ورقة حمزة بن لادن: القاعدة وبريق 11 سبتمبر
مثل الإعلان
عن وفاة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي في 2 مايو 2011، ضربة قوية
للتنظيم، رغم تولي المصري أيمن الظواهري القيادة، فقد شهد التنظيم حالة من الأفول والتقهقر، إلا أن حمزة ابن أسامة بن لادن بدأ
يظهر بشكل إعلامي مكثف في خطابات ودعايات التنظيم، من أجل لم شمل الأعضاء
والقيادات التي بدأت تنشق وتخرج عن الجماعة وتنضم إلى تنظيمات أخرى أكثر شراسة،
أهمها داعش الإرهابي الذي أعلن عن خلافته المزعومة في يونيو 2014 متخذا من العراق
وسوريا قاعدة لدولته الجديدة، وبالفعل جذب الكثير
من القيادات والمقاتلين القاعديين وغيرهم من التنظيمات الإرهابية.
استفاد تنظيم القاعدة كثيرا من هجمات 11
سبتمبر 2001، فقد أكسبته قدرا كبيرا من الجاذبية لدى المتطرفين الذين يريدون
استهداف "العدو البعيد" عدو المسلمين في وجهة نظهرهم وهي الولايات
المتحدة والدول المتحالفة معها، وعلى إثر هذه الهجمات انضم الكثيرون إلى القاعدة،
معتبرين أنه بدأ مرحلة استهداف عدوهم في عقر داره، فاستهداف مبنى وزارة الدفاع
"بنتاجون" يمثل ضربة لرمز القوة والهيمنة الأمريكية، التي يريد التنظيم
تحديها وإظهار نفسه أنه قادر على ذلك، بما
يجذب المزيد من المقاتلين .
مع دخول الولايات المتحدة وحلفائها
أفغانستان عام 2001 تعرض التنظيم لضربات شديدة بخلاف التضييق عليه في الدول
الأخرى، مما أصابه بحالة من الشلل، إلى أن قتل زعيمه أسامه بن لادن، في حادثة
اعتبرها كثيرون نهاية التنظيم، إلا أن أيمن الظواهري تولى الأمور بشكل إداري أكثر
منه قيادي أو ملهم، وكان البديل في ابنه حمزة بن لادن الذي يعول عليه الآن
لاستعادة بريق التنظيم الذي سلبه منه داعش وأظهر ضعفه، عبر وضع استراتيجيات هجومية
قادرة على إلحاق أكبر قدر من الخسائر
للأنظمة المعادية.
ومع خسائر داعش الأخيرة سواء في سوريا أو
العراق ومصر وباقي الدول التي تواجد فيها، بدأ القاعدة ينشط مجددا محاولا استعادة
مجده عبر حمزة بن لادن، وكشف عن هذا الأمر صحيفة "واشنطن بوست"، في
يونيو 2017، مؤكدة أن بدايات تنصيب حمزة قائدا للقاعدة بدأت عام 2015، وتم نشر
تسجيلات صوتية له محاولا اجتذاب الشباب المتطرف، داعيا إياهم إلى محاربة غير
المؤمنين، محاولا استغلال الربيع العربي كنقطة انطلاق جديدة للتنظيم، كهجمات 11
سبتمبر التي منحت التنظيم بريقا ودعما كبيرا بسبب طبيعة الهجمات والأهداف التي
طالت أقوى دولة في العالم وأكبر عدو للتنظيم.
"وفي معرض
تقديمه لحمزة بن لادن وصف أيمن الظواهري الشاب الصاعد عام 2015 بأنه "أسد من عرين"
التنظيم، وضمن انطلاقته الحماسية خرج حمزة مثل والده بخطابات تحريضية محاولا بث
روح التطرف والحماسة في نفوس الضعاف المؤيدين للتنظيمات المتطرفة، واستغل
الإضرابات التي عصفت بالمنطقة العربية منذ عام 2011، مؤكدا أن القاعدة مستمرة في استهداف
خصومها في داخل عقر دارهم وخارجها، قائلا "القتال
في سوريا يجب أن يستمر، فالقتال فيها هو خير ميادين القتال"، متعهدا بالثأر
لمقتل لوالده على يد القوات الأمريكية في أبوت آبات بباكستان.
ولد حمزة، عام 1991 بمدينة جدة السعودية،
وانتقل إلى إيران بعد هجمات سبتمبر، بعدما تولى النظام الإيراني نقل وحماية قيادات
القاعدة على أراضيه، وللمفارقة لم يكن حمزة برفقة والده حينما قتلته القوات الأمريكية
وشقيقه خالد عام 2011، ولكثر ة الاصدارات الصوتية التي تنشرها مؤسسة السحاب
التابعة للقاعدة على لسان حمزة أكد الكثير
من المراقبون أن الابن الشاب أصبح القائد الفعلي للتنظيم وأن أيمن الظواهري أصبح
مجرد رمز فقط وآرائه استشارية، ومن يحدد استراتيجية ومسار التنظيم وأعدائه
وتحالفاته هو حمزة.
وفي أهم تسجيلاته، ركز حمزة كوالده على
مفهوم "العدو البعيد" وليس القريب كداعش، حيث دعا مقاتلي التنظيم لنقل المعركة
إلى الدول الأوروبية ودولة الاحتلال الإسرائيلي سواء عبر آلية الذئاب المنفردة أو التفجيرات الإرهابية
ولم ينجح القاعدة في تنفيذ عملية قوية داخل الدول الغربية، منذ تفجيرات لندن عام
2006، إلا عملية "شارل إيبدو"، التي وقعت في مدينة بوردو الفرنسية، فقد
اقتحم اثنين تابعين للقاعدة مقر صحيفة "شارلي إبدو" الساخرة، في يناير
2015، وقتل خلال الهجوم 12 شخصا وأصيب 11 آخرين، وذلك بسبب نشر الصحيفة رسوم مسيئة
للنبي.
ومع
استمرار فشل التنظيم بعد أحداث 11 سبتمبر ، ومقتل الكثير من قياداته حول العالم،
لجأ أسامة بن لادن إلى التركيز على المجتمعات المحلية في الدول العربية ومحاولة
خلق قواعد جديدة لها داخل هذه الدول، وجاءت ثورات الربيع العربي لتمنح القاعدة
قبلة حياة جديدة حاول استغلالها في إحياء نفسه مجددا، وكشف عن هذا الأمر المذكرات التي
أفرجت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية عام 2017، وقد وجدتها في مقر بن لادن
حينما قتلته، وأكدت المذكرات أن بن لادن كان مهتما بثورات الربيع العربي، ووضع
استراتيجية للتنظيم لاستغلال الانتفاضات واعتبر
أن هذه الفوضى وانعدام القيادة السياسية في الثورات أفضل بيئة لنشر أفكار القاعدة.
وبالفعل بدأت فروع القاعدة بالدول
العربية في النشاط بقوة، مثل تنظيم "جبهة النصرة" بقيادة محمد الجولاني
في سوريا، الذي بايع أيمن الظواهري زعيم القاعدة، ونجح في السيطرة على مناطق واسعة
في سوريا بخلاف سيطرة فرع القاعدة في العراق على مناطق حيوية، إلا أن أبو بكر
البغدادي انشق عن التنظيم وشكل تنظيم الدولة "داعش"، ونجح في سحب البساط
من تحت قدمي القاعدة.
وكذلك فشلت القاعدة بشكل أكبر في ليبيا، واليمن ولم تنجح في خلق وجود لها داخل مصر في سيناء. ومع فشل القاعدة في استغلال ما جرى بالمنطقة، كما فشل داعش، تحاول الآن العودة لسرديات "العدو البعيد"، واستهداف الدول الغربية المسؤولة عن استهداف الإسلام والمسلمين وفق زعمهم، واستدعاء مفاهيم "نصرة الأقصى" والتصدي للاحتلال للإسرائيلي وأعوانه، من أجل لملمة ما تبقى منه، ومحاولا أيضا استغلال هزيمة داعش في معظم معاقله، واستعادة عناصره الذين بايعوا البغدادي، وبالتالي سيركز التنظيم في المرحلة المقبلة على الولايات المتحدة وحلفائها من أجل خلق "11 سبتمبر" جديدة، يستعيد بها بريقه.