دروس استراتيجية .. ندوة الألف يوم قبل حرب أكتوبر بين دهاء التخطيط وعبقرية التنفيذ
عقد صالون الجراح الثقافي
لقائه الثاني والأربعون وهى ندوة متميزة شارك فيها العديد من النخب الفكرية في مصر
استراتيجيات مصر لحرب أكتوبر العظيمة والقدرة الهائلة للمصريين، الذين احتشدوا في
قاطرة واحدة كان فيها الشعب وراء الجيش، ليشهد العالم أعدل وأنبل الحروب وأعظم
الانتصارات في التاريخ الحديث والمعاصر .
بداية تحدث أ.د. جمال مصطفي
سعيد مؤسس ومدير الصالون وأستاذ جراحة الأورام الأشهر بجامعة القاهرة، مشيراً إلى أن
حرب أكتوبر تعد من أهم الحروب في العصر الحديث، وأن الانتصار في هذه الحرب كانت أساساً
لتحريك قضية إحقاق الحق، واسترجاع الأرض مما جعل مصر قوية في مفاوضات السلام، حيث
قام الرئيس السادات بالدعوة إلى السلام مع إسرائيل وذهابه للكنيست ذاته مما غير
التاريخ الحديث للصراع العربي الإسرائيلي، ومنطقة الشرق الأوسط كلها .
وأكد سعيد أن قوتنا في
مفاوضات السلام كانت أساساً لانتصارنا في أكتوبر، واستعادة كرامة المصريين، والتفاوض
عن قوة لا عن ضعف بينما حظى السادات بدخول التاريخ بالانتصار في الحرب والسلام .
حرب أكتوبر أعظم الحروب التحريرية
ثم جاءت مداخلة أ.د. علي
الدين هلال، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ووزير الشباب الأسبق مؤكداً على
ان حرب أكتوبر هي أعظم الحروب التحررية الوطنية في تاريخ مصر، والتي قادت إلى
استعادة الكرامة المصرية، وسيطرة الجيش على الأرض وسيطرة وسيادة مصر على التراب
المصري .
وأشار هلال إلى فكرة
محورية مؤداها أن حرب أكتوبر هي ملحمة التحام الشعب والجيش وأنه على مدى الحرب لم
تحدث جريمة واحدة على أرض مصر، كما أنها أخرجت مصر من حالة الهزيمة النفسية بعد
1967، وكسرت الذراع الإسرائيلي الطويلة، وأسقطت نظرية الأمن الإسرائيلي فهي نقطة
تحول كبري في التاريخ المصري، وتعد نموذجاً متميزاً لاستخدام العلم والتخطيط، وأساسها
الحرب المخابراتية التي تعتمد على الذكاء المطلق في التخطيط والدهاء في التنفيذ، والتي
اعتمدت على عقلية الرئيس السادات وقدراته الهائلة على الخداع الاستراتيجي، حيث
العمل الدقيق في تسريب المعلومات التي تعكس احوال مصر وكأنها مسترخية والحيلولة
لكشف إسرائيل تحركاتنا داخلياً وعلى الجبهة من قناة السويس .
التفوق الإسرائيلي العسكري
وأضاف هلال أن إسرائيل
كانت متفوقة علينا نوعياً ولديها من العتاد والذخيرة ما يكفيها لتوجيه الضربات الاستباقية
لأي تحرك من قِبل الجيش المصري فهي تراقب كل التحركات على الجبهة المصرية،
وتعاونها أجهزة الاستخبارات الأمريكية، مما جعل الرئيس الداهية أنور السادات يعمل
بالتعاون مع وزير الحربية ورئيس المخابرات العامة ورئيس المخابرات العسكرية
ومستشارة الخاص والذين وصلوا قبيل حرب أكتوبر إلى أرقى خطة خداع في التاريخ .
الخداع الاستراتيجي
ويري الدكتور علي الدين هلال
أن الخداع بالمعنى المادي، يعنى أن ينتظرك في منطقة (أ) لتذهب إلى منطقة (ب)
والخداع الأكثر دهاءً، إن العدو يرصدك ويراقبك في كل تحركاتك ويفشل في تحليل نواياك ونحن نرنو حينذاك بخداع إسرائيل،
حيث العمل على تشتيت انتباهها، ولفت الأنظار الى غياب الاستعداد للحرب والتحكم في
المعلومات التي تتسرب إليها، حيث أعلنت الجرائد المصرية يوم 4 أكتوبر سفر اللواء
مبارك للقاء القذافي بليبيا كذلك استقبال المشير أحمد أسماعيل وزير الحربية لنظيره
الروماني مع أخبار عن زيارة الأميرة مارجريت لمصر ومقابلة السادات لها، أضف إلى
ذلك إعلان الجرائد المصرية بتسريح 30 ألف جندي من الحاصلين على الدراسات العليا مع
فتح باب العمرة للقادة والجنود المصريين بشهر رمضان أي أكتوبر 1973، أيضاً
الاسترخاء التام للجنود المصريين قبيل الحرب بساعات على ضفة القناة وتظاهرهم
بالمرح، وكلها دلالات سربت إلى إسرائيل أن مصر لا تنوي الحرب ثم تبدأ الحرب بعد
ساعات.
الشفرة المخابراتية والمعدات الحربية
كما أضاف هلال ان مبادئ
المخابرات في العالم كلة ترتكز على الشفرة وعن إدراك القائمين عليها لمعانيها
وتوقيت ترجمتها من خلال القواميس الانجليزية والفرنسية، إلا أن المخابرات المصرية اعتمدت
على اللغة النوبية الشفهية في تبادل رسائلها السرية إبان التخطيط لحرب أكتوبر وأثناء
القيام بها حيث لا يمكن ترجمتها وتفكيك طلاسمها لكونها لغة شفهية .
وأكد هلال أن المعدات
الحربية قامت مصر باستخدامها وتحريكها، تحت غطاء مخابراتي وعلى أعلى درجة من
الاستراتيجيات العسكرية، حيث قامت وزارة الحربية المصرية بشراء مئات من القوارب
المطاطية وتخزينها بشكل يغيب عن الاكتراث فغابت الرؤية لدى إسرائيل وتندرت الصحافة
الإسرائيلية بهذه الواقعة.
وأضاف أن الدبابات المصرية
كان يتم إصلاحها وتطويرها لكونها معدات عطبة تحت غياب الرصد الإسرائيلي في مباني
خشبية ضخمة للغاية، أضف إلى ذلك تم تنشيط الأذرع المصرية داخل إسرائيل، مثل رأفت
الهجان وجمعة الشوان وغيرهم لرصد الرأي العام لدى إسرائيل والمعلومات المتناثرة
داخلها عن امكانية قيام مصر بالحرب. علاوة على مراقبة العيون الإسرائيلية لدينا والتي
تتمثل بالملحقين العسكريين لدى مصر، وأبرزهم الملحق العسكري الإسباني الذي تم ترحيله
بطائرة إسعاف عسكرية للعلاج الى بلاده للتغطية على إدراك مصر لدوره المساند لإسرائيل
.
واختتم هلال مداخلته
بالتشديد على مدى دهاء الرئيس السادات، والذي كان يظهر دائماً وكأنه رجل ضعيف لا
يمكنه القدرة على اتخاذ قرار الحرب مع بسالة القوات المسلحة المصرية التي تظاهرت
بعدم القيام بالحرب وعبرت القناة بعد ساعات، أضف لذلك خداع وزير الخارجية المصري
محمد الزيات لهنري كسينجر، ودعوتنا إلى الهدنة قبل الحرب بثلاثة أيام مما عرض
كسينجر لأكبر عملية خداع في حياته.
ثم تحدث أ.د. نبيل حلمي
عميد كلية الحقوق بجامعة الزقازيق مشيراً إلى صلابة الالتحام ما بين الجيش والشعب
المصري الذي كان يمثل أكبر دعم للجيش المصري وهو الشعب الذي يعلو على الطائفية، وأما
الجيش فهو الذي هزم التكنولوجيا الإسرائيلية والتفوق النوعي لها، وأشار إلى أن
الرئيس السادات قام بإنهاء التعاون المصري الروسي عسكرياً ليكون صاحب القرار
المنفرد بالحرب على إسرائيل كما أنه تغلب على الضغوط الدولية للحيلولة دون قيام
الحرب، حيث كانت القوتان العظمتان الاتحاد
السوفيتي والولايات المتحدة يتعاونان على أن تغيب الحروب عن منطقة الشرق الأوسط
فكان الدهاء والعبقرية في التخطيط لحرب أكتوبر من أهم آليات قيام الحرب في تغييب
القدرات التنبؤية لكل منهما بالحرب حينذاك.
وشدد حلمي على أن القوات
المسلحة المصرية قامت بالتعبئة العامة أكثر من مرة، لتخدع إسرائيل وتغيب إدراكاتها
عن موعد الحرب، وكان الأمر دائماً يقوم على الاسترخاء ثم النشاط العسكري ثم
الاسترخاء، وهذا هو النموذج المصري والعقلية العسكرية المصرية في عبقرية التخطيط
والتنفيذ.
البحرية المصرية وقدراتها المتميزة
كما أشار حلمي إلى الدور
العظيم التي قامت به القوات البحرية المصرية من حيث تدمير القطعة البحرية العملاقة
إيلات، إبان حرب الاستنزاف وضرب الأهداف البحرية الإسرائيلية بقدراتها الفائقة، حيث
كانت إسرائيل متفوقة بقواتها الجوية والبحرية أيضاً، وأكد حلمي على أن حرب الاستنزاف
كانت لتمكين الجيش المصري بروح القتال العالية، والقدرة على تصور حرباً قادمة أكثر
إيلاماً للعدو الإسرائيلي والتحرك على
الضفة الشرقية من القناة، بشكل يحير إسرائيل ويغيب إدراكاتها حيث كان ديان على
الجبهة قبيل الحرب ليؤكد لإسرائيل غياب الاستعداد المصري للحرب حيث أن الصورة تشي
بالاسترخاء العسكري المصري، وغياب القدرة للهجوم على إسرائيل واستعادة سيناء .
السادات داهية العرب
ويشير حلمي إلى أن السادات
خطط في خداع إسرائيلي غير مسبوق، بقيام الحرب في الساعة الثانية من الظهر بالسادس
من أكتوبر الموافق العاشر من رمضان والذي واكب الاسترخاء الإسرائيلي بعيد الغفران،
كذلك تقديم شكوى مصرية لمجلس الأمن ضد إسرائيل، في صباح السادس من أكتوبر كلها
مؤشرات استراتيجية لم تتوقعها إسرائيل .
كما أن القوات المسلحة لم
تدرك كلها ساعة قيام الحرب إلا القادة ثم الجنود البواسل، الذي عبروا القناة ومعهم
القوات الجوية المصرية مما أربك العدو قضى على قدراته العسكرية، في ساعات الحرب
الستة الاولى حيث استمر الاشتباك لأسابيع بعد ذلك .
واختتم حلمي كلمته أن مصر
صلبة وقوية ولن يستطع من يقوم بالجيل الرابع من الحدود على مستوى المنطقة العربية
بكسرها أو تفتتيها فهي القوية وجنودها خير أجناد الأرض.
وأخيراً تحدث اللواء أركان
حرب محمد الشهاوى مستشار كلية القادة والأركان مشدداً على صلابة الجندي المصري وقدراته
القتالية التي تفوق الجندي الإسرائيلي بمراحل، وأشار إلى أن جنودنا كانوا يوجهوا
الدبابات الإسرائيلية بقدرة فائقة لتحطيميها وأسر قادتها .
وأشار إلى أن القوات
المسلحة المصرية عملت على تطعيم القوات المسلحة المصرية بالجنود أصحاب المؤهلات
العليا وتم تدريبهم على أعلى مستوى لعبور خط بارليف العظيم، والتي كانت تتصور إسرائيل
عن غياب قدرة الجندي المصري لعبوره أو اقتحامه. وأكد الشهاوي على حرب الاستنزاف قد
استغرقت 1063يوم شهدت فيه المنطقة الضربات الموجعة التي وجهت للعدو .
المؤامرة والانتصار ما بين 1967و1973
وأضاف أن يونيو تعتبر
مؤامرة على الجيش المصري، والذي فقد 80% من عتاده وأسلحته وطائرته إلا أنه خلال
الست سنوات ما بين 1967و1973 تم إلحاق أكبر الهزائم بالعدو الإسرائيلي. وأكد الشهاوي أن ديان كان
يعتقد أن مصر لن تحارب إلا في 1975، وأصر على ذلك قبيل الحرب بساعات حتى عبرت مصر
القناة وأصيب بالهذيان، وأعلنت جوالدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية بعد تدمير
400 دبابة إسرائيلية و150 طائرة حربية إسرائيلية أن إسرائيل قد تعرضت لأكبر خطة
خداع استراتيجية، وأنها تغرق وتدعو العالم لإنقاذ إسرائيل .
وأخيراً، أكد اللواء الشهاوى على ضرورة زرع الروح الوطنية والاعتزاز بحرب أكتوبر، وقيمها النبيلة لدى الأجيال المصرية حيث أننا انتصرنا ليس فقط نتاجاً للعبقرية الاستراتيجية بل لكوننا نعتقد بأن سيناء أرضنا وأن الحق يساندنا فيه، الله والشعب المصري العظيم .