المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

تغير المناخ والندرة المائية.. المواجهة المصرية للتحديات الأمنية غير التقليدية

الخميس 18/أكتوبر/2018 - 06:04 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
ميرال حسين عبد الغني

قديمًا، كانت قضايا الأمن التقليدي هي وحدها التي تستحوذ على اهتمام المجتمع الدولي، بينما ظهرت في العقود القليلة الماضية قضايا غير تقليدية تمس صميم أمن الدول والعلاقات بينهم؛ كقضايا القوة الناعمة "Soft Power"، جاء على رأسها تغير المناخ  والبُعد المائي الذي يعاني من ندرة نسبية، مما أجبر المجتمع الدولي أن يضعها إحدى أهم أولوياته في الآونة الأخيرة.

أولاً- تغير المناخ .. نطاق الأزمة:

تسببت الثورة الصناعية التي اجتاحت العالم أجمع في ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمقدار 1.2 درجة مئوية بالمقارنة لما كانت عليه قبل هذه الفترة، والذي سيؤدي بدوره إلى موجات جفاف وفيضانات، ومن ثم تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية، إلى جانب استمرار ارتفاع مستويات سطح البحر بسبب انصهار القطبين –الشمالي والجنوبي- على المدى البعيد، لتصبح الفئات الأشد ضعفًا هي الأكثر تضررًا، مما يهدد الجهود الدولية الرامية إلى القضاء على الفقر(1).

الأمر الذي جعل تغير المناخ  إحدى التحديات الكبرى المعاصرة التي تواجه المجتمع الدولي لما لها من تأثيرات  واسعة النطاق؛ إذ توقعت منظمة الصحة العالمية أنه في الفترة ما بين عامي 2030 و2050، سيؤدي التغير المناخي لوفاة ما يقرب من 250 ألف شخص حول العالم، بينما توصل "تقرير المخاطر العالمية" - الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يجمع تقييمات من 750 عالمًا وخبيرًا- إلى أن هناك خمسة مخاطر يواجها المجتمع الدولي منذ عام 2017؛ أربعة منها تتعلق بالمناخ وهم: التحول الجذري في الطقس، أزمات المياه، الكوارث الطبيعية الكبيرة، وعدم التمكن من تقليل حدة آثار التغيرات المناخية والتكيف معها(2).

ومن جانبه، أكد البنك الدولي في تقرير له أنه بحلول عام 2050، ستزيد معدلات الهجرة الداخلية الناجمة عن تغير المناخ، مما سيؤدي إلى إجبار أكثر من 143 مليون شخص في ثلاث مناطق، وهي إفريقيا جنوب الصحراء، وأمريكا اللاتينية، وجنوب آسيا على النزوح داخل بلدانهم، للهروب من الآثار البطيئة لتغير المناخ، كعدم كفاية المياه وفساد المحاصيل(3).

لذا كان لزامًا على المجتمع الدولي قاطبًة التحرك للحد من انتشار تلك الآثار، حيث صعدت العديد من المبادرات لخفض الانبعاثات الكربونية والغازات المسببة للاحتباس الحراري، فضلًا عن تجديد البُنى التحتية بشكل يتسم بالقدرة على مواجهة آثار التغيرات المناخية، بل وهناك مقترحات تتمثل في "تسعير الكربون" كحل بسيط وعادل للتصدي لأزمة تغير المناخ، وبالفعل ارتفع العدد الإجمالي لهذه الآلية الفعالة سواء التي نُفذت أو المقرر تنفيذها إلى 47 مبادرة، ومن جهة أخرى، فإن هناك 67 بلدًا—تمثل حوالي نصف الاقتصاد العالمي وينتج عنها أكثر من ربع انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري—تفرض سعرًا على التلوث الناتج عن الكربون(4).

ولا شك أن العمل المناخي يمثل فرصة كبيرة للتنمية العالمية المستدامة، بالإضافة إلى مقومات الاستثمار بتريليونات الدولارات والقدرة على دفع الابتكار، وإيجاد الصناعات الصديقة للبيئة، الأمر الذي سيؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة، وهو ما أكدته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة IRENA، حين أشارت إلى أن التحول العالمي في الطاقة يمكن أن يساهم بنحو 19 تريليون دولار من المكاسب الاقتصادية بحلول عام 2050.

ثانياً- قضية الوجود في الأمن المائي المصري

تُعد مصر أكثر دول حوض النيل اعتمادًا على مياه النيل منذ زمن بعيد بنسبة تتجاوز 95%، فعلى ضفافه قامت واحدة من أعرق الحضارات الإنسانية وهي الحضارة الفرعونية، لكن هذا الأمر أصبح يعاني من أزمة حقيقية بسبب عدة عوامل أبرزها: أن نصيب مصر من مياه النهر منذ عام 1959 هي فقط 55.5 مليار متر مكعب دون الأخذ في الاعتبار زيادة نسبة السكان التي تجاوزت المئة مليون نسمة، مما جعل المصريون يقعون تحت خط الفقر المائي المقدر بـ 1000 متر مكعب سنويًا، هذا بالنسبة للكم فقط، أما الكيف فحدث ولا حرج، فلا يخفي على أحد ما تعانيه دول أفريقيا من تدهور حالة الأحواض المائية وتردي نوعيتها ونقص إمدادات مياه الشرب(5).

والأمر الذي زاد الوضع سوءًا هو أن مصر تعتبر واحدة من أكثر الدول تأثرًا بالآثار السلبية الناتجة عن التغير المناخي خاصًة مع معدلات النمو السكاني السريع، ومن أهم هذه الآثار: الشُح المائي، وتدهور الصحة العامة والأنظمة البيئية، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية تقدر بالمليارات تلقي بظلالها على منظومة الأمن الغذائي ، وهو ما حذر منه موقع الراديو الوطني العام الأمريكي "NPR" في تقرير له في أغسطس 2017 من تداعيات التغيرات المناخية  على مصر، موضحًا أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر على السواحل التي باتت مهددة بالاختفاء(6).

وفي ظل هذه الأزمة، أعلنت الحكومة الأثيوبية في مارس 2011 عن بناء سد بالقرب من الحدود الإثيوبية السودانية، وذلك في أعقاب ثورة يناير، مستغلة الظروف السياسية التي كانت تمر بها مصر في ذلك الوقت، ومضاعفة السعة التخزينية له من 14 مليارًا ونصف المليار، لتصبح 74 مليار متر مكعب، وهو إجراء يخالف مبادئ القانون الدولي التي يجب أن تلتزم بها كافة دول حوض النيل، وقد كان من المتوقع أن يتعامل الجانب الإثيوبي مع هذا الأمر بشكل أكثر حكمة، لاسيما أن مثل هذه الأمور تتطلب التشاور المسبق مع دولتي المصب (مصر والسودان) تجنبًا لأي أضرار يمكن أن تلحق بحصتهما من المياه بصفة سنوية(7).

ثالثاً- آليات المواجهة

تؤكد الدراسات حاجة مصر الماسة إلى زيادة حصتها في مياه النيل، لمواجهة ضغوط الزيادة السكانية وضرورة إقامة المشروعات التنموية بالتعاون المشترك مع الهيئات والمنظمات والمراكز البحثية الدولية والإقليمية، بما يسهم في زيادة الخبرات ورفع كفاءة الاستخدامات وانتاجية المياه، مما يساعد في تحقيق الأمن المائي والغذائي والتنمية المستدامة لشعوب مصر والدول العربية والأفريقية.

وبالتالي تحركت مصر على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية لمواجهة أزمتها المائية، وهنا تجدر الإشارة إلي أن الموقف المصري معروف ومعلن، فرغم عدم معارضتها لأي مشروع تنموي علي ضفاف نهر النيل يفيد الدول المتشاطئة عليه، إلا أنها لا تقبل المساس بحصة مصر من النيل، ولأنها جزء من الجسد الأفريقي والعربي، فإن أي خيار عسكري مرفوض، وتتجه دائمًا إلى القوة الناعمة؛ إيمانًا منها بلغة الحوار  وتعظيم التعاون المتبادل لمواجهة أي أزمة مشتركة سواء مع الدول الأفريقية أو العربية، وجاءت أبرز التحركات المصرية في هذا الصدد على النحو التالي:

1-     على الصعيد الدولي: أكد سفير الاتحاد الأوروبي في القاهرة "إيفان سوركوش" خلال انعقاد منتدى الأعمال المائية بمشاركة الاتحاد الأوروبي أنه في إطار استراتيجية مصر التنموية 2030، فإن الاتحاد يريد أن يسهم في تلبية تطلعات الشعب المصري، من خلال مشاركة الاتحاد الأوروبي بـ450 مليون يورو في صورة منح في قطاع المياه، وذلك في 12 محافظة مصرية(8).

 

2-     على الصعيد الأفريقي: تواصلت الاتصالات واللقاءات المكثفة علي أعلي المستويات الرسمية وغير الرسمية من أجل احتواء هذه الأزمة المثارة بسبب سد النهضة الأثيوبي، ويتمثل التحرك في عدة سيناريوهات منها: الدخول في شراكة مع أثيوبيا في عملية بناء السد، أو العمل علي تقليل سنوات ملء طاقته التخزينية ،حتي لا تؤثر علي تدفق المياه إلي مصر باستخدام تكنولوجيا متقدمة في بنائه تحقق طاقة إنتاجية كبيرة من الكهرباء مع تقليل سعة خزان السد، وكذلك العمل علي التأكد من أن مواصفات بناء السد تطابق المعايير الدولية حيث يمكن لمصر أن تكون شريكًا في المياه والكهرباء مع أثيوبيا(9).

3-     على الصعيد العربي: في إطار تحقيق الأمن المائي والغذائي، والتنمية المستدامة للشعوب العربية، وقع المجلس العربي للمياه مذكرة تعاون مشتركة مع المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI)، لتعزيز التعاون المشترك بين الطرفين وإقامة شراكات بحثية في مجالات البيئة والزراعة، وإدارة المياه وإعادة استخدام المياه العادمة، والموارد الطبيعية والإدارة المتكاملة للموارد المائية، وهذا يهدف إلى تبادل الخبرات بين الجانبين في مجال استخدام التكنولوجيا المتقدمة في إدارة المياه على صعيد الشرق الأوسط والمنطقة العربية(10).

 

4-     على الصعيد المحلي: أعلن رئيس الوزراء المصري "مصطفى مدبولي" عن توجه الحكومة لتنفيذ خطة عاجلة لتنمية الموارد المائية، وترشيد استخدامات مياه الري، وحماية السواحل، لتحقيق الأمن المائي في البلاد، من خلال التوسع في تنفيذ محطات تنقية المياه، والتوسع في إنشاء محطات تحلية مياه البحر في المدن الساحلية، لتوفير الاحتياجات المائية(11).

بالإضافة إلى هذا، تحرص مصر على استضافة المؤتمرات والفعاليات بشكل دائم لتبادل الخبرات، وكان أبرز هذه الجهود استضافة القاهرة النسخة الأولى لـ"أسبوع القاهرة العالمي للمياه" خلال الفترة من 18-14  أكتوبر 2018 لبحث ومناقشة قضايا المياه، وتغير المناخ من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وذلك بالتعاون مع الشركاء الدوليين والعديد من الجهات والمنظمات الدولية، من أجل رفع الوعى وتعزيز الابتكارات لمواجهة التحديات المائية ودعم الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وتضمن أسبوع القاهرة 5 محاور منها:

·       إدارة المياه من أجل التنمية المستدامة؛ وذلك لتحقيق الربط بين المياه والطاقة والغذاء، والشراكة بين القطاعين العام والخاص في إدارة الموارد المائية لتعزيز الاستدامة، ومشاركة المنتفعين في إدارة المياه.

·       تغير المناخ والبيئة؛ وذلك لتضمين تغير المناخ في تخطيط وتنفيذ مشروعات المياه، والحلول المبتكرة لتحسين إدارة المياه في المناطق الساحلية، والأثار الاقتصادية والاجتماعية لتغير المناخ، والتوصيات المتعلقة بالسياسات.

·       ندرة المياه والصحة.. التحديات والفرص؛ وذلك للحصول على مياه شرب آمنة وتحسين الصحة، وتحديات الصرف الصحي في البلدان النامية، واستدامة النظام الإيكولوجي، وموارد مياه غير التقليدية، وإدارة للمياه العادمة، والنظافة والصحة العامة.

·       العلم والتكنولوجيا والابتكار؛ وذلك للاستفادة من مشاركة معلومات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ودعم القرار لإدارة المياه، والاستشعار عن بعد لإدارة المياه، وزيادة الأعمال في التعليم العالي، وأدوات لتقييم المخاطر والقابلية للتأثر، وتكنولوجيا التحكم في فقدان المياه البلدية.

·       المياه العابرة للحدود وتقاسم المورد، ويدور حول الأنهار العابرة للحدود للملاحة والتجارة والتنمية، وحوكمة المياه لتحقيق الاقتصاد الأخضر، ومشاركة المجتمع المدني في إدارة المياه، والتعاون الفعال وتسوية النزاعات

ختامًا؛ يمثل كلًا من تغير المناخ، والندرة النسبية للمياه تحديات غير تقليدية تواجه استقرار الأمن المصري، لذا لابد من ضرورة التركيز على سياسات ترشيد الاستخدامات الداخلية للمياه، إلى جانب استغلال مياه الأمطار والسيول، استغلال المياه الجوفية، إلى جانب تفعيل الإدارة المتكاملة للموارد المائية بين دول حوض نهر النيل، عبر استغلال تقاسم المنافع" Benefit Sharing"، فلا سبيل لتجنب الصراعات والأزمات إلا عن طريق تطبيق المدخل التعاوني القائم على الكسب المتبادل لجميع الأطراف "Win- Win Approach"، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تعظيم المنافع بين الدول المتشاطئة، مما يجبر كل طرف على التخلي عن استخدام آلية النزاع للحصول على مكسب ومنفعة خاصة.

الهوامش:

1-   "تغير المناخ"، الرابط:

 http://www.un.org/ar/sections/issues-depth/climate-change/

2-   أماندا روغيري، "كيف سيؤثر التغير المناخي على حياتنا في المستقبل؟"، BBC News، 18/10/2018، متاح على الرابط التالي:  http://www.bbc.com/arabic/vert-fut-41077752

3-   "التغير المناخي يهدد بنزوح 143 مليون شخص بحلول 2050"، الرابط: http://cutt.us/7akHX

4-   "تغير المناخ تهديداً حقيقياً للتنمية العالمية"، الرابط:

https://www.albankaldawli.org/ar/topic/climatechange/overview

5-      "River Basin Management", 17/10/2018, available on:          http://www.icpdr.org .

6-   غادة غالب، "تغير المناخ في مصر أخطر من مشكلة الأمن.. الإسكندرية مُهددة"، المصري اليوم، 18/10/2018، متاح على الرابط التالي:    

https://www.almasryalyoum.com/news/details/1176826

7-   أسماء نصار، "تعرف على سد النهضة الإثيوبى فى 30 معلومة"، اليوم السابع، 18/10/2018، متاح على الرابط التالي:                                                                                                                  http://cutt.us/qxq5j

8-   ألفت الكحلي، "سفير الاتحاد الأوروبي: إطلاق برنامج لتعزيز الأمن المائي بـ120 يورو"، الدستور، 18/10/2018، متاح على الرابط التالي:                                       https://www.dostor.org/2363190

9-      “Blue Peace in the Middle East: Progress Report”, Strategic Foresight Group, 18/10/2018, available on:                                                http://www.strategicforesight.com  

10-                      أسماء نصار، "المجلس العربى للمياه يوقع غدا اتفاقية دولية لتحقيق الأمن المائى والغذائى"، اليوم السابع، 18/10/2018، متاح على الرابط التالي:                       http://cutt.us/L6A4b

11-                      "حكومة مصر تعلن عن خطة عاجلة لتحقيق الأمن المائي"، الرابط:  http://cutt.us/TfSJQ

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟