توترات متصاعدة .. "جيش العدل" والصراع مع الحكومة الإيرانية
تشكل منطقة سيستان وبلوشستان الإيرانية الواقعة إلى
الشرق مع الحدود الباكستانية واحدة من أكثر دوائر الصراع والتوتر داخل الأراضي الإيرانية؛
حيث إن تردّي الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتفاقم المشكلات العرقية أو الطائفية
الأخرى في هذا الإقليم الإيراني أدى إلى انتشار عدد من الجماعات المسلحة والحركات
السياسية المعارضة للنظام الإيراني.
تحاول هذه الحركات الإيرانية المسلحة مساندة
أهالي بلوشستان ضد النظام الإيراني؛ وذلك بسبب معاناتهم من التهميش الحكومي لسنوات
طويلة مما جعلها مرتعاً للجماعات المسلحة المختلفة، وإلى جانب ذلك وقوعها على
الحدود الإيرانية، مما يجعل السيطرة على مثل هذه الجماعات أمراً صعباً إلى حد ما
إذا ما أضفنا إلى ذلك الطبيعة الجبلية لهذه المناطق والتي يصعب كذلك الوصول إليها.
يمكن تقسيم الداخل الإيراني من الناحية
العرقية إلى عدد من الأقليات المختلفة في العديد من الأوجه، والتي يأتي على رأسها
اللغة والعرق. وعلى سبيل المثال، على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية دقيقة حول
ذلك الأمر، يشكل الفرس حوالي 45% من تعداد السكان في إيران، ويشكل الآذريون 25% و
8% للأكراد ومثلهم للآذريين، ويمثل العرب 4% والبلوش 3% و الذين يتركزون في شرق
البلاد كما ينتشرون في عدد من البلدان الأخرى مثل باكستان.(1)
يتبع أغلب المواطنين الإيرانيين المذهب
الشيعي، في حين تتبع أغلب الأقليات الأخرى المذهب السني ومن بينهم البلوش.
أولاً-
تفاقم المشكلات في محافظة سيستان وبلوشستان وانتشار المخدرات
تبلغ مساحة سيستان وبلوشستان الإيرانية،
المحافظة الثالثة في البلاد مكن حيث المساحة الكلية إلى مساحة إيران، حوالي 181
ألف و 600 كيلومتر متربع شرق إيران، ويقطنها أكثر من 3 ملايين نسمة. يعاني أهالي
الإقليم من التهميش على حساب المناطق المركزية الأخرى مثل العاصمة طهران وغيرها من
المدن الأخرى التي تأخذ أولوية على حساب الإقليم.
تُعد طائفة البلوش من أكبر القوميات التي تقطن
المناطق الحدودية ما بين إيران وباكستان وكذلك أفغانستان، كما تنتشر هذه القبائل
كذلك في بعض مناطق الخليج العربي.
بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان
يقيم سياسة القبضة الحديدة في الإقليم، وقيام الثورة الإيرانية عام 1979، شرع
البلوش في البحث عن حقوقهم إلا أنفهم ووجهوا بالنظام الإيراني الجديد بقيادة
الخميني ومن بعد خامنئي وتم حظر الأحزاب السياسية في بلوشستان وشن حملة مضادة من
قبل الطرفين، أهالي بلوشستان والنظام الإيراني.
وينبع
غضب أهالي سيستان وبلوشستان من عدد من الاعتقالات والتضييقات عليهم والتي يأخذ
بعضها الصبغة الطائفية، حيث يعاني البلوش خلال العقود الأربعة الماضية من محاولات
التضييق علي هويتهم التي يفتخرون بها وبلغتهم البلوشية. حيث فرضت السلطات
الإيرانية خلال السنوات الماضية اللغة الفارسية في الوظائف والأعمال الحكومية في
الإقليم مما يتبعه بالتأكيد محاولات إخفاء الهوية البلوشية، وهو ما يعارضه البلوش
بشكل كامل.
وخلال السنوات الأخيرة، تحول إقليم بلوشستان
إلى واحد من أكثر الأقاليم المتوترة والمضطربة على الحدود الشرقية لباكستان من
الناحية الأمنية، وذلك بسبب الصراعات العراقية والمذهبية بين السنة والشيعة في
المنطقة إلى جانب العنصرية التي يلاقيها أهالي بلوشستان إزاء السلطات الإيرانية.
وإلى جانب
الصراع المذهبي والعرقي في بلوشستان إيران، تنتشر عمليات تهريب المخدرات في
الإقليم حيث إن انتشار المخدرات وخاصة مخدر الهيروين يُعد ملاحظاً في الإقليم.
ويساعد الموقع الجغرافي لبلوشستان القريب امن الحدود الأفغانية على انتشار
والترويج والاتجار بالمخدرات في ليس في إقليم بلوشستان فقط، ولكن في كثير من
المناطق الإيرانية والتي يستخدمها البعض من المحليين في عمليات الإثراء السريع.
ومن المهم الإشارة إلى أن الاتهامات الموجهة
إلى بعض أهالي إقليم بلوشستان الإيراني تختلط في بعض الأحيان فيها التهم السياسية
بتهم الاتجار بالمخدرات.
ويشير تقرير دولي صدر عام 1991 إلى أن
"خنق الحركة القومية البلوشية في الإقليم يقترن في بعض الأحيان بالحملة
المتواصلة ضد عمليات الاتجار بالمخدرات في بلوشستان، ذلك بالإضافة إلى أن هناك بعض
الحالات من السجناء الذين لا يجدون تمييزاً بينهم وبين المتاجرين بالمخدرات في
السجون".
ثانياً-
ظهور الجماعات المسلحة في إقليم سيستان وبلوشستان
أدت كل هذه الظروف المكورة من انتشار الفقر والعوز في
منطقة سيستان وبلوشستان، إلى جانب التضيق الأمني من قبل السلطات إلى ظهور العديد
من الجماعات المسلحة داخل الإقليم التي تعلن صراحة معارضتها للنظام الإيراني
وسياساته سواء الداخلية أو الخارجية.
ومن هذه الجماعات التي ظهرت كمعارضة مسلحة للنظام الإيراني
في إقليم سيستان وبلوشستان. كانت جماعة "جيش العدل والمساواة" قد تأسست
عام 2010 إثر تنفيذ السلطات الإيراني حكم الإعدام في زعيم تنظيم "جند
الله" السنية المناهضة للحكومة الإيرانية عبد المالك ريجي. حيث تعهد أتباعه بالانتقام
له من السلطات الإيرانية، وكان من أبرز هؤلاء المتوعدين أخوه عبد الرؤوف ريجي الذي
أعلن أن أهدافهم تتركز على استعادة حقوق البلوش داخل الدولة الإيرانية.
وفي وقت لاحق، أعلن ريجي و مؤيد آخر بارز هو عبد الرحيم
ملا زاده استعدادهم لبدء الصراع المسلح من أجل التوصل إلى وتحقيق هذه الأهداف
وأعلن ريجي تأسيس "جيش العدل" بعد أن أعلن ملا زاده في وقت سابق، قبله
ذلك بحوالي أشهر معدودة، تأسيس جماعة "جند الله" في بلوشستان. وفي عام
2012، بويع ملازاده كزعيم لجماعة جيش العدل.
ويرتبط ملازاده، ويصدر ملازاده بياناته باسم
آخر هو "صلاح الدين فاروقي"، بعلاقات وثيقة مع القبائل البلوشية في
الإقليم وهو ما يُعد أحد منابع قوة الحركة داخل الإقليم. حيث أنه هناك العديد من
حالات المصاهرة والقرابة ما بين ملازاده وعدد من قبائل هذا الإقليم.(2)
تشكيلات جيش العدل
تتكون جماعة جيش العدل البلوشية من ثلاث كتائبَ تمت
تسميتها بأسماء ثلاثة قادة قتلوا في مواجهات أمنية أو في السجون الإيرانية، وهم
نعمت الله توحيدي، عبد الملك ملازاده، والشيخ ضيائي وذلك إلى جانب كتيبة أخرى
أمنية مهمتها استطلاعية.
ويقول جيش العدل إنه "يقاتل القوات
الإيرانية لاستعادة حقوق أهل السنة في البلاد" وتتهم الجماعة السلطات
الإيرانية بالتخطيط لممارسات طائفية في الإقليم وعدد من المناطق التي يقطنها أهل
السنة في إيران.
وعليه، تقول جماعة جيش العدل إنها تهدف، كما ورد في بياناتها،
إلى التالي:
أ-
إخراج كل مظاهر الشرك من الأراضي البلوشية.
ب-
إضعاف القبضة الأمنية الإيرانية في مناطق بلوشستان
المختلفة وإشغال النظام في الداخل.
ت-
الدفاع عن أهل السنة في إيران وجميع أنحاء العالم.
ث- استعادة حقوق البلوش التي سلبها النظام الإيراني
خلال الفترة الماضية. (3)
عمليات قام بها جيش العدل
قام جيش العدل البلوشي منذ تأسيسه وحتى الآن بعدد من
العمليات التي استهدفت في الغالب الجنود الإيرانيين على الحدود مع باكستان، وكان
من أبرزها ما يلي:
أ- استهداف طائرة هيليكوبتر
إيرانية:
قام "جيش العدل" الإيراني عام 2013
باستهداف طائرة هيليكوبتر إيرانية تابعة للقوات الإيرانية الحدودية شرقي البلاد،
وذلك باستخدام قذيفة غير متطورة. قالت الجماعة إن استهداف الطائرة جاء رداً على
استهداف السلطات الإيرانية لمنزل أحد زعماء الحركة.
ب- اختطاف جنود إيرانيين:
أعلن "جيش العدل" عام 2014 عن
اختطاف عدد من الجنود الإيرانيين التابعين لحرس الحدود، كانوا حوالي 5 جنود على
الحدود الشرقية لإيران. أوضح جيش العدل أن العملية جاء للرد على مقتل 15 مواطناً
من البلوش على يد القوات الإيرانية في مدينة جابهار. وفي العام نفسه قامت الحركة
بإطلاق سراح الجنود الإيرانيين المختطفين.
ج- اختطاف ضابط إيراني من
الحرس الثوري:
اختطف جيش العدل البلوشي
عام 2013 ضابطاً إيرانياً في الحرس الثوري كان في مهمة استخباراتية في منطقة
"سراوان" الحدودية بالإقليم، وخلال عملية احتجازه بثّت الجماعة اعترافات
مصورة للضابط اعترف فيها بتشكيل الحرس الثوري لخلايا في عدد من دول الشرق الأوسط
من بينها سوريا ولبنان والعراق.(4)
د- اختطاف عدد من القوات
الأمنية والاستخباراتية الإيرانية:
ذكرت وسائل إعلام إيرانية
رسمية منتصف الشهر الجاري أن حوالي 14 عنصراً من قوات الأمن والاستخبارات
الإيرانية قد تعرضت للاختطاف من قِبل جيش العدل في
محافظة سيستان وبلوشستان الحدودية مع باكستان.
ويجري الحرس الثوري الإيراني حالياً اتصالات مختلفة مع الجيش الباكستاني من أجل استعادة المخطوفين وتسليم عدد من عناصر جيش العدل. وكان آخر ذلك الاتصال ما بين قائد الجيش الإيراني، محمد باقري، ونظيره الباكستاني، قمر جاويد باجوا الذي تناول التعاون من أجل تحرير المخطوفين.
الهوامش
1-
"قوميات إيران الثائرة
في وجه "نظام الملالي"، سكاي نيوز عربية، 7 يناير 2018، الرابط:
2-
"التمييز القومي والطائفي
في إيران…. بلوشستان نموذجاً"، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية،
5 يوليو 2016، الرابط: http://cutt.us/9KXrf
3-
"إيران: "جيش العدل في مواجهة الحرس الثوري"،
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 13 مايو 2017، الرابط: http://cutt.us/J6A8i
4-
عرفة البنداري، "جيش العدل" .. هنا دولة بلوشستان ووجع
إيران"، دوت مصر، 3 أبريل 2015، الرابط: