الإدارة المحلية فى مصر .. إشكاليات الوضع القائم ومقترحات للتطوير
تعتبر مسألة تطوير الإدارة المحلية ومعالجة
مشكلاتها واحدة من المسائل المهمة التى تشغل اهتمام الحكومات المتعاقبة، وتعطى لها
العديد من الأحزاب والقوى السياسية وتنظيمات المجتمع المدنى ذات الصلة بالتنمية
المحلية أولوية فى أنشطتها ومجالات عملها، وكذلك الأقسام والشُعب الأكاديمية
المصرية فى تخصصات الإدارة العامة والعلوم السياسية والقانون الإدارى والدستورى
والتنمية الاقتصادية والمستدامة ... إلخ، ويأتى ذلك الاهتمام وتلك الأولوية لما
تمثله الإدارة المحلية من قاعدة لتوسيع المشاركة المجتمعية فى إدارة شئون الدولة
والمجتمع (الحوكمة)، وكذلك تقريب مؤسسات صنع القرار من المواطنين وزيادة كفاءة
الرقابة والمساءلة الشعبية، وتعد هذه المسألة من أمور وقضايا السياساتPolicy Issues فى
مصر والتى تسهم في رفع كفاءة المرافق المحلية لتحسين مستوى الخدمات على المستوى
المحلى وتحقيق رضاء المواطنين، كما أنها تعزز من التحول الديمقراطى من خلال إشراك
المواطنين في شئونهم المحلية، فضلاً عن بناء الكوادر الإدارية المحلية المطلوبة لتنفيذ
وقيادة رؤية التنمية المستدامة.
ولا زالت
المناقشات بصدد التحول التدريجى نحو اللامركزية وتوسيع قاعدة المشاركة المحلية جارية
دون أن تحقق أية نتائج أو تسفر عن رؤية واضحة للتعامل معها، يتجلى ذلك فى عدم
إقرار قانون الإدارة المحلية الجديد وذلك على الرغم من ضرورتها لعملية الإصلاح هذه.
فى هذا السياق تتركز الورقة البحثية هذه فى
تناول تطوير الإدارة المحلية من خلال توصيف وتحليل موجز للوضع القائم للإدارة
المحلية وأبرز الإشكاليات التى تواجهها وكيفية حلها. وتنقسم الورقة إلى بضعة أجزاء؛
يستعرض الجزء الأول منها بشكل مختصر أهم ملامح نظام الإدارة المحلية الحالى كما
انعكست فى الواقع العملى فى ظل قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979م وتعديلاته
ولائحته التنفيذية، أما الجزء الثانى فيتناول تحليل الإشكاليات التى يعانى منها هذا
النظام مما يؤكد على المطالبة بإصلاحه استنادا إلى سمو الدستور ومتطلبات تحقيق
رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة وما يمثله مكون الإدارة المحلية فى هذه
الإستراتيجية. ومن ثم فى الجزء الأخير طرح بعض التحديات الأساسية التى يجب
مراعاتها عند النظر فى تطوير نظام الإدارة المحلية.
أهم
ملامح نظام الإدارة المحلية الراهن فى مصر
قد مر نظام الإدارة المحلية فى مصر بالعديد من
التطورات التاريخية وصولا إلى صورتها الحالية فى ظل قانون الإدارة المحلية الذى ما
زال جاريا رقم 43 لسنة 1979م، وتؤكد بعض الآراء أن الدولة المصرية القديمة فى عهد
الفراعنة قد عرفت نظاماً للإدارة المحلية يقترب مما عليه الحال فى كثير من الدول
الحديثة(1).
وتتمثل أهمية الإدارة المحلية فى إنها تساهم فى
توافر؛ تحديد أفضل لاحتياجات المواطنين وتحديد مشكلاتهم، وتحسين مستوى كفاءة إدارة
وتشغيل المرافق العامة وزيادة جودة السلع والخدمات للمواطنين وتخفيض النفقات
العامة وتوظيف أفضل للموارد، وتنمية الكوادر الإدارية المحلية، وتقوية الرقابة
وزيادة المساءلة والمحاسبية وتدفق المعلومات والحد من الفساد وتعارض المصالح،
وزيادة مشاركة المواطنين فى صنع السياسات المحلية وتقريب مؤسسات صنع القرار المحلى
من المواطنين وإتاحة فرصة أكبر للحوار والنقاش والتشاور والمشاركة، وزيادة الثقة
بين المواطن والحكومة حيث أن السياسات المحلية تتعلق بالمصالح المباشرة للمواطنين
(سياسات الحياة اليومية) (2).
لذا، فإن إصلاح نظام الإدارة المحلية فى مصر يجب
أن يتم من خلال توافر عناصر تقوية النظام؛ سلطات اتخاذ القرارت المحلية فى عمليات
الصنع والتنفيذ والمتابعة والتقييم، والاختصاصات المحلية التى تستند للقانون،
والموارد المالية وطرق تنميتها(3).
إشكاليات
الإدارة المحلية
تكمن أولى إشكاليات الإدارة المحلية فى مصر فى
الفلسفة التى يقوم عليها نظام الإدارة المحلية ذاته، فهو امتداد لأرث وتقاليد
الدولة المركزية، لذا يتم بناء النظام هرميا وعلاقاته فى الاتجاه من أعلى إلى
أسفل، مما يعنى سيطرة السلطة التنفيذية سواء من المجالس المُعينة الموازية لتلك
المنتخبة فى الوحدات الإدارية المحلية أو التى تمثل الجناح الآخر للإدارة المحلية
فى مصر، أو من خلال القيود على عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بالالتزام بحدود
السياسات العامة والموازنة على المستوى المركزى وتعمل الوحدات المحلية وفقها،
وانخفاض قدرات ومهارات أعضاء المجالس المحلية، هذا وبالأساس تعتبر الإدارة المحلية
بجناحيها المعين والمنتخب فرع من فروع السلطة التنفيذية وفق الدستور فى مصر(4).
وفيما يلى إلقاء للضوء على القضايا التى تمثل
إشكاليات أمام الإدارة المحلية فى مصر وتعوقها عن القيام بدوره فى تقديم وتحسين الخدمات
المحلية المقدمة للمواطنين والمتابعة والرقابة على المشروعات المحلية، وذلك كما يلى:
-
تعدد الوحدات المحلية، فتوجد في مصر خمس وحدات محلية هى
المحافظات، والمراكز، والمدن، والأحياء، والوحدات المحلية القروية. ويلاحظ أنه منذ
عام 1975 لم يكن هناك سوى ثلاث وحدات محلية هى المحافظات والمدن والقرى، ثم أضيف
كل من المراكز والأحياء(5).
-
نظام المجلسين، فتعمل مصر بما يسمى بالنظام المتوازى فى
هيكلة المؤسسات المحلية أو ما يعرف بنظام المجلسين، حيث يوجد بكل وحدة إدارية
مجلسان أحدهما معين والآخر منتخب. والمجلس المعين هو المجلس التنفيذى والذى يتولى
إدارة العمليات اليومية للوحدة الإدارية، أما المجلس المنتخب فيتحمل مسئوليات
إقرار خطة التنمية المحلية والرقابة على مختلف المرافق والأعمال المحلية، وذلك بما
لا يخالف السياسات العامة للدولة(6).
-
عدم تحديد الدور والفصل ما بين المجلسين، فعلى الرغم من
أن النظام المحلى يأخذ بنظام المجلسين إلا أن الأمر في الواقع العملى لا يتفق مع
هذا التوصيف حيث عانت العلاقة بين المجلسين من العديد من التباينات نتيجة عدم
توضيح أدوار كل منهما على نحو يحقق مصلحة وخدمة المواطنين(7).
-
تعدد الأجهزة الإدارية فى الوحدات المحلية ما بين
الإدارة العامة والإدارة المحلية وبالتالى تعدد الفاعلين، والتى تشمل على، قيادة
تنفيذية معينَة من طرف السلطة المركزية (المحافظ، ورئيس المركز ورئيس المدينة
ورئيس القرية)، ومجلس تنفيذى يرأسه رئيس الوحدة الإدارية المعنية، ومجلس محلى
منتخب مباشرة، وفروع الوزارات القطاعية، وهى التى نقلت اختصاصاتها للإدارة المحلية،
وفروع الوزارات المركزية، أو الوزارات التى لم تنقل اختصاصاتها للإدارة المحلية،
وفروع الهيئات المركزية والشركات القابضة، وكذلك الأقاليم الاقتصادية(8).
-
مشكلات الموارد البشرية: حيث تواجه الإدارة المحلية عدة مظاهر
فى هذا الصدد منها؛ التبعية المزدوجة لمديريات الخدمات، وأيضا ضعف الاهتمام بالتدريب
المحلى، ويجب استدراك ذلك مع تشكيل مجالس محلية مقبلة خاصة مع الزيادة غير المسبوقة
المتوقعة فى أعداد الأعضاء الجدد(9).
-
ضعف دور المجتمع المدنى، تشير الاتجاهات الدولية التى
تعنى بالتنمية المحلية إلى أهمية الدور الذى يمكن أن يلعبه المجتمع المدنى فى زيادة
المشاركة المحلية وتحسين الخدمات المحلية(10).
-
تحديد موعد للانتخابات المحلية وتفعيل ما جاء فى الدستور
فى مادته (180) حول تمثيل فئات المجتمع وما عمل عليه من تحقيق التمثيل السياسى
المحلى للشباب والمرأة والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة، وهذا يتطلب صياغة قانون
للإدارة المحلية يراعى النسب المذكورة والتمثيل العادل(11).
التحديات
التى يجب مراعاتها عند تطوير نظام الإدارة المحلية
هناك
تحديات أيضاً يجب أخذها فى الحسبان ونحن نبدأ عملية الإصلاح التشريعى والسياسى
والإدارى وإذا أرادت الدولة نجاح عملية التوجه نحو اللامركزية وزيادة التمثيل
السياسى المحلى لفئات المجتمع، ومنها(12):
1.
تحدى فض الاشتباك المفاهيمى بين الإدارة المحلية والحكم
المحلى وتحديد الشكل الملائم لمصر حيث نجد أن الدستور يذكر الإدارة المحلية
والخطاب الرسمى لا يزال يغلب عليه نظام الإدارة المحلية حتى الآن، وليست هناك
إشارة من قريب أو من بعيد عن الحكم المحلى فى مصر إلا لدى المنادين بهذا النظام من
أحزاب أو منظمات مجتمع مدنى وحركات اجتماعية أو باحثين وأكاديميين.
2.
تحدى التوازن بين اللامركزية والمركزية، بين صلاحيات الإدارة
المحلية وحدود السياسات العامة والموازنة.
3.
تحدى العلاقة بين المجتمع المدنى والنظام المحلى التى تتيح
دور لمنظمات المجتمع المدنى فى المشاركة والتنمية والتدريب والمساءلة على أن يراعى
ذلك فى التشريعات.
4. تحدى تطوير نظام انتخابى للمحليات من ناحية يترجم ما جاء فى الدستور يضمن التمثيل العادل والمتكافئ للفئات المذكورة فى الدستور وهى؛ المرأة والشباب والعمال والفلاحين والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة، ومن ناحية أخرى يراعى التطورات الحديثة فى الديمقراطية الإجرائية والانتخابية التى تتمثل فى نظام انتخابى حر وعادل ونزيه، بحيث يتاح لكل الأحزاب والقوى السياسية وحتى الأفراد المستقلين ممن يرغبوا فى خوض الانتخابات المحلية، بتشكيل قوائم تنافسية أو الانتخاب الفردى.
هوامش
البحث
1. أحمد دسوقى محمد، انتخاب أم تعيين: كيف نختار القيادات
التنفيذية المحلية، (رؤى مصرية، العدد 14، مارس 2016)، ص 26.
2. محمد عبد العال عيسى، المركزية المتعثرة وضرورة الحوكمة
الرشيدة، (رؤى مصرية، العدد 14، مارس 2016)، ص ص 36-41. وانظر أيضا:
البلديات والحوكمة المحلية الديمقراطية في سياق الإنتقال الديمقراطى فى الدول
العربية (مذكرة إيضاحية)، مشاورة إقليمية، تونس، 17-19 ديسمبر 2013.
3. أميرة البربرى (عرض)، آليات إصلاح نظام الحكم المحلى فى
مصر فى ضوء الخبرات الدولية، فى أعمال ندوة محاصرة الفساد، (جامعة القاهرة، مركز
دراسات واستشارات الإدارة العامة، 2007)، على الرابط التالى:
http://www.siyassa.org.eg/NewsQ/2802.aspx
4. إيمان مرعى، نظام الحكم المحلى فى مصر وإشكاليات الدور،
(رؤى مصرية، العدد 14، مارس 2016)، ص 4.
5. حبيبة محسن، المحليات فى مصر: كيف يمكن أن تحقق
اللامركزية رفاهية أكثر للمواطنين، (سلسلة أوراق البدائل، منتدى البدائل
العربى للدراسات، 2012)، ص 3.
6. محمد رضا رجب، نظام الإدارة المحلية فى مصر: الواقع
وآفاق المستقبل، (القاهرة: شركاء التنمية، 2003)، ص 20.
7. صالح الشيخ، مداخل إصلاح النظام المحلى فى مصر فى ضوء
الاستحقاقات الدستورية والتجارب الدولية، (بدائل، العدد 12، يوليو 2012)، ص
9.
8. حازم عمر (عرض دورية بدائل، العدد 12)، مداخل إصلاح
النظام المحلى فى مصر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، على الرابط
التالى:
http://acpss.ahram.org.eg/Review.aspx?Serial=10239
9. أيمن الباجورى، التقسيم الإدارى للمحافظات وأثره على
التنمية المحلية، (رؤى مصرية، العدد 14، مارس 2016)، ص 17.
10. صالح الشيخ، المرأة والمحليات فى مصر: دراسة استكشافية
فى ضوء الوضع فى العالم، (القاهرة: مركز شركاء التنمية، د.ت)، ص 17.
11. محمد عوض العربى، الإطار الدستورى والقانونى: الواقع
ومتطلبات التطوير، (رؤى مصرية، العدد 14، مارس 2016)، ص 13.
12. محمد عبد الهادى، انعكاس الحوكمة على مشاركة المواطنين فى المحليات، (مجلة الديمقراطية، العدد 65، يناير 2017)، ص 121.