياق سعت طهران لتأسيس ميليشيات
مسلحة في جنوب سوريا، بما يمكنها من السيطرة و الحصول على نصيب الأسد في مرحلة ما
بعد إعادة الإعمار، وفرض سياسة الأمر الواقع على أعدائها في المنطقة.
لذا، سنتناول في هذا التقرير نبذة عن نظرية تصدير الثورة
الإسلامية، المصالح الإيرانية في سوريا، المخاوف الإسرئيلية من الوجود الإيرانى في
الجنوب السورى، اتجاه طهران لتعزيز نفوذها من خلال تأسيس الميليشيات العسكرية
تمهيداً لمرحلة ما بعد إعادة الإعمار .
أولاً-
نبذة عن نظرية تصدير الثورة الإسلامية
بات القادة الإيرانيين مُصريين على تصدير الثورة إلى
الدول المجاورة، لاسيما في الشرق الأقصى وجنوب أسيا. وعلى الرغم من وجود بعض
المشاكل الداخلية في إيران التي كانت من الممكن أن تعوق فكرة تصدير الثورة، ولكنها
قامت بذلك من خلال هيئات الإذاعة والتلفزيون التابعة لها، عبر الترويج لحماية المستضعفين
في الأرض. و قال خامنئي في ذلك " اتمنى أن تكون إيران نموذج لكل الأمم
المستضعفة في العالم، الراغبة في تحطيم الأصنام العظيمة، كما يجب على هذه الأمم أن
تفيق من غفلتها لتحرير الإسلام والدول الإسلامية من قبضة الدول الاستعمارية أو
التذلل لها"(1).
وظهرت المفردات الثورية مثل المستضعفين، الطاغوت،
والشهادة التى صكها "الخمينى" و التيار الدينى لتضفى قوة إضافية لفكرة
تصدير الثورة، بالإضافة إلى تشعب واتساع دور رجال الدين في جميع أنحاء إيران؛ إذا
بلغ عددهم عشرات الألاف عشية قيام الثورة، مما مكن الخمينى من تكوين قاعدة شعبية
عريقة، ساعدته على تطبيق أفكاره النظرية.
وأبرز ما كان يميز "الخمينى" هو امتلاكه
الكاريزما التى مَكنته من جمع المُختلفين معه أيديولوجياً؛ حيث كان يمتلك حس
الإرادة و المبادرة، ملماً بأوضاع العصر الذي يعيش فيه ومدرك للفوارق الأيديولوجية
بين القوى التى شاركت في الثورة، ومن هنا فالخصائص الفريدة التى حظت بها شخصية
الإمام جعلت الأفراد داخل المجتمع يثقون بشخصه أكثر من قناعتهم برسالته ذاتها(2).
ولكن اتضح من خلال التطبيق أن هذه الشعارات النظرية، لم
تكن بهدف حماية المستضعفين و الفقراء في العالم الإسلامى والعمل على تمكينهم، بل
كانت لتحقيق مأرب إيرانية بحتة. ومن هنا، يتضح أن الجمهورية الإسلامية مثل أى دولة
في العصر الحديث تعمل جاهدة من أجل تحقيق مصالحها الذاتية في المقام الأول، حتى لو
كان ذلك على حساب غيرها من الدول.
ثانياً-
المصالح الإيرانية في سوريا
اتجهت الجمهورية الإسلامية بعد الحرب العراقية الإيرانية
إلى السيطرة على العواصم المجاورة و التي تري فيها امكانية تشكيل تهديد مباشر لها
في المستقبل، وكانت بغداد قبلتها الأولى ثم اتجهت للسيطرة على دمشق و بيروت، بل
أمتد نفودها إلى دول أفريقيا جنوب الصحراء التي تبعد عنها بمسافات كبيرة ولا يوجد
معها تشابك في المصالح، ليأتي ذلك كله في إطار
نظرية تصدير الثورة.
لطالما كانت سوريا هي الحليف الاستراتيجي لإيران، ولذلك
تُمثل أمر حيوي لها في الشرق الاوسط؛ حيث وفر نظام الأسد إمكانية وصول حاسمة
لوكلاء إيران بما في ذلك "حزب الله" اللبناني، "حماس" و
"الجهاد الإسلامي" في فلسطين، فضلاً عن نقل الأسلحة، المال والعتاد
لميليشياتها في المنطقة. كما كانت سوريا شريك أساسي لطهران في ردع إسرائيل، لاسيما
فيما يخص برنامجها النووي، فضلاً عن التعاون في مواجهة العقوبات الأمريكية على
إيران.
استكمالاً لما سبق، تعد الجغرافيا من المحددات الرئيسية
في السياسة الخارجية للدول؛ حيث يحتل الموقع الجغرافي دور قوى في تحديد نوعية
العلاقات الدولية و مظاهرها، وعلى الرغم من عدم وجود حدود مشتركة بين طهران ودمشق،
إلا أنه لطهران حدود مشتركة مع تركيا، العراق، الأردن ولبنان، ولسوريا حدود مشتركة
مع هذه الدول، مما جعل لها موقعاً استراتيجيا مهماً، باتت من خلاله محط اهتمام
القوى الإقليمية والدولية.
ثالثاً-
الهواجس الإسرائيلية من التواجد الإيراني
في سوريا
أدى الخوف الإسرائيلي من تعاظم النفوذ الإيراني في سوريا
لسعى "تل أبيب" للوصل إلى
مجموعة من التفاهمات مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية القاضية بابتعاد
الميليشيات الإيرانية مسافة 80 كيلو متر عن الحدود الجنوبية مع دمشق، بل و إخراج
الميليشيات الإيرانية من سوريا. ومن هنا، عكس اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين
نتنياهو" على الوجود الإيراني في دمشق، قلقه من احتمالات فوز طهران بنصيب
الأسد في مرحلة ما بعد إعادة الإعمار ، ولاسيما في المنطقة القريبة من الجولان
وتحويلها إلى منصة لإطلاق صواريخ باتجاه الدولة العبرية.
في السياق ذاته، أوضح بعض المحللين أن التهديد الاستراتيجي
لإسرائيل تمثله إيران بالدرجة الأولى، على خلفية حالة العداء التاريخية بين
الدولتين و خاصةً أن الجمهورية الإسلامية من الممكن أن تمتلك سلاح نووي في فترة
بسيطة من الزمن. فبعد أن كانت الجولان شبه مجمدة على امتداد 40 عاماً، برزت داخل
دائرة الضوء مجدداً، مع انخراط "حزب الله" و إيران في الأزمة السورية،
وباتت جزءاً أساسياً من المحور الذى تقود طهران، ومن هنا ينظر الإسرائيليون إلى أن
استقرار الوضع لمصلحة النظام يهدد بأن تكون الجولان مماثلة لجنوب لبنان(3).
لكن يبدو أن التفاهمات سواء كانت العسكرية أو التفاوضية
التي كانت بين كل من روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل من جهة وروسيا و
الميليشيات على الأرض ذهبت وكأن لم تكن؛ حيث بدأت إيران في تخريج الدفعات الأولى
من ميليشيات عسكرية في الجنوب السوري بتوجيه من الحرس الثوري. من ناحية أخرى، تنظر تل أبيب ليس فقط إلى الفوز
بدور إقليمي قوى على حساب خصومها، بل إلى منافسيها في المنطقة مثل تركيا، أي تريد
أن تصبح الوكيل الحصري للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط(4).
رابعاً-
نفوذ إيران ودورها في مرحلة ما بعد إعادة الإعمار
دعمت إيران النظام السوري على مدى السنوات القليلة
الماضية، فمنذ عام 2012 مثلت الأزمة السورية فرصة جيدة لتعزيز النفوذ الإيراني،
وبينما مالت موازين القوى لصالح قوى المعارضة تدخلت روسيا بكل قوة، مما أدى
لانعكاس الأمور لصالح النظام والميليشيات الموالية له. من ناحية أخرى، مكن التغاضي
الأمريكي- الإسرائيلي عن تغلغل التواجد الإيراني
منذ البداية تنامى نفوذ الجمهورية الإسلامية داخل دمشق؛ حيث رأى الطرفان أنها فرصة
لاستنزافها، ومستنقع لمن يتورط فيها أكثر منها ساحة لتعظيم النفوذ الجيوسياسي.
لكن بمرور الوقت ظهرت الأزمة السورية ليس كمستنقع و إنما
ساحة كبيرة للنفوذ تتنامى فيها مصالح إيران يوماً بعد يوم، لاسيما بعد امتداد
نفوذها للحدود العراقية السورية، فضلاً عن التوغل في الجنوب حيث الحدود مع تل
أبيب. لكن مع مجيء القيادة الأمريكية الجديدة "دونالد ترامب" الذي اتبع استراتيجية
المواجهة مع إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، أصبحت النتيجة تصعيد عسكري إسرائيلي أمريكي
ضد مصالح إيران في سوريا تمثلت في مجموعة من
الضربات الجوية الانتقائية من حين إلى أخر(5).
ومن هنا، أشار بعض المحللين إلى فكرة الخروج الإيراني من
سوريا، لكن يعود التحالف بين طهران و دمشق إلى عام 1980، عندما وقفت دمشق إلى جانب
طهران ضد الرئيس العراقي الأسبق "صدام حسين" خلال الحرب العراقية
الإيرانية التي استمرت لثماني سنوات. كما مولت المملكة العربية السعودية ومشايخ
الخليج العراق خلال الحرب، على خلفية خوفها من بغداد بالتوازي مع عدم رغبتها في
وصول تأثيرات الثورة الإسلامية إلى مواطنيها. و دعمت كل من واشنطن، موسكو وباريس
بغداد في مقابل رجال الدين في طهران.
واضحت هناك العديد من الحسابات الواقعية التي حددت موقف
إيران تجاه سوريا؛ حيث شمل ذلك الدعم الذى قدمته السعودية وحلفاءها في الخليج
للفصائل المتمردة، وكذلك التصميم الأمريكي على تغيير النظام في دمشق،
فضلاً عن التأثير المتصاعد للمذهب السنى في مواجهة المذهب الشيعي.
نتيجة لما سبق، تسعى إيران لجنى ثمار مساعداتها السابقة
للنظام، لاسيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها طهران، و تركز استراتيجية الهلال الشيعي في الشرق
الأوسط حول رغبة إيران في المساعدة على استقرار الأنظمة الصديقة في العراق، سوريا
ولبنان من أجل مواجهة التحركات السعودية لمنع إيران من دخول المنطقة العربية كجزء
من الحرب المحتدمة بين القوتين الرئيسيتين في الخليج العربي، ولذلك، فإن توقع قيام
إيران بالخروج أو حتى الحد من تواجدها في سوريا يعد حلماً صعب المنال(6).
ختاماً: على الرغم من تفاقم الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمر بها الجمهورية الإسلامية، على خلفية الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي وفرض الحزمة الثانية من العقوبات في الرابع من نوفمبر /تشرين الثاني لعام 2018، إلا أنها مازالت مصرة على تصدير نموذجها الثوري عبر التدخل في شئون الدول الأخرى لرعاية مصالحها من ناحية وفرض سياسة الأمر الواقع على الدول الكبرى و لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها في المنطقة من ناحية أخرى.
الهوامش:
1.
Iran: Exporting the revolution, National
Foreign assessment center: central intelligence Agency, 1980 march,
available at:
https://www.cia.gov/library/readingroom/docs/CIA-RDP81B00401R000500100001-8.pdf .
2. محمد عباس ناجى، العلاقة بين المؤسسات المعينة والمنتخبة
وأثرها على عملية صنع القرار داخل النظام الإيراني، ماجستير، جامعة
القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ص 40.
3. إسرائيل تخشي النفوذ الإيراني في سوريا بعد التسوية،
11/3/2017، الشرق الأوسط، متاح على الرابط التالي:
4. تجذر إيران في سوريا يصطدم بإسرائيل ... فهل تكون حرباً،
30/4/2018، وكالة الأنباء الألمانية (دويتشة فيلية)، متاح على الرابط
التالي: http://cutt.us/qO6jM .
5. نموذج النفوذ الإيراني في سوريا، 23/8/2018، القدس
العربي، متاح على الرابط التالي : http://cutt.us/ao2rW
6.
Mohammed Ayoob,
Will Iran Leave Syria? Chasing mirages does not add up to a successful foreign
policy, 29/8/2018, National Interest, available at:
https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/will-iran-leave-syria-29982.