تحديات الداخل والخارج: الخطة الاقتصادية الجديدة للحكومة الإيرانية
شدد المرشد
الأعلى "علي خامنئي" على ضرورة مواجهة الوضع الاقتصادي المتأزم الذي
تعيشه إيران جراء العقوبات الأمريكية الناتجة عن خروج الولايات المتحدة الامريكية
من الاتفاق النووي الإيراني مع دول (4+1) والتي نتج عنها عدد من التحديات الداخلية
التي تمثل أهمها في؛ تصاعد وتيرة الاحتجاجات السياسية والاقتصادية، انهيار قيمة
العملة الإيرانية في مواجهة الدولار. بينما برزت التحديات الخارجية في تخلى الدول
الأوروبية عن طهران، فضلاً عن تهديد مصالح الجمهورية الإسلامية في المنطقة(1).
وعليه،
وضعت الحكومة الإيرانية مجموعة من المحددات لخطة مبدئية بغرض مواجهة الأزمة
الاقتصادية الحالية، والتي تمثلت في؛ الاعتماد على الموارد الطبيعية و البشرية،
إعادة هيكلة الاقتصاد الإيراني، تعزيز التعاون مع الأوروبيين، ضخ كميات كبيرة من العملة
الإيرانية في السوق، تهريب مئات ملايين الدولارات عبر الأسواق المجاورة، قمع المطالبين
بزيادة الأجور.
المعوقات الاقتصادية الناشئة
عن الأزمة
واجهت طهران مجموعة من التحديات
الداخلية و الخارجية جراء الخروج الأمريكي من خطة العمل المشتركة مع مجموعة (4+1)،
والتي يمكن إبرازها على النحو التالي؛-
التحديات الداخلية
تمثلت أبرز المشكلات الداخلية في انهيار
سعر الصرف في مواجهة الدولار، و استمرار تراجع صادرات النفط مع اقتراب فرض الحزمة
الثانية من العقوبات الأمريكية بحلول نوفمبر 2018؛ حيث هبط الريال الإيراني مسجلاً
رقماً قياسياً في تراجعه أمام الدولار منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع دول
(4+1). ومن هنا، فقد الريال الإيراني أكثر من نصف قيمته خلال عام 2018، مما أدى
لضعف الاقتصاد و زيادة المصاعب المالية في المصارف المحلية، بالإضافة إلى تصاعد
الطلب على الدولار بين الإيرانيين(2).
وأرجع البنك المركزي الإيراني أسباب
انهيار قيمة العملة إلى التطورات الأخيرة في سوق الصرف والتى تتمحور حول مؤامرات
الاعداء الهادفة إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية وإثارة القلق العام. ومن هنا
نلاحظ، رغبة المسئولين الإيرانيين في ارجاع دوافع المشكلات الاقتصادية إلى العوامل
الخارجية، بدلاً من البحث عن حلول من الداخل نفسه(3).
وتراجعت صادرات النفط الإيراني بشكل
كبير خلال الأسبوع الأول من أكتوبر/تشرين الأول لعام 2018 ، متأثرة بالعقوبات
الأمريكية الوشيكة، وأكدت وكالة رويترز أن إيران نقلت خلال هذه الفترة أقل من
مليون برميل يومياً، بالمقارنة بـ 2.5 برميل يومياً قبل فرض العقوبات. وعلى صعيد
أخر، قلل وزير النفط الإيراني من إمكانية تعويض السعودية انتاج طهران من النفط بعد
دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ(4).
ومن ناحية أخرى، تصاعدت حدة الضغوط على
عملاء إيران منذ مايو / أيار 2018 لتخفيض مشترياتهم من النفط الإيراني، و اثبتت
هذه الحملة فاعليتها؛ حيث انخفضت مشتريات إيران النفطية بمقدار 600 الف برميل
يومياً، بحلول النصف الأول من شهر أغسطس/ أب لعام 2018.
في السياق ذاته، خفض العملاء الرئيسيون حجم
وارداتهم من النفط الإيراني، بما في ذلك كوريا الجنوبية والصين التى لم تعط أي
اشارة عن حدود التزامها بالعقوبات الأمريكية، الا أن التقارير تشير إلى استعدادها
على الأقل لوقف أي زيادة في مشترياتها النفطية بعد فرض الحزمة الثانية من العقوبات
في 4 نوفمبر 2018. لكن التخفيض الأكبر جاء من قبل الهند – ثاني أكبر مستورد للنفط
الإيراني- التي قلصت مشترياتها من 706.452 إلى 203.938 برميل يومياً خلال الفترة
من 1 إلى 16 أغسطس/ أب 2018(5).
التحديات الخارجية
ارتبطت العوامل السياسية بالاقتصادية
في إطار التحديات الخارجية؛ حيث أثرت العمليات الإرهابية التي قامت بها إيران في دول
الاتحاد الاوروبي على سعى الأخيرة لمساعدة طهران في التخفيف من وطأة العقوبات الأمريكية عليها. والتى كان أخرها استدعاء الخارجية
الإيرانية للسفير الألمانى في طهران "ميشائيل كلور برشتولد"، احتجاجاً
على قرار اصدرته محكمة المانية بتسليم دبلوماسي إيراني إلى بلجيكا، على خلفية
الاشتباه في صلته بعدد من العمليات الإرهابية، وأبرزها الهجوم على إيرانيين يعيشون
بالمنفي في فرنسا. و أعلنت وزارات الداخلية والخارجية والاقتصاد الفرنسية عن
قرارها بتجميد أصول أجهزة الاستخبارات الإيرانية عقب إبراز دور إيران في مثل هذه
العمليات(6).
وعلى الرغم من طرح الدول الأوروبية لأليات
مالية بديلة بغرض الحفاظ على التجارة مع إيران، إلا أن واشنطن مُصرة على تنفيذ
العقوبات بكل قوة وحزم، وهو ما ادركته الشركات العالمية متعددة الجنسية التي
انسحبت من مشروعاتها مع الحكومة الإيرانية قبيل فرض الحزمة الأولى من العقوبات،
لأنها تعي جيداً أن دولها غير قادرة على حمايتها في مواجهة سيل العقوبات
الأمريكية، وهو ما ظهر في التصريحات المتتالية لمستشار الأمن القومي "جون
بولتون" التي قال فيها أن أروبا كثيرة الكلام ولكنها قليلة الفعل.
وترددت أنباء كثيرة عن توافق القوى الكبرى على
ضرورة اخراج إيران من سوريا، وكبح جماح نفوذها المتصاعد في المنطقة. ومن هنا، تخشي
طهران التأثير على مصالحها، لاسيما بعد أن اصبحت أحد أبرز الفاعليين بعد ما عرف
بثورات الربيع العربي التي ظهرت أولى بوادرها في أواخر عام 2010.
محددات الخطة المبدئية
لمواجهة الأزمة الاقتصادية
تتمحور المعايير الأساسية للأجندة
الأولية التي وضعتها الحكومة الإيرانية حول مجموعة من المبادئ الهادفة لتعزيز وضع
الحكومة في مواجهة تحديات الأزمة الاقتصادية، وهو ما يمكن إيضاحه على النحو
التالي:-
1- تكثيف الاعتماد على الموارد البشرية والطبيعية
على الرغم من ارتفاع معدلات البطالة
داخل الجمهورية الإسلامية، إلا أنه يُنظر لإيران على أنها دولة واعدة على المدى
المتوسط؛ لديها ثاني أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعد المملكة
العربية السعودية، مع وجود ناتج إجمالي محلى بقيمة 439.5، وتمتلك أيضا ثاني أكبر
عدد سكان في المنطقة بعد مصر؛ حيث يقل عدد سكانها عن 80 مليون نسمة. ولذلك، تحاول طهران
توظيف العمالة البشرية من خلال الاعتماد على نظرية الاقتصاد المقاوم(7).
وعليه، تتطلع طهران في الفترة المقبلة
إلى الاعتماد على نفسها في توظيف أكبر عدد من الإيرانيين من خلال الانتاج الزراعي؛
حيث تعتبر الزراعة بمثابة الركيزة الأهم
في منظومة الأمن الغذائي القومي التي تحاول إيران جاهدة تحقيق الاكتفاء الذاتي من
خلالها. في السياق ذاته، يعد مبدأ حماية الصناعة المحلية من المنافسة الأجنبية من
أهم المبادئ التي أسهمت في عودة ثقة الشعب الإيراني في منتجاته المحلية. وعليه، اسهمت
نظرية الاقتصاد المقاوم في احداث تطور كبير بقطاع الصادرات الإيرانية(8).
2- فتح سوق ثانوية للعملة الصعبة
قررت
الجمهورية الإسلامية كأحد أبرز ألياتها لمواجهة الأزمة فتح سوق ثانوية للعملة
الصعبة لتلبية حاجات صغار المستوردين والمصدرين من القطاع الخاص للعملات الأجنبية؛
حيث أقر البنك المركزي الإيراني ضخ حوالى 8 مليارات دولار في هذه السوق، وهو ما وصفه رئيس اللجنة
الاقتصادية بمجلس الشورى الإسلامي "محمد بور إبراهيم رئيسي" بأنه يفوق
الطلب على العملة الصعبة المقدر بنحو 4 مليارات دولار(9).
ومن هنا،
تعمل سوق الصرافة الثانوية وفق ألية توافقية بين المصدرين و المستوردين، على أن
يتم تحديد سعر الصرف وفق أليات العرض والطلب. في السياق ذاته، كان الهدف من انشاء
هذه السوق هو العمل على تفادى التقلبات
الدراماتيكية في سعر الصرف و رفع قيمته في مقابل الدولار الأمريكي، فضلاً عن
محاولة جلب معاملات التجارة غير الشرعية إلى هذه السوق، خشية أن تسهم أنشطة
التبادل الثانوي في خفض الأسعار(10).
3- شراء كميات
دولاريه ضخمة من الأسواق المجاورة
قامت
الحكومة الإيرانية بشراء كميات كبيرة من الدولار الأمريكي من السوق الباكستانية
لمواجهة التحديات الناشئة عن الحزمة الثانية من العقوبات التي من المقرر فرضها
بحلول نوفمبر لعام 2018 ،فضلاً عن منع الحكومة الباكستانية من تطوير
اقتصادها، لاسيما بعد زيارة رئيس الوزراء الباكستاني الجديد "عمران خان" لكل من السعودية
والإمارات، على خلفية مشاركة السعودية في الممر
التجاري الصيني- الباكستاني باستثمارات تفوق الـ 10 مليارات دولار(11).
من ناحية
أخرى، تتبع طهران استراتيجية جديدة لسد حاجتها من العملة الصعبة من خلال خفض سعر
صرف الدينار العراقي؛ حيث تتحدد أبرز محددات هذه الاستراتيجية في ضخ كميات كبيرة
من العملة المزيفة للسوق العراقية بغرض الدفع باتجاه زيادة الطلب على الدولار
الأمريكي من قبل المتعاملين المحليين. نتيجة لما سبق، سيكون البنك المركزي في هذا
الوضع مجبر على ضخ كميات مضاعفة من الدولار للأسواق بهدف الحفاظ على قيمة العملة
المحلية، مما يتيح سيولة دولاريه كبيرة يمكن تهريبها لاحقاً إلى إيران(12).
4- تعزيز التعاون مع الأوروبيين
تحاول
إيران الاستفادة من تعاطف الاوروبيين معها لمساعدتها على تخطى أزمة العقوبات
الأمريكية؛ حيث أقر المرشد الأعلى "على خامنئي" بضرورة استيفاء شروط
الانضمام لمجموعة مراقبة العمل المالي "فاتف" قبل نهاية أكتوبر/تشرين
الأول، وهو ما وضعته الدول الأوروبية شرطاً أساسياً لتفعيل ألية مشتركة تعمل عليها
الأطراف المتبقية في الاتفاق النووي.
في
السياق ذاته، تحاول دول الاتحاد الأوروبي ابراز استقلال نوعى لمواجهة القرارات الأحادية
التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة في خروج واشنطن من الاتفاق
النووي مع إيران ودول (4+1)، ومن هنا
تجتهد طهران في التعويل على هذه النقطة، بهدف تحقيق الاستفادة القصوى من الدعم
الأوروبي(13).
ختاماً: على الرغم من الجهود الحثيثة التي تسعى من خلالها
الحكومة الإيرانية للتخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية الناتجة عن الخروج الأمريكي
من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (4+1)، إلا أنها ستتأثر سلباً بالعقوبات الأمريكية،
ولا سيما مع فرض الحزمة الثانية بحلول الرابع من نوفمبر لعام 2018.
الهوامش:
1. خامنئي يعترف بالوضع الاقتصادي المتأزم في إيران، الشرق
الأوسط، 4/10/2018 ، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/7ON1I .
2. تسونامي انهيار الريال الإيراني، سكاي نيوز عربية،
6/9/2018 ، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/Gob9d .
3.
Iran Currency
extends record fall as U.S sanctions looms, Thomson Reuters, 29/7/2018,
available at https://www.reuters.com/article/us-iran-nuclear-currency/iran-currency-extends-record-fall-as-us-sanctions-loom-idUSKBN1KJ0DY
4. استمرار تراجع نفط إيران مع اقتراب العقوبات الأمريكية، الشرق
الاوسط، 9/10/2018 ، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/Rq0P4
5.
Gregory Brew,
Can The U.S. Bring Iranian Oil Exports To Zero?
Oil Price: The source for Oil& Energy News, 27/8/2018,
available at https://oilprice.com/Energy/Energy-General/Can-The-US-Bring-Iranian-Oil-Exports-To-Zero.html .
6. طهران تحتج على تسليم برلين دبلوماسياً إيرانياً لبلجيكا
وتستدعى السفير الالمانى، الشرق الأوسط، 11/10/2018 ، متاح على الرابط
التالي http://cutt.us/1GZAR .
7.
Iran’s human capital conundrum, Odgers Brendtson,
17/6/2016, available at https://www.odgersberndtson.com/en-in/insights/irans-human-capital-conundrum .
8. رهام
عامر، هل نجح الاقتصاد المقاوم كبديل في إيران، 19/7/2017، إضاءات، متاح
على الرابط التالي https://www.ida2at.com/has-the-resistant-economy-succeeded-as-an-alternative-in-iran/ .
9. إيران
تضخ 8 مليارات دولار بسوق الصرف الثانوي، 9/9/2018، CNN عربي، متاح على الرابط التالي https://arabic.cnn.com/business/article/2018/09/09/iran-economic-foreign-currency-central-bank-export-imports
10.
Ladane Nasseri, Iran Opens Secondary Forex Market
Aiming to Ease Dollar Shortage,11/7/2018,Bloomberg,available at https://www.bloomberg.com/news/articles/2018-07-11/iran-opens-secondary-forex-market-aiming-to-ease-dollar-shortage
11.
إيران
تهرب مئات ملايين الدولارات عبر السوق الباكستانية، 12/10/2018 ، الشرق الأوسط،
متاح على الرابط التالي http://cutt.us/bL4yk .
12. الدينار المزيف مقابل الدولار : إيران توفر احتياجاتها
عبر السوق العراقية، 28/4/2018، العرب اللندنية، متاح على الرابط التالي http://cutt.us/Ol78u .