التليجرام في إيران .. ما بين السلطة الأمنية وقبضة المتشددين
مثّلت
احتجاجات أواخر 2017 في إيران نقطة انعطاف بارزة في توجه السلطات الإيرانية
للاهتمام بمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. حيث إن إحدى الوسائل الحديثة
التي استخدمها المتظاهرون الإيرانيون في احتجاجاتهم الأخيرة، والتي تُعد نسبياً من
أحدث وأهم وسائل التواصل الاجتماعي، كانت وسيلة التليجرام.
ساهمت هذه الوسيلة، الأكثر انتشاراً وأماناً لدى
الإيرانيين، في تجمع المواطنين والمتظاهرين في أنحاء البلاد المختلفة، مما وجّه
انتباه السلطات الإيرانية تجاهها بضرورة السيطرة عليها لعدم تفاقم الأوضاع.
دور
تطبيق تليجرام في تظاهرات ديسمبر 2017
قام تطبيق تليجرام بدور بارز خلال تظاهرات العام الماضي
في إيران، والتي امتدت لتشمل العديد من المدن الإيرانية من الشرق إلى الغرب ومن
الشمال إلى الجنوب لأسباب سياسية هددت النظام الإيراني بشكل لم يسبق له
مثيل سوى في تظاهرات عام 2009. حيث قام التطبيق بدور بث المعلومات بين المتظاهرين
في إيران ونقل الصور والفيديوهات ليس فقط في الداخل الإيراني ولكن إلى الخارج
ومنصات الإعلام الدولية، وذلك في بلد تحتوي على حوالي 45 مليون مستخدم للأنترنت.
وحينما استخدم المتظاهرون هذا التطبيق المشفر في التجمع
قررت لجنة الأمن القومي الإيرانية في المجلس (البرلمان) أن هذا التطبيق يمثل خطراً
على الأمن العام في إيران وأنه يجب أن يخضع للرقابة وسيطرة السلطات. وذلك تقريباً
هو ما حدث عام 2009 حينما كان لوسيلة التواصل الاجتماعي "تويتر" دور
بارز في تنظيم احتجاجات الحركة الخضراء وما صاحبها من احتجاجات كانت وقتها الأكبر
منذ عام 1979.(1)
حيث تم استخدام وسيلة التواصل
الاجتماعي "تويتر" في تنظيم التجمعات والتظاهرات لـ "انتفاضة
الحركة الخضراء"، جنبش سبز، مما أدى إلى أن تقوم السلطات الأمنية الإيرانية
بالحد من قدرة المواطنين على التوصل إلى تويتر.
السلطات
الإيرانية تقرر حجب تطبيق "تليجرام"
بعد الدور البارز الذي لعبه
التليجرام في التظاهرات الإيرانية الأخيرة، ولا يزال، قررت السلطات الإيرانية حجب
هذا التطبيق لغاية قالت إنها حفظ الأمن القومي الداخلي. وتسعى طهران إلى أن يحل
محل هذا التطبيق "تليجرام" تطبيق آخر محلي يخضع لرقابة وسطرة الأجهزة
الداخلية.
وعلّق رئيس لجنة الأمن القومي الإيراني بالمجلس، علاء
الدين بروجردي، على ذلك قائلاً" إن التطبيق البديل ستتم صناعته في أعلى
المراتب الحكومية" ومضيفاً أن التليجرام قد لعب "دوراً مدمراً"
داخل الأراضي الإيرانية. وأشار بروجردي إلى أن إيران انتجت خلال الفترة الأخيرة
تطبيقات محلية بديلة للتطبيقات المثيلة المنتشرة عالمياً.(2)
وعليه، فقد أصدر القضاء الإيراني في أواخر شهر إبريل
الماضي قراراً بحجب تطبيق "تليجرام" قائلاً إنه ينشر رسائل جماعات
معارضة مسلحة مما يهدد الأمن القومي للبلاد. واتهمت طهران تطبيق تليجرام بتأجيج
موجات الاحتجاجات السابقة في البلاد أواخر العام الماضي عبر التواصل ما بين
المعارضين والمواطنين العاديين في الداخل الإيراني وبعض الجماعات الأخرى في
الخارج.
وبعدما قررت السلطات حجب
تليجرام قررت إبداله بتطبيق آخر أطلق عليه "سروش". لم يحقق
"سروش" شعبية واسعة بين المواطنين الإيرانيين مثل الانتشار الكبير
للغاية الذي كان التليجرام قد حققه في إيران، والذي وصل إلى الملايين في إيران
وبات وسيلة التواصل الأساسية في إيران سواء مع الداخل أو الخارج.(3)
وبات عدد المشتركين في "سروش" حوالي 4 ملايين
شخص بينما كان عدد المشتركين في تليجرام حوالي 40 مليون شخص وذلك لأن الإيرانيين
يشعرون بأن السلطات سوف تتجسس عليهم من خلال مثل هذه التطبيقات المحلية والتي يصعب
عليها ذلك نسبياً من خلال التليجرام. وعلى الجانب الآخر، يلجأ الشباب الإيرانيون
إلى الوصول إلى المواقع والتطبيقات المحجوبة من خلال وسائل متعارف عليها.(4)
اقتصاد
إيران يتأثر بحجب التليجرام
تسبب حجب التليجرام في إيران في فقد العديد من التجار
وصغار أصحاب المشروعات لأعمالهم التي كانوا يمارسونها بشكل أساسي ويتواصلون في
خلال ذلك مع الآخرين من خلال تطبيق التليجرام. وذكر العديد من التجار الإيرانيين
أنهم فقدوا ملايين الدولارات من الأموال بسبب حجب التليجرام في البلاد؛ حيث إنه
كان يُعد الوسيلة الرئيسية للتعامل سواء التجاري أو الشخصي في إيران، وذلك في ظل
حجب وسائل التواصل الأخرى.
وعليه، فإن خطط حجب التليجرام
من المتوقع أن يتسبب في زيادة معدل البطالة في إيران؛ وخاصة بين الشباب لاستخدامه
في العديد من الأعمال التجارية داخل "البازار" الإيراني. أي أن هناك عشرات
الآلاف من الأشخاص سيفقدون أعمالهم وسيفقد على الجانب الآخر نصف مليون شخص قوت
يومهم في البلاد.
التيار
المشدد والتليجرام
يُعد التيار المتشدد في إيران من أكثر المعارضين
لاستخدام التليجرام في البلاد حيث إنهم يعدونه أداة من أدوات الغرب في التدخل في
الشؤون الداخلية لإيران بل وأداة للتجسس على المواطنين الإيرانيين والتأثر على
المجتمع المحلي. ولهذا، فقد رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي لا يحسب على التيار
المتشدد، لهذه الرقابة الإدارية على وسائل التواصل الاجتماعي وطالب بتخفيفها داخل
الأراضي الإيرانية.
ويشير المتشددون من النظام الإيراني إلى أن التليجرام كان هو السبب في التواصل ما بين المحافظات المختلفة في إيران من مشهد إلى الأحواز وكذلك أنه تم استخدامه في التواصل ما بين المضربين في العديد من الاحتجاجات العمالية داخل إيران مما يتوجب على النظام حجبه؛ حفاظاً، كما يقولون، على الأمن القومي في البلاد.
مستقبل
وسيلة التواصل الاجتماعي "التليجرام" في إيران
تشعر
السلطات الأمنية الإيرانية بشكل دائم بمخاوف من وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها
ما بين المواطنين الإيرانيين، خاصة بعد انتشار واندلاع التظاهرات بشكل غير مسبوق
داخل الأراضي الإيرانية وفي أغلب المحافظات بشكل شبه يومي.
ولذلك،
فإن السلطات الإيرانية من المتوقع أن تسعى خلال الأيام القادمة إلى الحد من القدرة
على التواصل ما بين المواطنين من خلال وسائل التواصل الاجتماعية المختلفة، والتي
بات أهمها حالياً التليجرام. إلا أنه وعلي الجانب الآخر، ليس من المتوقع أن تنجح
تجارب محلية مثل تجربة تطبيق "سروش"؛ وذلك لعدم انتشارها محلياً ولمخاوف
داخل المواطنين الإيرانيين تتعلق بها من حيث تجسس السلطات الأمينة عليهم.
وبشكل عام، لن تستطيع السلطات الإيرانية بشكل منطقي أن تخنق من قدرة المواطنين على التواصل خاصة في ظل العصر الذي يشهد قدرات تكنولوجية وتواصلية غير مسبوقة. وأحد الدلائل هو استخدام المواطنين للتطبيقات ذاتها من خلال طرق مختلفة ومن خلال الاستعانة بإمكانات تقنية مختلفة تمكنهم من تجنب هذه السياسات الحكومية.
الهوامش
1-
صالح حميد، "كل ما
تحتاج معرفته عن أسباب انطلاق انتفاضة إيران"، العربية، 1 يناير 2018،
الرابط: http://cutt.us/BhBzZ
2-
"إيران تحجب تطبيق تلغرام الشهر
المقبل"، إرم، 31 مارس 2018، الرابط: http://cutt.us/qPN5S
3-
"إيران تستبدل تلغرام
بتطبيق محلي الصنع خلال أسابيع"، سي إن إن، 1 إبريل 2018،
الرابط:
4- تسييس الإنترنت: دلالات حجب تطبيق "تلجرام" في إيران"، مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، 7 مايو 2018، الرابط: http://cutt.us/nko8n