سباق تسلح البيانات ليس مبررًا للتخلي عن الخصوصية
أضحت
تكنولوجيا المعلومات والتقدم في وسائل الاتصال من أهم ميادين المنافسة المتطورة
التي يشهدها حقل العلاقات الدولية؛ حيث تتصادم القوى الكبرى فيما بينها لخوض سباق
الهيمنة في كافة المجالات وعلى رأسها التقدم التكنولوجي وخاصة فيما يتعلق بالذكاء
الاصطناعي.
وفي هذا الصدد؛
فقد امتد التنافس بين الولايات المتحدة الأميركية والصين إلى هذا الجانب ليتطرق
إلى من لديه الميزة التنافسية للهيمنة على الآخر ، فغالباً ما يبرر ذلك تفرد الصين
بامتلاكها قاعدة بيانات ضخمة تمكنها من إنتاج تطبيقات ترتكز على الذكاء الاصطناعي
بشكل كبير، كما إنهم لا يهتمون كثيرًا بالخصوصية. وهذا يعني أن المنافسون الأمريكيون
محدودون نسبياً في وصولهم إلى البيانات؛ حيث تُعيقهم قوانين الخصوصية للوصول إلى البيانات، لدرجة أنهم
يشعرون بالإحباط بينما ينطلق مطوري التكنولوجيا الصينيون بحرية.
وقد استخدمت
بعض الشركات الأميركية شبح سباق الذكاء الاصطناعي للتخلص من حماية المستخدم التي
تراها تحديًا لاستمرار تقدمها. على سبيل المثال، صوّر مارك زوكربيرج، الرئيس
التنفيذي لشركة Facebook، مقايضة بين الحاجة إلى
"موافقة خاصة على مميزات حساسة مثل التعرف على الوجوه"، خوفًا التقدم
الصيني المتزايد في هذا المجال.
كما تقدم
المستثمرون بالفكرة مثل استخدام الذكاء الاصطناعي في التعامل مع البيانات لتحقيق
الرفاهية للدول فالصين من أكثر الدول التي تمتلك قاعدة بيانات ضخمة يمكن أن تستخدمها
لتحقيق هذا الغرض، وقد أعرب عالم الحاسبات "كاي فو لي" أن
"المستخدمين الصينيين على استعداد لتبادل بيانات الخصوصية الشخصية للراحة أو
السلامة"، وفي مؤتمر استثماري آسيوي عقد مؤخراً في "هونغ كونغ"
أعلن مسؤول تنفيذي في "كريدي سويس" أن ما سيجعل الصين أهم الدول في
التطور التكنولوجي الخاص بالذكاء الاصطناعي هو أن قاعدة البيانات التي تمتلكها غير
مدعمة بآليات لحماية الخصوصية.
وعليه فقد
استوعبت المؤسسات الأميركية مدى التقدم التي تقوده الصين، وبدأ مركز أبحاث
للدراسات الاستراتيجية والدولية بإقرار أهمية الخصوصية وحماية المستهلك ولكنه دعا إلى
"استراتيجية لمكافحة الحمائية وتوطين البيانات وسياسات الخصوصية التي تضر
شركات التكنولوجيا العالمية الأميركية، وفقًا للاستراتيجية المقترحة بالرغم من أن المستخدمون
أكبر الخاسرين المحتملين في هذا السباق، مع الحفاظ على حقوقهم في الخصوصية وحماية
البيانات الشخصية كتحدي للابتكار، إلا إنه يعد الحل الضمني لهذا التحدي هو في أفضل
الأحوال للحد من حماية المستخدم من أجل التنافسية الوطنية، وفي أسوأ الأحوال سباق
إلى أسفل في إطلاق بيانات المستخدم للاستغلال.
تعد هذه
الاستراتيجية ليست مجرد مبادئ مجردة ولكنها تستند إلى الفهم الخاطئ للتكنولوجيا.
ويمكن أن تكون ممارسات حماية الخصوصية، بعيدة كل البعد عن العوائق، ومصدرًا للميزة
الدولية بالنسبة إلى المنافسين الأمريكيين - أو لأي شخص آخر - لأن الناس في جميع
أنحاء العالم يطالبون بحماية أفضل.
لكن مجموعات
البيانات الكبيرة ليست علاجًا لجميع مطوري الذكاء الاصطناعي؛ حيث تشير الأبحاث إلى
أن بعض التطبيقات تشهد انخفاضًا سريعًا في عوائد الكفاءة، وتصبح مجموعات البيانات مجرد
بيانات غير موصوفة بشكل وذات فائدة محدودة. ولن تؤدي البيانات وحدها، دون ابتكارات
نظرية وأجهزة متقدمة، إلى تحقيق اختراقات أو تقدم في مجال التنافس والسباق
التكنولوجي بين القوى الكبرى في النظام العالمي.
وفي المقابل؛ تحدث
مستخدمو الإنترنت الصينيون مرارًا وتكرارًا عن انتهاكات الخصوصية أو الأخطاء التي
ترتكبها الشركات الصينية في حقهم. لذا تقوض الخلافات العامة والرفض لانتهاك
الخصوصية من قبل بعض المستخدمين المفهوم الخاطئ الشائع، الذي قدمه المراقبون
الصينيون والأجانب على حد سواء ، بأن الشعب الصيني يميل إلى حد ما ثقافيًا إلى خفض
قيمة الخصوصية.
يجب أن يكون واضحًا أيضًا أن العديد من الصينيين
حساسين لديناميكيات السلطة بين الشركات والمستخدمين والحكومة. فعندما اقترح "لي
شوفو" رئيس شركة السيارات جيلي، أن رئيس Tencent كان يقرأ رسائل WeChat للمستخدمين، وعليه فقد أصدر Tencent نفيًا سريعًا، لكن هذا لم يرضي المعلقين
المتشككين عبر الإنترنت.
كما طبقت
السلطات الصينية لوائح جديدة في الأشهر الأخيرة تحد من استخدام بيانات الشركات.
على سبيل المثال يحدد قانون "الأمن السيبراني" في الصين متطلبات
الموافقة والمعالجة الخاصة بالمعلومات الشخصية، وقد طور منظمو الفضاء الإلكتروني
معيارًا استخدمه المسؤولون بالفعل للتعبير علانية عن الشركات التي لا تتبع
أحكامها. عندما تم استدعاء شركة Ant Financial
التابعة لشركة Alibaba وتغريمها في كانون الثاني
(يناير) للتحقق مسبقًا من صندوق يختار المستخدمين في خدمة تسجيل Sesame Credit التابعة للشركة، ذكرت السلطات هذا المعيار.
حماية
الخصوصية الصينية بعيدة كل البعد عن أن تكون كافية. لذا تركز الموجة الحالية من
الخطاب العام والنشاط التنظيمي على حماية البيانات الشخصية على الشركات، وتمنع
بشكل قاطع من تحدي قدرة الحكومة على الوصول إلى بيانات الأشخاص إذا تم الاحتجاج
بالأمن القومي أو العام؛ حيث إن إساءة
استخدام الحكومة الصينية لسلطات المراقبة موثقة توثيقًا جيدًا، وبدأت هذه القوى في
دمج تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، مما ساعد، على سبيل المثال، على تشجيع الشركات
الناجحة في التعرف على الوجه. لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين بشأن المدى
الذي يمكن أن تندمج فيه خدمات المستهلك الآن أو في المستقبل مع أنظمة المراقبة
الحكومية ، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأن إجراءات حماية الخصوصية التي تركز
على الشركة يمكن أن تحد من تدخلات الحكومة.
ومع ذلك، لا
يمكننا تجاهل أن المستخدمين الصينيين قد أعربوا عن مخاوف متزايدة بشأن استغلال
بيانات الشركات وأن الشركات العاملة في الصين تخضع لقيود على جمع واستخدام
البيانات الشخصية لأغراض تجارية. الصين ليست وحدها.
وفي هذا
السياق؛ أصبحت الشعوب تطالب في جميع أنحاء العالم بمسؤولية أكبر من الشركات التي
تستفيد من بياناتهم. وبناءًا على ذلك قامت أكثر من 100 دولة بسن تشريع شامل لحماية
البيانات، وقد وضع نظام حماية البيانات العامة للاتحاد الأوروبي، الذي أصبح ساريًا
منذ مايو/ أيار، مثالًا بارزًا.
في هذه
الأثناء، ما زالت الولايات المتحدة تتخلف عن الركب، نتيجة إجراءات حماية الخصوصية التي
أصبحت عبارة عن خليط مملوء بالفجوات. وذلك لأن الشركات الأميركية هي من تحدد
القواعد الخاصة بكيفية التعامل مع محليًا، عندما تعمل على مستوى العالم فإنها تقوم
بمعالجة البيانات الشخصية للأشخاص خارج الولايات المتحدة، وتخضعها بشكل متزايد
لأطر حماية البيانات في الولايات القضائية الأخرى.
وفي الوقت
نفسه، يعمل المطوّرون، بما في ذلك في الولايات المتحدة والصين، على اتباع بعد
المناهج في التعاطي مع التقدم التكنولوجي للجمع بين التطور والأمان بانتهاج مبدأ "الخصوصية
التفاضلية" و"التعلم المتحد" لتوفير تطبيقات تعتمد على البيانات مع
حماية الخصوصية والأمان. وبعيدًا عن مقارنة مجموعات البيانات، وقد يكون المطورون
والمسؤولون في المستقبل الأكثر قدرة على المنافسة في تقنيات الذكاء الاصطناعي لانهم
يقدمون منتجات تحويلية مع حماية حقوق المستخدمين في الخصوصية وحماية البيانات.
لذا يجب على
المنظمين والشركات الأمريكية تبني هذا التحدي مع تزايد الوعي العالمي بمخاطر
خصوصية البيانات، فإن الشركات والبلدان التي تحمي المستخدمين بشكل موثوق من
الاستغلال ستتمتع بميزة في سباق التنافس في مجال الذكاء الاصطناعي.
Graham Webster, The Data
Arms Race Is No Excuse for Abandoning Privacy", Scarlet KIM, Foreign Polic,
, August 14, 2018.