تمكين المرأة نموذجاً .. فرص نجاح التحول الديمقراطي في أفريقيا
تمكنت سيدات قياديات من تقلد مناصب سياسية تميزت بالطابع
الذكوري في العديد من الدول، ومن بين تلك السيدات اللواتي تمكن من وضع بصماتهن؛
"سيريمافو باندرانايكا" باعتبارها أول سيدة تتولى منصب وزير الدفاع في العصر
الحديث بسيريلانكا، كذلك "نيرمالا سيتارمان" التي تقلدت منصب وزيرة الدفاع
الهندية عام 2017، ولعل آخر تلك السيدات اللواتي تمكن من تقلد ذلك المنصب؛ السيدة
"عائشة محمد موسى"، التي تم تنصيبها كوزيرة للدفاع الإثيوبي، في مؤشر يعكس
التحولات التي تخطوها دول القارة نحو تحقيق تحول ديمقراطي شامل، بعدما هيمن
العسكريون على مفاصل الدولة منذ ستينات القرن الماضي..
ولكن قبيل التطرق إلى مؤشر تمكين المرأة، لابد
من تسليط الضوء أولا على فترة ما بعد الاستقلال، التي شهدت انقلابات عسكرية
متوالية، وتهميش كبير للمدنيين، فيما يتعلق بتقلد المناصب السياسية.
حقبة
ازدهار الانقلابات العسكرية
تمتلك القارة الأفريقية سجلًا حافلًا بالانقلابات
العسكرية على مدار العقود التي أعقبت الاستقلال، حيث يمكن احصاء ما يزيد عن 90
انقلاب، نتذكر منها الانقلابان اللذان حدثا في غينيا بيساو ابريل 2012 ، ومالي في
مارس من العام ذاته بعد مواجهات دامية بين أطراف عدة في كلا الدولتين. وبالحديث عن
تاريخ الانقلابات العسكرية الأفريقية؛ نكون بصدد الإشارة إلى الثمان محاولات
انقلابية التي شهدتها نيجيريا خلال الفترة ما بين1966 و 1993 ، والتي أسفرت عن
مقتل رئيس الوزراء النيجيري "أبو بكر باليوا"، خلال المحاولة الانقلابية
عام 1967. في حين شهدت موريتانيا قرابة الست انقلابات بدأت منذ عام 1978، وأسفرت حينها
عن الاطاحة بأول رئيس موريتاني منتخب وهو "ولد داداه"، بينما كان آخر
تلك الانقلابات ما حدث عام 2008، والذي تم على أثره الاطاحة بحكم "ولد الشيخ عبد
الله"، ووضعه قيد الإقامة الجبرية. (1).
أما عن جزر القمر فكانت أبرز الانقلابات التي وقعت بها عام
1995، حيث قاد هذا الانقلاب مرتزقه فرنسي يدعى "بوب دينار" بمشاركة 30 مرتزق
آخر ، واستمر هذا الانقلاب لمدة أسبوع ثم تدخلت قوات فرنسية لإنقاذ الوضع، ومحاكمة
"دينار " على هذا التصرف.
وكان الانقلاب العسكري في نوفمبر 2017 بزيمبابوي هو
الأبرز، حين أعلن عسكريون في الجيش استيلائهم على السلطة، والاطاحة بحكم
"روبرت موجابي"، بعدما سيطروا على مبنى الاذاعة والتليفزيون الرسمي، والقاء
القبض على وزير المالية "إجناشيوس تشومبو" أحد أبرز أعضاء "جي 40"
وهو جناح في الحزب الحاكم تتزعمه "جريس" زوجة موغابي ، لتنعقد
انتخابات رئاسية خلال أغسطس 2018، أسفرت
عن فوز "إيمرسون منانغاغوا".(2)
وبالنظر الى دوافع تلك الانقلابات نجد أبرزها؛ فشل
الحكومات والقيادات السياسية في إحداث اندماج وطني بين الإثنيات المختلفة، إلى
جانب فشل تطبيق اللامركزية، واتساع الفجوة ما بين مكونات المجتمع، وعدم القدرة على
الوصول لآلية يتم بمقتضاها القضاء على الخلافات، والالتفاف حول مشروع وطني.
أبعاد
تمكين المرأة في أفريقيا
رغم تعرض معظم الدول الأفريقية لمحاولات انقلابية، بل وازدياد
وتيرتها خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال، سواء كانت سلمية أو دموية، إلا أنه عقب
انتهاء الحرب الباردة، أصبح هناك استعداد أفريقي نحو احداث تحول ديمقراطي، لعل
أبرز مؤشراته إتاحة الفرصة للنساء بتقلد مناصب حيوية في عدد كبير من الدول
الأفريقية، كان آخرها تمكن السيدة "عائشة محمد موسى" من تولي منصب وزيرة
الدفاع الأثيوبية، خلال التجديد الوزاري لحكومة "آبي أحمد" في أكتوبر 2018، ويمكن الاستشهاد على تلك التحولات
في الأنظمة السياسية الأفريقية كما يلي:
انتصارات نسائية في حكومة "آبي أحمد"
تتواصل الاجراءات الاصلاحية التي يتخذها رئيس الوزراء
الاثيوبي "آبي أحمد" منذ توليه منصبه خلال ابريل 2017، فإلى جانب تمكنه
من الخوض في محاولات لترميم علاقات إثيوبيا بدول الجوار، كذلك نجاحه في حلحلة ملف
الخلافات الإثيوبية ـ الإرتيرية، تمكن أيضا من احداث اصلاحات داخلية؛ لعل أبرزها إلغاء
حالة الطوارئ المسيسة في البلاد، ورفع الحظر عن مجموعات عرقية مسلحة، بهدف إتمام
عملية تفاوضية من أجل إحلال السلم المجتمعي، إلى جانب الافراج عن عدد كبير من
السجناء والمعتقلين السياسيين، في حين بدأ بوضع خطط فاعلة لترميم الهيكل الاقتصادي.
فكان لتلك الإجراءات تأثيرها المباشر على شرعية "آبي أحمد"، بعدما أعيد
انتخابه بأغلبية 176 صوتًا من أصل 177 على رأس الائتلاف الحاكم في إثيوبيا في
مؤتمره الـ11.
فكان التشكيل الحكومي الذي قام به عقب إعادة تجديد
الثقة، هو الحدث الأبرز الذي حظي بردود فعل إقليمية ودولية إيجابية، حيث تم
بمقتضاه اختيار 10 سيدات من إجمالي 20 وزيرًا، أي ما يشكل نسبة 50% من الحكومة، في
خطوة تنم عن وعي رئيس الحكومة بضرورة احداث تكافؤ بين الجنسين. فقد تم تقليد نساء
في مناصب وزارية دقيقة، وذلك بتولي "عائشة محمد" وزارة الدفاع، في حين
ستترأس "موفرات كميل" وزارة السلام المستحدثة والمعنية بالإشراف على
الشرطة الاتحادية، وأجهزة المخابرات، إلى جانب دورها في الفصل بين النزاعات
العرقية، بينما تهيمن الأخريات على وزارات التجارة والنقل والعمل، وكذلك الثقافة والعلوم
والإيرادات.(3)
وبالنظر إلى التشكيل الوزاري عموما؛ نجده يعكس تطلع حقيقي
نحو تمثيل كل العرقيات، فوزيرة الدفاع "عائشة بن محمد" تأتي من منطقة
عقار ذات الأغلبية المسلمة، في حين يأتي وزير المالية "أحمد شايد" من
المنطقة الصومالية، التي شهدت تهميشًا كبيرًا على مدار سنوات عدة، بينما تم توزيع
باقي المناصب بحسب النسبة التي تشكلها كل عرقية مع مراعاة التكافؤ النوعي في توزيع المناصب. وقد شدد رئيس الحكومة "آبي أحمد"
أثناء عملية المصادقة على أهمية الاعتماد على العنصر النسوي، نظرًا لكونهن أقل
فسادًا، وينبغي الاعتماد عليهن لدفع عجلة النمو، مؤكدًا في الوقت ذاته على أن
الديمقراطية تشكل قضية وجودية لإثيوبيا، وعلى ضرورة التعايش السلمى، والعمل على
صهر كافة طوائف المجتمع داخل بوتقة واحدة(4). ولعل أهم ما يميز حكومة
"آبي أحمد" عن غيرها، حرصها الشديد على تفعيل آلية التمثيل النسبي،
بخلاف الحكومات السابقة التي حرصت على تبني سياسات حشد عرقي كوسيلة للوصول إلى
السلطة والحفاظ على المناصب السياسية.
تجربة رواندية موازية
بعد يومين من التعديلات الوزارية الإثيوبية، أقدمت
رواندا على الأمر ذاته، حيث اعتمدت حكومة جديدة تقوم على المناصفة، تم خلالها
تكليف عدة نساء بمناصب وزارية حساسة، في حين حصل العنصر النسائي على نسبة 61% من
المقاعد البرلمانية، ومشاركته بشكل فاعل في صناعة القرار السياسي. كما شدد الرئيس
الرواندي على ضرورة مشاركة عدد كبير من النساء في صناعة القرار، للقضاء على فكرة
التمييز بين الجنسين. وقد حظيت تلك الخطوة
بقبول، حيث اشادت مفوضية الاتحاد الأفريقي
بتعيين حكومة المناصفة، معتبرة أن هذا القرار
يعكس التزام الدولة بتمكين المرأة، لاسيما في ظل حصول رواندا على المركز
الرابع فيما يخص إجراءاتها المتخذة المتعلقة بتمكين المرأة.(5)
السنغال.. نموذج للديمقراطيات الناشئة
تمثل دولة السنغال نموذجًا حيا للديمقراطيات الناشئة في
غرب أفريقيا ، ولعل نواة هذا التغير بدأت منذ تشكيل الحكومة السنغالية عام2010،
حيث تم خلالها تقليد تسع نساء حقائب وزارية بعدما تم اقرار قانون لتحقيق المساواة
بين الجنسين في الهيئات المنتخبة عام 2009 بينما احتلت النساء في الحكومة التالية
لها ستة حقائب وزراية، في حين عكس التشكيل
الوزاري الجديد الذي تم الاعلان عنه عام 2017 عن وجود ثماني مقاعد للنساء من أصل 39
، وتضمنت التشكيلة الحكومية وزارات حيوية؛ منها وزارة التشغيل، ووزارة الاقتصاد
والتمويل، ووزارة النقل الجوي والبنى التحتية.
ورغم الصدى الإيجابي الذي لاقته خطوة تولي "عائشة محمد موسى" حقيبة الدفاع في إثيوبيا، إلا أنها لم تكن المرة الأولى، حيث تشغل حاليًا "رايشيل أومامو" منصب وزير الدفاع في كينيا، بينما أقبلت على تلك الخطوة دول أخرى كجنوب إفريقيا، وغينيا بيساو والرأس الأخضر ومدغشقر وساو تومي وبرينسيب, وهوما يبشر باستجابة حقيقة لما سبق ونوه إليه الاتحاد الإفريقي في إحدى ملاحظته عام 2008، عندما أشار إلى أن تمكين المرأة هو الآلية التي يمكن خلالها مكافحة الفقر، وممارسات العنف ضد المرأة، وفكرة التميز الاجتماعي ككل، بل التمكن من تحقيق الأهداف الألفية الإنمائية المنصبة بالأساس على المساواة بين النوع الاجتماعي.
المراجع
(1)أفريقيا.. تاريخ حافل بالانقلابات،
مركز الجزيرة للدراسات، بتاريخ 16/4/2012، متاح على الرابط:
(2)
انقلاب عسكري في زيمبابوي واعتقال وزير المالية، موقع
يورو نيوز، بتاريخ 15/11/2017، على الرابط:
(3) حكومة
جديدة في إثيوبيا تنال المرأة فيها نصف عدد الوزارات، هيئة الإذاعة البريطانية،
بتاريخ16/10/2018، متاح على الرابط: http://cutt.us/MlHeQ
(4)المرجع السابق مباشرة.
(5)رواندا "تتحدى"
الصورة النمطية وتعين حكومة نسائية، سكاي نيوز، بتاريخ 19/10/2018، متاح على
الرابط: