تداعيات أزمة المياه والكهرباء في إيران
اندلعت
احتجاجات كبيرة في غرب إيران لاسيما في أصفهان و خوزستان، بسبب الأزمة الكبيرة في
المياه والكهرباء، و أصبح هناك قلق سياسي بسبب تفاقم الأوضاع، وسوء الإدارة.
وعليه، القت الأزمة بظلالها على وضع الزراعة في إيران، وبالفعل واجه المزارعين
مواجهات عنف كبيرة من قبل الشرطة الإيرانية؛ حيث قتل حوالي 25 فرد، فضلاً عن
اعتقال ما يقرب من 3700 شخص، مما يُشكل تحدي كبير لحكومة الرئيس "حسن روحاني"،
الذي اعيد انتخابه عام 2015(1).
وأرجعت
بعض التقارير أسباب الأزمة، للفساد، سوء الأوضاع الاقتصادية و السياسات الحكومية
الخاطئة داخل إيران، اتجاه تركيا لملء سد "إليسو"، التغير المناخي.
والجدير بالذكر، أن تركيا دخلت مع إيران وتنظيم "داعش" في منافسة على
التحكم بالمياه في المنطقة، ومن هنا أصبح للأزمة عواقب وخيمة على دول الجوار
ولاسيما، العراق.
مُحفزات الأزمة
أدت مجموعة من الأسباب المتداخلة لظهور أزمة المياه
والكهرباء على السطح في إيران، والتي تجلى أبرزها في تفاقم ملفات الفساد فيما
يتعلق بشئون المياه والبيئة، و اتجاه الحرس الثوري لتحويل مجاري عدد من الأنهار،
مما تسبب في زيادة حدة الجفاف داخل الجمهورية الإسلامية، سيما في المناطق التي تقطنها
الأقليات غير الفارسية مثل "الأحواز"(2).
فطبقاً لإحصائيات منظمة الأرصاد الجوية الإيرانية، شهد
إقليم الأحواز خلال ثلث أيام السنة عواصف
ترابية هائلة؛ حيث بلغ معدل التلوث خلال بعض هذه العواصف 66 ضعفاً أعلى من الحد
المسموح به صحياً.
في السياق ذاته، لا تعيد إيران تدوير المياه من أجل
استغلالها مرة أخرى، على الرغم من أنها من أهم العمليات التي ينبغي أن تقوم بها كل
الدول لاستخدامها في الأغراض الأخرى غير الشرب، مما أدى لنقص معدل المياه الصالحة
للاستخدام الأدمي(3).
كما
تعد إيران من أعلى الدول عالمياً في معدلات الاستهلاك المائي، لاسيما المياه
الجوفية؛ حيث تعد الجمهورية الإسلامية ضمن ثلاث دول استهلكت أكثر من 40% من مياهها
الجوفية، فضلاً عن ارتفاع معدل المواليد والتوزيع الديمغرافي غير المتساوي داخل
المدن. على صعيد آخر، تعاني إيران من ارتفاع نسب الجفاف، قبل 25 عاماً كانت بحيرة
"أرومية" من أكبر البحيرات المالحة في الشرق الأوسط، لكنها تبخرت في
غضون عقدين من الزمان، وبات شأنها شأن عديد من البحيرات الإيرانية الغنية بالنفط والفقيرة
بالمياه(4).
موقف
المزارعين ونشطاء البيئة من الأزمة
أقر عديد من المحللين بأن نصف عدد المتظاهرين منذ بداية عام
2018 ، كانوا من المزارعين؛ حيث تعاني إيران من شح مائي في مناطق مختلفة، أدى إلى
تذمر المزارعين على خلفية عدم وصول المياه إلى أراضيهم. و أشار المزارعون إلى أن
سبب الأزمة يتمثل في سوء الإدارة والفساد المتفشي داخل البلاد. و اتهموا المسئولين
المحليين بتحويل مجاري الأنهار مقابل تلقي بعض الرشاوي(5).
وقامت قوات الشرطة بقمع هذه التظاهرات بشدة، وبسبب النقص الحاد في كمية المياه الموجودة في
المناطق الزراعية، هاجر للبحث عن عمل أخر. وينادي خبراء الزراعة في إيران بضرورة
تطوير أنماط جديدة للري من أجل تقليل كمية المياه المهدرة في هذه العملية، فضلاً
عن عدم وجود خزانات لحفظ مياه الأمطار، بما يمكن من استخدامها وقت الحاجة(6).
على خلفية هذه الأزمة، شنت الدولة الإيرانية حملة ضد
نشطاء البيئة؛ حيث تم اعتقال مدير الصندوق الفارسي لتراث الحياة البرية
"كاووس سيد إمامي" وستة أخرون من المدافعين عن البيئة، بسبب تنديد
النشطاء بسياسات الجمهورية الإسلامية في هذا المجال. ويبدو أن الدولة بدأت تتنبه
لقضايا البيئة و ترى في المنظمات و الجهات العاملة فيها مصدراً للمشاكل.
مآلات
الأزمة
ألقت هذه الأزمة بظلالها على الوضع داخل إيران وستؤدى لتداعيات
خطيرة على المدى الطويل، فضلا عن نتائجها التي طالت بعض الدول المجاورة مثل العراق،
ويمكن إبراز هذه النتائج على النحو التالى:
1- زيادة
معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر
أدت ندرة المياه في المناطق الزراعية إلى موجات كبيرة
للهجرة من قبل المزارعين من الريف للمدينة؛ حيث تعد إيران حالياً من أكثر دول
العالم جفافاً، وتحولت مدن بأكملها إلى صحراء جرداء، وبالتالى، انتقال الملايين
إلى المدن الإقليمية، فضلاً عن تصاعد الاستياء بين الشباب، مما أدى لموجات كبيرة
من الاحتجاجات.
كما سيودى تغير
المناخ لجعل إيران أكثر جفافاً، وفي هذا السياق، أقر وزير الزراعة الإيراني السابق "عيسى كالانتاري" أن ندرة المياه، إذا
تُركت دون مراقبة، ستجعل إيران أكثر جفافاً، مما يؤدى لهجرة 50 مليون إيراني داخل
البلاد وخارجها. و ستؤدى ظاهرة الهجرة إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية
المتصاعدة بالفعل(7).
2- التأثير على
شرعية النظام
أدت أزمة المياه والكهرباء لتصاعد موجات كبيرة من
التظاهرات داخل الجمهورية الإسلامية، ولاسيما في المناطق التي تعاني نسبة كبيرة من
الجفاف؛ حيث تشير الأرقام الصادرة عن وكالة الطاقة الإيرانية إلى أنه تم استنفاذ
موارد المياه الجوفية بالكامل في محافظات مثل فارس، خراسان الجنوبي واصفهان، فضلاً
عن انخفاض احتياطى مياه السدود في إيران من 25% إلى 50% مقارنة بالعام السابق.
بالتزامن مع المشكلات الأخرى التي تعاني منها الجمهورية
الإسلامية المتمثلة في الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات
مرة أخرى، فضلاً عن المشكلات الداخلية التي تواجه الحكومة، تأزم الوضع الداخلي
كثيراً، مما أدى لاتهام المتظاهرون للحكومة بعدم السعي لحل أحد أبرز المشاكل التي تواجههم،
بل والعمل على أخماد الأزمة من خلال استهداف نشطاء البيئة(8).
3- صعود الأزمة
في دول مجاورة
ألقت الأزمة بظلالها على الوضع في العراق؛ الذي بات
يعانى أزمة كبيرة، على خلفية قطع طهران لشرايين الأنهار الواصلة بين البلدين، مما
تسبب بقطع المياه عن مناطق عراقية عديدة و
انخفاض منسوب المياه بدرجة كبيرة لاسيما، في إقليم كردستان. في السياق ذاته، عملت
إيران على تغيير مجرى مياه الأنهار
المغذية لنهر دجلة إلى أنهر وخزانات جديدة داخل أراضيها، ضمن خطة لقطع المياه
المتدفقة إلى الأراضي العراقية؛ حيث قطعت طهران المياه عن نهرى "الوند"
المار عبر مدينة خانقين (في محافظة ديالى شمال شرق بغداد) فضلاً عن نهر "الزاب"
المار خلال مدينة السليمانية(9).
في السياق ذاته، قامت تركيا بملء سد "إليسو" مما
انعكس مباشرة على انخفاض مناسيب الأنهار
لدى الجانب العراقي. وتتفاقم الأزمة في جنوب العراق؛ حيث بات الجفاف على مياه الشرب و الري، كما يتضاعف
الخطر في ظل غياب سياسات جادة من قبل
الحكومة لمجابهة الأزمة(10).
4- تصاعد
مشكلات الأقليات (الأحواز) نموذجاً
تركزت الاحتجاجات الناتجة عن أزمة المياه داخل الجمهورية
الإسلامية في منطقة الأحواز و أصفهان؛ حيث اتُهمت الدولة بتغيير مسارات الأنهار في
الأحواز إلى محافظات أخرى، مما أدي للإضرار بالبيئة. في الإطار ذاته، انتقد
البرلمانى "حسن كامران" وزير الطاقة "رضا أردكانيان" بعدم
تطبيق قانون توزيع المياه بشكل صحيح مما أدى لهجرة العديد من المزارعين لمنازلهم،
لأن ذلك من الممكن أن يؤدى إلى إصابة الكثير من الأحوازيين بالأمراض السرطانية
والجلدية نتيجة التلوث والعواصف الترابية.
وترى قيادات الأحواز أن ما يحدث من تحويل لمنابع الأنهار،
ليس نتاج لعدم الكفاءة، وانما هي سياسة متعمدة من جانب الحكومة للتطهير العرقي على
المدى الطويل، يهدف لتغيير التوازن الديمغرافي في المنطقة. وأدت البرامج الحكومية
في محافظة الأحواز إلى زيادة مستوى الملوحة في الأنهار بنسبة 25% مما جعل المياه سامة للكائنات
البحرية و غير صالحة للشرب في نفس الوقت، فضلاً عن كونها عديمة الفائدة لري
المحاصيل(11).
ختاماً: باتت أزمة المياه والكهرباء من أكثر القضايا الدالة على فشل الحكومة الإيرانية في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين. وسيكون للبرامج الممنهجة من قبل الدولة بتحويل مجارى الأنهار من الأحواز، تداعيات سلبية فى المدى الطويل على مستقبل العلاقة فيما بين الجمهورية الإسلامية والأقليات، بالتزامن مع المشكلات الاقتصادية الناتجة عن الخروج الأمريكي من الاتفاق النووي و إعادة فرض العقوبات.
الهوامش:
1) أزمة المياه في إيران ...37 مليون مواطن مهددون بالهجرة
بسبب الجفاف، التحرير، 9/7/2018 ، متاح على http://cutt.us/uMIrp .
2) محمد المذحجى، مسؤول إيرانى يحذر الكارثة البيئية في
الأحواز تهدد الأمن القومى، القدس العربي، 15/2/2018، متاح على الرابط
التالي http://www.alquds.co.uk/?p=674868 .
3) إيران على حافة الفقر المائي : جفاف زاحف قد يحول البلاد
إلى صحراء، العرب اللندنية، 17/5/2017، متاح على http://cutt.us/bbQyC .
4) المياه
تغلى تحت كرسي خامنئي ..أزمة جديدة تهدد نظام إيران، سكاي نيوز عربية،
29/3/2018 ، متاح على http://cutt.us/a0ECg .
5) إيران لا تواجه شحاً في المياه ولكنها تعاني سوء الإدارة
في مجال المياه، وكالة أنباء مهر، 14/5/2018 ، متاح على http://cutt.us/mNGWi .
6)
نهال
محمد، أزمة المياه تفجر احتجاجات جديدة في إيران، الوطن، 8/3/2018 ، متاح
على http://alwatannews.net/article
7)
عمر
الجنابي، إيران تقطع شرايين نهر دجلة وتضاعف ازمات العراقيين، 8/7/2018 ، الخليج
أونلاين، متاح على http://cutt.us/5kHH6 .
8)
ناجي حرج، أزمة المياه في
العراق: تعسف تركي و إيراني وتقصير حكومى، العرب اللندنية، 9/6/2018، متاح
على http://cutt.us/hQpIx
9)
Ali
hajizade, water crisis in Iran: causes, consequences, and perspectives, Al
Arabia English, available at :
10) somini
sengupta, warming, water crisis, then unrest : how Iran fits an alarming
pattern, 18/6/2018, The new york times, available at:
https://www.nytimes.com/2018/01/18/climate/water-iran.html
11) Rahim hamid, The ongoing water crisis in Iran’s Ahwaz
region looms toward disaster, 27/8/2018, intercontinentalcry, available
at :
https://intercontinentalcry.org/water-crisis-iran-ahwaz-disaster