قراءة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس
مخطئ من يظن أن النظام الأمريكي كونه نظام رئاسي، تكون
فيه مؤسسة الرئاسة هي المحور الأوحد والأهم فيما يتعلق بالتفاعلات السياسية وبالأخص
على صعيد السياسة الخارجية، غير أن الخصوصية الفريدة للنظام الأمريكي تجعل من
الكونجرس هو محور التفاعلات والحلقة الأهم لفهم السياسة الأمريكية بشكل عام، حتى
أن "وودرو ويلسون" قال "أن النظام الأمريكي عبارة عن حكم الكونجرس".
وشهدت الولايات المتحدة
توافد الناخبين الأمريكيين على مراكز الاقتراع في 6 نوفمبر 2018، للإدلاء بأصواتهم
في انتخابات التجديد النصفي
للكونجرس؛ هذه الانتخابات بالرغم من أنها ليست انتخابات لإختيار رئيس جديد
للولايات المتحدة إلا أنها تحمل نفس القدر من الأهمية، إلى الحد الذي أعتبره "ترامب" استفتاء عليه وقال أمام أنصاره، اسمي ليس على التذكرة الانتخابية
التى تقترعون عليها، ولكن افترضوا أن اسمى موجود، لأن هذا هو استفتاء علىّ أيضا)،
وجدير بالذكر أن الديمقراطيون كذلك يعتبرونها استفتاء علي الرئيس ترامب وسوف نقوم من خلال هذا التقرير
بعرض للشكل العام لهذه الانتخابات وخصوصيتها وتداعياتها والسناريوهات المتوقعة لها.
عرض عام لشكل هذه الانتخابات
تجري هذه
الانتخابات في منتصف فترة الولاية الرئاسية والتي تستمر أربعة أعوام.
وسيُعاد انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435
نائباً. وتسيطر على المجلس حالياً غالبية جمهورية مريحة بــــــــــ 236 مقعدا
مقابل 193 للديمقراطيين وستة مقاعد شاغرة. ومن أجل استعادة السيطرة على المجلس،
يجب أن يفوز الديمقراطيون بـ23 مقعداً إضافياً. ويبدو الانتصار في متناولهم رغم أن
المنافسة على نحو ثلاثين مقعداً شديدة جداً، بحسب استطلاعات الرأي. وسيبدأ
المنتخبون الجدد ولايتهم التي تستمرّ سنتين في بداية كانون الثاني/يناير 2019.
تجديد ثلث
مقاعد مجلس الشيوخ
يضمّ
مجلس الشيوخ مئة مقعد ويتمّ تجديد ثلثها كل عامين، أي 35 مقعداً هذا العام. يملك
الجمهوريون الغالبية حالياً 51 مقعداً مقابل 49 ديموقراطياً. لكن الخريطة
الانتخابية لمجلس الشيوخ غير مؤاتية بالنسبة إلى الديموقراطيين، لأن عليهم الدفاع
عن 26 مقعداً (بينهم ستة مهددين) مقابل تسعة للجمهوريين. ويُنتخب أعضاء مجلس
الشيوخ لست سنوات وسيبدأون ولايتهم أيضاً في بداية كانون الثاني/يناير.
الانتخابات
المحلية
عملياً،
يتم تجديد كل المجالس المحليّة (المجالس التشريعية ومجالس شيوخ الولايات) إضافة
إلى حكام 36 ولاية من أصل 50 والعديد من المناصب الأخرى (رؤساء بلديات ومقاطعات،
قضاة محليون...) وسيصوّت الناخبون أيضاً على العديد من المبادرات المحلية.(1)
خصوصية انتخابات هذا العام
نادراً
ما كانت انتخابات التجديد النصفي تحظي بكل هذا الاهتمام، ولكن الوضع هذه المرة
مختلف فهنالك عدة عوامل جعلت جميع العالم يصوب أنظاره تجاه هذه الانتخابات، إذ أن
هذه الانتخابات تعتبر بمثابة استفتاء علي الرئيس "ترامب" وسياساته، كما تلقي
بظلالها على وضع الديمقراطية في الولايات المتحدة، وتسلط الضوء علي سياسات ترامب
الخارجية والتي قوبلت بكثير من الاتهامات في الداخل والخارج .
هذا
بالاضافة إلي كون هذه الانتخابات تمثل مقياس لتنامي الشعبوية في العالم، أضف إلى
ذلك أن هذه الانتخابات سوف تؤثر وبشكل كبير علي الانتخابات الرئاسية التي ستجري في
2020.
وقد تغير
الانتخابات نظرة قادة العالم لترامب في حال فوز الجمهوريين فإنه يعطي انطباع بأنه
محكم السيطرة علي بلاده، مما سيقوي من وضع الرئيس الأمريكي على الساحة الدولية .
أما إذا
كتب الفوز للديمقراطيين فإن ترامب سيبدو أضعف بكثير، وسوف تتعرض إدارته للعجز،
وسيصبح نظراء ترامب في دول العالم أكثر جرأة لتعزيز مصالحهم الذاتية في ظل انشغال
ترامب بقضايا بلاده الداخلية .
تداعيات الانتخابات
انتخابات الكونجرس تجري في أجواء
انقسام غير مسبوق بالمجتمع الأمريكي وصفه البعض بـ«القبلية السياسية»، فهناك الليبراليين
والمحافظين، وهدف كل منهما الآن تحفيز أكبر عدد من أفراد القبيلة للخروج للتصويت.
ويبدو أن ترامب قرر العودة إلى الأساليب التي ساعدته على الفوز في انتخابات
الرئاسة 2016، وعلى رأسها التخويف من المهاجرين الأجانب.(2) وجدير بالذكر أن الرئيس
"أوباما" دخل على الخط، إذ دعا لمواجهة "أكاذيب الجمهوريين"
الوقحة كما وصفها خلال تجمع لدعم المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ في إنديانا، وقال
: " الجمهوريون يكذبون بشكل فاضح ووقح، وأنا لا
أخترع أي شيء عندما أتحدث فقط أتحدث عن الحقائق، ويجب أن يكون هنالك عواقب عندما
لا يقول الناس الحقيقة" ثم تابع معدداً أكاذيب الجمهوريين فيما يتعلق بالنظام
الصحي أو بقوافل المهاجرين التي تحدث عنها ترامب . بينما قال "ترامب" :
" هذه واحدة من أهم الانتخابات في حياتنا، ويجب أن لا ننسي أن البطالة وصلت
إلى أدني مستوياتها منذ نصف قرن "، ثم تابع بأننا لن نسمح لهؤلاء بغزو بلادنا،
في إشارة إلي المهاجرين .(3)
ويراهن ترامب علي عدة عوامل
أهمها : تحسن الأداء الإقتصادي للولايات المتحدة وانخفاض نسب البطالة بشكل كبير،
هذا بالإضافة إلي قضية الهجرة. ووفقا لموقع
"أوبن سيكرتس دوت أورج " فلقد تم إنفاق أكثر من 5 مليارات دولار من
المعسكرين علي هذه الانتخابات للتأثير علي أصوات الناخبين .(4)
هذا وتشهد انتخابات هذا العام
ما أسماه البعض "الموجة الوردية النسائية"، إذ أن هذا العام يشهد خوض
أكبر عدد من المرشحات للانتخابات بما يفوق أي دورة انتخابية مضت، ففي ولاية
"ميتشيجان" تسيطر السيدات على قائمة الترشح للفوز بمنصب الحاكم، بينما
تخوض الديمقراطية " رشيدة طليب " الانتخابات بدون منافس للفوز بمقعد في
مجلس النواب ، لتصبح بذلك أول سيدة مسلمة يتم انتخابها لعضوية الكونجرس .(5)
وتكمن أهم أسباب الكثافة النسائية
في هذه الانتخابات وفق تقارير في إبداء العديد من المرشحات رغبتهن في تعويض خسارة "هيلاري كلينتون" في
انتخابات الرئاسة عام 2016، بالإضافة إلى الغضب النسائي تجاه سياسات ترامب
المناهضة للمرأة بالإضافة لتهم التحرش المنسوبة للرئيس الأمريكي .
السيناريوهات المتوقعة
تتلخص السيناريوهات المتوقعة للانتخابات في التالي
:
1- استمرار الأغلبية الجمهورية في الكونجرس، وهو ما
يعني استمرار سياسات ترامب وزيادة فرص إعادة انتخابه في 2020 لدورة ثانية .
2- انتزاع الديمقراطيين الأغلبية في مجلسي الكونجرس،
وهو كابوس بالنسبة لترامب اذ سيعطل ذلك أجندة ترامب ويجعله كالبطة العرجاء، وتتضح
خطورة هذا التحول المحتمل إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن مختلف سياسات الرئيس
بما فيها تشييد جدار فاصل علي الحدود مع المكسيك يجب أن يتم إقرارها أولاً من
الكونجرس بمجلسيه .
3- فوز الديمقراطيين بأحد مجلسي الكونجرس (النواب)
واحتفاظ الجمهوريين بالأغلبية في الآخر (الشيوخ)، وفي هذه الحالة سوف يتسم الوضع
بشكل عام بالجمود، وسوف تزيد احتمالات الإغلاق الحكومي مع عجز الأطراف المتنافسة
والمسيطرة على قطاعات مختلفة من الحكومة عن التوافق مع بعضها البعض .
ولا شك أن كل المعطيات والتوجهات
تشير إلى أن السيناريو رقم 3 هو الأقرب للحدوث خاصة وأن عدد كبير من الجمهوريين
متوقع أن يغادر مجلس النواب هذا العام بغرض التقاعد عن العمل السياسي أو السعي
وراء منصب أعلى أو لمعارضة سياسات ترامب، وسيغادر بعض الجمهوريين المنصب خشية
تعرضهم للطرد بالتصويت ضدهم، بالإضافة إلى كون انتخابات مجلس النواب تتم في مناطق
حضرية وهي التي لا يحظى فيها ترامب بشعبية واسعة .
أما فيما يتعلق بمجلس الشيوخ فسوف
يتم طرح 35 مقعد للتصويت من أصل 100، ويحتاج الديمقراطيون للفوز بمقعدين من أيدي
الجمهوريين حتى يتمكنوا من السيطرة على المجلس وهو الأمر الصعب إذ أن كل المعطيات
تشير إلى استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ خاصة وأن الصراع على مقاعد
المجلس تجري في ولايات مفصلية فاز فيها ترامب في الانتخابات الرئاسية، أضف إلى ذلك
ان تركيز ترامب على قضية الهجرة سوف يؤدي لرفع فرص الجمهوريين لبناء الأغلبية في
المجلس .
وتشير كل التوقعات التي تدعمها
التجارب التاريخية إلى خسارة الرئيس ترامب والجمهوريين فالحزب الذي له رئيس في
البيت الأبيض عادة ما يخسر في المتوسط 32 مقعد في مجلس النواب ومقعدين بمجلس
الشيوخ، وذلك في كل انتخابات تجديد نصفي جرت منذ الحرب الأهلية في الولايات
المتحدة بين عامي 1861 و 1865، كما أن تراجع الظهير والتأييد الشعبي للرئيس ترامب نتيجة
العديد من الأزمات كان علي رأسها خضوع فريقه للتحقيق فيما يتعلق بتدخل روسي في
انتخابات الرئاسة عام 2016، بالإضافة إلى تورط "ترامب" نفسه في قضية دفع
مبالغ مالية لسيدات زعمن أن علاقة جمعتهن به، مما قد يؤثر علي مدى الدعم لمرشحي الحزب
الجمهوري ويصب في صالح تنامي فرص الديمقراطيين .
ولكن هذا لايعني بالطبع أن المعركة الانتخابية محسومة لصالح الديمقراطيين ، فيمكن للجمهورين تلقي الدعم من الناخبين وذلك بسبب تنامي وتحسن الأداء الإقتصادي الأمريكي، فمثلا : الرواتب قد سجلت أعلى معدل لها خلال ال 9 سنوات الأخيرة تقريباً؛ حيث سجلت زيادة بمقدار 2.8% تقريبا خلال هذا العام وحتى شهر سبتمبر الماضي سجلت معدلات البطالة تراجعاً كبيراً .(6)
الهوامش:
1-http://cutt.us/9iWkS
2- https://www.almasryalyoum.com/news/details/1339942
3- )
http://cutt.us/WMP7c
4- https://www.opensecrets.org/news/2018/10/cost-of-2018-election/ )
5- http://cutt.us/UpiXD
6- http://cutt.us/G7KjG