دلائل مشبوهة: العلاقة بين إيران وتنظيم القاعدة الإرهابي
منذ أن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، برز
إلى الوجود وعلى الساحة الدولية تنظيم القاعدة الإرهابي، الذي تضافرت الجهود
الدولية لمواجهته من قِبل الدول الكبرى والعديد من دول الشرق الأوسط وغيرها.
وفي سبيل ذلك، حاولت القوى الدولية تجفيف
منابع تمويل هذا التنظيم، وإلى جانب ذلك تسعى إلى التصدي للدول التي تحاول تقديم
الدعم المادي له. وفي هذا الصدد، تشير تقارير إلى أن الجمهورية الإيرانية قامت،
ولا تزال، بتقديم الدعم المادي إلى التنظيم وإيواء بعض عناصره داخل أراضيها.
وخلال الفترة الأخيرة، أثارت العديد من
التقارير قضية الدعم الإيراني لتنظيم القاعدة، وعلى الخصوص بعدما نُشرت تقارير من
الإدارة الأمريكية تتعلق بزعيم تنظيم القاعدة السابق، أـسامة بن لادن، بعد مقتله
في ابوت آباد بباكستان في شهر مايو 2011. ففي العام التالي تم الإعلان عن تفاصيل
استخباراتية حُصل عليها خلال الهجوم على مقر زعيم تنظيم القاعدة.
أوضحت
المعلومات التي تم الحصول عليها أن القاعدة وإيران كان ينسقان للعمل ضد الولايات
المتحدة الأمريكية، وخلال ذلك عرضت طهران على التنظيم تقديم السلاح والمال
والتدريب في مراكز ومعسكرات تابعة لحزب الله اللبناني، خاصة في منطقة البقاع، وذلك
إزاء استهداف مصالح تابعة للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وفي هذا الصدد، كان عنصر من تنظيم القاعدة قد
اعترف في وقت سابق أمام القضاء الأمريكي أن كان يتولى تنظيم لقاءات ما بين عماد
مغنية، قائد عسكري سابق في تنظيم القاعدة، وأسامة بن لادن في دولة السودان، قائلاً
إن حزب الله كان يساعد تنظيم القاعدة على التسلح. وكذلك أوضحت المعلومات التي أزيل
عنها الغطاء أن الاستخبارات الإيرانية كانت تساعد أفراداً من تنظيم القاعدة على
التنقل بين الدول بإعطائهم جوازات السفر ولوازمه.(1)
وخلال العام 2008، قالت إحدى الصحف الأمريكية،
التي أجرت مقابلات مع مسؤولين أمريكيين سابقين، إن هناك بعض القيادات في تنظيم
القاعدة باتت تأويها إيران وتُحسَبُ عليها، ومن أمثال ذلك "أبو الخير
المصري"، الذي كان رئيساً لمجلس إدارة القاعدة والمسؤول عن العلاقات الخارجية
له. كما أشارت الصحيفة إلى شخص آخر وهو "أبو حفص الموريتاني"، الذي عمل
مستشاراً للشؤون الدينية للتنظيم والذي كان يعيش لبعض الوقت في إيران.
كما أن "سيف العدل"، عضو مجلس
إدارة القاعدة، الذي عُيّن خبيراً للدعاية في تنظيم القاعدة والذي كان يشارك في
التخطيط للدعاية في تنظيم القاعدة تقول تقارير إعلامية إنه يقيم الآن في إيران.
ضابط
إيراني منشق يكشف حقيقة العلاقة بين إيران والقاعدة
ومن ناحية أخرى، كشف الضابط الإيراني السابق
المنشق عن الحرس الثوري الإيراني حميد رضا زكرى(2)، والذي
كان يشغل الحراسة الشخصية للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، أنه كان يدير شخصياً
لقاءات ما بين عناصر من القاعدة وإيران، كما أضاف أن هناك علاقة ما بين التنظيم
وإيران وبين قائد التنظيم الحالي "أيمن الظواهري" وطهران(3)، مشيراً
إلى أن هناك اجتماعات كانت بين الطرفين قبل فترة قليلة من وقوع أحداث 11 سبتمبر
2001.
يقول
زكرى إن علي أكبر ناطق نوري، الذي كان يتولى مسؤولية الجهاز الأمني الإيراني
التابع لخامنئي نفسه، أرسل رسالة إلى أحد أفراد هذا الجهاز يأمره فيها بالتعاون مع
القاعدة وأن أول لقاء ما بين زعيم القاعدة الحالي، أيمن الظواهري، والمسؤولين
الإيرانيين كانت في شهر يناير 2001، أي قبل وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأشهر
قليلة.
الإدارة الأمريكية السابقة تكشف علاقة إيران
بتنظيم القاعدة
قامت الإدارة الأمريكية السابقة، إدارة أوباما، عام
2011، بالإعلان عن معلومات خطيرة حول نشاط مجموعة صغيرة مالية يتواجد زعيمها في
إيران تعمل على تقديم الدعم المالي والمادي إلى التنظيم وأن هذه المجموعة يعمل بعض
عناصرها في عدد من الدول العربية لتقديم هذا الدعم إلى عناصر التنظيم في أفغانستان
وباكستان. الجدير بالذكر أن هذه كانت المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها بهذا
الشكل من قِبل الإدارة الأمريكية عن العلاقة ما بين إيران وتنظيم القاعدة.
إدماج
عناصر فلول داعش في تنظيم القاعدة
أفادت بعض التقارير
مؤخراً أن إيران تحاول مؤخراً إدماج فلول تنظيم داعش الإرهابي في القاعدة، وذلك
بعد هزيمتهم في سوريا، وذلك من خلال العلاقة ما بين طهران والتنظيم. ويساعدها في
ذلك إقامة العديد من قادة تنظيم القاعدة في العاصمة طهران حتى العام 2015. وأشار
تقرير نشرته صحيفة "صنداي تايمز" في شهر يناير الماضي إلى أن تنظيم
القاعدة يحاول اجتذاب آلاف العناصر الجديدة عن طريق إيران في ظل التطورات الأخيرة
في منطقة الشرق الأوسط وهزيمة التنظيمات الإرهابية. (4)
حيث أوردت تقارير صحفية أن طهران تتعاون مع
عسكريين من القاعدة في سوريا بغية اجتذاب فلول عناصر تنظيم داعش الفارين وإدماجهم
في تنظيم القاعدة؛ من أجل إنشاء ميليشيا مشابهة لجماعات حزب الله اللبناني أو حتى
فيلق القدس الإيراني حتت تتمكن إيران من السيطرة على جميع الميليشيات في المنطقة
وتحركها باتجاه مصالحها كما تريد. وقام قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، بإرسال
عدد من قادة القاعدة المقيمين في إيران مؤخراً إلى سوريا، لحث عناصر من تنظيم
"داعش" على الانشقاق والانضمام إلى القاعدة أو ضم العناصر الأخرى من
التنظيم، بعد هزيمته، إلى القاعدة.
لماذا
تحاول إيران الارتباط بتنظيم القاعدة
عند
النظر إلى السياسة والاستراتيجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، سنجد أن إيران
لا تحاول الزج بقواتها "الإيرانية" في الصراعات المختلفة لتحقيق أهدافها
الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، أو حتى في مناطقَ أخرى، بل إنها تحاول دائماً
اللعب بورقة ما يُطلق عليه "الحرب بالوكالة".
فعلى الرغم من أن حرب الخليج الأولي، أي
الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، كانت مأساة بالنسبة لإيران و "كأس
سم" تجرعته إيران، إلا أنها تحاول منذ ذلك الوقت ألا تجازف بقواتها المسلحة
في أية عمليات خارجية مباشرة، بل تعمل على تجنيد الميليشيات المسلحة لتحقيق
أهدافها الاستراتيجية على الرغم من الاختلاف السياسي أو المذهبي مع بعض هذه
الجماعات.
فكما كانت إيران تستخدم بعض الميليشيات العراقية المسلحة، التي كان بعضها غير شيعي، للمواجهة القوات العسكرية الأمريكية في العراق بعد الغزو؛ لإغراق الولايات المتحدة في العراق وإفشالها حتى لا تفكر في مهاجمة إيران، فإن الأخيرة تستخدم هذه الجماعات، القاعدة وطالبان أوغيرهما، من أجل تحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة ولمناورة القوى الدولية الغربية في المنطقة؛ حتى تستطيع طهران المناورة والتفاوض كما تريد معها.
المصادر
والمراجع
1- محمد قوام، "ایران چگونه از خطر بن لادن
مصون ماند؟"، بي بي سي فارسي، 2 مايو 2011.
2- إبراهيم العبيدي، "تقرير للأمم المتحدة.. زعماء تنظيم القاعدة يوجدون
الآن في إيران ونفوذهم يزداد"، بغداد
بوست، 15 أغسطس 2018.
3- "آیا سرکرده القاعده با ایران مرتبط است؟"، مشرق نيوز، 28 أبريل 2014.
4- صالح حميد، "أدلة تدعم تقريراً أممياً عن
تزايد دعم إيران للقاعدة"، العربية نت، 16 أغسطس 2018.