المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads

اليمن وآليات تثبيت الدولة في مواجهة مخططات الانفصال والتدخلات الخارجية

الأحد 14/أكتوبر/2018 - 05:00 م
المركز العربي للبحوث والدراسات
محمد عمر

         تخوض الدولة اليمنية صراعا كبيرا منذ عام 2011، لمنع انقسامها مجددا، حاول كثيرون استغلال ثورات الربيع العربي في تمرير مخططات تقسيم اليمن وإجهاض تجربة توحيد البلد بشقيه الشمالي والجنوبي، إلى أن جاء انقلاب جماعة الحوثي ضد شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، محاولا السيطرة على اليمن برمته وجعله ضمن النفوذ الإيراني، وحينما فشل الأمر، بدأت جهات عدة ومن بينها طهران تحاول فصل جنوب اليمن عن شماله، ليسهل لها ذلك بسط سيطرتها على الشمال على الأقل بعد فشل انقلاب الحوثين في الاستحواذ على الدولة ككل بعد انطلاق عاصفة الحزم من قبل التحالف العربي في مارس 2015.

متطلبات تثبيت الدولة اليمنية

      امتدت ثورات الربيع العربي إلى اليمن في محاولة من الشعب لتغير الأوضاع البائسة التي دامت لعقود، في ظل رئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح. لم يكن الأمر بالهين، سقط الكثير من الضحايا جراء رفض صالح التنازل عن السلطة، إلا أنه وبعد تدخل من مجلس التعاون الخليجي بخلاف استمرار الضغط الشعبي والدولي، خرج عبدالله صالح من الحكم، وأسندت الرئاسة لنائبه عبدربه منصور هادي، الذي أصبح رئيسا لليمن فيما بعد بموجب انتخابات رئاسية دستورية، ظلت الأمور كما هي ولم ينجح هادي في معالجة الاختلالات التي ضربت اليمن منذ عقود.

     استغلت جماعة "أنصار الله" الحوثي وبدعم إيراني الأوضاع التي يمر بها اليمن وكذلك المنطقة العربية خاصة التي أصابتها ثورات الربيع العربي، لتنفذ الجماعة في عام 2014، انقلابا مسلحا بالتعاون مع الرئيس السابق على عبدالله صالح، محاولة الاستيلاء على السلطة. فشلت جميع المفاوضات المحلية والخليجية والدولية مع تحالف "الحوثي – صالح"، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء ووصلوا إلى محافظة عدن في الجنوب وبالفعل سيطروا على معظمها، واستمروا في ابتلاع الدولة وتهديد دول الجوار، لتقود السعودية التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، مطلقة "عاصفة الحزم"، في مساعي عربية لعودة الشرعية اليمنية ودحر الانقلاب الحوثي بدعم إيراني.

      بدأت "عاصفة الحزم" في مارس 2015، حققت الكثير من أهدافها ونجحت في استعادة عدن وتطهير معظم جنوب اليمن من الحوثيين والجماعات الإرهابية، مع تقديم الكثير من المساعدات الإنسانية والاقتصادية لليمنيين خاصة في مناطق الجنوب الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، ومع ذلك إلا أن الأوضاع غير مستقرة أمنيا أو سياسيا أو اقتصاديا فالحوثيون، ما زالوا يسيطرون على معظم شمال اليمن والمحافظات الحيوية مثل صنعاء وصعدة والحديدة، بخلاف قدراتهم على شن هجمات على المناطق الغير خاضعة لهم وتنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات للكثير من القيادات في الحكومة اليمنية(1).

      وكي يتم تثبيت الدولة اليمنية فعليا، والحفاظ عليها من الانقسام كما كانت قبل عام 1990، وجب أولا إنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران سواء بشكل عسكري أو بالمفاوضات السياسية، فتدخل التحالف العربي أنقذ اليمن من هيمنة الحوثيين بالكامل على الدولة فمنذ تدخل التحالف في مارس 2015 وحتى مارس 2018 أصبح 80 % من الأراضي اليمنية تحت سيطرة الحكومة الشرعية والتحالف العربي، إلا أن النسبة المتبقية في يد الحوثيين من أهم المناطق الاستراتيجية، فمثلا محافظة صعدة مجاورة للسعودية ومن خلالها يتم استهداف أراضي المملكة سواء بالصواريخ الباليستية أو القذائف، وفي محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر يهددون من خلالها الملاحة الدولية وجلب الأسلحة المقدمة من إيران لدعمهم في حربهم(2).

      ومع استمرار المواجهات العسكرية مع الحوثيين تسير المفاوضات السياسية برعاية الأمم المتحدة في مسار صعب ومعقد بسبب تعنت الحوثيين، إلا أنها قد تنهي حالة الصراع العسكري التي أضرت اليمنيين كثيرا، وتضع أسس جديدة للدولة اليمنية فحتى إن انتصرت الحكومة الشرعية قريبا فهي بحاجة إلى ترتيبات سياسية من أجل احتواء الحوثيين والموالين لهم منعا لتجدد أي حرب أهلية مستقبلا، وهنا يأتي العامل الثاني لتثبيت الدولة اليمنية وهي المقومات والترتيبات السياسية، سواء بوضع إطار جديد للتعامل مع الحوثيين والموالين لهم من القبائل، بجانب إنهاء الدعوات الداعية لعودة اليمن الجنوبي واليمن الشمالي عبر وضع إطار سياسي مقبول من الجميع ويراعي الاختلافات والتمثيل السياسي وتوزيع الثروة بين أقاليم اليمن وإنهاء عمليات التهميش السياسي والاقتصادي التي طالت الجنوب إبان حكم صالح.

      ومن ضمن المتطلبات أيضاً لتثبيت الدولة اليمنية، دعم المؤسسات الأمنية والعسكرية، لبسط السيطرة على كامل التراب اليمني وإنفاذ القانون، وإنهاء فوضى انتشار السلاح والجماعات المسلحة، وهو ما لم يتوفر بقوة رغم الدعم المستمر من التحالف العربي لإنشاء مؤسسات أمنية قوية تحافظ على ما تم تحقيقه في المحافظات المحررة سواء من الحوثيين أو الجماعات الإرهابية، ومع هذا ما زال دعم التحالف للمؤسسات الأمنية فمثلا دعمت السعودية خلال أكتوبر 2018 السلطات المحلية في محافظة المهرة، بآليات المؤسسات الأمنية وذلك بتسليمها الدفعة الثانية من آليات أمنية مكونة من 30 سيارة فورد وشاص، وسبقها دفعة مكونة من 60 سيارة، وسبق أن التقى وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري في يونيو 2018 القيادات الإماراتية في أبو ظبي، لتوحيد توحيد عمل الأجهزة الأمنية وإعادة تشكيل عملياتها المشتركة تحت قيادة واحدة، حيث كان التحالف يدعم قوات غير منضوية تحت سلطة هادي، وهذا الاجتماع جاء لتوحيد المؤسسات الأمنية نظرا لأهميتها في تثبيت أركان الدولة(3).

       ومن ضمن المتطلبات الأساسية لتثبيت الدولة اليمنية، إصلاح الأوضاع الاقتصادية، فالاقتصاد اليمني تعرض إلى نزيف حاد منذ عام 2011 وزاد الأمر سواء الانقلاب الحوثي والمواجهات المستمرة معه إلى اليوم، حتى انتشرت المجاعة فقد  كشفت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة في مايو 2018 أن 8.5 ملايين يمني مهددون بانعدام الأمن الغذائي والمجاعة، وفي حال عدم تحسن الأحوال سينضم 10 ملايين آخرين إلى قائمة المهددين بخطر المجاعة، ولهذا ما زال التحالف العربي مستمرا في مساعداته الإنسانية بخلاف الاقتصادية من أجل تقوية أركان الدولة، ومنذ بدء عاصفة الحزم وحتى أكتوبر 2018، قدمت دول التحالف العربي 11.18 مليار دولار للشعب اليمني، إلا أن هذا الأمر غير كافي فهناك حاجة لبدء عمليات الإعمار  لاستعادة الدولة عافيتها، فهناك تقديرات يمنية بأن بلادهم في حاجة إلى 100 مليار دولار لإعادة الإعمار، بينما قدر البنك الدولي أن اليمن بحاجة إلى 15 مليار دولار عاجلة لإصلاح بعض من البنية التحتية المدمرة نتيجة للحرب(4).

تداعيات محاولات انفصال الجنوب

       وسط المحاولات المستمرة من الحكومة اليمنية والتحالف العربي لدحر الانقلاب الحوثي، توجد دعوات لتقسيم اليمن، ففي الجنوب أعلن عيدروس الزبيدي محافظ عدن المقال من قبل الرئيس هادي ومعه وزير الدولة هاني بن بريك، تنظيم احتجاجات  في مايو 2017، مطالبة بانفصال الجنوب وبالفعل تم إعلان تشكيل "هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي"  من قبل عيدروس لإدارة الجنوب وتعيين بن بريك نائبًا له، ويهدف المجلس إلى إدارة وتمثيل الجنوب مع استكمال إجراءات تأسيس هيئات الكيان المكون من 26 شخصًا، من أجل الحصول على اعتراف دولي بدولة الجنوب(5).

      إلا أن التحالف العربي رفض الخطوة، لأن اليمن في حال انقسامه سيبقى الخطر الحوثي في الشمال، واستمرار وجود النفوذ الإيراني كما هو، كما أن اليمن موحدا أفضل لليمنين وللمنطقة ولدول الجوار الخليجي، فالانفصال في هذا التوقيت سيفشل مهمة التحالف العربي في دحر الانقلاب الحوثي ويعيد مجددا الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب والسماح بخلق مناخ ملائم لعودة وتمكن الجماعات الإرهابية التي تستغل حالات الاضطرابات وعدم وجود حكومة مركزية قوية للانتشار  كما جرى في العراق وسوريا.

       وتندلع من وقت لآخر الاشتباكات بين مؤيدين لانفصال الجنوب والحكومة الشرعية ممثلة في الرئيس  هادي، منذ إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017، ونتيجة لخطورة هذا الأمر، وأكد الرئيس هادي في خطاب له يوم 14 أكتوبر  2018، أن إيران وراء دعم جماعات وأشخاص في الجنوب للانفصال عن الوطن، مطالبًا النظام الإيراني برفع يده عن اليمن بجانب التوقف عن دعمها الميليشيات الحوثية، وكشف هادي عن امتلاك قيادات جنوبية حسابات في العاصمة اللبنانية بيروت وميزانيات معتمدة من إيران، مثل قناة عدن الداعمة للانفصال تبث من بيروت وهي أكبر دليل على دعم إيران وحزب الله لأطراف جنوبية ووجود معتقلين من الحرس الثوري، وحزب الله اللبناني، لدى الجيش ويجري التحقيق معهم لضلوعهم في هذا الأمر(6).

     ولن يكون لانفصال جنوب اليمن تداعيات سلبية على اليمنيين فقط، وإنما على المنطقة العربية وخاصة دول الجوار الخليجي، ففي حال نجاح هذا السيناريو  سيمنح المساعي الانفصالية خاصة الدول التي تشهد اضطرابات أملا في تحقيق الهدف ذاته، وبخلاف تنمية هذه النزعة، سيؤدي ذلك لوجود دولتين أحدهما شمالية والأخرى جنوبية، فأما الشمالية ستكون خاضعة لسيطرة الحوثيين وهي مجاورة للمملكة العربية السعودية، وبالتالي وجود وكيل إيراني جديد في المنطقة لن يمكن التفاهم معه والدخول في صراعات متجددة بما يعني استنزاف اقتصادي وعسكري جديد في المنطقة، وهو ما تريده إيران بتفكيك الدول العربية وخلق كانتونات موالية لها.

هل ينجح اليمنيون في تثبيت الدولة؟

       تحاول الحكومة اليمنية ومعها التحالف العربي، مهمة تثبيت الدولة أولا وهو أمر سيستغرق سنوات، فأولا يتطلب ذلك إنهاء الانقلاب الحوثي وليس هذا فحسب بل نزع سلاحه وكذلك الجماعات الأخرى، ففي حال التوصل لتسوية سياسية وجب نزع سلاح "انصار الله" حتى لا يكون حزب الله آخر في اليمن، كما في لبنان ويعمل على تعطيل الدولة وجعلها رهينة لداعميه واستغلال سلاحه مستقبلا لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية.

     وبجانب ذلك وجب البدء في عمليات الإعمار بتعاون كبير من دول التحالف وحشد الدعم الدولي، فبدون ذلك لن تقوم الدولة وتصبح عرضة للاستغلال من قبل الجماعات المتطرفة والدول الأجنبية، فالحوثيون حينما بدأوا في الانقلاب على السلطة الشرعية مطلع عام 2014 وصولا للسيطرة على صنعاء في سبتمبر 2014 استغلوا قرار الحكومة برفع أسعار المحروقات لمعالجة الأوضاع الاقتصادية، وفي حال استمرار هذه الأوضاع ستستغل من قبل آخرين بخلاف تسببها في معاناة اليمنيين، ولهذا يعمل التحالف العربي بقيادة السعودية على الحشد لعمليات الإعمار من أجل تدوير عجلة الاقتصاد اليمي وعودة المهجرين واللاجئين والنازحين، وهذا الأمر لن يمكن تحقيقه بدون الدعم الخليجي فالدولة اليمنية منهكة ولن تقدر على القيام بعمليات الإعمار.

      أما فيما يتعلق بانفصال الجنوب وأي محاولا انفصالية، لن تقدر حكومة هادي على وقفها بمفردها وإنما بدعم خليجي وعربي ودولي، فالانفصال يعني المزيد من تشرذم دول المنطقة وتحويلها لوكالات تعبث بها الأيادي الخارجية، وفيما يتعلق بضبط الأوضاع الأمنية الأمر لن يكون سهلا إلا أن التحالف العربي أدرك ذلك وتحسنت الأوضاع كثيرا عن ذي قبل وهو ما يتطلب الاستمرارية والتطوير المستمر لاستكمال فرض الدولة سيطرتها على كافة التراب اليمني.

      ويبقى الأهم وهو الإطار السياسي الجامع لكافة اليمنيين، وتلبية متطلباتهم السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، فثورة 2011 جاءت خروجا على الترتيبات السياسية الحاكمة للشعب اليمني التي أدت لإفقاره وتجهليه واندلاع الصراعات المسلحة وانتشار  الجماعات الإرهابية، واليوم تسببت بعض القرارات السياسية في خروج دعوات الانفصال سواء في الجنوب أو غيره  الأمر الذي يتطلب المعالجة السياسية.

المصادر:

  خريطة توزع السيطرة في اليمن 15-05-2018 ، مركز نورس للدراسات، 15/5/2018، الرابط:

http://norsforstudies.org/2018/05/7008/.

2ـ إنفوغرافيك.. "عاصفة الحزم" تدخل عامها الرابع، سكاي نيوز بالعربية، 25/3/2018، الرابط:

 https://bit.ly/2QMXpID.

3ـ الميسري يعود إلى عدن بدعم إماراتي لمهمة توحيد الأجهزة الأمنية، الشرق الأوسط، 9/6/2018، الرابط:

https://bit.ly/2RMscq6.

4- التحالف: جهود المملكة مستمرة في دعم الاقتصاد اليمني، عكاظ، 8/10/2018، الرابط:

https://www.okaz.com.sa/article/1677249. 

5- اليمن: هل يستعر الصراع بعد تشكيل مجلس انتقالي جنوبي؟، هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، 11/5/2017، الرابط:

http://www.bbc.com/arabic/interactivity-39891787.

6- هادي يكشف عن مخطط إيراني لفصل جنوب اليمن، أخبار الآن، 13/10/2018، الرابط:

 https://bit.ly/2pPQEu2.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟