هل تمثل الأردن وجهة داعش القادمة؟
لا يمكن لداعش تدمير الأردن، لكن هل يمكن للأردن تدمير داعش؟،
بهذا الاستفهام يمكن تفسير حدود وتأثير تداعيات الانتشار للتنظيمات الإرهابية
المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام(داعش)، على العديد من دول
المنطقة، خاصة في ظل معاناة أغلب الدول من توترات وتهديدات داخلية أو خارجية، خاصة
الأردن المحاطة بالعديد الحروب الأهلية، والتي تفرض عليها استقبال عدد كبير من
اللاجئين.
ويتمثل التهديد الأكبر الذي يواجهها في أنها تمتلك حدودًا
مشتركة مع العراق وسوريا، وهي دول حصلت داعش على مكاسب كبيرة بها، رغم الغارات الجوية
التي وُجهت إليها، والتي شاركت فيها الأردن.
لماذا
الأردن؟
أثار التمدد السريع للتنظيم الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الاسلامية"
(داعش) في سوريا والعراق هلع دول الجوار مثل الأردن الذي يشعر بقلق من وجود مؤيدين
لهذا التنظيم داخل حدوده، الذي ظهر جليًا في التظاهرات التي شهدتها مدينة "معان"
في يونيو 2014 ؛ حيث خرج العشرات من مؤيدي "الدولة الاسلامية" (داعش) الى
شوارع معان في مظاهرة أعلنوا فيها دعمهم للتنظيم الإسلامي المتشدد، مؤكدين ان معان
هي "فلوجتهم الجديدة" في اشارة الى المدينة العراقية -الفلوجة- التي يسيطر عليها التنظيم. (1)
ورغم أن أعلام داعش اختفت من شوارع معان الآن، فإن الدعم الذي يتمتع به التنظيم
ما زال قويًا. وفي غضون ذلك، يتواصل تمدد داعش على حدود الأردن الشمالية والشرقية،
في ظل الخسائر التي يتعرض لها التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، وخسارته مزيدًا
من الأراضي التي كان يسيطر عليها.
إن "تنظيم
داعش" يسعى لتعويض انحصاره الداخلي والتغطية على تراجع أماكن نفوذه في العراق
وسوريا، بتكثيف عملياته الخارجية، حتى يثبت لأنصاره أنه لا يزال قادرًا على التوسع
والمناورة، وقد غادر العديد من الأردنيين للانضمام إلى الدولة الإسلامية - والآن هم
يعودون، وعلى الرغم من انحسار الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، لكن مقاتليها قد
يجدوا ملاذًا آمناً في المملكة الأردنية.
إن الأردن الذي انضم إلى الحرب الدولية ضد داعش، يحارب الآن على جبهتين: الأولى
ضد خطر وقوع هجمات على أهداف داخل البلاد، والثانية ضد الأفكار والأيديولوجيات التي
بدأت بالانتشار بين الشباب والمهمشين، ولعل هذه المشاركة أثارت حفيظة المتشددين في
الداخل الأردني.
يذكر أن رجل الدين الأردني الشيخ "محمد شلبي" - المعروف بأبي سياف
- قد شجع الأردنيين الشباب على التوجه الى سوريا للقتال. وأبوسياف، المقرب من تنظيم
القاعدة، يقول إنه يؤمن بالجهاد ولكنه يصر على أن داعش لا تمثل الإسلام. (2)
وتتزايد المخاوف من انتشار الأفكار المتطرفة في الداخل الأردني، بفعل وجود
العديد من المتغيرات التي تساعد على تحقيق مزيدًا من التوغل لتلك الأفكار، أبرزها:
أن الأردن يأوي أكثر من 2 مليون لاجئ فروا من سوريا والعراق، في حين تعمل
التنظيمات المتطرفة على استهداف بعض هؤلاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث توجد الكثير
من الحسابات المزيفة للأشخاص على هذه المواقع، لقد زاد التهديد الذي يستهدف الأردن
بلا شك. ففي السابق، كان مؤيدو داعش يتحدثون إلى الإعلام أو يعبرون عن آرائهم عن طريق
الانترنت، اما الآن فهم يعملون في الخفاء. مما يزيد من مخاطر وقوع هجمات انتحارية ما
لم تقم الحكومة باجراءات احترازية، بالإضافة لذلك فإن الأردن يعاني من مشكلات أخرى
أكثر تأثيرًا في تنامي هذه الظاهرة، لكن هذه المرة تتعلق بالجانب الاقتصادي؛ حيث يعاني
الاقتصاد الأردني من العديد من مظاهر التراجع بسبب التغييرات التي سببتها الاضطرابات
الإقليمية الكبرى، والحرب الأهلية السورية، كما أن أسعار الطاقة في ارتفاع مستمر بوتيرة
سريعة، وقد شهدت كل المؤشرات الاقتصاديةانخفاضًا ملحوظًا، بالإضافة لذلك يوجد برنامج
خصخصة كبير، إن الاقتصاد عانى من الكثير من الأزمات مما أدى إلى تكاليف إضافية في الوقت
الحالي، بينما تواجه الأردن تهديدات داعش وآخرين.
المدفع
صوب الأردن
يبدو المشهد في الجنوب السوري أكثر تعقيدًا هذه الأيام؛ فقد باتت المواجهة بين
الأردن وتنظيم الدولة، المعروف باسم "داعش"، مفتوحة على الخيارات كافة، في
حين أن وتيرة المخاوف الأردنية من أوضاع الجنوب السوري، وإمكانية انتقال مخاطرها إلى
داخل حدوده من خلال تفجيرات وعمليات تسلّل، آخذة في الارتفاع.
وكان التنظيم قد توعد الأردن، ودعا أنصاره لتنفيذ عمليات على غرار عملية الكرك
في 18 ديسمبر 2016. وقد نشرت "ولاية الفرات" تسجيلًا يظهر أربعة من مقاتليه،
الذين قال إنهم أردنيون، وهم يقومون بذبح أربعة سوريين من "الصحوات" الذين
تدربوا في الأردن لقتال التنظيم، فيما أقدم خامس على ذبح عنصر في المعارضة السورية
التي تلقت تدريبًا في الأردن، بحسب التسجيل.
وسبق لتنظيم الدولة أن حذر الأردن من التعاطي مع الائتلاف الدولي الذي تقوده
واشنطن، وسبق لعمّان أن أعلنت رسميًا دعمها الجيش العراقي في مواجهة التنظيم. في
حين وجه تنظيم "داعش" الإرهابي، في أبريل 2017، تهديدًا عنيفا للأردن، دعا
خلاله أنصاره إلى تنفيذ عمليات في المملكة شبيهة بهجوم الكرك الذي وقع العام الماضي،
وتحت عنوان " فأبشروا بما يسوؤكم"، بث التنظيم إصدارًا مرئيًا، مدته
20 دقيقة، يحتوي مشاهد قاسية لعمليات إعدام وحشية لـ5 أشخاص، قال "داعش"
إنهم من القوات السورية التي تلقت تدريبًا عسكريًا في الأردن، وأعلنت "داعش"
في نهاية الإصدار إن الإعدامات الأخيرة التي نفذتها الحكومة الأردنية، لمدانين بـ"الإرهاب"،
ينتمون للتنظيم ولهم علاقة بما عرف بـ"قضية خلية إربد"، جاءت لطمأنة الغرب،
مؤكدًا أنها لن تضمن الاستقرار كما يريد الأردن، ولعل هذه الإعلانات بمثابة نذيرًا
لأشياء مقبلة.
وفي أغسطس 2018 ، أدى هجوم إرهابي في مدينة السلط إلى مقتل أربعة ضباط أمن أردنيين
وجرح 16 مدنيًا. وتم اعتقال خمسة مواطنين أردنيين ينتمون إلى الفكر الإرهابي للدولة
الإسلامية في أعقاب الهجوم. وكان لدى المهاجمين كميات كبيرة من المتفجرات محلية الصنع
المدفونة في مكان قريب، والتي كان الهدف منها شن هجمات في المستقبل على المدنيين والمنشآت
الأمنية، وهاجم التنظيم عشائر الأردن، المتهمين بالتخلي عن أبنائهم الذين التحقوا بـ"داعش"،
وقاتلوا معه في سوريا، موثقًا إصداره بصور لأخبار نشرت عن إعلان بعض العشائر براءتها
من أبنائها.
إن النشاط المتطرف في الأردن آخذ في الارتفاع منذ عام 2015؛ حيث كانت الحرب
السورية تتجه بثبات إلى البلاد، مما أدى إلى تزايد عدد الخلايا الإرهابية ومحاولة شن
هجمات. (3)
الأردن وحدود المواجهة
يمتلك الأردن خبرة كبيرة في التعامل مع مثل هذه الأنماط من التهديدات منذ
عام 2005، عندما قتل 57 شخصًا في هجمات نُسبت الى تنظيم القاعدة استهدفت ثلاثة فنادق
غي العاصمة عمان، كما تم توجيه ضربات عسكرية جويه ضد عناصر تابعة لتنظيم "داعش"
الإرهابي، على الحدود الأردنية مع سوريا في الأول من أغسطس 2018.
لكن الآن تتعاظم التهديدات وكذلك فإن ديناميات تلك الجماعات شرعت في إتباع
العديد من الوسائل الجديدة في الحشد والتجنيد والتوغل والانتشار.
إن الأردن تحتل المرتبة الثالثة كأكبر مصدر للمقاتلين الأجانب إلى تنظيم داعش؛ حيث سافر ما يقدر بنحو 3000 متشدد أردني
للانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية، مما يثبت أن البلاد عرضة بشدة لموجات عديدة
من التطرف. علاوة على ذلك، ذكر تقرير المركز الدولي لدراسات التطرف العنيف لعام
2017، أنه بينما ينجذب العديد من الأردنيين إلى داعش بسبب البطالة والفقر ، فإن قضايا
مثل التهميش والتعليم الديني تلعب أيضًا دورًا مهمًا في التوظيف والعضوية.
ومع استمرار تراجع داعش في كل من سوريا والعراق، يمكننا أن نتوقع عودة المقاتلين
الأجانب إلى بلادهم الأصلية. في حالة الأردن، يوجد 250 منهم بالفعل. وبينما نجحت عمّان
سابقا ًفي منع الهجمات، سيصبح من الصعب على نحو متزايد القيام بذلك في الوقت الذي يبدأ
فيه العائدون الأردنيون في الحرب الأهلية السورية بالفيضان. سيكون لدى هؤلاء المقاتلين
الأجانب، المجهزين بأيديولوجية الدولة الإسلامية المدمرة والمسلحين بالتدريب القتالي
وخبرات ساحة المعركة، القدرة على تجنيد وتعبئة السكان المستضعفين بشكل مباشر - أو التأثير
عليهم من خلال الوكلاء والعلاقات العائلية.
الأكثر عرضة للخطر من هذا ملف اللاجئين السوريين في البلاد. واعتبارًا من فبراير
2018، كان هناك ما يقدر بـ 657،628 لاجئًا سوريًا في الأردن، أي ما يعادل سبعة بالمائة
من إجمالي سكان البلاد البالغ 9،5 مليون، ويعيش هؤلاء اللاجئون حاليًا في ظروف قاسية
داخل مخيمات مكتظة؛ حيث يتعرضون لمستويات عالية من الجوع والفقر والجريمة المحلية،
وكلها تعمل كمساهمين رئيسيين محتملين في التطرف.
في هذه الأثناء، لا تزال سياسة مكافحة الإرهاب في البلاد مثيرة للجدل. على سبيل
المثال ، جُرّمت حكومة الأردن فعل الانضمام أو حتى تعزيز منظمات إرهابية ، بما في ذلك
تنظيم الدولة الإسلامية. لكن هذا التركيز على "الأمن القاسي" جعل من الصعب
على السلطات في عمان أن توقف التوظيف الراديكالي أو الانخراط بشكل استباقي في المنافسة
الأيديولوجية.
ومع ذلك، بدأت المملكة الهاشمية في الحصول على مساعدة في هذا الشأن. ففي مارس
2018؛ اشتركت البلاد مع الولايات المتحدة في
إطلاق مركز تدريب جديد لمكافحة الإرهاب جنوب عمان. ويأتي هذا المركز الذي صمم لزيادة قدرة الأردن على مكافحة الإرهاب
الداخلي، مع تعهدٍ مدته أربع سنوات بتخصيص حوالي 350 مليون دولار من المساعدات العسكرية.
ويشهد الأردن حملة تستهدف مؤيدي داعش وغيرها من المنظمات المتطرفة، ففي الأشهر
الأخيرة اُعتقل أكثر من 600 من هؤلاء، واُحيل إلى القضاء 150 شخصًا بتهمة اعلان تأييدهم
لداعش او جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، وقد صدرت أحكام بحق 15 شخصًا، ووفق
القوانين الأردنية فإن رسالة واحد مؤيدة لداعش ترسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي كافية
لسجن كاتبها لمدة قد تصل إلى خمس سنوات.(4)
ومع ذلك، فإن هذا الجهد لا يزال وليدًا ولم يحقق بعد أي نتائج ملموسة في تحسين
الوضع الأمني في عمان. وهو أيضًا استثناء؛ حيث لم يول المجتمع الدولي اهتمامًا كبيرًا
بوجه عام إلى ضعف الأردن، مفضلًا التركيز على تفكيك "الخلافة" السورية الإسلامية
ومحاربة مقاتلي داعش المتجهين إلى أوروبا.
ووفق تلك الدلائل فمن المرجح أن تكون الأردن مرشحة للعديد من الهجمات الإرهابية ، ووجهة رئيسية للتخريب من جانب الدولة الإسلامية، ولعل هجوم "السلط" الإرهابي في أغسطس 2018، بمثابة دعوة للاستيقاظ للحكومة الأردنية و للمجتمع الدولي كذلك، إن داعش لا تشكل خطرصا على الأردن فحسب بل على العالم أجمع، ولكن لكن قربهم الجغرافي يعني أن التهديد الذي يشكلوه للمملكة يفوق ذلك الذي يشكلوه لغيرهم من الدول.
الهوامش:
1) الأردن وداعش والحرب على جبهتين، بتاريخ 2 ديسمبر 2014،
على الرابط:
http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2014/12/141201_jordan_isis_two_fronts
2) الأردن يخشى من "إمارة" على حدوده..
"داعش" يهدد و"العشائر" تحذر، بتاريخ 6 أبريل 2017، على
الرابط: http://cutt.us/99yQl
3) الأردن يكشف تفاصيل عن خلية السلط: تكفيريون جدد مؤيدون
لداعش، بتاريخ 13 أغسطس، 2018، على الرابط: http://cutt.us/300aG
4) Emily Przyborowski, Why Jordan Is Next for ISIS, 31 October, 2018, at: https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/why-jordan-next-isis-34792?fbclid=IwAR2waHH_XUstX7WHjIRVrfE-T_LSwvZMTU3XSk59OYv3yFy8_WasLp6njS4