تاريخ الأخبار الإيرانية المزيفة: كيف شكلت حملات التضليل الإعلامي الجمهورية الإسلامية؟
ثار الكثير من الجدل حول التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية
لعام 2016، ولذلك تحذر وسائل الإعلام ووكالات الاستخبارات من تجدد تدخل موسكو في
الانتخابات النصفية الأمريكية المقبلة في نوفمبر /تشرين الثاني. و من هنا، تشير تقارير
عدة إلى تطلع الكرملين لتأثيره على تشكيل
السياسة المحلية الأمريكية.
ففي الأيام القليلة الماضية، كانت وسائل التواصل
الاجتماعي مثل (فيس بوك وتويتر ) من المنصات الهامة التي أعلنت حذف مئات من
الحسابات المزيفة، كانت مرتبطة بحملة تضليل إيرانية منظمة في الخارج. ووفقاً لشركة” Fire Eye”
للأمن السيبراني التي أثارت التنبيه لأول مرة، وغالباً
ما كانت المجموعات المرتبطة بالحملة ما تقدم نفسها كمنافذ إخبارية مستقلة، ولكنها
في الواقع مرتبطة بالإعلام الحكومي الإيراني؛ حيث تم تصميم محتواها بما يتماشى مع أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، من خلال
تعزيز الموضوعات المعادية للسعودية، المناهضة لإسرائيل والمؤيدة للقضية
الفلسطينية، فضلاً عن دعم سياسات أمريكية محددة مواتية للمصالح الإيرانية مثل
الاتفاق النووي.
في
السياق ذاته، يتوافق ما سبق مع التصريحات الأخيرة لمستشار الأمن القومي الأمريكي
"جون بولتون" التي دعا فيها إيران إلى تجنب التدخل في قضايا الأمن القومي.
وعلى الرغم من محدودية جهود حملات التضليل الإيرانية في الخارج، و عدم وجود دليل
قاطع على أن هذه الحسابات المشبوهة مصممة خصيصاً للتأثير على نتائج الانتخابات
النصفية الأمريكية، لكن حرب المعلومات ليست غريبة على إيران، فضلاً عن أنها مثل
كثير من الأنظمة الأخرى أدركت مؤخراً أن المعلومات عبارة عن عملة سياسية صعبة.
في الواقع، أن حملات التضليل الإعلامية داخل الجمهورية
الإسلامية قديمة قدم النظام نفسه، ففي السبعينات من القرن الماضي، كان الثوار
الإيرانيون يقاتلون من أجل الإطاحة بالملك "محمد رضا بهلوى" - المعروف
رسمياً بالشاه- المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذلك الوقت كانوا
يفتقرون للتكنولوجيا الحالية مثل الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، لكنهم عملوا
جاهدين على إيصال صوت زعيمهم "أية الله روح الله الخميني".
نُفي
"الخميني" إلى فرنسا، ثم نصب نفسه قائداً للثورة الإيرانية، وأصبح أول
زعيم أعلى للنظام الثيوقراطي في إيران بعد الإطاحة بنظام الشاه في عام 1979 ، وساعده
كثير من المتعلمون في الغرب على جذب
المواطنين الإيرانيين في الداخل و الخارج، الشرق الأوسط و العالم الإسلامي. ونجحت
هذه الاستراتيجية جزئياً في الغرب، لأن الصحفيين الغربيين غالباً ما كانوا يعتمدوا
على المعلومات التي كان يقدمها لهم رجال "الخميني" في الترويج للثورة
الإيرانية.
ففي الداخل، مهد أتباع "الخميني" المسرح
السياسي بحملة سياسية تخريبية عن طريق مزج الدعاية مع التضليل؛ حيث قاموا بتوزيع
المنشورات وشرائط الكاسيت التي تحتوى على خطاباته، و كانت الشرائط رخيصة وسهلة
الاخفاء من وكالة الاستخبارات الإيرانية (السافاك). ولذلك، حازت رسالة "الخميني"
على شعبية كبيرة حتى قبل رجوعه من المنفى في باريس؛ حيث تمت مساعدة الثوار بشكل غير مباشر من قبل الشاه نفسه، الذى فشل في
فهم طموحاتهم، و تجاهل النفوذ الكبير للإسلاميين.
من ناحية أخرى، فهم المتظاهرون أهمية الأخبار المزيفة؛
حيث بالغوا في احصاء أعداد الاصابات خلال الاحتجاجات المناهضة للنظام، والقوا باللوم
على الشاه في حوادث مثل "سينما ريكس" عام 1978 ، مما أدى لوفاة حوالى 377 شخص في مدينة
"عبادان". وذهب الثوار إلى ما يوحى بأن زلزال عام 1978 في مدينة
"تاباس" الإيرانية لم يكن بسيطا، بل كان نتيجة لقيام دول غربية بإلقاء نفايات نووية في الصحراء ،
ولكن تناقضت الوثائق و البيانات الرسمية للجمهورية الإسلامية فيما بعد مع سرد
الثوار لمثل هذه الأحداث.
وبعد سقوط الشاه، أرسي النظام هذه الألة الدعائية
الجديدة؛ حيث ساعد جهاز الإعلام الجديد الذى أصبحت تديره الدولة على محتوى الصحافة
في الداخل والخارج. وفي العقود التالية، بدأت جميع المؤسسات الرئيسية داخل النظام
في انشاء وسائل الإعلام الخاصة بها، فضلاً عن البث بلغات مختلفة بغرض الترويج
لأهداف النظام في الخارج؛ حيث كانت تقوم القنوات العربية بكسب ود المتعاطفين مع
النظام من العرب، في حين تخدم القنوات الأجنبية الأجندة الإيرانية لدى الغرب.
كما ظهرت عديد من المنظمات كمصدر للمعلومات مثل وزارة
الاستخبارات و الأمن التي حلت محل "السافاك" بعد الثورة الإسلامية،
ولعبت دوراً رئيسياً في تنفيذ وتأطير الحملات الإعلامية الخاصة بالنظام. في الإطار
ذاته، أنشأ الحرس الثوري وحدة المخابرات الخاصة به والتي تعمل من أجل السيطرة بشكل
غير مباشر على المنصات الإعلامية الأخرى مثل "وكالة أنباء فارس"،
و"وكالة أنباء تسنيم" المتشددة.
ويستخدم الحرس هذه المنصات بغرض انتقاد السياسات
المناهضة للثورة، وتقويض المعارضة الداخلية والخارجية، فعلى سبيل المثال، في الوقت
الذى يتم فيه نشر صور القادة العسكريين
الإيرانيين في العراق وسوريا، تعمل قنوات أخرى مثل "برس تى في " الناطقة
باللغة الإنجليزية على جذب المشاهدين المتعاطين مع سياسات طهران من الغرب.
وعلى الرغم من أن النظام الإيراني حظر العديد من وسائل
التواصل الاجتماعي مثل بما في ذلك (فيس بوك، توتير) بالإضافة إلى (واتس أب و
تليجرام)، فإن كبار المسئولين والمنظمات في إيران يستخدمونها لنشر ما يريدونه
بلغات مختلفة لدعم أجندة السياسة الخارجية الإيرانية في الخارج.
ومن المثير للاهتمام، أن وجهات النظر المعادية للسعودية
وإسرائيل هي تيارات متشددة داخل الجمهورية الإسلامية ومرتبطة بآراء يسارية في
الولايات المتحدة الأمريكية. مما يجعل الجهود الإيرانية لتشكيل المشهد الإعلامي
الأمريكي مختلفة إلى حد ما عما نفذته روسيا خلال الانتخابات الأمريكية في 2016، والتي استهدفت كثير من الناخبين ذوى
الميول اليمينية.
في النهاية، لايزال التأثير المرغوب لحذف الحسابات المزيفة من قبل الحكومة
الإيرانية على وسائل التواصل الاجتماعي لم يظهر بعد، وإمكانيات إيران محدودة
كثيراً عن روسيا؛ حيث أنها لا تملك الميزانية ولا التكنولوجيا التي تحظى بها
الاستخبارات الروسية. ولكن مع قرب فرض الحزمة الثانية من العقوبات بحلول نوفمبر
المقبل، التي تهدف إلى تصفير صادرات طهران من النفط، سيمثل ذلك مأزقاً كبيراً
للحكومة الإيرانية، في الوقت الذي يستعد فيه الأمريكيون للعودة الي صناديق
الاقتراع، ينبغي أن تتنبه واشنطن لحملات التضليل الإعلامي الإيرانية قبل فوات
الأوان.
Ariane M. Tabatabai, A Brief History of Iranian Fake News: How
Disinformation Campaigns Shaped the Islamic Republic, August 24, 2018, at:
https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2018-08-24/brief-history-iranian-fake-news?cid=soc-fb-rdr